هل تحسم الدبابات الغربية الحرب الأوكرانية؟
يُعتبر الإعلان عن تزويد أوكرانيا بأنواع جديدة من الأسلحة، منعطفا جديدا وخطيرا في الحرب الدائرة بين روسيا وحلف الناتو على أراضي هذا البلد. لقد كانت هنالك خطوة أولى من هذا النوع بعد بضعة أشهر من بداية الحرب، لكن كان ما يشبه الخط الاحمر للغربيين الداعمين لاوكرانيا يقضي بعدم تسليمها أسلحة ثقيلة، حتى لا تنخرط هذه الدول في صراع مباشر مع روسيا. ويبدو أن هذا الأمر قد تغير اليوم، حيث يلوح في الأفق تحرك سياسي دولي مختلف، لشرعنة إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، سواء من دول حلف الناتو، أو من دول خارج هذه المنظومة.
لقد جاء إعلان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بقرار المملكة المتحدة إرسال 14 دبابة قتال رئيسية من طراز تشالنجر 2 إلى أوكرانيا، لتعزيز مجهودها الحربي في مواجهة الجيش الروسي، خطوة سياسية أكثر منها عسكرية. فالخبراء العسكريون يقولون صحيح إن هذه الدبابات كانت قد صُمّمت وصُنعت في الأصل من أجل مواجهة معدات القتال الروسية، لكنها اليوم تعتبر قديمة فعمرها أكثر من عشرين عاما. كما أنهم يؤكدون أن هذا العدد الصغير من الدبابات لا يمكن أن يغير قواعد الحرب، من حيث تغيير مسار القتال في كل مكان في أوكرانيا، لكنه قد يغير قواعد اللعبة، من حيث أنه يرمز إلى كيفية قيام الغرب بتوفير المعدات التي تطلبها أوكرانيا، من أجل استعادة أراضيها في ساحة المعركة، وإذا ما أضفنا هذا الرأي إلى ما تقوله أوكرانيا من أنها بحاجة إلى 300 دبابة لكسر الجمود في الحرب، والعودة إلى الهجوم، يصبح جليا أن بريطانيا أرادت من وراء إرسال الدبابات توجيه رسالة سياسية بالدرجة الأولى إلى ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، ودفعهم لتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية خاصة دبابات لابارد 2 التي تُصنّعها وتُصدّرها.
المُلاحظ أن كل الأسلحة التي يقدمها الغرب إلى أوكرانيا، القاسم المشترك بينها جميعا أنها دفاعية وليست هجومية
التخوف الآن لدى الدول الغربية يتمحور حول نقطة مهمة وهي، إلى أي مدى يمكن مساعدة الأوكرانيين من دون التحول إلى طرف في الحرب القائمة؟ هذا السؤال تحدد إجابته روسيا في كيفية تعاملها مع الأسلحة الجديدة، التي وعدت بريطانيا وفنلندا وبولندا بتزويد أوكرانيا بها، فإذا اعتبرت بريطانيا طرفا في الحرب، فمعنى ذلك أن الحرب ستمتد لتصبح بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بشكل مباشر وليس بالوكالة، لكن المُلاحظ أن كل الأسلحة التي يقدمها الغرب إلى أوكرانيا، القاسم المشترك بينها جميعا أنها دفاعية وليست هجومية. كما أوضح السفير الأوكراني في لندن صراحة، أن معظم المدرعات التي يرسلها الاتحاد الأوروبي إليهم هي منتهية الصلاحية وقديمة ولا تصلح للقتال، ويبدو أن السبب الرئيسي في عدم تزويد أوكرانيا بأسلحة غربية متطورة يعود إلى مسألة التكنولوجيا، فكل الأسلحة مسموح باستخدام التكنولوجيا المرتبطة بها إلى حد معين من قبل أوكرانيا وليس بشكل كامل، لأن السماح بذلك يعني أن الحرب ستكون مفتوحة ومدمرة لكل الأطراف في الوقت نفسه، لذلك مهما قدّم الغرب من أسلحة إلى أوكرانيا فإنها ستكون بقيود، لأن هنالك خوفا من هوية المستخدم الأخير لهذه الاسلحة، أو ربما قد تقع في أيدي القوات الروسية الحريصة على الاستحواذ على بعض منها لمعرفة أسرارها، كما أن الغرب ينظر إلى أوكرانيا على أنها ليست جديرة بالثقة، في الحفاظ على أسرار التكنولوجيا المرتبطة بالسلاح الغربي، ويعتقد أن هنالك الكثير من الجهات السياسية والعسكرية الأوكرانية مُرتشية ولديها ارتباطات مع موسكو. وإذا كان هناك اليوم من تحرك غربي محموم لزيادة الدعم العسكري لكييف، كما ونوعا، فيبدو أنه مدفوع برؤية غربية تقول بأن الروس يريدون حسم المعركة، ربما في هذا الشتاء أو الربيع المقبل قبل الجلوس إلى مائدة المفاوضات.. وأن موسكو عمدت إلى تعبئة عشرات الآلاف من المجندين الذين تلقوا تدريباتهم مؤخرا، وعززوا قوتهم النارية سواء بالصواريخ أو المدفعية، كما أدخلت موسكو مؤخرا دبابات «تي 90» المتطورة. وكل هذه التحركات المتبادلة متعلقة بمسألة التكافؤ، لكن المسألة تعتمد أيضا على طريقة إدارة المعركة والخطط والكفاءة والتدريب. المهم جدا هنا هو أن تسليح أوكرانيا على المدى الطويل سيكون غربيا بامتياز، بعد أن كانت كل أسلحتها سوفييتية، وستصبح مستودعا لمختلف أنواع السلاح الغربي في خاصرة روسيا، والذي يجب عليها أن تفهم ذلك جيدا. صحيح أنها احتجت لدى الناتو على هذا التوجه، لكن ذلك ليس مجديا، لأن المعادلة ستكون سلاحا روسيا أمام سلاح غربي في المرحلة المقبلة، كما أن المسألة لم تعد تتعلق بالنوايا أو مسألة وجود حسم من عدمه، لأن كل الأطراف بدأت تبحث عن فكرة معادلة القوى والتوازنات والقدرات على الأرض وليس الحسم، لأنه لا يبدو حتى الآن أن هناك اتجاها روسيا للتوقف عند حدود معينة. لقد ترددت بعض القوى الغربية في تزويد أوكرانيا بالسلاح الثقيل، كي لا تنزلق الحرب إلى نزاع شامل، ولكن في ظل استراتيجية القصف العشوائي التي تطال المدنيين، التي تعللت بها بريطانيا وبولندا وفنلندا، فقد أبدوا الاستعداد لتزويد أوكرانيا بالسلاح الثقيل. وعلى الرغم من أن بريطانيا أرادت من خطوتها أن تكون عامل ضغط سياسي على ألمانيا، من أجل أن ترفع الحظر عن تسليم دبابات ليوبارد الألمانية، خاصة أن هنالك مخزونا من هذه الدبابات في بعض الدول الغربية، التي أبدت استعدادها لتسليمها إلى أوكرانيا في حال وافقت ألمانيا على ذلك. لكن برلين بحكم ميراث الحرب العالمية الثانية لم تكن تسمح بأن تكون هنالك أسلحة ألمانية على أراضي دول أخرى يقتل بها جنود دول أخرى. وهذا موقف كانت تدافع عنه ألمانيا بشدة، لكن يبدو أنها اليوم قد غيرت هذه السياسة، وهذه خسارة سياسية لها، لأن برلين كانت قوتها دائما في السابق هو أنها تحتفظ بخط التواصل مع روسيا، اي أنها كانت حلقة وصل بين الغرب والشرق. الآن نجح الضغط الأمريكي والبريطاني عليها لقطع كل هذه الخطوط مع روسيا والاصطفاف ضدها. فوفقا لدراسة أجراها المعهد الألماني للسياسة الخارجية تقول، إن الائتلاف الألماني والحكومة فقدا مصداقيتهما في أوروبا، على الرغم من أن المستشار الألماني يقول إن أمريكا ليست صانعة القرار الألماني، بل توجد شراكة مع الأمريكيين، ولسنا شرطيا يعمل لهم وبالنيابة عنهم، لكن يبدو واضحا أن المستشار الألماني قد تعرض لضغوط هائلة لتزويد أوكرانيا بالدبابات. كان قد تردد سابقا في اتخاذ هذه الخطوة لأسباب تتعلق بموقف حزبه، وكذلك بالرأي العام الألماني الذي يتحفّظ على هذا الأمر، ولا يريد أن تنخرط ألمانيا في الحرب، وتصبح طرفا مباشرا ضد روسيا.
فهل ستشكل الدبابات الألمانية والبريطانية نقطة تحول في الحرب الروسية على أوكرانيا؟ وإذا كان إرسالها إلى أوكرانيا مجرد رسائل سياسية، فهل ستتحول المسألة من الرمزية السياسية إلى التكتيكية ذات استراتيجية المراحل المتعددة، وبالتالي سنشهد تسليحا غربيا لأوكرانيا على نطاق واسع بما فيها الطائرات؟ كل ذلك سيكشفه المستقبل القريب.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية