علي حسين
أعرف أنّ ما نكتبه نحن العاملين في بلاط صاحبة الجلالة، يعتبره البعض نوعاً من أنواع البطر، وأدرك جيداً أن المناشدات ليست من شأن صحافي “ضعيف” مثل جنابي، لكنّي في كل تشكيل حكومي جديد أعيش في حالة من التمني في زمن يرى فيه البعض من “جهابذة البرلمان” أنّ إرضاء المواطن عيب وجريمة.
اليوم نعرف جميعاً أنّ الخراب لا يحدث إلا في ظل مسؤول لا يسمع سوى صدى صوت المقربين منه، ولا يعود هناك متسع لمستشارين يقدمون النصيحة، بل أصوات حاشية تتنقل من مسؤول إلى آخر .
في كل دول العالم يسبق المسؤول، مستشاروه. فيما المسؤول العراقي يصل من “الحزب والعشيرة” وهو يدّعي ختمه لعلوم الأرض والسماء. ويعتقد أن التفويض الذي منحته له الناس في صناديق الاقتراع، يسمح له بأن يتجاهل معايير الكفاءة، وأن يكون الانتماء الحزبي وحده هو معيار اختيار رجال الدولة، فنجده يختار المنتمي لحزبه أولاً، ثم المنتمي لعشيرته، ثم المنتمي إلى الأحزاب المؤيدة له.
ولهذا عزيزي القارئ إذا أردت أن تعرف كيف تدار الدولة العراقية، فإن أسماء المستشارين ومعهم الحاشية ستدلك على أبعاد المحسوبية التي تتم فيها إدارة مؤسسات الدولة. منذ أيام وأنا أقرأ أن قائمة المستشارين في الدولة العراقية دخلت موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية.. وقرأت أنّ الكثير من كبار “الجهابذة” في ستراتيجيات بناء الدول، قد التحقوا بقائمة المستشارين وحصلوا على الدرجة الخاصة وامتيازاتها.
نقرأ الكثير عن مستشاري الرؤساء، فقد كان الرئيس ديغول محاطاً بالكاتبين أندريه مالرو وفرانسوا مورياك. وفيما عيّن ميتران الفيلسوف ريجيس دوبريه مستشاراً له.. وصنعت سنغافورة نهضتها العظيمة أولاً من خبرة رجال أكفاء اختارهم لي كوان بعناية، وثانياً من النزاهة. والفارق كبير بين الذين يضعون مصلحة الدولة والناس أولاً والذين يريدون إرضاء الأحزاب السياسية.
إن الأحزاب التي تصرخ في الفضائيات وتلطم ضد المحاصصة والطائفية، تُصر على أن لا حكومة من دون تقاسم الحصص. اليوم يدرك العراقيون جيداً أنّ المستقبل يمكن أن يَئِدَ الماضي، ولكن بشروط أولها أن نتذكر ما حصل خلال التسعة عشر عاماً الماضية، وأن يدرك السادة “الكبار” أن الفساد لا يزال متغلغلاً في مؤسسات الدولة وأن مفهوم المسؤولية يجب أن لا يبقى حبيس أسماء ساهمت وروجت للخراب ومارست الدجل والانتهازية.. وكانت النتيجة دولة تتحسر على الكهرباء وتفتقر لأبسط الخدمات وتستجدي المساعدات.
في بلدان “الكفار” يؤدي المستشارون أدواراً أساسية في تحديد سياسة الدولة، فالرئيس ومعه رئيسا الوزراء والبرلمان و معهم الوزراء يصغون إلى مستشاريهم، حتى أن الخطط والسياسات ترتبط بأسماء المستشارين الذين يقدمون خبراتهم لخدمة الدولة، ، ولهذا أنا أشعر بالخيبة كلما دخل مستشار إلى احدى قصور الرئاسات !