هل تيك توك حصان طروادة الحزب الشيوعي الصيني؟
في سلسلة إجراءات تبدو بصورة واضحة أنها مترابطة، أقدمت كندا والمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، على حظر استخدام تطبيق تيك توك على العاملين في المؤسسات الحكومية التابعة لها. وقد تزامن هذا الإجراء مع قرار السلطات الأمريكية حظره على جميع العاملين في أجهزة الدولة الفيدرالية، بهدف حماية البيانات والخصوصية، كما يزعمون. فما جدية المخاوف الغربية من استخدام التطبيق؟ وهل ستتخذ دول أخرى الإجراء نفسه بالتناغم مع الولايات المتحدة؟ وكيف ستكون ردة الفعل الصينية؟
بداية لا بد من القول بأن القاسم المشترك الأعظم بين كل تطبيقات التواصل الاجتماعي هو جمع معلومات وبيانات عن المستخدمين وبيعها إلى شركات الإعلانات، حيث تُستخدم لتحديد نوعية الإعلان الذي يتم عرضه. ففي أواخر عام 2022 ظهرت معلومات تقول بأن الشركة المالكة لتيك توك تفاوضت مع شركة فورد للسيارات، في بيع بيانات لغرض تسويق إعلانات خاصة بهذه الشركة.
المخاوف الأمنية، التي ساقتها الدول التي حظرت تطبيق تيك توك، تؤكد أن هذه المنصة الإلكترونية دخلت ضمن مفاصل الحرب الباردة بين الغرب والصين
كما واجه تطبيق تيك توك بعض الاتهامات وأُثيرت حوله الشكوك على مدى السنوات الماضية، حتى اعترفت الشركة المالكة في ديسمبر من العام الماضي، بأن بعض موظفيها استخدموا التطبيق لمتابعة بعض الصحافيين الأمريكيين. ومع ذلك لم تُثبت التحقيقات التي قامت بها دول عديدة بأنه يجمع البيانات لصالح السلطات الصينية، كما أن قرارات الحظر التي طالته مؤخرا كانت خالية تماما من أية دلائل مادية بشأن المخاوف الأمنية، التي قيل إنها تقف وراء منع استخدامه، حتى السلطات الأمريكية لم تستطع إثبات ذلك، واكتفت بالقول بأن هنالك مخاوف تتعلق بالأمن القومي لأن الشركة الأم مقرها في الصين، وأن السلطات الأمريكية تخشى من أن الحكومة الصينية قد تستفيد من الوصول إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين. علما أن هذه المخاوف ليست جديدة، بل موجودة منذ سنوات، ففي عام 2020 حاول الرئيس السابق دونالد ترامب حظر التطبيق، لكنه لم ينجح في مسعاه، لكن الأصوات المطالبة بحظره ارتفعت بشكل غير مسبوق من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في العام الماضي، على خلفية ما قيل من أن العاملين في التطبيق يصلون إلى معلومات المستخدم الأمريكي. ففي أبريل 2022 قدّم السناتور الأمريكي جوش هاولي من ولاية ميسوري مقترحا بحظر التطبيق، واصفا إياه بأنه حصان طروادة للحزب الشيوعي الصيني، وقد وافق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع. أما بالنسبة لكندا فقد تحركت السلطات فيها لإقرار الحظر دون ذكر أي سبب مُقنع يبرر هذه الخطوة، حتى من دون ذكر أية مخاوف أمنية، وذكرت بصورة واضحة بأنه (ليس لدينا دليل في هذه المرحلة على أن المعلومات الحكومية قد تم اختراقها). لكن الكثير من السياسيين الكنديين يعتقدون أن الصين قد حاولت التدخل في الانتخابات الأخيرة، التي أعادت رئيس الوزراء الحالي إلى السلطة. وكان هناك العديد من التقارير الإعلامية المعززة بوثائق استخباراتية سرية، قد زعمت بأنها حاولت التدخل في انتخابات العامين 2019، 2021. وقد أيد حزب المحافظين الكندي المعارض هذه المزاعم قائلا، إن بكين حرمتهم من الفوز في انتخابات عام 2021، وإنها استفادت من بيانات تيك توك لنشر معلومات خاطئة لإلحاق الضرر ببعض المرشحين، وتحويل الأموال والمتطوعين نحو الأشخاص الذين تريد رؤيتهم مُنتخبين. ومع ذلك فقد فنّدت اللجنة المختصة، التي تبحث في هذا الأمر هذه المزاعم قائلة، كانت هناك (محاولات للتدخل الأجنبي، لكنها لم تكن كافية لتلبي عتبة التأثير على نزاهة الانتخابات).
إن المخاوف الأمنية غير المقرونة بدلائل مادية، التي ساقتها الدول التي حظرت تطبيق تيك توك، تؤكد أن هذه المنصة الالكترونية دخلت ضمن مفاصل الحرب الباردة بين الغرب والصين. ويبدو التسييس في هذه الشأن بصورة واضحة. فقد بدأت هذه القضية في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، لكن زخمها قلّ كثيرا مع وصول الإدارة الأمريكية الحالية، والسبب أنها حاولت تقليل الضغوط السياسية على بكين، أملا في أن تكون هنالك تفاهمات معها بشأن قضايا أخرى. وعليه فإن إثارة هذا الموضوع مجددا دليل على أن ملف تيك توك سياسي، وليست فيه أية جوانب أمنية أو تكنولوجية. ويبدو أنها رسالة قبل وصول وزيرة الخزانة الأمريكية إلى بكين، لبحث القضايا الخاصة بالحرب التجارية والرسوم الجمركية المفروضة من كلا البلدين. وتأمل الإدارة الحالية بالضغط على الصين بتحقيق انفراجة في ملفات أخرى، كي تجد ما تقدمه للداخل الأمريكي وللحزب الجمهوري. كما أن الحظر واضح أنه خطوة في مسار المزيد من التصعيد في العلاقات بين القطبين، خاصة أن بكين ترى أن واشنطن تترصد الشركات الصينية، وتحاول خلق مبررات كثيرة لمنعها من العمل، وإيقاف نجاحاتها التكنولوجية والاقتصادية، وهذا واضح من خلال فرض حظر على الرقائق الإلكترونية، وإجبار دول مثل هولندا واليابان على منع تصدير المواد الأولية للرقائق للصين.
يقينا أن بكين تعرف جيدا أن الولايات المتحدة دائما تستخدم الضغط وأسلوب شيطنة الطرف الآخر من أجل الحصول على تنازلات، ويبدو أن هذه السياسة ثابتة في التعامل مع الصين. فقد كثّفت الولايات المتحدة جهودها من خلال إدراج العديد من الشركات والكيانات التي تتخذ من الصين مقرا لها على القائمة السوداء لوزارة التجارة. كما كانت لها تجربة سابقة خاصة بموضوع الجيل الخامس من شركة هواوي، فقد منعت واشنطن التعامل مع هذه الشركة، ثم ضغطت على دول أخرى كي تسير في المسار نفسه، لذلك تعرف الصين جيدا أن الأسلوب نفسه قد تم استخدامه في مسألة حظر تيك توك، وهي تتوقع أن تضغط واشنطن على دول أخرى لحظر التطبيق خاصة المملكة المتحدة، التي ارتفعت فيها بعض الأصوات مطالبة رئيس الوزراء ريشي سوناك، بالسير على الطريق نفسه الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا. ومع ذلك لا يبدو أن الصين سترد، لعدم وجود أدوات رد لديها بالنسبة لموضوع تطبيقات التواصل الاجتماعي، لأنها لا تستخدم هذه المواقع ولديها مواقع تواصل خاصة بها. يمكن أن يكون الرد على شكل عقوبات على شركات أمريكية، وخطوات أكثر تشددا في ملف الرسوم الجمركية.
ما تجدر الإشارة اليه في هذا المجال هو أن تطبيق تيك توك قد تم حضره سابقا في أماكن أخرى من العالم، ففي عام 2020 فرضت الهند حظرا كاملا على تطبيق تيك توك وتطبيقات صينية أخرى، وما زال مستمرا، مستشهدة باللعبة نفسها وهي الحفاظ على البيانات ومخاوف الأمن القومي، وأيضا كان الدافع الحقيقي هو الخلاف السياسي بين الهند والصين، كما واجه التطبيق حظرا مؤقتا لجميع المستخدمين في إندونيسيا وبنغلاديش وباكستان. السؤال الأخير هو، ما الفرق بين تيك توك أو يوتيوب أو فيسبوك أو تويتر، أو أي تطبيق آخر من تطبيقات التواصل الاجتماعي من الناحية الأمنية؟ ألم تستخدمها الحكومات الغربية لجمع المعلومات أيضا؟
*كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية