علي حسين
منذ صدور مذكرات الأمير البريطاني هاري والتي أطلق عليها عنوان “SPARE” – سبير أو الاحتياطي – انشغل العالم بحكايات الأمير الصغير حتى وصلت مبيعات كتابه لأكثر من مليون ونصف المليون نسخة خلال أيام، بالتاكيد لم يستطع تجاوز مبيعات مذكرات ابراهيم الجعفري ، ومن المقرر أن يقبض هاري مبلغاً لا يقل عن عشرة ملايين دولار عن سرد حكايته وخلافاته مع عائلته.
حتماً سيضحك قارئ عزيز من سذاجتي وأنا أحسد الأمير البريطاني على ملايينه وأنسى أن “شاطراً” لم يكتب مذكرات ولم يذرف الدموع على الفضائيات، لكنه حصل على أكثر من مليارين من الدولارات مكافأة له على شطارته ومهارته في سرقة المال العام.
من يقرأ أخبار الضجة التي أثارها كتاب “سبير” وتعليقات كبريات الصحف العالمية، سيتذكر أن هذه البلاد صدّرت للشعب أكثر من “سبير” يجلسون على مقاعد البرلمان شعارهم “لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم”، فهم أناس مسيرون وليسوا مخيرين، الأمر أولاً وأخيراً بيد اللاعبين الأساسيين وهم قادة الكتل ورؤساء الأحزاب. نوابنا الـ”سبير” نجدهم يختلفون في درجة قربهم من المنافع وليس في درجة قربهم من الناس. وقد عشنا منذ سنوات مع “سبيرات” جلست على كرسي السلطة ثم عادت إلى بلدانها الأصلية محملة بكل ما غلا ثمنه، تاركة وراءها شعباً وصلت نسبة الفقر فيه إلى أكثر من 40 بالمئة، وخطب وشعارات زائفة وعبارات مضحكة، فمن ينسى “قمقم” الجعفري؟ و”دايح” محمود المشهداني؟ و”فقاعات” رئيس دولة القانون؟.
منذ أن نشر الأمير هاري مذكراته خرجت الصحافة البريطانية لتسخر من الفتى المدلل، الغريب الأطوار، وقبل أن يذهب بكم الظن وتعتقدون أن الأمير حاول أن يقلد إبراهيم الجعفري ويطلق على نفسه لقب “النجاشي”، أو أنه شريك في صفقة أمانات الضرائب مثل الحاج الدكتور هيثم الجبوري!، الصحافة اعتبرت الكثير من صفحات الكتاب قصص مختلقة وخيالية، وكنا في هذه البلاد قد قرأنا مذكرات إبراهيم الجعفري وأياد علاوي وباقر جبر الزبيدي والأهم استمتعنا بما قدمه رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري في مذكراته “سليم حكاية السيرة والمسيرة” ، الجميع اراد أراد أن يؤرخ لعصر زاهر بالمنجزات الوهمية !!.
كتب ساستنا مذكراتهم التي حاولوا من خلالها نشر رائحة الكذب ، وممارسة غسيل لادمغة البسطاء؟! عن الذين يصرون على أن يحققوا لهم ولأهلهم كل شيء، ولم يحققوا أي شيء آخر للمواطن؟ عن الدولة التي تخطف فيها المليارات في مشاريع فاشلة؟ .
كان السنغافوري لي كوان يقول إن الصراحة وكشف الحقائق امام الناس هي التي تبني بلاد قوية.تُكتب المذكرات عادة من أجل البوح بالحقيقة، وقد وضع كبير فلاسفة فرنسا جان جاك روسو مذكراته تحت عنوان “اعترافات” فيما أصر الجعفري ان يضع عنوان “تجربتي” لمذكراته.. تاركاً لنا أن نتذكر؛ ماذا كانت هذه التجربة ؟ .