علي حسين
ظلت البراغماتية ولا تزال تعبيراً صادقاً عن الفلسفة الأميركية، بل أن البعض يربط بينها وبين السياسة الأميركية، حتى يقال إن البراغمانية كانت ولا تزال تعبر عن نظرة طبقة محددة إلى العالم، وهي الطبقة السياسية الأميركية، حيث صاغها ممثلوها لتكون أداة للسيطرة الفكرية على العالم.. ويذهب البعض، مثل سلامة موسى، إلى اعتبار البراغماتية محاولة لمواجهة الفلسفة الاشتراكية .
أنا من جانبي أصاب بحيرة كلما أقرأ كتباً عن البراغماتية وفلاسفتها ودورهم الكبير في ترسيخ مفاهيم الدولة، لكن حيرتي تفاقمت وأنا أسمع لمذيعة تُقدم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بالكلمات التالية “متدفق، صعب التوقف، واقعي، براغماتي، مناور شرس”، فتذكرت مقالا كنت قد قرأته قبل مدة للكاتب الأمريكي جيسون بتلر بعنوان “أنت نعامة أم براغماتي؟” يصف فيه حال بعض الناس الذين قال إنهم يعيشون ضمن طريقة النعامة. يضعون رؤوسهم في الرمال ويتجنبون التفكير في التخطيط طويل الأجل وفي الكثير من التفاصيل، يشاركون في خطة مضمونة للحصول على المال ، فتذكرت العديد من سياسيينا ومسؤولينا، وواحد منهم بالتأكيد محمد الحلبوسي الذي يعيش على طريقة النعامة ، ولا اعتقد انه يعرف فيلسوف براغماتي مثل المرحوم جون ديوي .
يرى وليم جيمس أن البراغماتية هي الفلسفة الوحيدة التي تلائم حاجاتنا وتطلعاتنا، وهيفي مفهوم جيمس فلسفة العمل، والفكرة التي تقوم عليها البراغماتية هي في أن نُخضع سلوكنا بأكمله لاختبار مادي واحد؛ وهو أن نسأل: هل لهذا المسلك ثمن مجزٍ؟ وما هي القيمة الفورية لأي عمل نرغب في تأديته؟، ويوضح جيمس هذه الفكرة قائلاً: “ولكن لا تسيئوا فهم هذه الفكرة. فإذا ما ذكرت القيمة الفورية فإنني لا أعني رد الثمن بالدولارات والسنتات، وإنما أقصد بها الجزاء في صورة صحة أسلم، وعقل أقوى وروح أجرأ.. كان وليم جيمس قد قرر أن يطبق فلسفته البراغماتية على حياته: “لقد منحتني هذه الفلسفة حافزاً أقوى على الحياة، وتسامحاً أحكم نحو الآخرين، ونظرة أصفى إلى الكون، وآفاقاً أوسع، ورضى أعمق، وسلاماً أعظم”.. ويقول وليم جيمس إنه ليس هناك ما نخشاه ما دام العالم هو بيتنا المشترك وسكانه جميعاً هم أفراد أسرتنا الواحدة، ويؤمن جيمس أن الدين الحقيقي هو ذلك الذي يوحد الجنس البشري بأكمله ويجعل منه أسرة واحدة .
وأنا أستمع لفذلكات المذيعة تذكرت مشهداً من فيلم “إحنه بتوع الأوتوبيس” حيث يقول الضابط للمشتبه به عادل إمام؛ “إنت شيوعي ياوله؟” فيجيب: أنا من بتوع الأوتوبيس يافندم”، نحن ياسادة أيضا مثلكم من ركاب هذا “الأوتوبيس” الذي يسمى العراق، والذي يتصارع فيه الجميع على خطف كرسي السائق، حتى وإن كان البعض منهم يمارس لعبة ” النعامة ” .