هل يقرأون ؟.
علي حسين
بالأمس وأنا أتجول في أروقة معرض أربيل الدولي للكتاب كنت أنظر إلى زوار المعرض، يستبدلون خطب الساسة ومعاركهم، بعالم من الكتب، أتطلع في الوجوه فأرى مستقبل هذه البلاد باسماً، متوثباً، محباً للحياة، وأبحث عن جهابذة السياسة الذين يتقافزون على الكراسي، فلا أحد يحضر مثل هذه الفعاليات لأنها لا تصب في خانة المكاسب، في الوقت الذي تتواصل فيه معركة عسكرة البلاد، فيما تغيب معارك التنمية والبناء والتعليم.
دائماً أطرح على نفسي هذا السؤال وأنا أتطلع إلى “سحنة” أحد السياسيين: ترى ما هي قائمة الكتب المفضلة لديه؟، هل قرأ يوماً علي الوردي أو فؤاد التكرلي أو الرصافي أو وضع هوامشه على إحدى قصائد السياب؟ وألوم نفسي وأسخر منها: يارجل إنهم يعشقون مكيافيللي من خلال السماع ولم يقرأوا صفحة منه، لكنهم طبقوا مبادئه المخادعة في السياسة.
يخبرنا مؤلف سيرة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران، بأن الرجل كان دائماً ما يستشهد بمقولات لكبار كتّاب فرنسا وهو يدير اجتماعات الحكومة وحين سأله أحد الصحفيين يوماً: لماذا تردد مقولات قديمة، في زمن وصل فيه الإنسان إلى سطح القمر؟ قال وهو ينظر إليه متعجباً: “يفقد الإنسان اتصاله بالمستقبل إذا لم يكن محاطاً برجال مثل روسو ولم ينصت إلى فولتير”، بينما فقد معظم ساستنا اتصالهم بالواقع لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات السياسية.
لا يعترف السياسي العراقي بالثقافة، والدليل أن منهاج معظم الحكومات التي حكمتنا منذ أياد علاوي وحتى هذه اللحظة يخلو من مفردة الثقافة. حتى أن البعض من سياسيينا يؤمن بأن الثقافة هي “الجوبي” وأن أصلح شخص لإدارتها هو الراقص على الحبال حميد الهايس.
حين يصر البعض على تحويل العراق من أغنى دولة عربية إلى بلد يضم ملايين الفقراء، فالأمور لا تتعدى “تجارب تخطئ وتصيب” وحين نتقدم سُلّم البلدان الأكثر فساداً ونهباً للمال العام، فإن الأمر يدخل أيضا في قائمة “تجارب الهواة”، فلا مشكلة في أن يتدرب “الفاشلون” على إدارة مؤسسات الدولة وأين المشكلة حين يدير أمور العباد، أناس لا يفرقون بين كتاب الطبخ، وكتاب القانون؟.
كان السنغافوري لي كوان عندما يتحدث مع أصدقائه يشير إلى تأثير مذكرات الجنرال ديغول على مسيرته السياسية، وعندما رفع شعار من أجل حكومة نظيفة، كتب في مذكراته التي أسماها “من العالم الثالث إلى العالم الأول”: “لقد عانينا من انتشار الفساد بين عدد كبير من المسؤولين، ولهذا حرصت من أول يوم تولّيت فيه السلطة على إخضاع كلّ دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقّين من دون أن يُنهب في الطريق”.
ولأننا نحتفل بعيد الكتاب، لا أدري أين حلّ الدهر بمكتبة فيلسوف العراق الأوحد إبراهيم الجعفري؟