الملف النووي العراقي .. بين المطرقة والسندان .
محمد السعدي
بحزن وألم شديدين لايخليا من التعجب والاستفهام ؟ . تابعت ما رواه العالمان العراقيان نعمان النعيمي وجعفر ضياء جعفر عبر موقع شهادات الالكتروني في كشف أسرار وتعقيدات البرنامج النووي العراقي بداياته ومراحل تطوره وعودته الى نقطة الصفر بتدميره في لعبة سمجة وتافه تحت مظلة الشرعية الدولية للامم المتحدة عبر لجنة المفتشين الدوليين .
بين المطرقة والسندان ، بهاتين المفردتين يحصرا العالمان العراقيان معاناتهما في تعثر تطور البرنامج النووي العراقي الى مراحله الآخيره رغم الامكانيات الكبيرة والغير طبيعية في الملاكات والعقول والمال والدعم اللوجستي والخبرات الدولية منذ لبناته الأولى في ظل الحكم الملكي الى توليه في زمن الحكم الوطني الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم ونصب عينيه على بنائه. لكن تلك الجهود راحت هدراً ، فضاع حلم العراق وجهد أبنائه العراقيين الوطنيين ، بل العراق كله ضاع بين مطرقة أبنائه من متخلفين وحمقى ومغرورين وخونة ، وسندان التأمر من متربصين لتطوره العلمي والتكنلوجي وبنيانه التحتي . أدى به الى إحتلاله وتدميره والعودة به الى مراحل القرون الوسطى ، كما أرادت في حينها وزيرة خارجية أمريكيا أولبرايت . سنرجع العراق الى القرون الوسطى . يروي العالمان جعفر ونعمان تجربتهما المرة ومعاناتهما بوجع ما أل اليه مستقبل ومصير البرنامج النووي العراقي ، مستعرضين أهم محطاته والصعوبات التي واجهوه في أنجاح المشروع النووي العراقي ، حيث كانا من مؤسسيه الاوائل وواضعي اللبنات الاولى في حيز دائرة التصنيع والتطوير ، بعدما كان في الخمسينيات متعثر وفقير أرتباطا بمجمل عوامل داخلية وخارجية حدت من نهوضه وتطوره ، لكن بعد سلسلة من الانقلابات الدامية وقفز حزب البعث الى السلطة في مراحلها الآخيرة عام ١٩٦٨، حدث تأميم النفط وكانت عائداته سريعة ووفيرة لدولة نامية مثل العراق وغني بموارده الطبيعية والمائية والزراعية والبشرية مما عززا من مكانته ودوره الاقليمي والدولي . الملاحظ ضمن تلك المتغيرات الاقتصادية ضمنا الوئام السياسي الذي أسس للعراق ستراتيجية قوية في العلاقات الدولية مع دول تتمتع بقرار سياسي كالمانيا وفرنسا والسوفييت ، ضمن تلك الوضع الجديد صب العراق جهده المتفاني في أمتلاك سلاح نووي مهما أدعت تخريجاته وتمويهاته ، لكن كان هدفه الاساسي خلق نوع من التوازن الاقليمي والدولي ولاسيما العراق محاط بل محصور من الشرق إيران الشاه وسعيه في تصنيع وأمتلاك سلاح نووي ومن الغرب أسرائيل وحيازتها على روؤس نووية . كانت فرنسا شيراك لها دوراً كبيراً في التعاون مع طموحات العراق ، فهي بدورها ومن خلال ترسانتها العلمية والبايلوجية وخبرتها في هذا المجال ، دفعت البرنامج النووي العراقي الى خطوات سريعة وعملية مما دعا الدوائر الصهيونية ان تنظر بعين الريبة والمتابعة الدقيقة في سعي وتحركات العراق ، وفرضية خطورته المستقبلية ، فعلى اراضي فرنسا وتحديداً في الثمانينات تم إغتيال العالم المصري يحي المشد المساهم في مفاعل تموز 1 في فندق مرديان عن طريق مومس فرنسية وبعدها بيومين تم دهس المومس بالسيارة في شوارع باريس وهي ثملة لضياع معالم الجريمة ، وفي نفس العام تم إغتيال المهندس المدني عبد الرحمن رسول وتوفي العالم الفيزيائي سلمان رشيد سلمان اللامي في ظروف غامضة . ففي ظل تلك التطورات والصعوبات من الاستهداف الواضح والسافر لطموحات العراق سعى هو بدوره الى دعم الخبرات العراقية ، وفتح قنوات أتصال بميزانية مفتوحة ومغرية لجذب علماء وخبراء عراقيين من الخارج الى العراق للمساهمة بمشاريع العراق النووية ، وعاد المئات بدوافع وطنية عراقية وفعلا ساهموا بأخلاص في بناء المشاريع ، لكن للأسف الشديد أصطدموا بعقول متخلفة وبعيدة عن مناهج العلم والتطور . العريف حسين كامل مثالا واقعيا ومؤلما في أجهاض هذا الحلم العراقي من خلال نفوذه المتسلط على أهم مرفق علمي ، أدى الى تدميره بالكامل ، حتى عندما زعل على عمه صدام والتجأ الى الجارة الاردن سلم ما تبقى من ملفات كانت مخفية الى رئيس لجنة المفتشين ، مع كل تلك الفضائح والهزائم ظلت الحكومة العراقية تلوح وتوحي بأمتلاك أسلحة دمار شامل ، وأرادت تثبت من خلال ذلك ، وتحديدا الى إيران ما زالت نمرا بأسنان قوية ، عندما غار الطيران الصهيوني على مفاعل تموز 1 ، كان العالم العراقي ضياء جعفر في حاكمية المخابرات في شارع 52 ينتظر محاكمته بعد ما وعده صدام حسين سيبني له تمثالا من ذهب في أهم شارع في بغداد والغيرة الوطنية العراقية هي التي وجبت على علماء العراق بالعودة الى حضن الوطن ، لكن مصيرهم كان الاعتقال والتهديد بالموت . وطيلة السنوات الماضية من عمر الاحتلال وما تعرض له العراق من أنهيار كامل على كافة الاصعدة والمناحي ، كان للجارة المسلمة الدودة إيران تفوقها وتحديدا في المجال النووي في الاستفادة من خبرات
وملاكات العراق وعلمائه وملفاته التي سرقت تحت حراب المحتل وأدلائه لتحتل إيران دور العراق المفترض في المنطقه ، لكن بنفس الشعارات المستهلكة حول فلسطين ولتسقط الصهيونية ، والعب على المكشوف مع الادارة الامريكية وحلفائها حول أمتلاك أسلحة محرمة للاستخفاف من وعي الشعوب وتطلعاتها ، في الختام نوجه ما في صدورنا من أعتزاز وتقدير لكل ملاكات وعلماء العراق إينما كانوا على وقفتهم الوطنية في بناء العراق ، وللذين رحلوا أو إغتيلوا الشهادة والعزة .