كيف يفكر الأبطال و كيف يتكلمون في مسرحية ماكسيم غوركي “أبناء الشمس”
يقول ماكسيم غوركي عندما يقارن عمل الكاتب على الرواية والمسرحية “إن الكاتب عندما يؤلف رواية يستعمل أسلوبين : الحوار والوصف بينما يستعمل المؤلف المسرحي الحوار وحده , إنه يعمل إن صح القول بالكلمة المجردة العارية من كل شيء “.
والحقيقة إننا يمكن أن نصادف في كل نتاج أدبي (ما عدى في النتاج المسرحي) وصفاً مصوراً للأبطال ولشخصياتهم ولصور المناظر ولإستبدالات المؤلف المختلفة لهذا او ذاك من المواضيع .
أما في المسرحية فلا يوجد سوى كلام الشخصيات وبعض ملاحظات المؤلف القصيرة وهذه الملاحظات تُستعمل لتوضيح بعض المواقف للقارئ أو الممثل لهذا يكون الحمل الأساسي للمسرحية في حوارات ومونولوجات شخصيات المسرحية , ومن خلال ذلك يمكننا أن نرسم صورة للأبطال ونعرف طباعهم وتصرفاتهم وموقف المؤلف من الأبطال و الحوادث الكامنة في أساس العمل المسرحي أي يمكننا أن نكتشف المضمون الفكري للمسرحية.
كان غوركي يقول عندما يشرع بالكتابة انه يرى قبل كل شيء الإنسان وأفكاره وكلامه , وتأكيداً على ذلك يحدثنا غوركي كيف ظهرت لديه فكرة كتابة مسرحية “أبناء الشمس” , فقد كتب هذه المسرحية تأثير عبارة الفيزيائي الشاب ليبيديف : ” الكيمياء – مفتاح أسرار الحياة”.
فما هي خصوصيات الكلام في هذه المسرحية ؟ وكيف كان وقع تلك العبارة التي سمعها غوركي على المسرحية ؟ وبأي شكل يكشف كلام الشخصيات عن شيمهم وحتى عن الصور المتكونة لديهم ؟
تبدأ مسرحية غوركي “أبناء الشمس” بحوار بين بروتاسوف ورومان , ومن العبارات الأولى نستطيع أن نُكوّن فكرة عن طبيعة هذين الشخصين.
“إسمع يا كنّاس ! ” يقول بروتاسوف مخاطباً رومان. ثم العبارات الأخرى التي يتفوّه بها بروتاسوف رداً على رومان توضح البون الشاسع بينهما , ونرى صورة مشابهة في المشهد الختامي , لا يتطابق فيها توتر الحدث مع كلام بروتاسوف , إذ يتوجه هذا الى يغور بنبرة مليئة بالقلق بعد أن كاد يقتله : “إنك يا سيدي غبي للغاية”.
كلام الشخصيات الأخرى في المسرحية متميز كذلك , خاصة سمات كلام انطونفنا وريما وميلانا وتروبينين ونزار ذات مغزى معبِّر جداً.
كلام أنطونفنا مليء بالعبارات السوقية. ومالينا تحاول، ساعية لإغواء بروتوسوف، أن تفهم معنى العِلم لكنها بسبب قلة تعليمها دائماً ما تخلط في المصطلحات , “إني لا أفهم المعادلات”، تخاطب بروتوسوف يائسةً.
عاملة التنظيف ريما التي تحلم بالزواج من غني تبالغ في محاولتها التكلم “بنبرة الأسياد”, والضابط السابق تروبينين السكير المتهتك يحاول أن يبين أصله “العريق” والطيب فيستعمل عبارات مهذبة لكنها تخرج ساذجة وباهتة , ويبدو كلام التاجر حديث النعمة نزار معقداً لأنه يحاول أن يرتفع بكلامه الى مستوى الصفوة المثقفة.
تتميز لغة غوركي في أعماله المسرحية باستعمال الأقوال المأثورة والحِكَم والاستعارة والمجاز والأصالة في التنقيط والفواصل بين الكلمات , ولا ننسى ان فكرة المسرحية جاءت من عبارة مأثورة , والأقوال المأثورة في المسرحية هذه تؤدي دورين , أولاً تعطي وصفاً واضحاً للشخصيات , وثانياً تُقسِّم أبطال المسرحية الى مجموعتين . . الأولى ممثلي الشعب والأخرى الإنتليجينسيا (الطبقة المثقفة).
أنطونفنا ويغور شخصيتان شعبيتان لهذا يستعملان أقوالاً مأثورة شعبية , وتتميز الأقوال المأثورة لأنطونفنا التي عاشت عمراً طويلاً بكون أغلبها من الأمثال الشعبية , وقريبة من الأقوال الشعبية المأثورة العبارات التي يستعملها تشيورني الذي يحتل مكانة مميزة بين شخصيات المسرحية، والذي يعد بلا شك من الطبقة المثقفة (الإنتليجينسيا).
عبارات بروتاسوفا وليزا وفولغين تبدو بشكل آخر , فأقوال ليزا الفلسفية أكثر شاعرية , والعبارات المأثورة في كلام بروتوسوفا فلسفية بمضمونها وتبدو كأنها مقاطع من كتب علمية.
تتميز مسرحية غوركي “أبناء الشمس” بدقة استعمال الكاتب للنقاط والفارزات وعلامات التنقيط الأخرى , وحتى المونولوج فيها موزعة عباراته في أقسام منفصلة , وعندما نقرأ المسرحية نشعر وكأننا شخصياتها نفكر بالكلمات قبل أن نلفظها.
عند تحليلنا لنص مسرحية “أبناء الشمس” نستنتج أن ملامحها لا تختلف كثيراً عن نتاجات غوركي المسرحية التي تعتمد على استعمال الأقوال المأثورة وحذاقة الصور المجازية وخصوصية وضع النقاط والفواصل , ويستعمل غوركي هذه الأساليب كلها ليعطي وصفاً دقيقاً لأبطاله , ولا تخلو المسرحية هذه من مغزى فلسفة يؤمن بها غوركي نفسه.
ترجمة الكاتب
الدكتور تحسين رزاق عزيز