أنا وشمعتي… يامين
القاص والكاتب/عبد الجبار الحمدي
هي مشرقة كالشمس… بياض الثلج روحها، ما أن أراها حتى انسى أغلب همي، لم أتخيل انها تحتل مساحتها في نفسي بعد استغراب تسائلت لم ذلك!! سمعت همسا بداخل يقول: ربما لأنها حفيتدك و أبنة ولدك الذي تحب، أو لأنها الفتاة التي لم تنجب… أو.. أو..، أرهقني الهمس حتى قلت أحبها لأن الله خلقها كائن يكاد يكون فضائيا لا مثيل له من قبل فهكذا هم الاطفال هبة الله للذين بمثل سن… رعيتها مذ اليوم الأول الذي ولدت فيه مذ كانت في ذلك البيت الزجاجي دون إرادة… دون قوة، ربما بدت تساؤلاتها على شكل إيماءة بيديها اوحت لي بأنها جاءت من اجل أسعادنا… فنحن نعود الى مجتمع الحزن متلبس فيه حتى صار سيدا لكل مستقبل فيه سعادة…. السعادة التي أحسست حفيدتي انها تسألني جدي هل انت سعيد في حياتك؟؟ لم اجبها تجاهلت أني سمعت همسها… اعطيت العذر لنفسي إنها لم تفقه بعد طفلة رضيعة كيف لها انت تسأل مثل هكذا سؤال؟!! ابتعدت هاربا… لكنها
ملئت حياتي بالتأكيد ارهقتني وجدت أعمامها برعايتهم لها طود النجاة … البكاء يضعف قواهم أمامها الحيرة تعبث بمشاعرنا ما الذي تريده يامين؟!! اهي جائعة؟؟ أهي تتألم؟ ام أنها تريد ان تصرخ أن العالم هذا غريب عليها فقد كانت في بيئة لا ضجيج فيها ولا صخب، الآن هي بين ايدي تتلقفها ترحب بها دون إرادتها تحملها بلا رغبة منها… تبكي دون ان تعرف لماذا تبكي!؟… أهو المستقبل الذي لا تعرف في وطن لا حياة فيه للأطفال.. سَمِعَت وهي في بطن أمها أن العراق وطن لا مثيل له… تأريخ، حضارة، أمان وإزدهار… هكذا كانت تقرأ أمها في بعض كتب التأريخ التي تحب او تقرأ لها من حكايات قالت جدتي… لكنها كثيرا ما تُسمِعَها القرآن الكريم وهي ترتله حتى جدتها التي حرصت ان تكون القلب الذي يحملها في جناحاته قبل يديها… فرحتها لا توصف ربما اكثر مني، أما والدها فكانت له البذرة التي زرعت بوجودها كيانه فانبتت يامين له.. رغم عناده في حبها الذي لا يظهره إلا انها جنون عقله الذي يتحرك به… قلبت عالمه، جعلت من حياته معنى… اما أنا فعالم هي الذي ما ان ادخله معها حتى اجدني اتعلم من تلك الإيماءات والحركات الإشارات… أما حين تتحدث بمعنى تفهمه هي لكلماتها كأنها تجيب على اسئلتي بأسئلة.. متى ما قلت اتحبين جدو يا يامين.. تضحك وهي تصفق ثم تهز رأسها كأنها تقول نعم… دون إرادة أشعر بالنشوة أخرج اقول للجميع لقد قالت لي نعم احبك جدو… الجميع يعرف إنها لا تستطيع فهي الى الان لم تنطق فقط همهمات وصراخ بحركات مفعمة بالنشاط… النشاط الذي في أيام حين أصابتها وعكة شلت حالي، فقدت السيطرة على اعصابي كأني الطبيب، حتى والدتها لم اسمح لها بالاقتراب منها… أنا المريض لا هي.. في مرة بكت بين يدي ثم شهقت حتى ان وجهها إزرق و من كثر فزعِ جننت!!! رميت بها الى حضن جدتها ثم هربت الى خارج المنزل… و اشباح الهواجس السوداء تتراقص أمامي تضحك على حالِ… حالِ الذي قال: ما بك؟ الم تشهد تربية ابناءك هل كنت تنهزم امام شهقاتهم … دون تردد اجبت بل كنت اقفز خوفا ثم اصرخ تضرعا الله ان يبعد هوس ما اخافه، لكنها يامينة الطفلة التي ازهرت في مرحلة بياض شعرِ و وهن عظامي… يا مينة التي ما ان أرى وجهها حتى اتحدث بلغات العالم عن شغفي بأنها اجمل ما في الكون.. كثير من اقاربنا قالوا إنها ليست جميلة فعيونها صغيرة ليست واسعة او زرقاء او خضراء، شعرها ليس اشقر، بالمعنى العام ليست حلوة… أجادلهم عن معنى ان تكون حلوة او جميلة… ما هي معايير الجمال في خواطرهم أهو المظهر الخارجي؟! فإن كان فقد خابت ظنونهم لأنهم لم ينظروا الى الروح التي فاق بياض نقائها وبرائتها حتى جال الآفاق … ألم توحي برائتها للطيور ان تحلق في سماء سعادتي بها… ألم يجعل شياطن الشعر تتوسل كي أسجي عبارات الشعر فيها، ألم تشرق الشمس من شعاع وجهها… إذن ما فائدة الجمال إن لم يكن نابعا من داخل الروح مثل السعادة التي تنبعث مع كل ابتسامة او خطوة تتسابق بها كي تطرق باب غرفتي التي اسعد بأنها عرفت ان هذه هي صومعتي التي اعيش فيها واركن بجسم الوهن على سريري… تتسلق، تتمسك بأصابعي حتى تصعد.. ثم تبتسم ابتسامتها التي اعشق… أنسى الم و وجع فقرات ظهري اشعر اني اتجدد من اجلها ألاعبها… كنت اشتري لها ما تحب ان تتذوقه اعطيها لا بل أغريها كي تبقى مدة اطول … نلعب انا وإياها لوحدنا لأكثر من ساعة… و حين اتعب، ارسلها بعيدا و انا اشعر بالألم لكن ألم تفهمي بعد يا يامينة إنه العمر وكبر السن… إسمحي لي لارتاح بما منحتني من شغف و سبب كي اعيش من اجله…
حتى ابنائي الذين احب و زوجتي التي اشكر الله على هبته لي بها… اراهم يتسابقون معي للفوز في إقتنائها و لو الى لحظات حتى أمها تصارع الحب الذي نعيش… في بعض الاحيان اشعر انها تغار لكنها يامينة شمعة الضياء في ايام وطن لفحه الدخان الأسود ساد الباطل فيه ماشيا دون خوف بطوله الذي كان يختفي في زمن تحت روث الحيوانات أو بداخل حاويات نتنة .. من شدة خوفي حين اذكر شمعتي يامينة تأتي السياسة مشمرة عن ساعديها تحاول تكذيب واقع وطن اما الفاسدين فيمسكون بالدفوعف لإثارة الصخب يمنعون مستقبل يامينة ومن مثلها بأن يكون اجمل في وطن يسمى بلاد وادي الرافدين، بعض الأحيان اراها صامتة ربما تتسائل عيونها يامين حين تجدني اكتب على مكتبي… ثم تسأل جدو هل سيكون العراق أفضل حين أكبر؟ اصعب سؤال وجهته لي؟!! فأجيبها بعد ان آخذها بين يدي… لا أعرف يامينتي الحبيبة… أظن العراق لن يتعافى لكن هناك أمل في الله، ثم اهرب بمداعبتها مع علمي اني أفشل في كل مرة تسألني نفس السؤال عن الاجابة… اخاف أصرخ و هي بجانبي أنا جدك و هذه جدتك و هاهم أعمامك و اقاربنا الذين من شاكلتنا والناس البسطاء كلهم يريدون وطن.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي
