أبو خلال «سلفي» في عين إعلامي… و«خليلوزيتش» غاضب لاستبعاده من كعكة المونديال!
أي درك من الانحطاط يصل إليه البعض، حين يسعى إلى مصادرة حق المواطنين في الفرح بإنجازات منتخبهم خلال «مونديال» قطر؟ بل أي قيمة لصنف من الإعلام الإلكتروني الذي يبحث عن الإثارة، عبر النبش في الحياة الشخصية للاعبي كرة القدم المغاربة، والخروج باستنتاجات بئيسة، الغاية منها الإساءة إليهم ومحاولة تأليب الرأي العام ضدهم؟
فبعد أيام من لجوء قناة تلفزيونية ألمانية إلى تشبيه ثلاثة لاعبين من منتخب «الأسود» بالإرهابيين، لمجرد رفع السبابة (أصبع التشهد) علامة على النصر، انبرى إعلامي مغربي مقيم في أوربا يتهجم على اللاعب زكريا أبو خلال، بسبب التزامه الديني، فوصفه بالسلفي المتطرف الذي اخترق المنتخب المغربي، محاولا استقطاب بعض زملائه. كما سخر من سجوده في الملعب، منتقدا في الوقت ذاته ظهوره بجانب زوجته المنقبة.
أمام موجة الغضب التي عبر عنها الجمهور واتحاد كرة القدم المغربي، تمادى الموقع الإلكتروني في خطيئته، وأعاد نشر المقال المسيء، قبل أن يضطر إلى حذفه وتقديم اعتذار محتشم وملتو، يبدو أن مدبجه لم يستسغ الانتقادات التي وجهت له، فوصفها بكونها «اصطيادا في المياه العكرة»، مع العلم أن نادي تولوز الفرنسي أدان بدوره «الاتهامات المهينة» التي وجهت للاعبه المغربي أبو خلال، معلنا موافقته على اتخاذ كل الإجراءات القانونية لرد الاعتبار إلى هذا الأخير.
من العيب حقا أن يصدر ذلك الموقف عن إعلامي مغربي مقيم في أوربا، يفترض أنه مؤمن بقيم الحرية الشخصية وبحق الاختيار الفكري والديني لأي شخص، كما يفترض فيه أن يكون متشبعا بأخلاقيات المهنة، من خلال الابتعاد عن القذف وإطلاق الاتهامات على عواهنها في حق الناس، وبناء استنتاجات حول سلوكهم ومواقفهم، انطلاقا من اللباس والشكل الخارجي فقط، بذريعة حرية التعبير.
واللافت للانتباه أن عددا من الإعلاميين والباحثين العرب عموما يسقطون في فخ التناقض الصارخ الموجود لدى أوساط غربية، إذ نجدهم يتحدثون عن الحرية الشخصية حين يتعلق الأمر بمسألة التعري أو اللباس المكشوف أو بالمثلية، ولكنهم ينتفضون ساخطين مزمجرين حين يختار البعض ارتداء لباس مغاير، أو الظهور بشكل مختلف انطلاقا من قناعاته الدينية الخاصة!
خليلوزيتش… «وحيد» فعلا!
أما المدرب السابق للمنتخب المغربي البوسني ـ الفرنسي، وحيد خليلوزيتش فكان «وجعه» مختلفا وكلامه مريرا وإحباطه مضاعفا، إذ يبدو أن الرجل شعر بقدر غير يسير من الغيرة، وهو يرى حجم الاستقبال التاريخي الرائع الذي خصصه المغاربة وملكهم للفريق الذي يقوده وليد الركراكي، فتمنى أن يكون له نصيب من الفرح والتتويج والإنجاز. وقال لموقع فرنسي إنه لن يسامح المغاربة لأنهم نزعوا كبرياءه وحرموه من حضور «مونديال» قطر، حيث كان يتمنى أن يشكل محطة توديعه مهنة التدريب. ولكنهم تركوه «وحيدا» كما يحيل على ذلك اسمه!
وهكذا ستكون أعياد الميلاد بالنسبة له مليئة بالمرارة، كما قال. والحال أن الرجل نفسه غادر المغرب الصيف المنصرم، بعد «طلاق» بالتراضي بينه وبين اتحاد كرة القدم المغربي، حيث برر بيان الاتحاد قرار «الاستغناء بالتراضي» عن خدمات المدرب الأجنبي المذكور بوجود «اختلافات» و»تباين الرؤى» على الطريقة المثلى لتهيئة المنتخب الوطني لكرة القدم لنهائيات كأس العالم قطر 2022.
ما حدث للمدرب البوسني ـ الفرنسي ينطبق عليه المثل العربي «سكت دهرا ونطق كفرا»، ولو حذا حذو خلفه هيرفي رونار الذي كان قد أعلن أنه يشجع الفريق المغربي ضد منتخب بلاده فرنسا، لعد ذلك موقفا يحسب له ويسجل في ميزان حسناته، ولكنه لم يفعل.
يبقى التساؤل: لماذا غضب وحيد خليلوزيتش وقد نال مبلغ 240 ألف دولار أمريكي مقابل فسخ العقد بينه وبين المغاربة، وفق ما أعلن رسميا في الرباط؟ أو مبلغ 3 ملايين و191 ألف دولار أمريكي، حسب ما ذكرت صحيفة بوسنية؟ الجواب ببساطة، أنه كان يتمنى أن يكون له قسط من كعكة الاحتفاء!
نصف المغاربة مرضى نفسانيا!؟
قال نائب برلماني مغربي إن نصف البرلمانيين يعانون من أمراض نفسية، فقامت القيامة احتجاجا على كلامه الذي جاء تعقيبا على مداخلة لوزير الصحة.
بيد أن «استنتاج» البرلماني استند إلى معطيات حديثة أعلنت عنها مؤسسة رسمية هي «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي»، قائلة إن 48,9 في المئة من المواطنين المغاربة يعانون من أمراض نفسية واضطرابات عقلية!
النائب على الأرجح متشبع بالاستدلال المنطقي الذي يقوم على المثال الشهير التالي:
ـ المقدمة المنطقية الأولى: كل البشر فانون.
ـ المقدمة المنطقية الثانية: سقراط من البشر.
ـ الاستنتاج: إذن، سقراط فان.
وقياسا على ذلك، يجوز القول:
«نصف المغاربة تقريبا يعانون من اضطرابات نفسية.
البرلمانيون مواطنون مغاربة.
إذنْ، نصف البرلمانيين يعانون من اضطرابات نفسية».
لكن، ما الذي جعل مؤسسة رسمية وازنة تخلص إلى ذلك الاستنتاج المثير والغريب؟
أهو الرغبة في إنعاش العيادات النفسية التي ربما يشكو أصحابها من قلة «الزبائن»؟ أم إن الحكومة ترغب في أن تزج بالمواطنين نصفهم في مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية؟
الظاهر أن كل من خرج يحتج طالبا حقه في العمل وتحسين جودة الخدمات العمومية، يصير في عرف السلطات مريضا نفسيا أو عقليا يحتاج لحصص العلاج الطويلة!
وأن كل من طالب بالتراجع عن الزيادات المهولة في أثمان المواد الاستهلاكية المختلفة يصنف أحمقَ أو مجنونا، وفق القاموس الحكومي! وأن من رفع شعار العدالة الاجتماعية والحد من اقتصاد الريع يدخل في عداد المرفوع عنهم القلم!
ومن ثم، نطلب من «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» الذي ضرب فكر وقدر وسهر الليالي واستعان بالمحللين والخبراء، ليزف للمغاربة في النهاية «بشرى» أن نصفهم يعاني من أمراض عقلية ونفسية، نطلب منه أن يدلنا مشكورا على المعايير العلمية التي اعتمد عليها، قبل أن يخرج للعلن بذلك الاستنتاج الغريب.
لن نتساءل عما إذا كانت المسألة تنطبق حتى على أعضاء المجلس المذكور أنفسهم، باعتبارهم مغاربة، ولكننا نردد مع بديع الزمان الهمذاني قوله في إحدى مقاماته: هذا زمان مشوم … كما تـراه غشـوم
الحمق فيه مليح… والعقل عيب ولوم
«مع بوشعيل»!
لم يعد التقديم التلفزيوني مهمة مقتصرة على الإعلاميين العرب، بل وجدنا عددا من الفنانين، المطربين خاصة، يحاولون أن يدلوا بدلوهم في المجال، مزاحمين أهل الاختصاص في عملهم وقوتهم اليومي. آخرهم المطرب الكويتي نبيل شعيل الذي يقدم برنامجا حواريا على قناة «الراي» بعنوان «مع بوشعيل»، وهي ليست الحالة الوحيدة ولن تكون الأخيرة بالتأكيد.
هل يريد الفنانون أن يحكموا على إعلاميي التلفزيون بالبطالة؟ حين يقتحمون عليهم عقر دارهم، وعوض أن يكونوا محاوَرين صاروا محاوِرين مستسهلين العمل الإعلامي، إذ لم يكتفوا بأضواء الشهرة عبر الغناء، بل صاروا يطمعون في أضواء بلاتوهات الحوار التلفزيوني، مع ما يمكن أن تحققه من مكاسب معنوية ومادية!
٭ كاتب من المغرب