محاكمة بغل…
عقدت محكمة في قرية نائية أكثر سكانها من الحمير.. الى جانب عدد قليل من الخيول، قرية بائسة همها ان تصفع الذكاء بنعل متسول لا يحرك ساكنا، في يوم من الايام جلبوا بغل مكبلا بالقيود وقد الجموا فمه و منعوه من الحديث ادخل القفص بعد عناء فقد كان يرفض المحاكمة جملة وتفصيلا مما اضطر الى استخدام العنف معه وتحجيم حركته… رضخ أخيرا فالكثرة وشدة الضرب وجور السلطة جعلت من عزيمته توهن وقد ترك لأيام في سجن القرية دون أكل أو شرب… لم يتأثر بكل الحمير التي حضرت المحاكمة ولا ذلك الحصان الذي كان يوثق الاحداث لم يعول عليه بأن يكون متعاطفا معه فحتى محامية حمار بإمتياز يكره من هم ليسوا من صنفه أو على شاكلته لكنه عادل….
نهض المدعي العام متجها الى المحلفين وقد كان عددهم ست محلفيين ثلاث من ذكور الحمير وثلاث من إناثها… فتوجه بالقول يا سادة إننا اليوم أمام قضية عويصة وخطيرة في نفس الوقت فيما إذا انتشرت و كظاهرة تفشت بيننا وهي كذلك او وصلت الى القرى المجاورة التي تدين بغير ديننا، فهذا البغل الذي امامكم هو إبن زنا لقيط لا ملة له ولا أصول، جاء محض مصادفة وغريزة حمار فاسق الى أنثى فرس عاهرة جمحت نفسه الدنيئة الى الحمار ومالت الى غير بني جنسها مما جعله شاذا أم ميثليا يبحث عن اللذة والشذوذ الى الذكور من بني جنسة او الى جنس إناث الاحصنة… لم اتخيل يوما وقد قضيت عمري في هذه القرية اب عن جد ان اشاهد مثل هذا العار من الفضح والخدش العام… الواقع انني اخجل ان انتمي الى مثل هكذا جنس من الحمير التي لا تعي نفسها و تصون سلالتها… إن التحرر والقوانين الحديثة التي طالب بها البعض وسمحت الدولة بإضافتها الى بنود الدستور هي من شجعت مثل تلك الحمير على هذا الفعل المشين، لذا ومن خلال محكمة الحمير الموقرة بقضاتها و محلفيها المحترمين ان يصدروا قرار بإعدام اي بغل يولد و لا تأخذهم رحمة فهم إن تكاثروا افسدوا الأرض وزادوا في النسل خبالا وجنون.. شكرا لكم
قال القاضي… الكلمة الآن الى محامي المتهم
المحامي: يبدو أنك متحامل قليلا يا زميلي على هذا البغل او البغال عموما، أيها السيد لا تثريب عليك فمهمتك و خلفيتك التي نعلم تمنحك ان تلقي بالتهم جزافا على كل من تكرهه لكنك أخطأت… فهذا البغل الذي حكمت عليه وعلى امثاله من البغال بالاعدام وقتلهم دون رحمة ليسوا السبب الرئيس فكما ترى إنه ولد من اب حمار وأم فرس شاءت غريزة الشيطان أن تغريهم فمارسوا الجنس بذلك العنوان غريزة حيوان اي لا ممسك لها سوى القيام بها… وإليك و الى السادة القضاة والمحلفين والسادة الحمير من الحضور الامثلة الكثير لكني اكتفي بواحد.. الإنسان ذلك الذي يمتلك العقل في جعله متميزا عنا إنه وحين تعتريه الغريزة والرغبة في الرذيلة رغم أن تعاليمه الدينية تمنع ذلك لكنه يفعلها سواء خلسة او في العلن كما غيره من المجتمعات البشرية التي لها شرائع وعقائد، كان لزاما عليهم ان يتمسكوا بها و يحتكمون إليها، إلا انهم كثيرا ما يكسرون القاعدة تحديا لكل القيود فهم يعتبرون القوانين وضعت كي تكسر وهذا ما تأثرنا به نحن الحمير كما هي بقية الاصناف الحيوانية فشراكتنا مع الانسان ومعاشرته اصابنا الداء واقسم وهذا لا يخفى على بيئة الحيوانات ان هناك من البشر من يمارسون الرذيلة مع الكثير من الحيوانات سواء من الذكور منهم أو الإناث… إن جريرة هذا البغل أنه جاء نتيجة غريزة لا ذنب له فيها، وُلد كي يكون عابر سبيل يمتطيه بنو البشر ويسخروه كعبد لهم يقضي حوائجهم واعمالهم دون امتعاض او شكوى… وله من الإيباء مالم نمتلكه نحن الحمير او الخيول او بني البشر فعندما تعتريه فكرة ان كرامته قد طعنت او مُست او أنه تعرض الى الاضطهاد يقوم بالانتحار ناكرا الحياة ناكثا عهده منها تلك التي لا يرغب أن يتواجد فيها… , لعلي حين اطلب الاستماع الى ما يود قوله لا اعيب قوانين عدالة محكمة الحمير فهو وإن كان من فئة البغال إلا ان له الحق في التحدث والتعبير عن رأيه فنحن في زمن الحريات بلاقيود سواء كان منزلة من السماء او جاء بها رسل وأنبياء او أنها سنت على يد حمير بدستور ذو قياسات وسعات لفئات دون أخرى… ارجو من سيادة القاضي ان يسمح له بالنزول حيث يمكنه ان يدلي برأيه..
القاضي: لا بأس يمكنه ذلك و لكن من حيث هو
سادتي وسيداتي الحمير… سأبدا من حيث انتهى محامي الدفاع، لا أعلم كيف أطرح ما بداخلي لكني سأوجز ما أريدكم ان تفهموه بما يجيش به صدري ونفسي، فأنا بغل مشرد لفظني الذي انجبني كما هو بالنسبة للتي انجبتني… تعرضت للإحتقار والإهانة و الدعة منذ اول لحظة وطئت هذه الأرض مع علم ومعرفة الجميع أن لا ذنب لي في الوجود بينكم… فتحت عيناي على نبذ الحمير والاحصنة لي او حتى التعامل معي، شرعت في العمل اكثر من اي حمار في القرية كنت اعوض ضجري وحنقي بالعمل فأنا بغل شديد لا يكل ولا يمل من العمل رغم ما يقدم لي من الطعام القليل و الشراب كأني استجديه لا استحقه على ما أؤديه من عمل اضعاف تلك الحمير التي لاهم لها سوى النهيق على المقاهي او في المنتديات او اماكن اللهو وبيوتات دولة او حتى العبادة، اعترف أني لست مذنبا ولم أؤذي أي فرد حمار من هذا المجتمع.. ارجوكم انظروا الى حالي كمخلوق أرتضى بمعاناته، فأنا لا يمكنني ان اتناسل او اتكاثر فقد حكم علي بالموت اصلا منذ ولادتي… وها انتم تجعلون من انفسكم جلادين في منطوق احكامكم، تحيون من تشاؤون و تميتون من تشاؤون واعتقد حسب معرفتي ان الحياة ليس بهذا العنوان… فأنا مخلوق ميت في الأصل فمن لا يتناسل او يتكاثر هو ميت لا محالة.. إن الجرم الذي تحاكمونني عليه ليس جرمِ أنا، ربما اكون إبن زنا وهذا رغما عني و ليس ذنبي… إننا مقبلون على عوالم لا يمكن لقوانين موضوعة او دساتير تحكمها… فبعد ظاهرة المثلية او زواج الأنثى بالأنثى لا تكون هناك جرائم ابشع منها لذا ادعوكم بالتروي في مسألتي وعليك بالحمار والفرس اللذان دفعت بهما غريزتها الى الإتيان بي بينكم دون إرادتي…
بعد مداولة قصيرة صوت المحلفين بأن المتهم بريء من جريمته وتحول القضية الى الامم المتحدة للنظر في مصير اللقطاء وابناء الزنا بمسميات الحرية للنظر في كيفية الحفاظ على الجنس البشري او الحيواني.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي