الأمير هاري، الجارح المجروح
شاهدت قبل أيام الأمير البريطاني هاري في حوار حول كتابه الذي أصدره مؤخراً بعنوان «الاحتياطي». الحوار دار بينه وبين صحافي بريطاني ونقلته القناة التلفزيونية الفرنسية السادسة، وأعيد بثه في الليلة ذاتها على القناة الأولى. من طرفي، تأثرت كأمّ يوم شاهدت الأمير هاري الصبي الصغير (12 سنة) وهو يمشي في جنازة أمه خلف نعشها في شوارع لندن، وكانت أمه الأميرة ديانا قد قتلت في حادث سير في باريس تحت جسر ألما (بالقرب من بيتي) وذهب ليلتها مطلقها الأمير شارلز (ولم يكن قد صار ملكاً بعد) إلى باريس لنقل جثمانها كأم لولديه.
انتقام الأمير هاري
لعل هاري لم يغفر يوماً للأسرة الملكية مسؤوليتها غير المباشرة عن موت أمه مع صديقها دودي الفايد في حادث السيارة الشهيرة، ولم يغفر للمصورين وصحافة الفضائح التي جعلت التقاط صورة لأمه وهي تحتضر في السيارة المحطمة بفعل الاصطدام المروري! سبب طلاق أمه من والده الذي صار ملكاً بعد موت الملكة إليزابيث، السبب هو أن شارلز كان يحب امرأة تدعى كاميلا باركر بولز وتزوجها مؤخراً رغم أن علاقة شارلز بها كانت سبباً لتدمير زواجه.
مخدرات وشعار النازية
انتقام هاري من أسرته الملكية (آل وندسور) اتخذ أشكالاً متعددة. صار يدمن شرب الخمرة، وتنشر الصحف البريطانية صوره ثملاً. وذات سهرة، ألصق على قميصه الشعار النازي، وصدرت الصحف وفيها صورته كضابط نازي كأنه في اللاوعي، كان ينتقم لأمه ديانا المحبوبة من الشعب البريطاني على العكس من كاميلا شبه المكروهة من الناس في بريطانيا.
بكى مرة واحدة
يقول هاري في مقابلة على هامش كتاب مذكراته إنه بكى مرة واحدة بعد وفاة أمه الأميرة ديانا لحظة دفنها، ولعل ذلك يفسر سلوكه الاستفزازي للأسرة الملكية، وسلوكه كله يتضمن انتقاماً من أسرته التي يعتبرها ضمناً مسؤولة عن موت أمه. وزواجه من ميغان ماركل الأمريكية المطلقة الخلاسية هو النقيض لزواج والده من أمه ابنة اللورد، العذراء الجميلة، الصغيرة (18 سنة وقت زواجها). واعترف الأمير هاري أنه في إحدى الفترات تناول المخدرات؛ أي أنه قال وفعل كل ما يمكن إيذاء أسرته (الأسرة الملكية البريطانية). من طرفي، لا أتذكر من هاري إلا ذلك الصبي الصغير الذي مشى خلف نعش والدته في جنازتها (الشهيرة)، ذلك الصبي الصغير الذي شاهده حقلا من الأزهار حمله الناس وأحاطوا به القصر الملكي وكان بينهم من يبكيها بحرقة.
فهل نلوم ابنها الصبي الذي تربى كأمير، على كتم مشاعره وهو ينفجر في مذكراته «الاحتياطي»؟
الصحافة البريطانية والمذكرات
كانت ردة الفعل الصحافية البريطانية قاسية على الأمير هاري ومذكراته، الذي روى أيضاً أن شقيقه (ولي العهد) الأمير وليام كان ضد زواجه من ميغان، وتشاجرا وتضاربا وتسبب ويليام لشقيقه الأصغر بكدمات وخدوش. كعرب، يبدو الأمر مسرحية شكسبيرية بامتياز.
فالملكة الراحلة إليزابيث التي لم تسمح لأختها بالزواج من حبيبها لأنه مطلق، رحبت بزواج هاري من ميغان لكي تبدو الأسرة الملكية عصرية وتتجدد.. لا ينقص الحكاية إلا شكسبير المبدع ليكتبها وينقلها من خانة خيانة شاب لأسرته إلى مستوى أدبي شديد الرقي.
فأين شكسبير البريطاني المعاصر الذي يكتب مسرحية الأسرة الملكية البريطانية؟
النازية الإسرائيلية
مازالت إسرائيل تتاجر بما فعله هتلر باليهود.. وصدر مؤخراً كتاب بالعربية عن (الشوا)؛ أي الأذى الهمجي الذي سببه هتلر لليهود وقتله لبعضهم في غرف الغاز. ولكن إسرائيل اليوم تحاول أن تفعل ذلك بالشعب الفلسطيني الذي لن يتخلى عن أرضه حتى المحتلة من قبل إسرائيل. وسيذهب الفلسطينيون الشجعان إلى المسجد الأقصى للصلاة على الرغم من زعم بعض الإسرائيليين أنه، أي المسجد، كان مكاناً دينياً يهودياً!
وكان لا بد من الاصطدام مع أصحاب الحق (أبناء فلسطين) ومع المحتل المقتحم. وسرني الإجماع الدولي في مجلس الأمن على رفض اقتحام أي إسرائيلي للمسجد الأقصى.. فلسطين ستظل لأبنائها لا للمحتل، وستظل عربية، والاهتمام بأخبارها والوقوف إلى جانبها واجب وطني أحسه كعربية داخل عروقي.. وتحيا فلسطين ولتسقط محاولات تهويدها الاحتلالية!
لماذا لا يموتون وحدهم؟
لماذا يريد بعض المنتحرين أن يصطحب معه إلى الموت بعض الناس الذين لا علاقة لهم به؟ هذا موظف في فرجينيا الأمريكية يقتل 6 أشخاص على الأقل ثم ينتحر كما قرأت. والسؤال هو: لماذا لم ينتحر وحده ويدع الآخرين يعيشون حتى تحين منيتهم بأمر الله تعالى؟
والأكثر فظاعة من ذلك أن أمريكياً قتل 7 من أفراد عائلته ثم انتحر! قتل زوجته وحماته وخمسة من أولاده ثم انتحر، وكانت زوجته قد تقدمت بطلب للطلاق منه (ويبدو أنها كانت على حق!). والسؤال هو دائماً: لماذا لا ينتحرون وحدهم؟ وإذا كان سبب انتحارهم أليماً فهل يتوهمون أن الذين قتلهم قبل انتحاره سيشهدون معه في محكمة الخالق، أم أن الله تعالى حرّم القتل ولن تنفعهم شهادة أحد؟
وحتى تمنع أمريكا حرية امتلاك السلاح (مع رخصة بذلك)، فمن الواضح أن الكثيرين لا يقومون باستخدامها للدفاع عن أنفسهم، وحتى ذلك ستظل المجازر تقع. وأختم بالاعتراف: كتبت كل ما تقدم كي لا أكتب عن مأساة لبنان الذي يلقب من زمان بسويسرا الشرق، الذي صار الوطن الأكثر فقراً في عالمنا العربي، والهجرة منه تتكاثر، والحكاية تطول…