انقلاب في ألمانيا… الخبر المضحك المبكي
هل أصبحت الانقلابات العسكرية ممكنة في الدول الديمقراطية العريقة، بحيث يخطط مجموعة يمينيين متطرفين مدعومين من ضباط جيش وشرطة عنصريين، لإطاحة نظام الحكم وتشكيل حكومة على مقاس أيديولوجيتهم المجنونة؟ الكثيرون ما زالوا يعتبرون ما حدث يوم الأربعاء 7 كانون الأول/ديسمبر نوعا من النكتة السمجة، أو تخاريف بعض العنصريين المهووسين بنظريات المؤامرة. إذن ما هي حركة الرايخسبورج «مواطنو الرايخ السياديون» التي تقف وراء التخطيط للانقلاب؟ ما هي أهدافها؟ ومن هو زعيمها، الأمير الألماني السابق الذي ألقي القبض عليه؟ للإجابة لا بد من أن نقرأ القصة منذ بدايتها وبتفاصيلها.
تناقلت وكالات الأنباء يوم الاربعاء 7 ديسمبر خبرا مفاده؛ «في أكبر غارة على الإطلاق تستهدف المتطرفين اليمينيين، قامت الشرطة الألمانية بعمليات مداهمة واسعة ضد أعضاء من حركة الرايخسبورخ في مدينة فرانكفورت، وقد ألقت السلطات الألمانية القبض على 25 شخصا يشتبه في قيامهم بالتخطيط للإطاحة بالحكومة، وتنصيب نظام ظل بقيادة إرستقراطي يبلغ من العمر 71 عاما، والسعي لإجراء محادثات مع روسيا لإعادة التفاوض بشأن تسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية». وسرعان ما عدّل رئيس الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية هولغر مونش، يوم الخميس 8 ديسمبر عدد المشتبه بهم إلى 52، من بينهم 23 محتجزا حاليا، مضيفا أنه من المتوقع حدوث المزيد من المداهمات والاعتقالات في الأيام المقبلة.
حذر المسؤولون الألمان مرارا من أن المتطرفين اليمينيين يشكلون تهديدا للأمن الداخلي في البلد، وتم تسليط الضوء على هذا التهديد بعد مقتل سياسي إقليمي
التفاصيل انتشرت في غضون 24 ساعة منذ مداهمات فجر الأربعاء، إذ أظهرت المزيد من التفاصيل حول مخطط إدارة «مجلس» الجماعة للجمهورية الفيدرالية باعتبارها «إمارة ألمانية» بعد الانقلاب العنيف. وكان من المقرر أن يصبح الأرستقراطي هاينريش الثالث عشر، الأمير رويس، رئيسا للدولة، مع محامي شركة غامض من هانوفر، كان سيصبح وزيرا للخارجية، ومع طبيب مغمور من قرية في ساكسونيا السفلى لإدارة وزارة الصحة. في مقطع فيديو تم تحميله في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تحدث أحد المتآمرين عن حدوث «اضطراب تاريخي سينفذ في الأسابيع المقبلة، على أمل أن يتم ذلك قبل عيد الميلاد». تقارير الشرطة الألمانية كشفت عن خبر الاستيلاء على أسلحة في 50 من أصل 150 عقارا تم تفتيشها، لكنها رفضت تحديد نوع الترسانة التي اكتشفها المحققون. وقد أثارت تصريحات رسمية القلق حول صلات الانقلابيين بالجيش، فالرجل الذي وصفه الادعاء العام بأنه قائد «الجناح العسكري» للمجموعة روديجر فون بيسكاتور، كان ذات يوم قائدا في كتيبة المظليين 251، وهي قوة قتالية من قوات النخبة التي تم ضمها إلى قيادة قوات العمليات الخاصة (KSK). وكان أحد المشتبه فيهم، الذي تم اعتقاله يوم الأربعاء، لا يزال رقيبا مكلفا باللوجستيات في (KSK)، ما أدى إلى مداهمة مكتبه في ثكنات القوات الخاصة في بلدة كالو الجنوبية الغربية، ولم يوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع يوم الأربعاء ما إذا كان موقع الرجل في الوحدة العسكرية يسمح له بالوصول إلى مستودعات الذخيرة. كانت قوات العمليات الخاصة (KSK) مصدر تدفق مستمر لفضائح اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى دعوات متكررة في الشارع الألماني لحلها. وفي عام 2020 تم حل (KSK) بعد أن صادرت الشرطة أسلحة وذخائر خلال مداهمة ممتلكات أحد جنودها شرق ولاية ساكسونيا.
تصريحات السلطات الرسمية أشارت إلى إن المشتبه فيهم الذين تم اعتقالهم ينتمون إلى منظمة من المؤمنين بنظريات المؤامرة، وإن منظمة «الرايخسبورج» أو (مواطنو الرايخ السياديون) هي منظمة هامشية يقدر عدد
المنتسبين لها
بـ21000، وتؤكد تصريحات مجموعة «الرايخسبورج» أن الحكومة الألمانية كانت غير شرعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهم يعتقدون أن الدستور الألماني، والمستشار الألماني أولاف شولتس، والبرلمان الألماني «البوندستاغ» هم جزء من نظام أنشأه الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية، لجعل ألمانيا دولة تابعة لمصالحهم. قام بعض أعضاء المجموعة «باستعدادات ملموسة» لاقتحام البرلمان الفيدرالي الألماني بجماعة مسلحة صغيرة، وفقا للمدعي العام في ألمانيا. وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر، إن مداهمات الأربعاء أظهرت أننا «نعرف كيف ندافع عن أنفسنا بكل قوة ضد أعداء الديمقراطية». وأضافت: «يقدم التحقيق نظرة ثاقبة في أعماق التهديد الإرهابي داخل بيئة منظمة مواطني الرايخ، لكن التحقيق الإضافي سيوفر صورة واضحة عن المدى الذي وصلت إليه خطط الانقلاب». من ناحية ثانية، كانت التغريدة التي أطلقها زعيم حزب اليسار ديتمار بارتش «قابل الرجل الذي أراد أن يصبح ملك ألمانيا» تغريدة مبهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفتحت الباب لتتبع حياة هذا الشخص، إنه هاينرش الثالث عشر، الأمير رويس، كما يعرف نفسه، على الرغم من إن أول دستور ديمقراطي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ألغى رسميا الألقاب الملكية وألقاب وامتيازات النبلاء القانونية والحصانة الخاصة التي كانوا يتمتعون بها. منذ أكثر من قرن، كان أسلاف هاينريش الثالث عشر، يسيطرون على مدينة جيرا والمناطق المحيطة بها في ما يعرف الآن بولاية تورينجيا الشرقية في ألمانيا. هاينريش الثالث عشر الذي كان متزوجا من عارضة أزياء ومحبا لسباق السيارات، قام بحملة لسنوات لإعادة بناء ضريح عائلته في وسط مدينة جيرا. ومثل أفراد الأسرة الآخرين – للأمير خمسة أشقاء – سعى هاينريش للحصول على تعويض من الدولة الألمانية عن الأصول الفنية والثقافية التي تمت مصادرتها من عائلته. ونتيجة ذلك، تلقت مجموعة الورثة 3.1 مليون يورو في عام 2017. وقد قسم الأمير السابق، البالغ من العمر 71 عاما، وقته بين فرانكفورت، حيث تقع شركته للتطوير العقاري، ومنزل الصيد الخاص به في تورينجيا الذي استضاف فيه المتعاطفين مع حركة «الرايخسبورج»، بالإضافة إلى نادي غولف خاص بالنخبة الارستقراطية. وبين تنظيم نوادي الغولف للنخب وبيع العقارات، وجد هاينرش الثالث عشر وقتا لإلقاء خطاب حول رؤيته السياسية في منتدى الويب العالمي في زيورخ، سويسرا 2019. إذ كرر هاينريش الاعتقاد بأنه نظرا لعدم وجود معاهدة سلام في نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن الجمهورية الفيدرالية الديمقراطية الحالية ليس لها أساس قانوني، ثم قام بعد ذلك باستخدام العديد من الاستعارات المعادية للسامية البالية قبل أن يستنتج أن الخطوة المنطقية الوحيدة التالية هي إعادة ألمانيا إلى زمن القيصر، الذي أطيح به منذ أكثر من 100 عام «ضد رغبات الشعب»، على حد زعمه، لكن محاولات هاينريش اللاحقة لمقاضاة الحكومة الألمانية لمحاولة استعادة الأراضي والممتلكات التي يدعي أنها حقه الوراثي باءت بالفشل. وقد أنفق مبالغ كبيرة على هذه الحملة القانونية وبدأ يدعي أن هناك مؤامرة ضده في النظام القضائي. في الوقت نفسه، كان ينسق «قوات الدفاع عن الوطن»، التي وفقا للأجهزة الأمنية، كان لديها بضع عشرات من الأعضاء يخططون للإطاحة المسلحة بالحكومة، ومن بين زملائه المشتبه فيهم أعضاء سابقون وحاليون في الجيش والشرطة.
لقد حذر المسؤولون في ألمانيا مرارا وتكرارا من أن المتطرفين اليمينيين يشكلون أكبر تهديد للأمن الداخلي في البلد، وقد تم تسليط الضوء على هذا التهديد بعد مقتل سياسي إقليمي، والهجوم المميت على كنيس يهودي في عام 2019. وبعد ذلك بعام، حاول المتطرفون اليمينيون المشاركون في احتجاجات ضد قيود وباء كورونا في البلاد اقتحام مبنى البرلمان الألماني «البوندستاغ» في برلين وفشلوا في ذلك. وقد أعلنت وزيرة الداخلية نانسي فيزر هذا العام أن الحكومة تخطط لنزع سلاح حوالي 1500 متطرف مشتبه فيه، وتشديد عمليات التحقق من الخلفية لأولئك الذين يرغبون في الحصول على أسلحة كجزء من حملة أوسع على اليمين المتطرف. إذن يبدو أن خبر الانقلاب الألماني الفاشل وتداعياته سيكون الخبر الذي يُغلق به ملف أحداث هذا العام في ألمانيا ليكون الخبر المضحك المبكي في نشرة الأخبار.
كاتب عراقي