ماذا بعد ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ؟
زهير كاظم عبود
وفقا للوثائق الدولية المتفق عليها فان الإبادة الجماعية تعتبر من الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي سواء ارتكبت في أيام السلم او الحرب ٬ ويتم التعهد بمنعها والمعاقبة عليها ٬ وعلى ضوء ما تقدم اقرت اتفاقية منع الإبادة الجماعية بقرار الأمم المتحدة المؤرخ في ٩ كانون الأول ١٩٤٨ واعتبرت الاتفاقية نافذة من تاريخ ١٢ كانون الثاني ١٩٥١ .
الخسائر الجسيمة التي تسببها تلك الجرائم على مر التاريخ تترك اثرا عميقا في النفس البشرية ما دفع المجتمع الدولي منذ بواكير تأسيس المنظمة الدولية لطلب التعاون الدولي لتنفيذ أسس معاقبة مرتكبيها والسعي لمنع ارتكابها باي شكل .
هذه الجرائم ضحاياها من البشر و تلحق الأذى الجسدي او النفسي العميق في الانسان بالإضافة الى اخضاع المجموعات البشرية الى ظروف معيشية مهينة وغاية في الصعوبة وتهجيرهم وتشردهم وارباك حياتهم ٬ ولذلك تم الاتفاق ليس فقط على معاقبة الفاعلين وانما تنسحب العقوبة على المحرضين بالشكل المباشر او غير المباشر ٬ كما تطال العقوبة فعل المحاولة أي الشروع والاشتراك في الجرائم المرتكبة و مثل هذه الجرائم التي لا تتقادم بمرور الزمان ليس لصفة المتهم فيها اعتبار حيث تشمل العقوبة جميع المراكز القانونية للفاعلين او المحرضين او المشاركين دون استثناء ٬ ومن الطبيعي ان تتضمن الاتفاقية امتثال الفاعلين والمشاركين امام المحاكم المختصة ٬ سواء كانت امام المحاكم الوطنية للدولة التي ارتكبت فيها تلك الجرائم ٬ اوامام المحاكم الجنائية الدولية ٬ ولم يتم اعتبار تلك الجرائم سياسية على صعيد قضية تنفيذ أوامر القبض وتسليم المتهمين .
لم تزل حتى اليوم تهدد المجتمع البشري مثل هذه الجرائم وتقلق امنهم وطمأنينتهم ٬ فأفعال الكراهية والتمييز والتحريض لم تزل قائمة ٬ لم تتم مواجهتها بشكل فاعل ومتوازي مع خطورتها ٬ واقتصرت المواجهات على الاستنكار والرفض لمثل هذه الجرائم ٬ وهي افعال معنوية لا ترقى لمستوى فداحة الفعل الاجرامي ولاتفيد قضية المنع والملاحقة والمعاقبة ٬ واللافت للنظر ان الدول الكبرى المسيطرة على مجلس الامن الدولي تنظر لمعالجة مثل هذه الجرائم وفقا لاعتبارات سياسية وارتباطات ومصالح دولية للأسف ٬ وفي الوقت الذي تكبر فيه معاناة الشعوب المنكوبة بمثل تلك الجرائم الجماعية وفداحة خسارة أرواح الناس ٬ لم نلمس المعالجة المتساوية على الأقل او توحيد النظرة في المعالجة بمنظار العدل والمساواة للضحايا ٬ الإجراءات التي تم اتخاذها في العراق وراوندا على سبيل المثال لا الحصر حيث لم تزل المعاناة وفقدان الامل تسيطر على حياة الناجين ومن بقي على قيد الحياة من تلك المجازر البشرية ٬ ولم تزل حتى اليوم اعداد غير قليلة من بنات العوائل الايزيدية في العراق بعد مقتل اهاليهم تحت رحمة القتلة ٬ وتمت ممارسة التعامل معهن كرقيق بشري يتم بيعه وتداوله في الأسواق كاي سلعة وامام مرأى ومنظر العالم .
خطاب الكراهية والتحريض لم يزل ينتشر ويتحدى القوانين والقيم النبيلة ٬ وخطابات الكراهية ليس الا مؤشر على جسامة الخطر الذي ينتشر ويسيطر على العقول ويعمي القلوب و الابصار ٬ ومعنى ان تكون هناك اسس لمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم لم يجد له تجسيد او تنفيذ فاعل يحمي المجني عليهم خصوصا المجموعات البشرية المضطهدة او المقموعة قوميا او دينيا او اجتماعيا ٬ وبدلا من التوجه لدعم التمنيات والدعوات للانخراط بالرياضة او الاهتمام بالفنون يجب ان تتم معالجة الوضع الإنساني للضحايا ٬ فمعيار الكراهية الذي لم يزل يسيطر على عقول بعض من رجال الدين او السياسيين لم يتم اسكاته او اضعافه او مواجهته ٬ ولم تتم معاقبة المحرضين والشركاء ٬ كما لم تتم ملاحقة جدية للقبض على العناصر التي ارتكبت او شاركت في الجرائم ٬ كما ان عددا كبيرا من البشر يعيشون في مخيمات حتى بعد انتهاء تواجد القتلة والفاعلين وانتهاء القتال ٬ ان هؤلاء ما كان بإمكانهم العودة الى بيوتهم ومزارعهم دون وجود مساعدات مادية جدية وفاعلة ٬ ودون وجود ضمانات دولية لحمايتهم من ان تتكرر المأساة ٬ ولعل تاريخ المجازر التي جرت على الايزيديين يتحدث عن مرورهم بأكثر من ٧٤ مجزرة سجلها التاريخ كانوا فيها الضحايا ٬ المعالجات النبيلة والنفسية يمكن ان يكون لها دور أيضا لكنها لن تكون بالمقدمة ٬ وننظر بمنظار الامل الجدي من ان يتلفت المجتمع الدولي بشكل جاد لمعالجة قضية منع ارتكاب مثل هذه الجرائم التي يندى لها جبين التاريخ البشري ٬ ولايمكن ان يتم قبول ان يتم ارتكاب جرائم القتل الجماعي بسبب الاختلاف العقائدي او الديني او القومي او السياسي .
حتى اليوم تشكل جرائم الإبادة الجماعية خطرا محدقا بالبشر ٬ لذا فان مسؤولية المجتمع الدولي ونحن نتخطى قرن جديد من الزمن لابد ان تكون حياتنا آمنة وخالية من الرعب والخوف ٬ لابد لأجيالنا القادمة ان تنعم بالحياة والامن والحرية وهما من اول ما تقرره القوانين السماوية والقانونية الدولية والوطنية لأغلب الدول ٬ ومعالجة التصدي لمثل تلك الجرائم قبل وقوعها ليست مستحيلة وانما تتطلب معالجة صادقة وصريحة قائمة على أسس احترام الانسان بغض النظر عن دينة او قوميته او عقيدته ٬ المعالجة ينبغي ان تكون رادعة وحاسمة حتى يمكن ان تتوقف مثل هذه الانتهاكات للجنس البشري ٬ وان لا تتزايد تعقيدات القضاء عليها ومعاقبة فاعليها وعدم افلاتهم من العقوبات المقررة حتى يمكن ان نشرع بتحقيق مواجهة ارتكاب هذه الجرائم .
ومع ان الاتفاقية الدولية اقرت قبل اكثر من ٧٠ عام الا ان جرائم الإبادة الجماعية لم تزل مستمرة ٬ ولم يزل المجتمع الإنساني يتم انتهاك الحياة فيه ٬ ونجد ان معاقبة المسؤولين علنا امام الراي العالمي عن هذه الجرائم وامام المحاكم الدولية او الوطنية وبالعقوبات التي تتناسب مع فداحة الفعل سيحقق رادعا وصحوة لعقول من يغلق عقله وعيونه عن انتهاك قيمة الحياة البشرية .
ضحايا تلك الجرائم منهم من تم دفنه تحت التراب ومنهم لا منفذ لهم بعد ان أصبحت حياتهم مقيدة بخيمة ومعونات وايام عسيرة تحت ظروف غاية بالصعوبة وفقدان الامل ومعاناة في الحياة واثار نفسية وجراح عميقة بين من فقد بناته او زوجته وبين من قتلت عائلته بأكملها ٬ تفعيل الضمير الدولي بالنظر الى من بقي من الضحايا يتطلب موقفا إنسانيا يليق بقيمة الانسان .