علي حسين
يختلف العراقيون على أشياء كثيرة ، لكنهم يتفقون على محبتهم للبصرة، ولعل هذا الإجماع يتلاقى مع جمال هذه المدينة وطيبة أهلها. يرددون في معظم مدن العراق “الليلة حنتهم بالبصرة زفتهم، والبصرة غدت جنة يابصراوي تهنه” ،
الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر الحلي حسين علي ولحنها أحمد الخليل المولود في دهوك وغنتها ابنة الكرخ مائدة نزهت ، وكان العراقيون يصغون جميعاً إلى البصرة، أعجوبة العراق التي جمعت بين الجاحظ الذي علمنا معنى الشغف بالكتاب: “الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يتملقك، ولا يخدعك بالنفاق”، وإخوان الصفا ودعوتهم لإشاعة العدل، إلى السياب الذي لن يكتب الشعراء من بعده مثل “غريب على الخليج”.. ولن يعاتب عاشق وطَنَه بمثل ما عاتب وطنه، وليس انتهاء بفؤاد سالم وسيتا هاكوبيان ومحمد خضير ومحمود عبد الوهاب وكاظم الحجاج والمئات من الذين رسموا مسرات وأحزان العراقيين.
بعد أيام ستنطلق صافرة بداية المباراة الأولى في كأس الخليج الذي تحتضنه البصرة، وسيرى أهلنا من بلدان الخليج كيف أن مدينة عراقية ستذهلهم بكرمها وطيبتها، وتقدم لهم الإنسان العراقي بنسخته الحقيقية الشديدة التميّز، عراقيون رجالاً ونساء نشاهدهم هذه الايام تزدحم بهم مواقع التواصل الاجتماعي وهم يغنون مع رضا علي حارس الروح البغدادية “مركب هوانا من البصرة جانا”، وكأنهم يرددون النشيد الوطني فتلمع العيون بدمع واحد، والوجوه بشجن عراقي.. حتى يخيل إليك أنهم يعيدون اكتشاف العراق الكبير الذي يريد له البعض أن يرقد تحت ركام من سياسات غير مسؤولة، وخطب وشعارات سيئة الصيت والسمعة.
أنظر إلى وجوه اهالي البصرة وهم يرحبون بضيوفهم من الكويت والامارات وقطر والسعودية وعمان والبحرين واليمن فتشعر أنها وجوه لعشاق، يستحضرون كل قصائد الغزل من أجل أن يبقى العراق كبيراً، فتياً، متدفقاً بالحيوية، ويدهشك في وسط هذه الأجواء المسكونة بالحب والأمل، أن لا أحد يتذكر ألاعيب الساسة ومخططاتهم الشيطانية.
أنظر إلى وجوه أبناء البصرة، وأتذكر كلمات نزار قباني :
” يستوقفني قمر البصرة
هل أبصرتم قمرا يصهل مثل المهر
كيف أمشط شعر البصرة بالكلمات
منذ ايام نعيش مع نساء ورجال يعرفون جيداً أهمية وقيمة العراق، ويحترمون تاريخه وذاكرته، أكثر بكثير من صغار الساسة الذين يتقافزون أمام الفضائيات على إيقاعات مثيرة للضحك والخجل.
فيا أبناء بلدي الطيبين، أنصتوا إلى خفقات قلوب أهالي البصرة، واقرأوا سطور محمد خضير في ” “بصرياثا” ، لتدركوا ان هذه المدينة أكثر صدقاً وتمسكاً بالأمل.
مهما عبرت عن حبي للبصرة ، فلن أعبر ، فانا من جيل يجد دوماً في مدينة الفراهيدي ، الوان من الفرح ، ومتع من الحنين.