«مؤتمر بغداد 2»: تأكيد على دعم العراق… وباريس دعته للابتعاد عن طهران.
بيدر ميديا.."عمان
«مؤتمر بغداد 2»: تأكيد على دعم العراق… وباريس دعته للابتعاد عن طهران
عمان ـ «القدس العربي» ـ وكالات: أعلن المشاركون في «مؤتمر بغداد 2 للتعاون والشراكة» بنسخته الثانية التي جرت في الأردن، الثلاثاء، عن توافقهم على دعم العراق في مواجهة جميع التحديات، بما في ذلك الإرهاب، وفي وقت دعت فيه باريس، بغداد، إلى الابتعاد عن المحور الإيراني من أجل حل الأزمات المتعددة التي تضرب منطقة الشرق الأوسط، أكدت الجمهورية الإسلامية، أن استقرارها يرتبط باستقرار وأمن المنطقة.
وبدأ مؤتمر «بغداد 2» بعد ظهر الثلاثاء في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت (50 كيلومترا غرب عمان)، بعد دورة أولى أقيمت في العاصمة العراقية في آب/أغسطس 2021 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعراق.
وشاركت في المؤتمر، 12 دولة هي العراق والأردن الدولتان المستضيفتان، وفرنسا الداعية له، وكل من تركيا ومصر والكويت والسعودية والإمارات وقطر وسلطنة عُمان والبحرين وإيران.
مسار آخر
ودعا الرئيس الفرنسي، في كلمته، خلال افتتاح المؤتمر، العراق إلى اتباع مسار آخر بعيد «عن نموذج يملى من الخارج»، في إشارة إلى إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في هذا البلد.
وقال: «أريد أن أؤكد لكم تمسك فرنسا عبر تاريخها وعملها الدبلوماسي، باستقرار المنطقة»، داعيا إلى اتباع «مسار بعيد عن أشكال الهيمنة والإمبريالية، وعن نموذج يُملى من الخارج».
وأضاف أن «العراق اليوم مسرح لتأثيرات وتوغلات وزعزعة ترتبط بالمنطقة بأسرها» بدون ذكر إيران.
علاقات تعاون
أما رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فقد بين، في كلمته أن «العراق متمسك ببناء علاقات تعاون وثيقة ومتوازنة مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين وينأى بنفسه عن اصطفاف المحاور وأجواء التصعيد وينفذ سياسة التهدئة وخفض التوترات». وأضاف أن العراق «يرفض التدخل في شؤونه الداخلية ومس سيادته أو الاعتداء على أراضيه».
وتابع «لا يمكن اعتماد مبدأ القوة في مساعي حل الخلاف أو الاختلاف ولا نسمح باستخدام هذا المبدأ ضد العراق. في الوقت نفسه لا نقبل أن ينطلق أي تهديد من العراق ضد أي دولة من دول الجوار أو المنطقة»، مشيرا إلى أن «واجبنا أن نعتمد الحوار والتفاهم لحل مشاكلنا».
في حين دعا وزير خارجية إيران، حسين أمير عبداللهيان، في كلمته دول المنطقة إلى الحوار، مؤكدا «على أن الحوار بين دول الإقليم ليس خيارا، بل ضرورة ملحة».
وشدد في كلمته التي ألقى أجزاء منها باللغة العربية لتوجيه رسالة مباشرة إلى دول المنطقة الناطقة بالعربية على ضرورة «تحقيق فهم مشترك يؤدي في النهاية إلى السلام، وإرساء منطقة مزدهرة ومستقرة تنعم بالتنمية.
وبين أن استقرار إيران يرتبط باستقرار وأمن المنطقة بأسرها، مضيفا أن سياسة طهران «تقوم على تجنب الحرب وضمان الأمن والاستقرار»، وهي بمثابة مبدأ «ثابت».
كما أشار إلى تمتع بلاده حاليا بحكومة جديدة «تعمل على تطوير علاقاتها مع جيرانها»، داعيا جميع دول المنطقة إلى التخلي عن «السياسات الاقصائية» بالتأكيد على أهمية تحقيق الأمن الجماعي لضمان الاستقرار الإقليمي.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن القضية الفلسطينية «تظل القضية الأولى للعالم الإسلامي»، مقترحا بأن يقوم الحل السياسي لهذه القضية على مبدأ حق تقرير المصير.
العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قال في كلمته، التي تخللتها فقرات بالفرنسية، إن «التحديات التي تواجهنا كثيرة وتزداد تعقيدا، لكننا نؤمن أيضاً أن هذا المؤتمر ينعقد من أجل خدمة مصالحنا المشتركة، لضمان أمن العراق وازدهاره واستقراره ركنا أساسيا في منطقتنا»، مشيراً إلى «دور العراق المحوري والرئيسي في المنطقة وفي تقريب وجهات النظر لتعزيز التعاون الإقليمي».
وأضاف: «المؤتمر ينعقد في وقت تواجه فيه المنطقة أزمات أمنية وسياسية، وتحديات الأمن الغذائي والمائي والصحي، بالإضافة إلى الحاجة لتأمين إمدادات الطاقة وسلاسل التوريد والتعامل مع تداعيات التغير المناخي».
واعتبر أن «انعقاد المؤتمر يؤكد تصميم الجميع على العمل مع العراق حكومة وشعبا من أجل مزيد من الازدهار والتكامل».
إيران أكدت أن استقرارها يرتبط بأمن المنطقة… والسوداني رفض سياسة المحاور
وشدد عاهل الأردن على إيمان المملكة «بحاجة المنطقة للاستقرار والسلام العادل والشامل والتعاون الإقليمي، خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية ومعالجة قضايا الفقر والبطالة». وبين أن «مواجهة التحديات المشتركة تستدعي عملاً جماعياً تلمس شعوبنا آثاره الإيجابية».
«العالم يتسع للجميع»
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فأكد في كلمته أن «مصر تؤكد رفضها اي تدخلات خارجية في شؤون العراق». وأضاف أن «العالم يتسع للجميع والاختلاف لا يمكن التعاطي معه بالاستمرار في صراعات لا غالب فيها ولا مغلوب» وأوضح أن «انعقاد اجتماعنا اليوم (أمس) يحمل معه دلالة سياسية مهمة، على اعتزام مواصلة توفير كافة سبل الدعم للعراق، ورغبة صادقة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة وفرصة لتبادل وجهات النظر واستكشاف آفاق جديدة للتنسيق والتعاون بين بلادنا والعراق».
وتابع أن «الأزمات المتعاقبة التي شهدتها العديد من دول المنطقة على مدار العقود الماضية أثبتت أن تحقيق الاستقرار له متطلبات لا غنى عنها».
وذكر بأن تلك المتطلبات «تبدأ بتعزيز دور الدولة الوطنية الجامعة، وتمكين مؤسساتها من الاضطلاع بمهامها في حفظ الأمن وإعلاء سيادة القانون وصد القوات الخارجة عنه وصون مقدرات وثروات الشعوب، وهو ما سيوفر المناخ المناسب لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة وترسيخ دعائم الحكم الرشيد».
وأشار إلى أن هذه المتطلبات «لن تتحقق ما لم يتم إعلاء ثقافة الاعتدال والتسامح وقبول الآخر، وبما يضمن التمتع بالحق في حرية الدين والمعتقد وتجاوز مفاهيم الطائفية والتشدد والانقسام والأفكار الرجعية التي لا مكان لها في عصرنا الحالي».
وأردف: «يأتي انعقاد قمتنا لتجديد الالتزام بالمبادئ الثابتة في العلاقات الدولية، والتي ينص عليها روح ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، وفي مقدمته حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول».
دعم العراق
وعقب انتهاء المؤتمر أعلن المشاركون في بيان ختامي، عن توافقهم على دعم العراق في مواجهة جميع التحديات، بما في ذلك الإرهاب. وتضمن البيان تجديد المشاركين «دعمهم للعراق في جهود ترسيخ دولة الدستور والقانون وتعزيز الحوكمة وبناء مؤسسات قادرة على التقدم وإعادة الإعمار وحماية مقدراته».
وشدد على «دعم العراق في تحقيق التنمية الشاملة والعمل على بناء التكامل الاقتصادي، وأهمية التعاون الثلاثي مع مصر والأردن».
ولفت البيان، إلى أن «انعقاد المؤتمر يعكس الحرص على دعم دور العراق بما يسهم في جهود إنهاء التوترات وبناء علاقات إقليمية بنّاءة».
المشاركون في المؤتمر أكدوا، وفق البيان ذاته، أن «تجاوز انعكاسات الأزمات الإقليمية والدولية على العراق يستوجب تعاوناً ومقاربات سياسية واقتصادية جادة وفاعلة تدعم العملية التنموية فيه». كما «أكدوا أهمية عقد دورة ثالثة للمؤتمر، وتحديد مكان انعقادها وتاريخها بالتشاور بينهم» حسب البيان.
كذلك، بعد انتهاء أعمال المؤتمر، عقد وزراء خارجية الأردن أيمن الصفدي، والعراق فؤاد حسين، وفرنسا كاثرين كولونا، مؤتمراً صحافياً مشتركاً.
وقال الصفدي: «اختتمت الدورة الثانية لمؤتمر بغداد برسالة واضحة وهي وقوفنا جميعاً إلى جانب العراق».
أما حسين، فاعتبر أن مؤتمر بغداد «ليس فقط لدعم العراق، وإنما للعمل المشترك في المحيط الإقليمي».
وفي رده على سؤال حول تدخلات خارجية في بلاده، قال الوزير العراقي: «نحن قلنا بغداد النسخة الأولى للحوار، والحكومة العراقية تؤمن بالحوار، وهناك عمل مشترك مع دول الجوار»، فيما، طالبت كولونا لبنان «بتسريع انتخاب رئيس له»، وكشفت بأنها «دعت إيران إلى الإفراج الفوري عن رهائن فرنسيين محتجزين لديها»
اختبار للسوداني
وشكل المؤتمر اختباراً للسوداني، الذي جاء تعيينه بعد جمود سياسي استمر أكثر من عام ويُعتبر أقرب إلى إيران من سلفه مصطفى الكاظمي. ويهدف المؤتمر، وفق قصر الإليزيه، إلى «تقديم الدعم لاستقرار العراق وأمنه وازدهاره، ودرس الوضع في المنطقة بأسرها، باعتبار أن العراق بلد محوري فيها».
لكن الرهان يبقى محفوفاً بالمخاطر في منطقة غير مستقرة أساساً. فتشهد إيران قمعا لتظاهرات شعبية فيما توصل العراق قبل فترة وجيزة لتسوية هشة بعد أزمة سياسية استنزفته مدة سنة. أما سوريا فلا تزال ساحة مواجهات بين قوى متناحرة، فيما يغرق لبنان في شلل سياسي على وقع فراغ رئاسي من بين أزمات.
وقال مدير معهد الشرق الأدنى والخليج للدراسات العسكرية، رياض قهوجي، إن للمؤتمر «طموحات كبيرة لكن لا أحد ينتظر معجزات». ومن الضروري، وفق قهوجي، معاينة موقف إيران باعتبارها «العنوان الكبير» ذلك أن يدها «موجودة في كل مكان، من العراق إلى سوريا مروراً بلبنان واليمن».
وأضاف «لا يريد الإيراني أن يتنازل عن أي مكتسبات، فهو يتفاوض من منطلق ما لي هو لي، في هذه الدول»، معتبراً أن السؤال الأبرز يبقى «هل ستظهر إيران ليونة أكثر أو استعداداً أكثر أو تقدم نتائج ملموسة؟» خلال المؤتمر.
لكنه في الوقت ذاته، لا يتوقع أن «تتحلحل الأمور» طالما أن «الموقف الإيراني لا يتغير».
وتتهم إيران منافستها الإقليمية، المملكة العربية السعودية، التي انقطعت العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 2016، بتشجيع حركة الاحتجاجات غير المسبوقة في البلاد.
وقال وزير خارجية إيران، الإثنين «نحن مستعدون للعودة إلى العلاقات الطبيعية وإعادة فتح السفارات عندما يكون الجانب السعودي جاهزاً».
ويزيد دخول إيران في النزاع الأوكراني من خلال تزويد روسيا طائرات مسيّرة من تعقيد الوضع، وفق قهوجي.
وعلى جدول أعمال ماكرون الذي زار الإثنين حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول قبالة سواحل مصر للاحتفال بعيد الميلاد مع القوات الفرنسية، لقاء مع ملك الأردن عبد الله الثاني «الحليف في محاربة الإرهاب»، حسب باريس.