احتمالات انهيار السدود التركية بفعل الزلازل وغيرها
علاء اللامي*
مرة أخرى، يعيد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا تذكيرنا بخطورة بناء السدود التركية العملاقة في هذه المنطقة. وفي الوقت الذي نعبر فيه عن الحزن والأسف لوقوع هذه الكارثة ونعزي المتضررين وذوي القتلى والمصابين بهذا المصاب الأليم نكرر الدعوة إلى القيام بكل ماهو ضروري ولازم لتفادي كارثة أكبر مستقبلا وتفادي أو التقليل من آثار أية احتمالات ممكنة لانهيار السدود في هذه المنطقة الزلزالية النشطة… وبهذه المناسبة الحزينة أعيد هنا نشر الفصل الخامس عشر من كتابي “القيامة العراقية الآن .. كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين” والفصل بعنوان “احتمالات انهيار السدود التركية بفعل الزلازل وغيرها”:
لم يعد انهيار السدود المائية، خصوصا تلك المنشأة في مناطق ذات نشاط زلزالي عالٍ، مجرد احتمالات قد تقع وقد لا تقع، بل أصبحت جزءا من الواقع الجغرافي والتاريخي القائم في عالم اليوم. لقد انهار سدّان في سوريا، وآخر يدعى “قنونا” في محافظة القنفذة في المملكة العربية السعودية، وسد آخر في المغرب. وإذا كانت هذه السدود من أحجام وخزانات مائية صغيرة أو متوسطة، فإنَّ سد الموصل، الذي كَثُرَ الكلام عن تأثّره بهزات أرضية متوسطة الشدة وقعت فعلا، أو لسبب جيولوجي يتعلق بنوعية الطبقة الحجرية الجبسية القابلة للذوبان في الماء التي أنشئ عليها واحتمال انهياره، إنّ هذا السد كان يستوعب أكثر من 11 مليار متر مكعب من المياه، جرى خفضها إلى ثمانية مليارات بسبب هذه المخاوف لتخفيف الضغط على جسم السد. وضمن علاقة سببية متبادلة، تكرر انهيار السدود بفعل الزلازل، ووقوع الزلازل بسبب انشاء السدود، كما تخبرنا دراسة علمية ” جيوفيزياوية” موثقة سنتعرض لها بالتحليل بعد قليل في الولايات المتحدة والصين والهند ومصر بعد إنشاء السد العالي.
وفي تركيا ذاتها، والدول المجاورة لها كالعراق، تتصاعد التحذيرات من انهيار السدود التركية. وكنّا قد سجلنا في الفصلين السابع والتاسع من هذا الكتاب الواقعة الخطيرة التي اعترفت بها السلطات التركية ونقلها الإعلام هناك، حين امتلأت الخزانات والبحيرات الاصطناعية خلف السدود حتى أقصها في السنة الماضية 2011 (جراء الأمطار الغزيرة الهاطلة، ووصل منسوب المياه في سد أتاتورك أكبر السدود في تركيا إلى 537.31 متراً، هو أعلى منسوب له خلال الـ19 سنة الماضية. أما في سد كيبان الذي يعد أيضا من أكبر السدود التركية، فقد وصل منسوب مياهه إلى 844.61 متراً، وكان على المسؤولين الأتراك اللجوء لفتح بوابات الطوارئ والفيضانات لو ارتفعت مناسيب المياه بمقدار 35 سنتمترا آخر)[1]. وهذا يعني، أنَّ خطرا محدقا كان ستتسبب به السلطات التركية لو انهار هذا السد أو فتحت بوابات الفيضان لتصريف المناسيب العالية ما سيغرق مساحات واسعة من الشرق الوسط وخصوصاً من سوريا وشمال العراق وقد تصل آثار الفيضان إلى بغداد وما دونها.
جدل”زلزالي” في كردستان العراق:
و في شهر تشرين الأول /أكتوبر من السنة الماضية 2011 أيضا، أصدرت هيئة الأنواء الجوية العراقية تحذيرا خطيرا على لسان مديرها العام داود شاكر، قال فيه، إنَّ (الزلازل التي تحدث في جنوب شرق تركيا قد تؤدي إلى فيضانات وكوارث طبيعية، خاصة أنَّ تركيا تقوم حاليا ببناء سد على نهر دجلة)، مبيناً أنَّ (حدوث زلزال قوي في هذه المنطقة مع امتلاء السد بالمياه، سوف تؤدي إلى فيضانات وكوارث طبيعية قد تغمر إقليم كردستان بالكامل).
وأضاف شاكر أنَّ (مراصدنا الزلزالية ما زالت ترصد حدوث زلازل ارتدادية في الموصل ودهوك بسبب اصطدام الصفيحة “التكتونية” العربية بالصفيحة التركية)، مشيرا إلى أنَّ (الزلزال الأخير الذي حدث في مدينة وان التركية، والذي بلغ قوته 7.3 سبعة وثلاثة بالعشرة على مقياس ريختر، قد حدثت قبله هزات عديدة تراوحت بين ثلاثة إلى خمسة على مقياس ريختر). وأشار شاكر إلى أنَّ (الزلازل سوف تستمر في العراق وخاصة في منطقة شرق دجلة بسبب اصطدام “الصفائح التكتونية”[2] العربية والإيرانية والتركية)، لافتا إلى أنَّ (الخارطة الزلزالية للعراق توضح حدوث زلازل، وخاصة في المناطق الشرقية منه، والتي تصل إلى ما بين أربعة إلى ستة على مقياس ريختر).
وفي ذات الشهر، كانت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق أعلنت، أنَّ هزة أرضية بقوة 6.6 درجة على مقياس ريختر ضربت مركز المحافظة، من دون أنْ تتسبب في حدوث أضرار، في حين قال الباحث الجيولوجي في جامعة دهوك رمضان حمزة، إنَّ الهزة الأرضية ناجمة عن تأثر المحافظة بزلزال ضرب ولاية “وان” جنوب شرق تركيا وكان بقوة (7.3) على مقياس ريختر.
كما شهدت محافظة السليمانية، في 19 من كانون الثاني الماضي، هزة أرضية بقوة 3.4 على مقياس ريختر ضربت المحافظة وضواحيها، فيما أفاد سكان المحافظة بأنهم شعروا بالهزة، وأنها أثارت الذعر بينهم.
وكان قضاء شهرزور بمحافظة السليمانية، قد تعرض فجر الـ 24 تشرين الثاني من العام الماضي، إلى هزة أرضية بلغت قوتها (3.2) درجة على مقياس ريختر المؤلف من تسع درجات، من دون أنْ تسفر هي الاخرى عن أي خسائر).
الرد الغريب والمحير على هذه التحذيرات الرسمية، جاء من جهات رسمية كردية، سفَّهت فيه هذه الأخبار والتحذيرات، ونفت احتمال وقوع أية كارثة. فقد قال مدير الأنواء الجوية في محافظة السليمانية دارا حسن إنَّ (التصريحات التي أدلى بها مدير الأنواء الجوية العراقية، حول غرق إقليم كوردستان بالكامل في حال استمرار الزلازل، وحدوث الزلزال الذي ضرب شمال شرق تركيا، وامتلاء السدود التركية بالمياه، مرفوضة جملة وتفصيلا؛ رغم أني لست خبيرا جيولوجيا، الزلازل لا يمكن التنبؤ بها”، معرباً عن أسفه عما بدر من السيد شاكر داود من تصريح بالقول انه ( لمن دواعي أسفي أنْ يصدر هذا الكلام من خبير بالجيولوجيا مثل الدكتور شاكر داود)[3]. أما الأكثر غرابة فهو التهديد الذي أطلقة المدير غير المتخصص في الجيولوجيا دارا حسن، ضد المدير الاتحادي المتخصص بالجيولوجيا داود شاكر، قائلاً إنَّ دائرته تنوي رفع شكوى ضد هذا الأخير ( لأنه لا يجوز له أنْ يزرع الهلع والخوف في نفوس المواطنين من خلال وسائل الاعلام). وأشار حسن إلى أنَّ ( من المحتمل أنْ يقصد مدير الانواء الجوية العراقي الطوفان الذي حدث في عهد النبي نوح!). مبينا ان كوردستان منطقة جبلية وليس بمقدور شيء أنْ يغرقها إلا الطوفان الذي حدث في عهد نوح، وهذا ما لا يعقل حدوثه. والواقع فإنَّ المسؤول الكردي يخلط بين أمرين لا علاقة لهما ببعض منطقياً، أي بين إمكانيات التنبؤ بحدوث الزلازل وهذا أمر لا يمكن – الآن على الأقل – القيام به عمليا، وبين احتمالات انهيار السدود التركية نتيجة وقوع زلازل وهزات أرضية في منطقة ناشطة زلزاليا. إنَّ أحدا لم يطالب السيد دارا حسن أو سواه أنْ يتنبأ بزمن حدوث الزلازل، ولكنَّ المطلوب منه، ومن جميع المسؤولين في الإقليم وفي العراق ككل، أَخْذَ هذا الاحتمال الكارثي بنظر الاعتبار، والتحسب لوقوعه، وإعداد العدة للقيام بكل ما هو ضروري، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتقليل الخسائر إلى الحد الأدنى.
إن المسؤول الكردي، دارا حسن، الذي يريد تقديم زميله الذي حذر من وقوع كارثة محتملة إلى المحاكمة بتهمة إثارة الذعر والرعب، عليه أنْ يفكر إذا – لا سامح الله – وقعت الكارثة، وغرقت بعض المدن الكردية والعراقية عموما، فماذا سيقول حينها لشعبه؟ هل سيقول: لقد أنقذناكم من الذعر والرعب الذي سببه لكم شاكر داود فسامحونا على موتكم غرقا بالطوفان التركي؟
أما قوله، بأن الفيضانات غير ممكنة لأنَّ الإقليم منطقة جبلية، فهو غير دقيق أيضاً، فهناك عشرات المدن في مناطق سهلية وتلولية في إقليم كردستان العراق. أما المناطق الجبلية الشاهقة جداً في الإقليم، فهي لا تتعدى الشريط الحدودي المحاذي للحدود الإيرانية والتركية وهي عشرة جبال تبدأ بجبل سنجار وتنتهي بجبل كورك، ثم أنَّ السدود التركية ذاتها مقامة في مناطق جبلية قد تكون أكثر ارتفاعا.
كلام أهل الاختصاص :
بمراجعة كلام الخبراء والمتخصصين، نجد أنَّ هناك الكثير من الأدلة والأسباب، التي تعطي لتحذيرات المسؤول العراق الاتحادي سنداً علمياً قويا، فقد ربط باحث عراقي آخر، متخصص في تغيرات المناخ وهايدروليكية المياه، وأستاذ جامعي في مدينة دهوك، هو رمضان حمزة، بين استمرار تركيا بإنشاء السدود وحجز مياه دجلة والفرات وروافدهما، وبين تعرضها للزلازل والهزات الأرضية. وقال حمزة في تصريحات للصحافة العراقية ( من المعروف أنَّ حزام زاكروس طوروس يمر من تركيا، وهذه المنطقة هي جزء من منطقة تصادم الصفائح التكتونية الثلاث الصغيرة في المنطقة، والتي هي الصفائح العربية والتركية والأورانوسية ، وهذه الصفائح الثلاث تلتقي في المنطقة، وبسبب التمدد في البحر الاحمر بحدود 2 سنتمتر لكل سنة، والتوسع في خليج عدن، فان ذلك يدفع بالصفيحة العربية إلى التصادم مع الصفيحة التركية وبالتالي دفع الصفيحة التكتونية باتجاه تركيا وايران، علما أنَّ نقطة الضعف الموجودة هي في حزام زاكروس طوروس)[4].
وأضاف الباحث، بما أنَّ ( تركيا تقوم بإنشاء وتنفيذ مشاريع استثمارية وبناء سدود صغيرة وكبيرة، حيث لم تكتفي بالسدود على نهري دجلة والفرات، بل لجأت في الآونة الأخيرة إلى انشاء السدود الصغيرة على روافدهما مثل هيزل وخابور والزاب الاعلى)، مشيرا إلى أنَّ ( هذه المشاريع أدَّت إلى تكوين بحيرات اصطناعية، والتي في حقيقتها تكوّن الهزات المجتثة، والأخيرة تساعد وتفعّل نقاط الضعف والتكسرات في الفوالق في المنطقة…و لمّا كان فالق الأناضول، الذي اتجاهه شرقي غربي يمر بالمنطقة، وكثرة الفوالق الثانوية بالمنطقة، مع وجود هذه المشاريع المائية وأعمال مشروع استخراج النفط التركي في منطقة “باطمان” القريبة من نفس المنطقة، كل هذه الأسباب تؤدي إلى زيادة فعاليات الفوالق والصدوع وبالتالي زيادة القوة “الضغط؟” على هذه الصخور مما يتسبب في حدوث زلازل ويؤثر في المنطقة بشكل اقليمي).
ولخص حمزة رأيه بالقول إنَّ (حجز مياه دجلة والفرات وروافدهما من الجانب التركي له علاقة بزيادة الزلازل، وأحياناً تكون له علاقة مباشرة جدا)، واستدرك قائلا (لكن هذه المرة لم يكن حجز المياه سببا مباشرا، وإنما كان أحد الأسباب التي دفعت هذه المنطقة إلى أن تكون معرضة إلى هزة بهذه القوة).
أما الباحث صاحب الربيعي، فيعتقد بوجود ( علاقة طردية بين النشاط الزلزالي وارتفاع السد في المناطق الزلزالية، كما تلعب شدة انحراف المجرى المائي بفعل الفوالق الأرضية العميقة دوراً كبيراً في زيادة النشاط الزلزالي. وتحديداً في منطقة سد الموصل هناك انحراف شديد لنهر دجلة). وبخصوص احتمالات انهيار سد الموصل، يعتقد الباحث المذكور أنَّ ( احتمال انهيار سد الموصل قائم، ففي حال حدوثه فإنَّ حجم الدمار الذي سيخلفه يفوق بعشرات المرات ما خلفته السدود المنهارة في بعض الدول العربية نظراً لخزينه المائي الكبير ودرجة الميل الحاد لمجرى دجلة من الموصل باتجاه الجنوب، حيث أنَّ فرق منسوب الارتفاع بين نهر الفرات ودجلة نحو 7 أمتار في الشمال، وبالعكس ينخفض منسوب الارتفاع لدجلة عن الفرات في الجنوب بنحو 7 أمتار). مما يؤدي لحدوث فيضانات كارثية تضر بالمنشآت المائية والخدمية أسفل المجرى وتشريد من أربعة إلى خمسة ملايين من السكان في حوض دجلة من الشمال إلى الجنوب، لذلك يتوجب أخذ الاحتياطات اللازمة)[5].
لتقليل الخسائر المحتملة للفيضانات الناجمة عن انهيارات السدود بفعل الزلازل، يقترح الربيعي ( تطوير مشروع نهر القادسية، الذي يبدأ من نهر العطشان وفرع القادسية وفرع النجف ليلتقيا جنوب غرب الرميثة، ثم يجري نحو محافظة السماوة، ومن ثم إلى منخفض الصلبيات، وطول هذا المنخفض 65 كم، وعرضه 47 كم ومساحته ” سعته؟” التخزينية 3 مليارات م3، لاستغلال منخفض بحر النجف بعد إجراء الدراسات الجيولوجية لطبقات الخزان لاستخدامه كخزان احتياطي استراتيجي لاستقبال فوائض المياه لتلافي الأضرار المحتملة لانهيار سد الموصل أو لحرب مياه قد تخوضها تركيا ضد العراق حيث يتم من خلالها لإطلاق كميات هائلة من خزين مياهها في مشروع الكاب والتي يمكنها تحويل نصف مساحة سوريا والعراق إلى مستنقعات).
إنَّ هذا المقترح جدير بالاهتمام والدراسة، فمنخفض بحر النجف، بالإضافة إلى منخفض الثرثار وغيرهما يمكن أنْ يكون منقذا فعليا للعراق في حالة حدوث أي انهيار لسد تركي، كما يمكن الاستفادة منه، ليس في تصريف واستيعاب مياه الفيضانات المحتملة، بل و في تحلية مياه بحيرة الثرثار وإطلاق المياه الملوثة والمتملحة فيها إلى الجزء الجنوبي من الفرات وبهذا يكون العراق قد كسب خزانا مائيا استراتيجيا من المياه العذبة، يكون كفيلا بأن يخرجه من التهديد والارتهان التركي والإيراني المستمر.
السدود والبحيرات تسبب الزلازل:
نستعرض أخير، بحثاً علمياً دقيقا لخبير عربي هو د. طلال بن علي محمد مختار، أستاذ علوم الجيوفيزياء والزلازل في إحدى الجامعات السعودية. وقد لا نبالغ إنْ قلنا، إنَّ هذا البحث يقول كل شيء من عنوانه وهو ( الزلازل المُسْتَحَثَّةُ بالخزانات واحتمالية تأثيرها على السدود في المملكة العربية السعودية)[6]. صحيح أنَّ البحث محدد بإطار جغرافي مذكور هو المملكة العربية السعودية، ولكننا يمكن أنْ نجد فيه فائدة عظمى لناحية العنوان الذي نحن بصدده خصوصا وإنّ العموميات والثوابت العلمية قابلة للتعميم مع أخذ الخصوصيات الفرعية بنظر الاعتبار.
يبدأ د. مختار بحثه، بما يمكن أنْ يرقى لمستوى البديهة العلمية التي يجهلها الناس العاديون وغير المتخصصين بصدد العلاقة بين إنشاء السدود وحدوث الزلازل فيكتب ( إنَّ من المعروف في الأوساط العلمية، أنَّ إنشاء السدود العالية “أو الكبيرة”، يمكن أنْ يؤدي إلى توليد هزات أرضية. وقد لوحظت هذه الظاهرة في عدة مناطق من العالم مثل الهند والصين والولايات المتحدة الأميركية وجمهورية مصر العربية والبرازيل وغيرها). ولكي لا يبقى كلامه مجرد إنشاء وعموميات وتخمينات يضرب الباحث عدة أمثلة موثقة نستعرض منها ما يأتي :
– في يوم 1 آب – أغسطس سنة 1975، وقعت هزة أرضية قوتها 5.7 خمسة وسبعة بالعشرة درجة في ولاية كاليفورنيا الأميركية. ونرجح أن الباحث السعودي يعتمد في بحثه مقياس ريختر الأكثر استعمالا. كانت هذه الهزة لافتة لنظر العلماء فهي وقعت في منطقة قليلة النشاط الزلزالي، وبعيدة عن صدع “سان أندرياس” الزلزالي التكتوني غرب الولاية ووقع الزلزال في منطقة تبعد عشرة كليومترات عن سد “أوروفيل”، وهو أعلى سد في الولايات المتحدة، يبلغ ارتفاعه 236 مترا وطاقته الاستيعابية 4365 مترا مربعا.
– في الهند، ولاية “ماهراشاترا”، تمَّ الانتهاء من بناء سد “كوينا” في منطقة تعرف بهذا الاسم سنة 1962، و تم ملء بحيرة ” شيفاجيزاجار” خلف السد بالمياه سنة 1963، علما أنَّ ارتفاع السد يبلغ 110 أمتار، وطوله 800 متر، وطاقته الاستيعابية بليونين و800 ألف متر مكعب، وقع زلزال بقوة 6.5 ستة وخمسة بالعشرة درجة، فقتل أكثر من مائتي شخص، وأصيب 2330 شخص بجراح، و تشرد الآلاف دون ملاجئ. لوحظ، هنا أيضا، أن الزلزال وقع خلال ارتفاع مناسيب المياه في بحيرة “شيفاجيزاجار” خلف السد في موسم الأمطار.
– في جنوب الصين، وتحديداً في مقاطعة “جوانجزاهو”، وقعت سلسلة من الزلازل في منطقة لم تحدث بها الزلازل قط. وبعد إنشاء سد “هيسينجفي نجكيانك” الخرساني في الصين والذي يصل ارتفاعه إلى 105 متر، سجلت سلسلة من الزلازل الضعيفة بلغت 2500 هزة أرضية سنة 1972، ولكن زلزالا عنيفا ضرب المنطقة بلغت قوته 6.1 ست درجات و واحد بالعشرة، وأدى إلى تخريب جسم السد، وتطلب ذلك القيام بإصلاحات عاجلة له. واستمرت الزلازل بالحدوث في الصين في المناطق القريبة من السدود والبحيرات الاصطناعية، ما يدل على وجود علاقة سببية قوية ومباشرة بين إنشاء السدود والبحيرات ذات السعات التخزينية الضخمة وبين الزلازل المُسْتَحَثَّةُ.
– وفي العالم العربي، و تحديدا في مصر، وبعد إنشاء السد العالي، وملء بحيرة ناصر بالمياه، و وصول المياه إلى أعلى مستوى لها في البحيرة، في 14 تشرين الثاني 1981، وقع زلزال بقوة 5.6 خمس درجات وست بالعشرة، وكان مصحوبا بصوت دوي هائل كدوي المتفجرات، وقد شعر به سكان أسوان فأصيبوا بالذعر وخرجوا من منازلهم، وقد تمكن الفنيون والخبراء من تحديد مركز هذا الزلزال وكان تحت بحيرة ناصر بالضبط. وقد فاجأ هذا الزلزال الخبراء والمتخصصين لأنّ أغلب الزلازل التي وقعت في تاريخ مصر كان مسرحها شمال مصر وفي المنطقة الممتدة بين الإسكندرية والقاهرة وليس في الجنوب.
بهذه المجموعة من الأمثلة العملية الموثقة، ينجح الباحث السعودي في إقامة الدليل المادي على وجود علاقة سببية غير قابلة للإنكار أو التخفيف، بين إقامة السدود والبحيرات الاصطناعية ذات السعات التخزينية الضخمة وبين ما يسميه الزلازل المُسْتَحَثَّةُ. ويمضي د. طلال أبو علي المختار مشخصا عددا من العوامل التي تتحكم في ما يسميه “الزلزالية المُسْتَحَثَّةُ بالخزانات” فيجملها في الآتي:
– بناء السدود في الوديان التي عادة ما تكون تحتها صدوع وفوالق زلزالية.
– حالة المجال الإجهادي المحيط أو المكتنف لمنطقة السد.
– الخواص الهايدروميكانيكية للصخور الموجودة تحت الخزان.
– جيولوجية المنطقة ككل.
– أبعاد “حجم ؟” الخزان المائي.
– تذبذب مستوى الماء في الخزان.
ثم يُفَصِّل الباحث الكلام في هذا الموضوع التخصصي، مناقشا واقع السدود في بلاده، طارحا مجموعة مفيدة ومكثفة من الأفكار يمكن للمتخصصين في الهايدرولوجيا المائية والجيوفيزياء أنْ يعودوا لها للاستزادة.
الخلاصة:
انهيار السدود التركية بفعل الزلازل أو أعمال العنف، لم يعد مجرد احتمال نظري بين مجموعة احتمالات، بل صار جزءاً من الواقع الفعلي. وثمة علاقة سببية مؤكدة علميا بين وقوع الزلازل بسبب بناء السدود العملاقة وبحيراتها في مناطق ناشطة زلزاليا، وعلاقة أخرى بين انهيار السدود بسبب الزلازل المألوفة في مناطق ناشطة زلزاليا. الدليل هو وقوع العديد من الزلازل العنيفة في منطقة الأناضول في الأعوام الماضية. وأيضا، بدليل حادثة حالة الطوارئ التي سجلت العام الماضي في سدي كيبان وأتاتورك بعد سقوط الامطار الغزيرة. في سوريا والمغرب والسعودية انهارت عدة سدود، وفي العراق يواجه سد الموصل خطرا مماثلا. المراصد العراقية رصدت حدوث زلازل ارتدادية في الموصل ودهوك والسليمانية بسبب اصطدام الصفيحة التكتونية العربية بالصفيحة التركية. باحثون كُثر ربطوا بين استمرار تركيا بإنشاء السدود وحجز مياه دجلة والفرات وروافدهما وبين تعرضها للزلازل والهزات الارضية. ومعلوم أن الزلازل العنيفة تدمر أضخم السدود. من بين الأمثلة على الزلازل التي حدثت بسبب إنشاء سدود وخزانات مائية ضخمة التي يرصدها بحث علمي جيوفيزياوي يمكن أن نذكر بزلزال سنة 1975 في كاليفورنيا قرب سد “أورفيل” أعلى سد في الولايات المتحدة وفي منطقة ذات نشاط زلزالي نادر. وزلزال سنة 1962 قرب سد “شيفاجيزاجار” في الهند بعد امتلاء بحيرة السد بسبب أمطار غزيرة . هذا الزلزال قتل المئات وجرح وشرد عشرات الالاف . وزلزال سنة 1972 الذي دمر سد “هيسينجفي” في الصين، وزلزال سنة 1981 بعد وصول منسوب المياه في بحيرة ناصر خلف السد العالي إلى أقصى ارتفاع لها، وكان مركز الزلزال في قاع البحيرة تماما، وكان هذا الزلزال مصحوبا بدوي عظيم وقد شعر به سكان أسوان حينها فخرجوا الى الشوارع مذعورين. هناك خطر استهداف السدود التركية من قبل المتمردين الأكراد في تركيا الذين يخوضون حربا ضد الدولة منذ ثلاثة عقود خصوصا بعد ما قيل عن نية تركيا إقامة شبكة من السدود والبحيرات الصغيرة لفصل مناطق وقواعد الثوار والمتمردين الأكراد عن تركيا.
*كاتب عراقي