إيران: المونديال وظلال الاحتجاجات
قال أسطورة كرة القدم الإيرانية علي كريمي، إنه تلقى تهديدات بالقتل بعد أن أيد الاحتجاجات علنًا. وقد وصفته جهات حكومية بأنه أحد القادة الرئيسيين للمظاهرات، وأصدرت مذكرة توقيف بحقه.
أصبحت كرة القدم بؤرة ساخنة بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة مع تسليط كأس العالم الضوء على الاضطرابات داخل إيران. وأصبحت آراء المشجعين الذين يتابعون الفريق الإيراني في قطر متضاربة بشكل متزايد بشأن دعمهم لفريقهم الوطني. إذ تتنافس إيران في كأس العالم وسط حملة قمع عنيفة ضد حركة احتجاجية كبيرة أسفرت عن مقتل أكثر عن 400 شخص حتى الآن، وفقًا لنشطاء حقوق الإنسان في البلاد.
خسرت إيران بستة أهداف مقابل هدفين في مباراتها الأولى أمام فريق إنكلترا المتفوق، لكن النتيجة لم تكن الأكثر أهمية، إذ تركزت أنظار العالم على ما قام به الفريق الإيراني قبيل المباراة، فعادة ما يردد اللاعبون الإيرانيون النشيد الوطني وهم يضعون أيديهم اليمين على قلوبهم قبل المباراة، لكنهم في مباراتهم الافتتاحية مع فريق إنكلترا، وقفوا صامتين، وأذرعهم ملفوفة حول أكتاف بعضهم البعض، ما دفع التلفزيون الحكومي الإيراني إلى قطع صورة مقربة لوجوه اللاعبين وبث لقطة واسعة للملعب. وصرحت شبكة «CNN» إنه تم استدعاء اللاعبين للقاء مع ضباط من الحرس الثوري الإيراني بعد المباراة مع إنكلترا، وقال المصدر إنه قيل لهم إن عائلاتهم ستواجه «العنف والتعذيب» إذا لم يرددوا النشيد الوطني في المباراة المقبلة، أو إذا انضموا إلى مظاهر احتجاج سياسي ضد النظام. لذلك ردد اللاعبون النشيد الوطني قبل مباراتهم الثانية ضد ويلز والتي شهدت فوز إيران بهدفين مقابل لا شيء.
في الدقيقة 22 من المباراة ضد إنكلترا – في إشارة إلى عمر مهسا أميني عندما ماتت – هتف بعض المشجعين باسمها، لكن هذه العبارة سرعان ما تلاشت واستبدلت بكلمة «إيران» كما هتفت مشجعات أخريات يرتدين الشادور المحافظ والحجاب بلون العلم الإيراني لمنتخبهم الوطني. ورفض الكثير من المشجعين الإيرانيين الحديث عن الوضع السياسي الداخلي، قائلين إنه لا علاقة لهم به. وقد ارتدى العديد من المعجبين الإيرانيين في الدوحة قمصان تي شيرت ولوحوا بلافتات عليها شعار الحركة الاحتجاجية «المرأة، الحياة، الحرية». وارتدت أخريات قمصانا تحمل أسماء متظاهرات قتلن على أيدي قوات الأمن الإيرانية في الأسابيع الأخيرة.
يبقى سؤال مهم هو؛ هل أدى الخلاف حول دعم المنتخب الوطني الإيراني إلى انقسام الإيرانيين؟ والإجابة بالتأكيد نعم، إذ نظر الكثيرون إلى إن دعم المنتخب الإيراني خيانة للشباب الذين خاطروا بحياتهم في الشوارع. بينما أصر آخرون على أن المنتخب الوطني، الذي يضم لاعبين تحدثوا على مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً مع الاحتجاجات، يمثل الشعب وليس رجال الدين الحاكمين. مثال ذلك مهاجم الفريق، سردار آزمون، الذي كان صريحًا بشأن الاحتجاجات في تصريحاته عبر الإنترنت. لذا بقي جالسا على مقاعد الاحتياط خلال المباراة الأولى، ما أثار استياء المشجعين الذين قالوا إنهم كانوا يتطلعون إليه لتقديم لفتة احتجاج على أرض الملعب. كما تم اعتقال اثنين من نجوم كرة القدم السابقين لدعمهما الحركة الاحتجاجية.
وحسب التسريبات الإعلامية فإن المنتخب الإيراني تعرض لضغوط متضاربة، إذ كان مؤيدو الاحتجاجات يضغطون للحصول على المزيد من الدعم وبشكل قاطع للحركة الاحتجاجية من اللاعبين، بينما كانت هناك تحذيرات في الداخل أطلقها سياسيون محافظون مفادها أن اللاعبين قد يواجهون عقوبات شديدة عند عودتهم إلى إيران إذا بدرت منهم أية إشارة دعم للاحتجاجات. كما أن قوات الأمن الإيرانية تحركت بسرعة للاستفادة من المزاج الوطني المرتفع بعد الفوز على ويلز، حيث نشرت وكالات الأنباء الحكومية صورًا لمنتسبي قوات الأمن وهم يبتسمون ويلوحون بالأعلام الإيرانية. كما شكر رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الفريق الإيراني على ما وصفه بـ «إظهار حلاوة النصر للشعب». وأشاد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بالفريق لما وصفه بـ«النصر المجيد وإسعاد الشعب». لكن في الوقت نفسه كان النشطاء يكافحون لمنع الإعدام الوشيك للمتظاهر مجيد رضا رهنورد، من مدينة مشهد شمال شرق إيران، المتهم بقتل عنصرين من قوات الأمن، الذي يقول أنصاره إنه لم يحظ بمحاكمة عادلة ومن الواضح أنه تعرض للضرب في السجن لانتزاع الاعترافات منه.
شكك محمد تقوي، اللاعب الدولي الإيراني السابق ومحلل كرة القدم الحالي في تلفزيون إيران الدولي، في تحديد أولويات النظام الإيراني في مباريات كأس العالم إذ صرح قائلا: «بالنسبة للحكومة الإيرانية، إذا فاز الفريق الإيراني على الولايات المتحدة، فإن كأس العالم قد انتهى، وسيكونون هم الأبطال». وأضاف «أهم شيء الآن هو التغلب على الولايات المتحدة. إذا خسروا أمام إنكلترا وويلز، فلا مشكلة على الإطلاق. أما إذا خسروا أمام الولايات المتحدة، فأنها مشكلة كبيرة وكبيرة جدا. كل شيء في إيران يعتمد على النتيجة مقابل الولايات المتحدة». كما قال تقوي لصحيفة «سبورتس غازيت» قبل المباراة مع الولايات المتحدة؛ «لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الخصمان، حيث فازت إيران على الولايات المتحدة بهدفين مقابل هدف واحد في مونديال فرنسا عام 1998 في أكثر مباراة مشحونة سياسياً في تاريخ كأس العالم».
في مباراة إيران ضد الولايات المتحدة، كانت الأجواء متوترة سياسيا بشكل كبير وقد انعكس ذلك على أجواء المباراة، وفي وقت مبكر من الشوط الثاني، أوقفت الشرطة القطرية مجموعة من المشجعين لفترة وجيزة لأنهم حاولوا رفع لافتات كتب عليها اسم مهسا أميني وسط تصفيق من المشجعين الإيرانيين من حولهم. لكن أفراد الأمن أخذوا لافتاتهم وسمحوا لهم بالبقاء في مقاعدهم. وقال مسؤول أمني قطري قبل المباراة: إن «السلطات ستضمن أن تكون جميع المباريات آمنة، وإن كل المتفرجين مرحب بهم، ولكننا لن نسمح بتحرك العناصر التي يمكن أن تزيد التوتر وتعرض سلامة المتفرجين للخطر». وقام أفراد أمنيون إضافيون، بعضهم على ظهور الخيل، بدوريات خارج استاد الثمامة في الدوحة قبل المباراة، بينما تمركزت الشرطة في جميع أنحاء الملعب جنبا إلى جنب مع حراس الأمن النظاميين.
قوبلت هزيمة إيران في كأس العالم أمام الولايات المتحدة بهتافات واحتفالات في طهران ومدن إيرانية أخرى مساء الثلاثاء 29 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث أشاد المتظاهرون بخروج إيران من البطولة باعتباره ضربة للنظام الحاكم. إذ تم إقصاء إيران من البطولة في قطر بعد هزيمتها بهدف واحد مقابل لا شيء، منهية بذلك حملة طغت عليها الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اندلعت منذ شهور في الداخل.
لكن تبقى هناك بعض المخاوف بشأن سلامة اللاعبين الإيرانيين العائدين إلى بلادهم، إذ نشرت جماعة هينجاو الإيرانية الحقوقية ومقرها النرويج انها ستراقب عودة الفريق عن كثب وسط مخاوف من أن اللاعبين قد يواجهون عقابًا لما يُنظر إليه على أنه عرض قصير لدعم الاحتجاجات، والذي لفت الانتباه الدولي والثناء من جماعات حقوق الإنسان. في غضون ذلك، قال أسطورة كرة القدم الإيرانية علي كريمي، الذي يُشار إليه أحيانًا باسم «مارادونا الآسيوي» إنه تلقى تهديدات بالقتل من خلال أفراد عائلته بعد أن أيد الاحتجاجات علنًا. وقد وصفته جهات حكومية بأنه أحد «القادة الرئيسيين» للمظاهرات، وأصدرت مذكرة توقيف بحقه في أوائل تشرين الأول/أكتوبر بتهمة «التوافق مع العدو» و «تشجيع أعمال الشغب».
لكن مصادر حكومية إيرانية كانت قد أعلنت قبل ساعات من انطلاق المباراة الأخيرة للفريق الإيراني في مونديال قطر أن العضو السابق في المنتخب الوطني لكرة القدم، بارفيز بوروماند قد أفرج عنه بكفالة، حسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية. كما ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن بوروماند كان قد اعتقل منتصف تشرين الثاني/نوفمبر خلال احتجاجات في طهران. كما أكدت السلطة القضائية الإيرانية، الإفراج عن فوريا غفوري، لاعب كرة القدم السابق بكفالة، بعدما تم اعتقاله بتهمة الدعاية ضد النظام السياسي وإهانة المنتخب الوطني.