صورة محمد قدورة ” أبا أيمن .
محمد السعدي
منذ أن وطأت قدماي أرض السويد وتحديداً في مدينة مالمو أقصى الجنوب السويدي ، تعرفت على الشخصية القيادية الفلسطينية وأحد قادة الجبهة الديمقراطية ” أبا أيمن ” وبدأنا سوية رحلة عمر في مواكبة الحياة السياسية في مدينة مالمو ووضع الجالية العربية ونشاطاتها المتنوعة وطبيعة العلاقات مع الطرف الثاني البلد المضيف ”مملكة السويد” وسباق التنافس بين الاحزاب السويدية عشية الانتخابات وموضوعة الاجئين والمراهنة على أصواتهم في حسم الخلاف بين اليمين واليسار . كان المرحوم أبو أيمن في قلب تلك الاحداث حيث ما زال يتنفس برئة اليسار الراديكالي والميل له والمدافع عن برنامجه وأهدافه وحريص جداً على تجسيد شعاراته وأهدافه على الواقع اليومي المعاش لمصلحة العامة من الناس ، وهذا أرث تاريخي متلبس به منذ نعومة أظافره وهو يحمل عبق رائحة الزيتون الفلسطيني في ضيعته التي هجر منها بلدة ترشيحا . وعندما أستذكره بعد هذا الطول الزمني أستمد الأمل في مناحي حياتي على أمل أن نشهد حياة أخرى مفعمة بالفرح.
محمد أحمد وحيد قدورة من مواليد بلده ترشيحا قضاء عكا المحتلة ولد عام ١٩٤٥، لجأت عائلته أثر النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام ١٩٤٨ إلى سوريا حيث أستقرت في مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين، أنهى دراسته فيها ومن ثم ألتحق في صفوف حركه القوميين العرب حيث ناضل في بداية شبابه من أجل حق العودة وتحسين ظروف اللجوء في المخيمات.
انتقل فيما بعد إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وكان عضواً اساسياً في أمانة أقليم سوريا.كان حاضراً معنا دوما ، نحن العراقيين في تصدينا للهجمة الشرسة على بلدنا ومشاركاً فاعلاً في الميدان في مسيراتنا وأعتصاماتنا ضد الحصار والغزو وإحتلال بلدنا ، كان عراقياً في همه وخوفه على العراق ومستقبله ، وهو الذي كان يبادر في الحصول على رخصة التظاهر والاعتصامات من الجهات السويدية ويدفع بالقوى اليسارية السويدية في المساهمة وإدانة العدوان على العراق وفضح مخططاته في تحطيم نسيجه الاجتماعي والانساني . وقد ساهمنا بشكل فاعل وسط الجالية العربية بعدة نشاطات تواصلاً مع ثقافتنا الوطنية من أجل أستنهاض الهمم وشد الأواصر أرتباطاً وتواصلاً مع تاريخ ونضال شعوبنا وتوقهم للحياة والتحرر . وبالتنسيق مع مجموعة ١٩٤ الفلسطينية ذات الهوى اليساري وعلى قاعة حزب اليسار السويدي أستضافن الناشطة الفلسطينية ” نسرين فاعور ” لتتحدث عن الهم والوجع الفلسطيني ومعاناة شعبنا الفلسطيني في مواجهة أساليب الإحتلال والاستيطان . وعلى قاعة الجمعية الفلسطينية في مدينة مالمو السويدية رتبنا جلسة إستذكار وتقييم للمرحوم الشاعر والاديب العراقي شاكر السماوي . وقيلت كلمات مؤثرة تتماهى بتاريخة السياسي والشعري مما تركت ردود فعل إيجابية من قبل المحتفى به من خلال كلمته المؤثرة بحق الحضور والقائمين على الفعالية .
وضمن نشاطنا المشترك بادرنا بحفل كبير وبجهودنا وبالتنسيق مع جمعية ” يد بايد ” السورية بتكريم الفنان الكبير سامي كمال والممثل والمخرج السوري ” أبو الخير عليوي ” على قاعة ” كراجن ” قد غصت القاعة بالحضور مع كلمات ووصلات غناء بحق الفنان سامي كمال . وبالتنسيق مع المرحوم ” أبو أيمن ” لم نترك فرصة الا أن نساهم ونشارك بعدة فعاليات جماهيرية بالوقوف بالضد من الهجمة على بلدنا العراق من خلال المسيرات والاعتصامات والاماسي ، والتي تدين نوايا الاحتلال ودوافعها ضد شعبنا . المرحوم ” أبو أيمن ” لم يدخر جهداً الا أن يكون مساهماً بأي نشاط يجمع به الجالية ويساهم في نشاطها من خلال دعمه لمهرجان الفيلم العربي بقيادة صانعه الاستاذ ” محمد قبلاوي ” كان المرحوم محمد قدوره من الداعمين الى تأسيسه وتطويره وداعميه . مثلما كان حضوره فعالاً في دعم مؤسسة ” بيدر ميديا ” منذ إنطلاقتها ومشاركاً ورافداً لموقعها الإليكتروني في المقالات والمواضيع المتنوعة وحاضراً في نشاطاتها وأماسيها . وفي عشية العدوان على العراق في نهايات عام ٢٠٠٢ رتب لنا لقاءاً مع مسؤولي حزب اليسار السويدي في مدينة مالمو السويدية أنا والمناضل الشيوعي ” باقر إبراهيم ” للوقوف على تطورات الوضع ومغزاه وموقفنا من الحرب وتداعياته على شعبنا ودول الجوار وإدانته وعلى ضوء هذا اللقاء نظمت ندوة للرفيق باقر إبراهيم ” أبو خولة ”حول الحرب ومخاطرها في مقر حزب اليسار السويدي في مدينة مالمو .
ظل المرحوم ” أبو أيمن ”الى آخر أيامه حريصاً على المساهمة بحل مشاكل الناس والوقوف على عقباتها والسعي الى تضليلها من أجل عائلة عربية سليمة ، ومد يد العون الى الجميع على حساب رائحته من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في لملمة الصف العربي . وفي غيابه المفاجيء ورحيله الى السماء أثر جائحة كرونه اللعينة . شعر الجميع بغيابه وبدوره الفعال وسط الجالية العربية ، لكن نشاطه هذا لم يذهب سدى ، هناك من شغله ولمس طريقه ذريته السيدة يمن وأفراد عائلته حيث إنها واصلة طريقه في النشاطات والحضور الدائم في دعم نشاطات وفعاليات الجالية العربية وتعزيز موقفها في الحضور الفلسطيني . وهو أحد مؤسسي الجمعية الفلسطينية ومن الوجوه البارزة في المجموعة العربية لحزب اليسار السويدي .
يوم الاربعاء الموافق ٤ نوفمبر ٢٠٢٠ غيب الموت الناشط والمناضل السياسي محمد أحمد قدورة ”أبو أيمن” في مدينة مالمو بالسويد بعد اصابته بفيروس كورونا وهو يعتبر أحد أعمدة الجالية العربية في السويد، ودعته مدينة مالمو بعد أن عاش فيها لسنوات وكان له دوراً بارزاً في دعم الأنشطة الثقافية والسياسية ومساعدة القادمين الجدد في القضايا المتعلقة بالترجمة والهجرة والصحة وغيرها . وقد حمل رفاقه ومحبيه وأهله رغم شراسة الجائحة ” كورونا ” جثمانه الى مثواه الأخير بحزن ودهشة وبمشاركة رسمية من حزب اليسار السويدي وعدد من ممثلي الجمعيات العربية العاملة في مدينة مالمو وأبنائه . أبا أيمن لترقد روحك بسلام .