عن صحيفة (كولتورا) الروسية
أ.د. ضياء نافع
عندما اشتريت من الكشك صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا) اليوم صباحا ( ونحن في ديسمبر / كانون اول من عام 2022) , قالت لي البائعة هناك وهي تبتسم برقّة واضحة – انك قارئ دائم لصحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , فلماذا لا تأخذ ايضا صحيفة ( كولتورا) ( الثقافة ) , فهي قريبة من اهتماماتك ؟ لم استطع ان اقول لها , انني لا اعرف هذه الصحيفة بتاتا, بل وافقت رأسا على شراء صحيفة ( كولتورا ) كما اقترحت عليّ تلك البائعة وانا ابتسم ايضا لها , اذ انها في نفس مرحلة عمري تقريبا , اي اننا معا ( زملاء !) في فترة ( ما بعد التقاعد !) , وهكذا عدت الى البيت , وبدأت بتصفّح هذه الصحيفة ( الجديدة بالنسبة لي بشكل مطلق !) , وفوجئت رأسا بجملة مذكورة تحت التسمية تقول , ان هذه الصحيفة تصدر منذ عام 1929 , اي انها موجودة على مدار (93 ) عاما بالتمام والكمال , وتعجبت جدا , لاني لم الاحظها طوال هذه الفترة الطويلة من متابعاتي للادب الروسي في روسيا وخارجها , ولهذا تركت الصحيفة رأسا وعدت الى المصادر الروسية عنها , كي أعرف وادقق هذه الجملة المثيرة جدا تحت تسمية الصحيفة , و( اكتشفت !) , انها صدرت فعلا عام 1929 , ولكن بعنوان – ( العامل والفن ), والتسمية هذه تعكس بشكل واضح المعالم روح السنوات الاولى للدولة السوفيتية , واستمرّت بهذه التسمية حتى عام 1931 , حيث اصبح عنوانها – ( الفن السوفيتي ) , وفي عام 1942 ( سنوات الحرب العالمية الثانية ) توحّدت مع صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) وأخذت تصدر بعنوان ( الادب والفن ) الى عام 1953 , حيث بدأت تصدر تحت تسمية ( الثقافة السوفيتية ) , ومنذ عام 1991 ( اي عندما تفككت الدولة السوفيتية ) اصبحت تصدر بعنوان ( الثقافة ) ,ثم توقفت عام 2011 لصعوبات مالية , ثم عاودت الصدور بعدئذ , ولكنها اصبحت شهرية منذ عام 2020 ولحد الان . لقد تذكرت وانا استعرض التسميات العديدة لهذه الصحيفة جريدتنا العراقية ( الاهالي ) و ( صوت الاهالي ) و ( صدى الاهالي ) لرائد الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي , وتذكرت ايضا صلاح خالص ومجلته ( الثقافة ) , التي أصدرها على غرار ( الثقافة الجديدة ) , المجلة الرائدة العتيدة للحزب الشيوعي العراقي , ولكن , ويجب الاشارة الى ذلك حتما , فان هيئة تحرير الصحيفة الروسية ( كولتورا ) أصدرت عام 2017 ارشيفا الكترونيا كاملا لها منذ عام 1929 , وتحت كل التسميات التي مرّت بها , وهذا عمل رائع وكبير حقا , يساهم بتدوين تاريخ هذه الصحيفة اولا , وتاريخ الفن السوفيتي والروسي طوال هذه الفترة الطويلة والمهمة فعلا في تاريخ الفكر الروسي , وكم نحن بحاجة لمثل هذه الخطوة المهمة في تاريخنا بالنسبة لصحفنا ومجلاتنا , اذ ان الاجيال العراقية التي جاءت في نصف القرن العشرين ولحد الان لا تعرف شيئا عن مسيرة تلك الصحف والمجلات العراقية الرائدة , ولا يتذكّر العراقيون في الوقت الحاضر الدور السياسي الكبير والرائع للجادرجي , الذي كان يؤديّه في تلك السنوات , ولا يتذكرون صلاح خالص , الذي كان يمكن ان يكون عندئذ النجم الساطع في دنيا النقد الادبي العراقي في خمسينيات القرن العشرين لولا عالم السياسة , الذي انغمر في امواجه المتلاطمة.
بعد ان اطلعت على التاريخ الحافل لهذه الصحيفة الروسية , عدت اليها وبدأت بتصّفحها . انها بحجم متوسط , وعدد صفحاتها 32 صفحة , وصفحاتها مليئة بالصور الملونة الجميلة , اما مواضيعها , فهي متنوعة ومثيرة جدا للقارئ , فعلى الصفحة الخامسة باكملها تقرير تفصيلي عن خطاب وزيرة الثقافة الروسية في مجلس الدوما حول الوضع الثقافي في روسيا الاتحادية , وهناك ارقام دقيقة , منها مثلا , ان 1140 مدرسة روسيّة خاصة بالفنون قد استلمت حاجياتها من الآلات الموسيقية لطلبتها . وفي الصفحتين السادسة والسابعة حوار مهم جدا حول المتاحف الروسية المعاصرة لا يمكن اختصاره ابدا , وعلى الصفحة الثامنة حديث ممتع جدا عن الباليه في روسيا , هذا الفن الساحر , الذي امتازت به روسيا وتألّقت, وكيف تتهيأ روسيا الان للاحتفال بالذكرى 250 عاما على تأسيس فن الباليه لديها , وهناك حديث ممتع آخر عن السيرك الروسي المدهش في الصفحة التاسعة , وتوقفت طويلا عند الصفحة 24 , حيث كان الحديث عن متحف الانطباعية الروسية , وهو موضوع حيوي وطريف وجديد بالنسبة لي , وهناك عدة صفحات تتناول الادب الروسي الحديث ورجالاته , وباختصار , فان صحيفة ( كولتورا ) تتطلب منّي ان ادرسها بامعان ودقّة , وان اسجل في دفاترتي ملاحظات عديدة وجديدة بالنسبة لي حول جوانب تخص الحياة الثقافية في روسيا المعاصرة , ولهذا كله , قررت ان اقدّم في الاسبوع القادم شكري وامتناني لتلك البائعة , التي اقترحت عليّ شراء صحيفة ( كولتورا ) , وقررت ايضا , ان اطلب منها – لاحقا – حجز نسخة لي من تلك الصحيفة الشهرية الغنية جدا بموادها الثقافية المتنوعة .