راوندوز العراقية عاصمة السورانيين ومدينة الشلالات الخلابة
مدينة راوندوز العراقية إحدى مدن كردستان العراق العريقة، وتعد إداريا أقدم قضاء تابع لمحافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وتبعد عن أربيل حوالي 130 كم، وتبلغ مساحة مركز القضاء حوالي 487 كم2 وبعد استحداث أقضية جومان ميركة سور وسوران في المناطق التي كانت سابقا تابعة لراوندوز تقلصت مساحة القضاء، الذي باتت تتبعه حاليا ناحية واحدة هي ورتي و12 قرية. وتتميز راوندوز بجمال مشاهدها الطبيعية حيث تطل عليها قمة جبل كورك وتقابلها سلسلة جبال هندرين وتقع بالقرب منها مجموعة من أهم المناطق السياحية في كردستان العراق.
على بعد أربعة كيلومترات من راوندوز يقع كلي اكويان وهو موقع سياحي شهير، فضلاً عن شلال كلي علي بك أشهر شلالات كردستان العراق الذي تزين صورته العملة العراقية من فئة خمسة آلاف دينار. وهناك عيون جنديان السحرية التي تقع في منطقة غابات ومياه متدفقة.
تقع راوندوز عند سفح صخري، ويحيط بها واديان عميقان، والمنطقة عموما تحيط بها سلاسل جبال شاهقة، إلا إنها تشتهر في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، وهناك طريق يمر عبر مدينة سوران نحو راوندوز، ومن سوران يمكن رؤية راوندوز قبل بلوغها حيث تتوزع مبانيها العامة والخاصة بشكل هندسي يجسد طراز العمران الجبلي. ومن راوندوز يمكن للزائر أن يصل إلى أجمل مناطق العراق حيث المصايف التابعة لهذه المدينة، إذ يمكنه زيارة منتجع بانك، ثم مصيف وشلال بيخال الشهير. وبالإضافة إلى النشاط الزراعي للمدينة يعد النشاط السياحي مصدرا اقتصاديا مهما لسكانها.
تاريخ الإمارة السورانية
يذكر الآثاريان العراقيان طه باقر وفؤاد سفر في كتابيهما «المرشد إلى مواطن الآثار والحضارة» أن «اسم راوندوز يتألف من لفظين. روان وهو اسم عشيرة كردية ودز التي تعني القلعة في اللغة الكردية القديمة». ويضيف المؤلفان «ذكرت المصادر السريانية إنها من أمنع القلاع، ويحتمل إن قلعة راوندوز هي القلعة التي ذكرها ابن الأثير في تاريخه الكامل في حوادث سنة 627 هـ باسم روبندوز».
أما الاستاذ غالب الطالباني فيفسر الاسم بانه مكون من مقطعين، الأول روان أو رهوان وتعني الخفة أو السرعة وخاصة في الجري. والمقطع الثاني دز أي القلعة، ويفسر ذلك بانها تعني خيالة البريد التي كانت تتوقف في راوندوز لوقوعها في منتصف الطريق العام أو عليه في العصور السالفة للاستراحة أو ايصال البريد، وهو يقصد أن اسم مدينة راوندوز يعني نقطة إستراحة البريد.
وهناك تفسير آخر وهو إن راون تشير إلى القبائل الرحالة التي تعتاش على الرعي والتي تتنقل بين المناطق في موسمي الشتاء والصيف، والتي لابد أن تسلك وقت ترحالها طريق هذه القلعة، ذلك لأن العشائر الكردية الرحالة في مناطق راوندوز وشقلاوة ورانية كانت تسوق مواشيها إلى المصايف الجبلية طلبا للكلأ وخاصة في فصل الصيف، وإن قلعة راوندوز تقع على طريقها إذ تتوقف عندها وتسمی هذه العملية باللغة الكردية «كه رمیان وكویستان» أي رحلتي الشتاء والصيف.
ويرى المؤرخ الكردي حسين حزني موكرياني أن كلمة راوندوز مأخوذة من روین دز التي تعني القلعة الفولاذية، معتمدا على بيت شعر نقش على برجين بناهما محمد باشا الراوندوزي آخر أمراء السورانيين على أحد التلال في غربي راوندوز، وهذا البيت من الشعر يقول: دو كنكررا نهادم بردو بیكر راوندوز شدروين دز بار ديكر. أي وضعت برجين على قاعدتين فأصبحت راوندوز قلعة فولاذية.
كما يشير المؤرخ والوزير الكردي محمد أمين زكي في كتابه «خلاصة تاريخ الكرد وكردستان مِن أقدم العصور التاريخية» إلى إن «أكثرية سكان منطقة راوندوز ينتمون لعشيرة راوندوز أو رواندز، وكانت قلعة روان طوال مدة الإمارة السورانية ملجأ حصينا لها، أما قلعة راوندوز فقد اتخذت مركزا للإمارات في عهد آخر أمیر من أمراء السوران، وهذه المدينة الصغيرة تضم بين جوانبها الأربعة ألفي بيت من السكان وتقع في وسط السهول الكائنة بين ميديا وآشوريا».
ويذكر اسماعيل زبير بلال في كتابه «أربيل في أدوارها التاريخية» ص310 تاريخ الإمارة السورانية في عصر ازدهارها إبان حكم محمد باشا الراوندوزي فيقول: «ولد الأمير محمد في راوندوز عام 1783 وتلقى علومه على أيدي أساتذة خصوصيين، حيث جلب له والده أشهر علماء زمانه ليتولوا تعليمه. تسلم الحكم من والده الذي تنازل له عن الإمارة عام 1813 فأنشأ قوات عسكرية جديدة من مشاة وخيالة مزودين بأحسن سلاح متوفر، ثم حصن راوندوز بعدة قلاع وسور، وشيد على أحد التلال الواقعة غرب راوندوز برجين». ثم يتطرق بلال إلى سياسة محمد باشا الإدارية فيقول: «بعد عام فكر في توسيع بلاده فاحتل براودست، وليتان، وزيبار، وفي 1814 أرسل سفيرا إلى طهران لعقد معاهدة صداقة مع ملكها فتح علي».
كما يشير اسماعيل زبير بلال إلى إن «الأمير محمد الراوندوزي أسس عدة معامل لصنع السيوف والخناجر والبنادق والمدافع وقنابلها، وأنشأ كذلك معامل للصب والصياغة والنجارة لبناء عربات المدافع، وأشهر من صنع المدافع له هو الأسطة رجب الذي استغل توفر معادن الحديد والرصاص الموجودة في المنطقة لتنفيذ مهمته. وفي عام 1817 صبت المدافع في راوندوز وخرجت للاستعمال وكان عددها 222 مدفعا» .
ويقول المؤرخ د.عماد عبد السلام رؤوف «لا تتوفر في الوقت الحاضر معلومات عن نوع المدافع التي كانت تصب في كردستان في ذلك العهد، على اننا نعلم، بناء على ما ذكره الرحالة التركي أوليا جلبي في رحلته (سياحتنامه ج4 ص399) ما كان يوجد في بغداد من أنواع المدافع، في أثناء إقامته فيها في منتصف القرن السادس عشر للميلاد، وكان بعض هذه المدافع يصنع في بغداد، وان خبراء هذه المدينة هم الذين كان يستعان بهم في صب مدافع شهرزور». ويضيف: «أظن إن ليس ببعيد عن المتتبعين، فضلاً عن الباحثين منهم، ذلك المصنع الكبير الذي أنشأه أمير سوران القوي محمد باشا المعروف بميره كوره في عاصمة إمارته راوندوز، لصب المدافع الثقيلة، وكان الأمير قد افتتح مصنعه سنة 1814م، معتمداً على خبرة محلية تمثلت بمهندس اسمه أسطه رجب، وبخبير أسلحة استقدمه من مدينة أورميه في ذلك التاريخ يدعى خان كلدي».
وكان لمجيء آخر حكام المماليك الجورجيين، داود باشا، إلى الحكم في بغداد عام 1816 أهمية خاصة بالنسبة لكردستان العراق، إذ تطلع والي بغداد الجديد أن يحل أمير السوران محمد باشا محل محمود باشا بابان، ويطيح بالإمارة البابانية في شهرزور، لانه كان يميل إلى الأمير الراوندوزي بسبب عدائه لإيران والبابانيين الذين وضعوا كردستان عدة مرات تحت أقدام إيران. لذلك قوى داود باشا أواصر الصداقة بينه وبين باشا راوندوز الذي كان أشبه بالباشا المستقل الذي لم يخضع للشاه ولا للسلطان. إذ أعلن محمد باشا الراوندوزي استقلال إمارته عن الدولة العثمانية عام 1818 وضرب السكة باسمه، فقد سمى نفسه بالأمير المنصور أمير سوران. وتحتضن راوندوز اليوم نصبا تذكاريا للأمير محمد الراوندوزي ممتطيا صهوة جواده في أحد ميادين المدينة.
عاصمة الصحافة الكردية
يرتبط اسم مدينة راوندوز بالصحافة الكردية الصادرة في كردستان العراق في بداية القرن العشرين لظهور رواد للصحافة من هذه المدينة، ومنهم حسين حزني موكرياني الذي جلب أول مطبعة إلى كردستان العراق. ويعتبر موكرياني من المؤرخين الكرد المتميزين، ولم يكن مؤرخاً محترفاً بل كان هاويا، فضلاً عن انه كان صحافياً ورائداً في إدخال الطباعة الحديثة إلى كردستان العراق بدايات القرن الماضي.
ويذكر المؤرخ العراقي د. ابراهيم العلاف أن «حسين حزني موكرياني يعد أول مؤرخ عراقي كتب تاريخ الكرد باللغة الكردية في القرن العشرين، وقد تجشم الكثير من العناء في سبيل جمع مواد تاريخ شعبه وأمته في بطون الكتب المتناثرة المدونة باللغات الشرقية المختلفة، ولم يكتف بذلك بل كان حريصاً على البحث عن أية مخطوطة أو كتاب يلقي الضوء على تاريخ الكرد في أي بلد مضحياً براحته باذلاً ماله من أجل ذلك». وينتصب اليوم تمثال موكرياني في راوندوز باعتباره أحد أعلام الكرد المعاصرين الذي أسس أول مطبعة في كردستان، في منتصف ثلاثينات القرن الماضي.
كهف شانیدر
يقع كهف شانیدر في السفح الجنوبي لسلسلة جبال زاكروس بالقرب من قرية شانيدر قرب مدينة راوندوز بمحافظة أربيل، ويعود تاريخه إلى العصر الحجري القديم بحدود 100 ألف عام قبل الميلاد، ويقع الكهف على ارتفاع 2200 قدم عن سطح البحر، ويستعمله الرعاة الأكراد المقيمين في المنطقة مأوى لهم ولماشيتهم في فصل الشتاء.
وقد كتب الآثاري العراقي د. فرج بصمة جي في مجلة «سومر» سنة 1955 عن هذا الكهف قائلا إن «أولى عمليات التنقيب عن إنسان النياندرتال في كهف شانيدر تمت في الأعوام 1951 – 1960 وقد نفذها عالم الآثار الأمريكي رالف سلوكي وفريقه من جامعة كولمبيا، واكتشف خلالها 9 هياكل عظمية من مختلف الأعمار إلا أنه لم يتمكن من استخراج هذه الهياكل بشكل كامل فتبقت أجزاء منها مدفونة تحت التراب».
فيما اكتشف فريق جامعة كامبريدج الهيكل العظمي العاشر في حملة تنقيب عام 2018 ويقول البروفيسور غريم باركر رئيس فريق علماء الآثار في جامعة كامبريدج البريطانية «منذ أكثر من 35 عاما لم نشهد اكتشافا كهذا» وينتظر الفريق الانتهاء من عمليات التنقيب الحالية لإجراء تحليلات للهيكل العظمي المكتشف الذي يتمثل في الجزء العلوي للجسم لمعرفة أسباب موت هذا النوع من الإنسان، وهل دفن أم لا، وتأثيرات العوامل البيئية عليه بهدف التوصل إلى معلومات قد تؤدي إلى تغيير العديد من النظريات العلمية الخاصة بالإنسان القديم.