علي حسين
بعد ما يقارب النصف قرن على رحيلها لا تزال أم كلثوم علامة من علامات الزمن الجميل، كانت للست جماهيريتها ومواطنون يرددون معها كل مساء وهي تشد على منديلها: “قل للزمان ارجع يازمان “.
في عصر أم كلثوم كانت بلدان العرب تبشر بثقافة جديدة تتمرد على ثقافة الغيب، إسماعيل مظهر يترجم داروين إلى العربية، وشبلي شميل يبشر بأفكار ماركس وإنجلز، وسلامة موسى يكتب عن سوبرمان نيتشه، فيما الرصافي يكتب عن الاشتراكية بأنها: “وعد بمجتمع، لا سيد فيه ولا مسود، يأخذ كل من فيه حقه بغير زيادة، ويعطي فيه كل حقوق الآخرين بغير بخس”، في ذلك الوقت أصر الزهاوي على أن يقود معركة “السفور” إلى النهاية وهو يردد: مزّقي يا ابنــــة العـــراق الحجابــــا..
اليوم نتذكر درس أم كلثوم عن الحب والفرح والمسرة، حين نجد من يسخر من احتجاجات الشباب، ويصر على أن العراقيين يعيشون أعلى مراحل الديمقراطية وأن عليهم أن يرضوا بما مقسوم لهم من ساسة “شطار”، ولا يورطوا انفسهم في الاحتجاج والثورة على الأوضاع، ولا تزال الأحزاب المسيطرة على البلاد تقول للشعب: الصبر جميل.
أنا من جانبي أصاب بحيرة كلما أسمع سياسياً يطالب الشعب بالصبر، وأتذكر سيدة الغنائي وهي تشدو “إنما للصبر حدود”، لكن هذا الصبر يصيبني بالحيرة وأنا أقرأ في الأخبار أن النائبة حنان الفتلاوي ترأست لجنة تقصي حقائق سرقة الأمانات الضريبية، في أيام الخراب يعتقد البعض أنهم “منقذو البلاد” بينما المواطن يتذكر بحسرة ما فقدته البلاد من مئات المليارات عندما كانت حنان الفتلاوي جزءاً من المنظومة الحكومية، وكانت الناس تسأل: ماذا حدث لمداخيل النفط، وماذا صرف منها على الشعب، وماذا نُهب وهُرب خارج البلاد؟، في ذلك الوقت كان صوت الفتلاوي يصدح بأناشيد النصر والإنجازات الوهمية.
أترك منجزات النائبة المثابرة وأقرأ تغريدة جمال الكربولي وهو يكشف لنا بعضاً من المستور: “ادعاء بعض النائبات بأنها لا تملك مالاً لأنها لم تسرق ولم تكن وزيرة، يكذبه التضخم المفاجئ لأموالها وعقاراتها.. ليس كل الوزراء فاسدون وإنما كل من يبتز الوزراء للحصول على عقود وكومشنات واستثناءات وتتضخم أمواله هو الفاسد”.
ماذا تشعر عزيزي القارئ وأنت تقرأ مثل هذا الكلام؟، ماذا يعني الفشل خلال التسعة عشر سنة الماضية؟ لماذا يريدون منا ان نمنحهم تسعة عشر عاماً جديدة، ، ولكن ياسادة ياكرام ، لماذا دائماً على الناس أن تتحمل وتصبر؟، وهل هناك صبر أًكثر في بلاد تعُد من أغنى البلدان، لكنها اليوم على قائمة الدول الاكثر خرابا.
للأسف إنّ الآفة التي أصيب بها البلاد ، هي الشطار والقافزون على الحبال بمنتهى الخفّة، ومشكلة هؤلاء أنهم يعتقدون أن الناس فقدت ذاكرتها ونسيت ماذا كان يفعل هؤلاء قبل سنوات .