صار «عيد الحب» مناسبة تجارية
قارئة تتابع ما أكتبه في كتبي وفي عمودي في «القدس العربي» كتبت لي معاتبة لأنني لا أكتب عن «عيد الحب» في 14ـ2 وأنا التي طالما أصدرت كتباً عن الحب، منها مثلاً: «أعلنت عليك الحب» و«الحب من الوريد إلى الوريد» وسواهما. يا عزيزتي، عيد الحب هو كل يوم في نظري حين يكون المرء عاشقاً وهو الوحيد الذي لا يمكن تحديد يوم للاحتفال بـ (السان فالنتان) كما يدعوه الفرنسيون.
حب أم بضاعة استهلاكية؟
ينتهز (التجار) بكل أنواع تجاراتهم مناسبة ما يدعى «عيد الحب» للترويج لبضاعتهم. وهكذا ثمة «يانصيب» يوم 14ـ2 بمناسبة «عيد الحب» بمبلغ 13 ألف يورو. وبائع الأزهار ضاعف بضاعته لكي يشتري العاشق إلى حبيبته باقة حمراء. وثمة رحلة سياحية يوم عيد العشاق. في برنامج تلفزيوني اسمه «أطفال التلفزيون» سنجد المائدة الكبيرة بين نجوم البرنامج مغطاة بالورد الأحمر بمناسبة عيد العشاق. أما برنامج «لا تنسى الكلمات» الذي يقدمه «ثاغي»، فيهدي الخاسر علبة من الشوكولاتة كتب على بعضها: أحبك!!
وباختصار، يتم استغلال ما يدعى عيد الحب كمناسبة تجارية، وأتذكر أغنية عربية تقول: «انت فين والحب فين ظالمو ليه دايماً معاك»، وقد ظلموا جميعاً ما كان يدعى «عيد الحب» وصار عيد التجارة والاستهلاكية، ثم تريدين يا عزيزتي القارئة أن أكتب عن «عيد الحب» في 14-2 بدلاً من الكتابة عن الحب المزعوم كمادة استهلاكية؟
حذاء لعيد الحب!
هذا حذاء لارتدائه في «عيد الحب»، كما نشرت مجلة راقية فرنسية بعض اقتراحاتها للتبضع يوم عيد الحب. (هل عيد الحب مناسبة لذلك؟).
إنه حذاء أبيض رسمت عليه عشرات (القلوب) إكراماً لعيد الحب.
وهذه صورة لبعض الثياب الداخلية التي (يجب) شراء العشرات منها لعيد الحب! وهذا خاتم ذهبي حجره الكريم منحوت على صورة قلب. وهذه علبة شوكولاتة بشكل قلوب. وفي البرنامج الشهير الغنائي «لا تنس الكلمات» يتم تقديم هدية للخاسر هي علبة من الشوكولاتة كل ما فيها بشكل قلوب كما قطعة كبيرة مكتوب عليها «أحبك». وهذا حذاء أبيض مكتوب عليه بالأحمر «أحبك»، وقميص من القطن وردي اللون رسمت عليه باللون الأحمر (قلوب). وهذا حذاء كتب عليه (الحب). وهذه علبة بشكل قلب فيها معجون طلاء شفاء! وهذا إناء لشرب القهوة كتبوا عليه «الحب»؛ حرفان على الإناء الأول وحرفان على الثاني لكي لا تشرب قهوتك إلا مع الحبيب.
بضائع لعيد الحب، فأين الحب؟
لقد انتهى الأمر، وصار عيد الحب «بضاعة أخرى استهلاكية» مثل تلك الأزهار الحمراء المكومة على طاولة برنامج تلفزيوني، فأين الحب؟
وتريدين أن أكتب عن الحب في عيده، وقد صار بضاعة تجارية لا صلة لها بجنون القلب وجموحه النقي المدعو حباً؟
حتى اليانصيب صار فريسة لعيد الحب، حيث تم إنشاء جائزة رابحة يوم 14-3 فهل تريدين يا عزيزتي المعاتبة أن يتحول الحب عندي إلى بطاقة يانصيب؟
ذكرى أليمة في عيد الحب
اتفق أن كنت وزوجي رحمه الله في بيروت يوم عيد الحب منذ أعوام ونستعد للذهاب إلى المطار للعودة إلى باريس، وكنا ننوي قبول الدعوة لحضور الاحتفال بعيد الحب ليلاً في أحد الفنادق الباريسية الشهيرة حين دوى انفجار هز بيروت كلها. واتصل بي أخي هاتفياً من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعيش كمواطن أمريكي؛ للاطمئنان علينا، ومنه علمت بالانفجار الذي قتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري!
هذه هي بيروت. أين عيد الحب في أعياد القتل والاغتيال؟ وعدنا إلى باريس لكننا لم نذهب إلى الاحتفال بعيد الحب في أحد الفنادق المشهورة في باريس، فقد غبنا عن ذلك حداداً على الرئيس الحريري. إنه عيد الكراهية والقتل والاغتيال وليس عيد الحب.
كأننا في لبنان نعيش الحرمان من عيد الحب إلى عيد القتل وإلى الاغتيالات. ومهما رحلنا، ومهما كان الاسم يوم عيد الحب، سيظل الوطن وهمومه يحتلنا… أما تلك البضائع وكلها عيد الحب، فهي قشور لمناسبة تجارية تحت شعار بضائع لعيد الحب.. فالاغتيال هو «عيد الكراهية»..
وأعود إلى باريس هاربة من ذلك كله، ولكن هل ثمة من يستطيع حقاً إلغاء ذاكرته والتلهي بيوم عيد الحب الذي تصادف يوم عيد الكراهية باغتيال الحريري؟
ولكل اغتيال ردة فعل، فمن هو الآتي الذي سيغتاله لبنان، وعسى ألا يحدث ذلك يوم عيد الحب ليصير يوم عيد الاغتيال والقتل في لبنان.
هنالك أشخاص يجهلون المحبة على الرغم من مناداتهم بها، والقتل عندهم هو التعبير المحزن لعيد الحب..
ويا عزيزتي القارئة التي عاتبتني على عدم كتابتي في «لحظة حرية» في عيد الحب، فاللحظات كلها تمتزج في الحياة، وصارت الكراهية أكبر من الحب في كوكبنا، فاعذريني إذا لم أكتب لك وللأحباء القراء عن عيد الحب!
أين الحب في عالمنا المضرج بالأذى والكراهية؟