ليس دفاعا عن النظام الإيراني ولكن…
في نهاية عام 2021، ألغى أكثر من ثلثي دول العالم، عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم، وبقيت 55 دولة مستمرة في إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها فعليا وفق قوانينها، من بينها العراق وإيران. البلدان اللذان يحتلان موقعا متقدما في قائمة البلدان الأكثر إصدارا وتنفيذا لأحكام الإعدام.
وتأتي إثارة الاهتمام بهذا الحكم، من الحكومات الغربية خاصة وفي أرجاء العالم بدرجة أقل، في الأسابيع الأخيرة، بعد أن أصدرت إيران الحكم على 100 شخص اتُهموا بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام، بسبب الاحتجاجات التي شهدها البلد في الشهور الأخيرة.
وتم تنفيذ الإعدام باثنين من المتظاهرين فعلا. وتصاعد الاهتمام بشكل كبير منذ أيام بعد أن قامت السلطات الإيرانية بتنفيذ حكم الإعدام في المسؤول الإيراني السابق الذي يحمل الجنسية البريطانية، علي رضا أكبري، بتهمة التجسس لصالح بريطانيا. وهي تهمة نفاها أكبري قائلا إنه عُذب بمختلف الأساليب، على مدى أيام، وأُجبر على الاعتراف بما يُراد منه بعد تحطيمه نفسيا وجسديا.
تأخذنا الضجة الرسمية، خاصة من قبل الحكومة البريطانية والإدارة الأمريكية، وما صاحبها من تغطية إعلامية مكثفة، حول إعدام أكبري إلى ما يشبه حلبة الملاكمة التي يتبادل فيها المتنافسان اللكمات في جولات صراع تبدو بلا نهاية، وهما محاطان بحشود تصرخ بشكل هستيري منقسمة تشجيعا لهذا الملاكم أو ذاك، كل حسب مصلحته. قد تكون المصلحة رمزية إلا أنها غالبا ما تكون مادية يتحكم بها حجم الرهان الموضوع على كل لاعب، ومدى سيطرة الجهة المُنظمة للعبة ونسبتها المستوفاة من الأرباح، وهي طائلة بكل المقاييس. وهذا ما نشاهده عموما أثناء متابعة جولات الملاكمة/ الصراع الطويل، بصعوده ونزوله، بين إيران وأمريكا وبريطانيا بالدرجة الاولى. الجولات التي إن تميزت بشيء فهو استخدام « حقوق الإنسان» كقفاز ملاكمة لحماية قبضة هذا الملاكم او ذاك، بابتذال يشي بالاحتقار المُبطّن لمفهوم هذه الحقوق والقوانين المحلية والدولية المعنية بتطبيقها لصالح الشعوب.
وصف رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، إعدام إيران لرضا أكبري بأنه «عمل قاس وجبان نفذه نظام همجي لا يحترم حقوق الإنسان لشعبه». وهو توصيف جيد للنظام الإيراني الذي لم يتقاعس يوما عن إعدام معارضيه ومن يراهم خطرا على وجوده بذرائع مختلفة، أكثرها إنتشارا تهمة التجسس وتهديد الأمن القومي.
خلال الأسبوع الأخير فقط «أعدمت» قوات الاحتلال الصهيونية 10 فلسطينيين، وشهد عام 2022 مقتل 200 شخص، بينهم حسب منظمات دولية، 42 طفلاً
ورضا أكبري ليس أول من تم إعدامه بإيران ولن يكون الأخير. إلا أن تصريح رئيس الوزراء البريطاني، على الرغم من إنسانيته الظاهرة، يستفز المرء إلى حد مطالبة رئيس الوزراء بالنظر في المرآة ليرى «أخلاقية» موقف وسياسة الحكومة البريطانية والإدارة الأمريكية الخارجية، واحترامهما لحقوق الشعوب، ليس في إيران فحسب ولكن في بلدان أخرى تعيش انعكاس سياستها كما في العراق وفلسطين.
ففي العراق، بلغ عدد ضحايا الحرب العدوانية التي شنتها أمريكا وبريطانيا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وحسب الاحصائيات الرسمية، ما يزيد على المليون مواطنا عراقيا، إلا أن عدد الضحايا الهائل وما خلفته الحرب من تخريب شامل، لم يدفعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي كان من أكثر مؤيدي شن الحرب واحتلال العراق حماسة، عند مواجهته بعدد الضحايا، إلى الحديث عن احترام حقوق الإنسان بل قال بعنجهية العقلية الاستعمارية : « أعتقد أنني اتخذت القرار الصحيح وأن العالم أصبح أفضل وأكثر أمانًا نتيجة لذلك»، مضيفا بأن هناك حكومة عراقية مُعترف بها دوليا. هكذا إختار توني بلير ومن تلاه من رؤساء وزراء، سواء كانوا من حزب المحافظين أو العمال، مواصلة السياسة البريطانية الخارجية في شراكتها مع أمريكا، المتبدية في الانتقائية ووجود معايير سياسية مختلفة تتحكم بتطبيق ميثاق حقوق الإنسان المفترض في أنه كوني شامل.
مما يقود إلى النظر في نوعية الحكومة التي وضعت أمريكا وبريطانيا حجر أساسها وتسويقها باعتبارها، خلافا للنظام السابق، لا تحيد عن صراط حقوق الإنسان. في لقاء مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالعراق، في التسعينيات، والذي استقال من وظيفته احتجاجا على ما اعتبره جريمة قتل العراقيين أثناء الحصار الهمجي الذي فرض على البلد، يقول هانز فون سبونيك بأنه لم يبق بند من بنود حقوق الإنسان لم يُنتهك في العراق المحتل. ويكفينا أن نذكر سجون المحتل الأمريكي والبريطاني ومأسستهما التعذيب والقتل في أبو غريب وبوكا وعشرات السجون والمعتقلات الأخرى، واستمرار الجلاد العراقي بذات النهج، لندرك حجم الاستهانة التي يصبها الساسة الغربيون على رؤوس الشعوب عند الحديث عن حقوق الإنسان. ففي نهاية عام 2021، كان هناك 28670 شخصاً، على الأقل، تحت طائلة الحكم بالإعدام في أرجاء العالم. استحوذت تسعة بلدان على 82 بالمئة من الأعداد الكلية، كان أولها العراق (8000+)، حسب منظمة العفو الدولية ألتي طالبت السلطات العراقية بوضع حد للإعدامات التي وسمت العراق بكونه مسلخا بشريا، حسب تعبير رئيسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. وتفتخر وزارة العدل في بيان لها بتاريخ 4 تموز 2016 بأنها تُنفذ أحكام الإعدام فور تمكنها من ذلك، وأنها ترفض «بشكل قاطع أي تدخل سياسي أو دولي يطالب بإيقاف أحكام الإعدام تحت غطاء حقوق الإنسان أو أي غطاء اخر».
إزاء هذا كله، وعلى مدى عشرين عاما من الاحتلال، تقريبا، لم يحدث ووقف أي مسؤول بريطاني أو أمريكي ليدين همجية الإعدامات بالعراق. كما لم يحدث ووقف أي رئيس وزراء بريطاني أو رئيس أمريكي ليدين همجية الكيان الصهيوني في قتلها الفلسطينيين، على مدى عقود، وغالبا بشكل إعدام فوري، بلا مقاضاة أو حكم مسبق، في الشارع، تحت أنظار العالم، وبقبول مخز لفبركة أسباب القتل بعد ذلك. فخلال الأسبوع الأخير فقط «أعدمت» قوات الاحتلال الصهيونية 10 فلسطينيين، وشهد عام 2022 مقتل 200 شخص، بينهم حسب منظمات دولية، 42 طفلاً. ولم يحدث ووقف الرئيس الأمريكي جو بايدن أو رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك منددين بالجرائم باعتبارها «عملا قاسيا وجبانا نفذه نظام همجي لا يحترم حقوق الإنسان لشعبه».