النزعة السلبية للأطفال
كيف و متى يطور الأطفال النزعة السلبية؟
يشير مفهوم النزعة السلبية الى الافراد الذين يركزون أنتباههم على الامور السلبية التي تحدث من حولهم بدرجة اكبر مقارنة بالامور الايجابية .
تهتم الابحاث في علم النفس الايجابي بهذا الموضوع من اجل المساهمة في أمكانية تغيير كيفية أدراك الناس للعالم , و ليتم تحقيق ذلك يجب الكشف عن العوامل الوراثية التطورية و البيئية المؤثرة او المؤدية الى نشوء النزعة السلبية.
من بين تلك الدراسات , بين فايش و زملائه في عام 2008 انه على الرغم من وجود الكثير من الأدلة على هذه الظاهرة لدى البالغين , التي يمكن الاعتماد عليها في الكشف عن كيفية تطور النزعة السلبية . الا ان الباحثين سعوا الى الكشف عما هو ابعد من ذلك و هو محاولة معرفة العمر الذي تبدأ عنده النزعة السلبية بالنشوء و الظهور على وجه التحديد؟
كيف و متى يبدأ الأطفال بتطوير النزعة السلبية ؟
وجد فايش و زملاؤه أنه بالأمكان ملاحظة النزعة السلبية لدى الاطفال , فعلى سبيل المثال ان الطفل قبل سن الثلاث سنوات يستخدم اعداد متكافئة من الكلمات السلبية و الايجابية , أما بعد سن الثالثة وُجد أن الطفل تزيد لديه الكلمات السلبية الى الضعف بينما تبقى أعداد الكلمات الايجابية ثابتة لا تتغير.
و في دراسة أخرى أجراها فيفوس في عام 1991 وُجد أن الأطفال قد يتذكرون الأحداث الماضية السلبية بشكل أكبر من تذكرهم للأحداث الأيجابية , كما يبدو أن فهم الأطفال لأسباب المشاعر السلبية أفضل من فهمهم لأسباب المشاعر الأيجابية.
من الجدير بالأشارة الى أنه يجب التركيز على التحكم في شدة المثير , أذ أن التحكم و السيطرة على المثيرات السلبية كانت ام الايجابية ذات تأثير كبير في نتائج الدراسة على وجه الخصوص عندما تكون العينة المدروسة هم الأطفال , أذ يؤدي عدم السيطرة على المثيرات الى خلط في نوعية المثير المراد معرفة تأثيره.
و على الرغم من أن الفروق الفردية تجعل من الصعب تحديد العمر التي تبدأ عنده النزعة السلبية بالظهور و التطور , الا ان فايش و زملاؤه تمكنوا من التوصل الى ان نشوء هذه النزعة في شخصية الأنسان تكون في سن مبكرة جداً.
ووفقاً لبعض الخبراء في هذا المجال, يبدو أن الأنتباه الى الجوانب السلبية في المحيط يبدأ بالظهور لأول مرة ما بين عمر الستة أشهر الى السنة , و بالتحديد في عمر السبعة أشهر. أذ يتجلى ذلك في حقيقة أن الرُضع في عمر الخمسة أشهر يهتمون بشكل اكبر و يفضلون المثيرات الايجابية . بينما الأطفال في عمر السبعة أشهر يبدأون بالاهتمام بشكل اكبر بالمثيرات السلبية.
النزعة السلبية مابين الوراثة و البيئة .
فيما يتعلق بالسؤال الجدلي حول أي العاملين الوراثة أم البيئة هما الأكثر أهمية و تأثير في نشوء النزعة السلبية .
هنالك بالتأكيد صفة و جانب تطوري في ما يخص تركيز الأنتباه على المثيرات السلبية , خاصةً فيما يتعلق بمثيرات التهديد و الخوف. أذ ينشأ ذلك من حقيقة أن الاطفال الرُضع يختبرون الخوف بمجرد بدأهم بالحركة و التنقل و الذي بدوره يتطور الى أنواع أخرى من الخوف بمرور الوقت.
و بالرغم من هذا الجانب التطوري في نشوء النزعة السلبية ألا أنه لا يُنكر وجود جانب يتعلق بالبيئة و التنشئة ايضاً .
ففي دراسة أجراها كامبوس و زملائه في عام 1992 , توصلوا من خلالها الى أن الأطفال الرُضع يبدأون بأختبار الخوف في مراحل نموهم المبكرة لأن الأمهات يبدأن بأستخدام كلمات تحذيرية و ترهيبية تجاه الرُضع و بذلك يتكون لديهم فهم بأن هذه المفردات التي تستخدمها الأمهات مهمة لحفظ بقائهم و تحقيق رفاههم في تجنب الألم.
مثال أخر للدور الذي تلعبه التنشئة في تطوير النزعة السلبية لدى الأطفال , و هم الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة , أذ تشير الدراسات الى أن مثل هؤلاء الأطفال يركزون أنتباههم الى المثيرات السلبية بدرجة اكبر مقارنة بأؤلئك الأطفال الذين لم يتعرضوا لمعاملة سيئة.
الحقيقة أن تأثير التجارب الشخصية في النزعة السلبية تشير الى أن التنشئة تلعب دوراً هاماً في ذلك , و ان النزعة السلبية لا تعتمد بشكل كبير على العامل الوراثي فقط .
هل جميع النزعات السلبية متشابهة؟
أشار فايش و زملائه الى أن هناك أختلافات و تمايزات بين المستويات المختلفة للنزعة السلبية , و تتضح هذه الأختلافات عندما تُثار النزعة السلبية بمحفزات مختلفة.
فعلى سبيل المثال , الخوف و الحزن و الأشمئزاز جميعها تعد مشاعر سلبية . و مع ذلك فأن نظرة فاحصة بأمكانها توضيح أن هذه المشاعر الثلاثة ليست متماثلة .
فبينما يبدو من الطبيعي أن يتضمن الخوف كجزء من العمليات التطورية , ألا أنه أقل أحتمالاً أن يكون الحزن ضروري او جزء من غريزة البقاء.
مما يثير تساؤل حول أي من هذه المشاعر يمكن عدها سلوكيات مكتسبة او متعلمة. أذ يمكن بالأعتماد على هذه الفروقات توضيح أين و متى تبدأ الوراثة تأثيرها و أين و متى ينتهي دورها ليبدأ دور التنشئة و التعلم في تطور و نشوء النزعة السلبية.
في نهاية المطاف , يبدو كل من الوراثة و التنشئة تلعبان دوراً في تفسير ظهور النزعة السلبية لدى الأنسان.
أذ أن وجود هذه النزعة لدى كل من البالغين و الأطفال يشير الى الجانب التطوري و الدور الهام لبعض جوانب هذه النزعة السلبية في تاريخ تطورنا و بقائنا كجنس بشري .
الا أنه هنالك فرصة لتغيير كيفية تعامل الناس مع هذه المثيرات السلبية و الايجابية المحيطة بهم , و ذلك يتأتى مع الوعي و تدريب الذهن على الأيجابية.
ففي الوقت الذي كانت فيه التحذيرات السلبية أمر ضروري من أجل البقاء بالنسبة لأسلافنا , يبدو في الوقت الحاضر بين ما ننعم به من الرعاية الأمنية و وجود الأهتمام الكافي من قبل الجميع بالطفل , فأنه من غير الضوروي و لا حاجة الى هذه المعركة المستمرة من التخويف و الترهيب و التدريب على أستجابات الهروب و غرسها في شخصية الطفل.
بقلم الكاتبة
زينب كاظم
المصدر : https://positivepsychologyprogram.com/negativity-bias-development/