مسارات الحروف وكواليس الكتابة .
د.خيرالله سعيد.
* ثـــرثـــرات السياسـة وفقـدان البوصلـة : ح7
* في نهايات عام 1985 ، وصلت حالة التذمّـر السياسي مداهـا الأقصى، وبانت تباشير الإنقسامات تتوضّـح في بعض المنشورات والبيانات السياسية، حتى انعقد المؤتمر الرابع للحزب في ت2 / 1985 في كردستان العراق، وبدأت الإنشقاقات والإزاحـات والإقصاءات، حتى أصبحت حديث الشارع والمقاهي ، حيث تم إقصاء خِـيرة مناضلي الحزب، وأقدم القيادات والكوادر الحزبية، من المكتب السياسي واللجنة المركزية، وكان أبرز الرفاق الذين أُقصيوا من مراكزهم الحزبية هُـم مايلي :
1- زكي خيري . 2- حسين سلطـان . 3- عـامر عــبدالله .
4- بـاقر إبراهيم . 5- د. نزيهـة الدليمي . 6- نوري عبد الرزاق .
7- عـدنان عباس. 8- نـاصر عـبود . 9- آرا خـاجـا دور .
10- مهـدي الحـافظ . 11- د. ماجد عبد الرضا. 12- عبد الوهـاب طـاهر.
* وقبل هـؤلاء كان قـد فُصل كل من : مكرّم الطالباني وبهـاء الدين نـوري .مع 80 كادراً متقدّمـاً وأعضاء في القواعـد الحزبية المختلفة، وقـد أُدرج إسمي ضمنهـم، وقـد دوّن د. عبد الحسين شعبان ذلك، في سلسلة مقالات مطوّلة، بلغت 12 مـقالاً، حملت عـنوان ( عـزيـز محمد – شيوعية بـلا جـناح، الإستعبار والإستبصار ) ونشرت هذه المقالات في أكثر من موقع ومكان .
* لقد أدّت نتائج المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي إلى تفتيت وتقسيم الحزب إلى عِـدة كُـتلٍ وأجنحة، كان أبرزهـا ( جمـاعـة المـنبر ) حيث كانت تضم أبرز القياديين في الحزب الشيوعي العراقي، وخيرة مثقفيه، وقد تحـدّث الرفيق نـوري عبد الرزاق، حـول هذه الكُـتلة، وكنتُ واحـداً منهم، قال نوري عبد الرزاق في حِـوارٍ مطوّل ، نشرته ” جريدة الزمـان العراقية ” بتاريخ 30 و 31 / 12 / 2019 قال فيه :” نحنُ باختصار لدينا آراءً مختلفة عـن القيادة الرسمية، تتعـلّق بقضايا مفصلية منهـا : الحرب العراقية – الإيرانية، والموقف من التحالفات، ونهج التفريـط، وأساليب الكفـاح ” .
* كما ظهرت هـناك تشكيلاتٌ أخرى، إنشقت هي الأخرى عـن الحزب الشيوعي العراقي ، كان منـهـا : 1- الحزب الشيوعي العراقي – كتلة تصحيح المسار. بقيادة الرفي صباح زيارة الموسوي . 2- مجموعـة الحزب الشيوعي الكردستاني , 3- ومجموعـات أخرى صغيرة .
* وقد خلقت هـذه الإنشقاقات أجـواءً مُـلبّـدةً بغيوم الحقـد والتـآمر والتشفّـي ، والمشاحنات الإجتماعية السيئة، وقـد كانت الأجـواء والتطورات العديدة الأخرى، التي حصلت في العراق والمنطقة، منذ الحرب العراقية الإيرانية، وغزو الكويت، إلى اختلافِ مسارات الشيوعييّن حول القضايا الإستراتيجية والوطنية، الأمر الذي خلقَ ” حـالة جديدة من إعـادة قـراءة الماركسية ” بشكلٍ آخر.، يخضع إلى منظور التبدلات في الواقع الإجتماعي والسياسي، وتجربة الأحزاب الشيوعية واليسارية، بمنظورٍ جـديد من الحداثة والتطوّر .
* إزدات حالة الإحتراب السياسي والإجتماعي بين العراقيين المتواجدين على أرض الشام ، وفي بلدان الشتات الأخرى، حتى غـدا ” فريق فخـري كـريم زنـﮔــنـة” يشـوّه تـاريخ الناس وأخلاقهـم، بل وحتى يحاول محاربة الناس في أرزاقهـم، لا سيما العاملين في ” مجلتي الحريّـة والهـدف الفلسطينيّتين” وغيرهما .
* كنتُ بعيداً بعض الشئ، عـن هذه المهاترات السياسية، فقـد كانت ” المكتبة الظاهرية، هي المكان الذي أجد نفسي فيه ، خارج هذه المعمعات العراقية، وقد زادت حصيلتي التراثية بشكلٍ لافت، وبـدأت بعض كتاباتي تأخذ طريقـاه للنشر في الصحف السورية مثل ، جريدة تشرين، وجريدة الثورة، وجريدة الأسبوع الأدبي التابعة لإتحـاد الكتّـاب العرب بدمشق ، وكان سكرتير تحريرهـا الصديق د. حسن حميد، والذي كان حريصـاً على نشر مقالاتي إسبوعيّـاً، لا سيما مقالاتي التراثية والمعـنونـةِ بـ ” أوراق من التراث، ورجـال ومواقف ” فيما كانت ” مجلة الهـدف الفلسطينية ” تنشر لي ” سلسلة مقالات بعـنوان – مُـدن فلسطين في تُـراث الأقـدمين ” وكان الصديق د. فيصل درّاج حريصاً هـو الآخر على نشر موضوعاتي في ” مجلة الهـدف ” كونه مسؤولاً عـن القسم الثقافي فيهـا، فيما كانت مقالاتي ودراساتي النقدية الكبيرة، تُـنشر في ” مجلة التراث العربي الفصلية، ومجلة الموقف الأدبي الشهرية، ومجلة الاداب الأجنبية ” وجيع هذه المجلات كان يصدرهـا إتحاد الكتّـاب العرب السوريين بدمشق .
* ثم توسّـعت دراساتي الفكرية والنقدية في التراث العربي الإسلامي، حيث بدأت أنشر ” بمجلة دراسات عـربية ” وهي واحدة من أوسع المجلات الفكرية والثقافية الرصينة في لبنان، حيث نشروا لي في العـدد الثاني لعام 1987 موضوعـاً مهماً حول ” أساسيّـات الخـلاف القرمطي – الإسماعيلي ” ثم دراسة أخرى بعـنوان ” الإستشراق، منهجية التعالي على تـراث الشعوب ” في العـدد 8 لعام 1988م . وغيرهـا من المقالات، ثم توسّـعت دائرة النشر لي، فرحت أراسل ” مجلة الفيصل ” السعودية، ومجلة ” آفاق الثقافة والتراث ” الإماراتية في دبي، وكانت أغلب هذه الدراسات الفكرية في التراث ، كانت تخضع لمراجعة الأستاذ هـادي العلوي، قبل نشرهـا،وقد أشار عليّ أن أكتب عـن ” حركة إخـوان الصفاء ”
* بـدأت أجمع شتات أفكاري، وألَـمـلم أوراقي وكشاكيلي التي دوّنت فيهـا ملاحظاتي عـن ” إخـوان الصفاء ” فتزاحمت المعلومات في ذهني، وتراكمت الأوراق و ” القصاقيص ” أو الجُذاذات الورقية ” حول هذا الموضوع، وانتابني القلق في الكيفية التي سـأبدأُ بهـا لكتابة ” بحث تاريخي – سياسي ، فلسفي ” حول موضوعة ” إخـوان الصفاء ” ! وازدادت حيرتي في هـذا الأمر، حتى أنّـي بـدأت أشدُّ قلقـاً في اللّـيل، ولا أستطيع النوم، ولمدة 3 أيـّام، وأنـا في هذه الحالة القلقة، وخشيت على نفسي من ” الهـلوسة ” وعدم السيطرة على قُـدراتي العقلية والفكرية، وبـدأت نفسي تضيقُ بي، الأمر الذي دعـاني إلى الذهـاب مباشرة إلى الأستاذ هـادي العلوي، وشرحت لـه الحـالة المضطربة التي أنـا فيهـا ! فقال : لا تخف، إنـهـا حـالة الإرهـاص الفكري عـن الموضوع الذي تـود الكتابة عـنه، وهي حالة عـامة تقريبـاً، تصيب الكُـتّـاب الذين يواجهـون موضوعاتهم للمرّة الأولى، واقنرح علي ” أن أكتُـب ” أيّ شئ يخطر على بالي في موضوعة إخـوان الصفاء ، ثم العودة إليه بعـد ذلك، وتنسيقهِ في أبوابٍ وفصول ، وجعل هذه الأوراق ” مجرّد مسوّدات ” ، أراحني هذا الإقتراح، ورجعتُ إلى البيت في ” ركن الدين / الكيكية ” وبدأت أكتب كلّ ما يخطر على بالي، وبقيت أكتب ، بشكلٍ متواصل بحدود 14 ساعة متواصلة، حتى صار تحت يـدي حـوالي ” 26 صفحة ” وبعـدهـا استسلمت للنـوم، وأوصيت الصديق ” علي هـاشم مزبان ” وكنّـا نسميه ” غسان ” والذي كان يسكن معي في تلك الفترة، أن لايوقظني قـط ، حتى افيقُ لوحدي، وأن يعتذر لكلِّ سائلٍ عـنّي، واستغرقت في النوم لمدة 18 ساعة متوالية، وفي اليوم التالي ، عـند المساء، استفقت، وكان ” غسان ” قـد أعـدّ لنا طعاماً جيداً، وابتعـد عـن التدخين داخل الغرفة التي نتجالس فيهـا عـادة، ولم يشغّـل التليفزيون. إستيقظت، وكنت أشعر بحالة نفسية جيدة، ونفسي مفتوحة للأكل والشرب، وحالما نهضت ذهبت لأستحم وأتنشّـط قليلاً . إبتسم غسان وهـو يقول : خير إنشاء الله، ﭽنت تطرﮒ وتحوف لـو تكـرب بالـﮔـاع ؟ فحكيت لـه ما مررتُ بـهِ من قلقٍ مُـثير، فـاستدرك هـو ذلك، لأنه كاتباً في شؤون السياسة، ويـرأس تحرير ” مجلة فـتح الإنتفاضة ” الفلسطينية، ثم قال: ” خـلاص، اليوم راحة، لا قراية ولا كتابة ” وبـدأنـا نتناول العشاء، ونشاهـد التلفـاز ، حتى ساعة متأخرة من اللّـيل .
* في اليوم التالي، ذهبت إلى بيت الأستاذ هادي العلوي، والذي كان قـد إنتقل من بيت أخيه حسن إلى شُـقّـةٍ صغيرة، لا تتعـدّى مساحتهـا عن 70 متراً مربعاً، نصفهـا ” عيادة طب أسنان للدكتورة ” عِـتـاب الملّـوحي ” وهي إبنة الأستاذ الباحث الكبير والمحقّـق المشهـور ” عبد المعين الملّـوحي ” وكان صديقـاً لهـادي العلوي، مُـذ كانـا يعملان في ” الصين ” وهـو الذي إقترح على هادي العلوي أن يسكن في الغرفة والصالة الملحقة في العيادة، وتقع في منطقة ” مـزّة جبل ” وهي في مكانٍ جميل وهـادئ، وبالقربِ مـنه مستشفى ودائرة بريد، ومقر إتحاد الكتّـاب العرب بدمشق، يبعد حوالي كيلو متر واحد ، في الجهـة المقابلة . وقد وافق هـادي العلوي على هـذا العرض، شريطة أن يدفع إيجـاراً، فرفض الملوحي وإبنته ذلك، فـاقترحت د. عتاب الملوحي إيجاراً رمزيّـاً قـدره ” 500 ليرة شهـريـاً ” فـزاد العلوي عليهـا ” 500 ليرة ثانية ” والعيادة تشتغل يوميـاً من الساعة 5 – 9 مساءً، ثم تعــود د. عتاب إلى بيتـها، وكان العلوي يراعي وقت عملهـا بـدّقة، ويستغل هذه الفرصة المسائية للعمل والبحث بشكل أكثر إنتاجية، دون أن يتصل بـأحّـد ، حتى نهاية عمل العيادة الطبية ، فزرتـه بذلك الوقت المسائي ، بعـد التاسعة، وأوضحت لـه ” مُـخطّـطي الأولي ” لمسارات العمل في ” بحث النظام الداخلي لحركة إخـوان الصفـاء ” ثم أطلعـتهُ على ماكتبتهُ في تلك الأوراق الـ ” 26 ورقة ” فاطّـلع عليهـا وبـدأ يؤشّـر على كـل معلومـة، وأين يجب أن تكون في سياقات البحث، ثم أجرى تعـديلاً على خُـطّة العمـل، ومن أيِّ زاوية يجب أن تكـون البداية، فشكرتـهُ على ذلك، حيث أن ” تلك الجلسة العلمية، كانت طويلة بحدود الساعتين، ثم ودعته فقال لي : ” كلّـما انهيت فصلاً ، فـاعرضهُ عليّ” كي نتـناقش بـهِ ، وبـدأت العمل ، وفق الخـطّـة التالية في البحث :
*- البـاب الأول : عَـصر إخـوان الصفـاء: ويشتمل على الفصول التـالية :
1- الفصل الأول : تـاريخ ظهـورهـم .
2- الفصل الثـاني : إخـوان الصفاء والحالة الإجتماعية لعصرهـم .
3- الفصل الثالث : الحـالة السياسية لعصرهـم .
4- الفصل الرابع : التطوّر السياسي لإخـوان الصفاء .
5- الفصل الخامس : عـلاقة إخـوان الصفاء بالإسماعيلية .
6- الفصل السادس : تـأليف جمـاعـة إخـوان الصفاء .
7- الفصل السابع : مـكان ظهـورهـم .
8- الفصل الثـامن : رجـال ” الرسـائل ” .
9- الفصل التاسع : النظام السياسي لحركة إخـوان الصفـاء .
10- الفصل العاشر : مـبدأ ” التقيّـة ” وسِـريّـة العـمل .
* وقـد كانت ملاحظات الأستاذ هـادي العلوي، على هـذا الباب، دقيقة وعميقة، حتّـى أنّـنـا غيّرنا كثير من مـوادهـا، والرؤية حـول تناولهـا، وزاية النظر إليهـا .
وقـد إستغرق هذا الباب منّي حـوالي ” سنة ونصف ” في البحث ، حتى استقام المنـهـج في البحث، بشكلٍ دقيق، ووقـتـها قال العـلوي : الآن تستمر لوحدك، فقـد ملكت ناصية البحث في الكتابة، ومع ذلك إعرض عليّ كلّ فصلٍ تكتبهُ، بغية أن يكون في مستوى هـذا الباب، من حيث الرؤية والمنهـج والإستنتـاج، فوافقتـهُ على ذلك ، ثم كتبت البـاب الثاني على النحـو التـالي :
* البـاب الـثاني : النـظام الـداخلي لحـركـة إخـوان الصفـاء :
1- الفصل الأول : تمهـيد .
2- الفصل الثاني : شـروط القبول والعضوية .
3- الفصل الثالث : القَـسَـم ونـيــــل العضوية .
4- الفصل الرابـع : قـواعـــد العـمل الحـزبي .
5- الفصل الخـامس : التـقسيــــم الخـــــلـوي .
6- الفصل السادس : طــقـس الإجــــــتـمـاع .
7- الفصل السابـع : واجـبات سكرتير الخليّـة .
8- الفصـل الثامــن : الإشـراف الحـزبي .
9- الفصل التــاسع : التـثـقـيف الحـزبي .
10- الفصل العـاشر: الكـادر ومقـوّمـاتـه .
11- الفصل الحادي عشر : مهمات الكادر، وشروط المفاضلة .
12- الفصل الثاني عـــشر : درجات تقسيم الكـادر ومُـسمّـياتـهـا .
13- الفصل الثالث عشر : العـقوبات الحزبية .
14- الفصل الرابــع عشر : تـوصيات الحـركـة لأعضائهـا .
* البـاب الثـالث : نظـريـة الإمـامـة عـند إخـوان الصفـاء .
1- الفصـل الأول : تمهـيد تـاريخي .
2- الفصل الثـاني : تـطـوّر مفهـوم الإمامة .
3- الفصل الثالث : البُـعـد الديني والدنيـوي في مفهـوم الإمـامـة .
4- الفصل الـرابع : الفِـرق الإسـلامية ومفـهـوم الإمـامـة .
5- الفصل الخامس : الفروقات السياسية والأساسية بين مفهـومي السنة والشيعة للإمامة .
6- الفصل السادس : مفهوم الإمامة عـند الإسماعيلية وإخوان الصفـاء
7- الفصل السابـــــع : الإمـامة في نظر إخـوان الصفاء .
8- الفصل الثــــــامـن : موقعهـم من الخـلافة .
9- الفصل التاسع : عـلي والإمـامة عـندهـم .
10- الفصل العاشر : نظـام تـراتب الأئمـة عـندهـم .
11- الفصل الحادي عشر : هيكلية البناء التنظيمي للأئمـة .
12- الفصل الثاني عـــشر : الأبـوّة الروحية .
13- الفصل الثالث عشر : الإمامة ومفهـومـها السياسي في ” الرسائل ” .
14- الفصل الرابع عشر : آراء المعـادين لهـم .
* المصادر والمراجع للبحث .
* دام البحث في هـذا العمل حوالي السنتين، تحت إشراف الأستاذ هـادي العـلوي، ثم قام ” رحمه الله ” بكتابة مقدمة ضافية لهذا العمل، أعطتـهُ بُـعداُ معرفيّـاً أكثر .
* * *
* كنتُ ألتقي د. فيصل درّاج بين الفينة والأخرى في المعهـد العلمي الفرنسي للدراسات العربية بدمشق، وأحيانـاً نلتقي في ” المكتبة الظاهـرية ” وذات مرّة عرضتُ عليه طباعة هذا البحث، لا سيما وأنّـه كان المستشار الثقافي ” لـدار كنـعـان ” والتي كانت مناصفة بين ” الجبهـة الشعبية لتحرير فلسطين والأستاذ سعيد البرغـوثي ” وكان د. فيصل يشرف على مطبوعـة دورية مهمة إسمهـا ” شـهـادات ” كانت شبه كتـاب فصلي، كان النخبة المعروفة ثقافيـاً ، يكتبون فيه، وكان من ضمن المشرفين على هذه ” الدورية – شهـادات ” الروائي المعروف د. عبد الرحمن منيف، والذي تعرّفت عليه في إحدى المرّات في ” بيت هـادي العلوي ” .
* قبل د. فيصل درّاج ” المخطوط الخاص بإخـوان الصفاء ” وقال : سوف أعرضه عل ” المجلس المختص ” في ” دار كنعان ” ، وبعد إسبوعين إلتقينا في ” المكتبة الظاهرية ” فـأخبرني بأن المجلس المختص، قَـبِـلَ كتابك ” النظام الداخلي لحركة إخـوان الصفـاء ” واتّـفقوا معي على أن ” يـدفعـوا لي ” 1200 دولار ” و30 نسخة من العمل، فوافقت على ذلك، وقد كانت ” دار النشر ” لها مقـر في ” قبرص ” ويشرف عليهـا ” رفيق من اللجنة المركزية للجبهـة الشعبية، وبعـد مرور ستّـة أشهـر، سـألت د. فيصل درّاج عن موضوع ” نشر الكتاب، فـأخبرني بأن هـناك مشكلة فنيّـة ومالية، حدثت في الدار في قبرص، حيث تم سرقة ” مليون دولار ” وحدثت مشكلة كبيرة في داخل الجبهـة الشعبية، ولذلك سوف يتـأخّر صدور الكتاب بعض الوقت، ثم قال لي : أن هـناك رفيقـاً إسمه ” مَـلاّح ” يعرفك شخصيّـاً، فقد كان معكم في المدرسة الحزبية في بلغاريـا، وسوف يزورك قريباً في المكتبة الظاهرية، للحديث حـول الموضوع . قلت : لابـأس، وفعـلاً جاء الرفيق مـلاّح إلى المكتبة الظاهـرية، فجلسنا في فضاء المكتبة، وشرح لي الملابسات التي حـدثت في قبرص، قلت : لقد أخبرني د.فيصل في الموضوع. فقـال : أنتَ رفيقـنـا، وما يجمع بيننـا ليس المال، بل المواقف الإنسانية، ونحن لا نستطيع أن نـدفع المبلغ المتفق عليه ” 1200 دولار ” ونحتاج منك بعض التبرعـات. قلتُ : حسنـاً ، إطرحوا من الميلغ ” 200 دولار ” فطأطأ رأسه ، فعرفت أنه يريد أكثر، فقلت : أخصموا ” 400 دولار ” وادفعوا لي ” 800 دولار ” فوافق، وشكرني على ذلك، وظل الكتاب عـندهم حتى بـداية عام 1991م ،حيث صدرت طبعتـه الأولى، ثم طبعـوه مرة ثانية في عام 1992 ، ولم أتقاضى منهم شيئاً عـن الطبعة الثانية .
* الغريب في الأمر،أن هـذا الكتـاب، كنتُ قـد بعثتهُ بيد الناقـد اللبناني” محمد دكـروب” والذي عرّفني عليه في دمشق الأستاذ هـادي العلوي، عندما جاء إلى دمشق للمشاركة في ” مهرجان دمشق السينمائي عام 1988، وسلّمته مخطوطة ذلك الكتاب، عندما كُـنـا في ” فندق أُميّـة ” بمعيّـة الأستاذ ” نـزار بن حسين مروة ” وبعد مرور 4 أشهـر،ذهيت إلى ” مقر الحزب الشيوعي اللبناني في دمشق، والتقيت الرفيق ” أبو إليـاس ” وكان يعرفني أيضاً عـن طريق هـادي العلوي، وشرحت لـه الموقف، وإن الأستاذ محمد دكروب، هـو المستشار الثقافي إلى ” دار الفـارابي اللبنانية ” وقد إستصحب ” مخطوطة الكتاب ” قبل 4 أشهـر، ولم يـأتني خبراً عـنه حتى الآن! فقال أبو إلياس : طيّب يا رفيق، سوف أتصل بهِ، ودعـنا نتّفق على اللّـقاء في الأسبوع القادم، قلتُ : حسنـاً، ثم التقينـا في الأسبوع التالي، في مقرهم بدمشق، فـأخبرني بأن ” الرفيق محمد دكروب ” نفى بـأنه إستلم منّي أيّ شئ ! فـانتابني الذُعـر، وقلت : إتصل بـهِ الآن، فاتصل بـهِ ، وصدفة كان ” دكروب ” موجوداً في مكتبه، فحكيت معهُ، حول العمل، ومتى أوصلت الكتاب لـه، وكيف أنّـه كان يكتب في موضوعٍ نقدي عـن أحد الأعمال المسرحية التي عُـرضت في مهرجان دمشق، وذكرت لـه حتى لون قميصه الذي كان يرتديه، ثم قلت لـه : إسـأل نـزار بن حسين مروة، فقـد كان شاهـداً على ذلك ! فقال : سـابحث عـن الموضوع، وأفتّش في أوراقي، وسوف أخبرك أو أخبر الرفيق ” أبو إليــاس ” بذلك، ثم مـال لتخفيف ثورتي عليه، وانفعـالي الزائد وقال : مـاذا تقول لو كنتُ استشهـدت، ونحنُ ما زلنـا في ” الحرب الأهلية ” في لبنان! قلت : سوف أرثيك حقّـاً، وأعيد كتابة البحث، فضحك على التليفون وقال : ما يكون خاطرك إلاّ طيّـب، وفعلاَ في الأسبوع التالي كان ” المخطوط “عـند الرفيق أبو إليـاس”
* لقد أعطتني هذه التجربة، درسـاً لا أنساه، لأني وقتـهـا ” لم آخـذ منـهُ إيصالاً ” باستلام المخطوط ” وكنتُ معتقداً أن حياة الرفقة السياسية، والوثوق برفاق الدرب، هي الضمان، في مثلِ هـذه الأمور، ولكني اكتشفت بأني كنتُ على خطأٍ، ولا يصح أن أُكـرّرَ مثل هذا الخطأ، مع أيِّ شخص أو أيِّ جهةِ كانت .
* * *
* لقد كانت إنعكاسات المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي ونتائجه، وبالاً على الساحة العراقية، وعلى كافة الأوساط السياسية والثقافية، فقـد إنشقّـت أيضاً ” رابطة الأدباء والكُـتّـاب العراقيين ” في دمشق، فقد تـم تـأسيس ” البيت الثقافي العراقي ” من قبل الأدباء والكتّـاب التالية أسماؤهم : 1- خيرالله سعيد . 2- مظفر النَـوّاب . 3- جُمعـة الحلفي. 4- ريـاض النعماني. 5- فاروق صبري. وإثنان من الأخـوة الأكراد ، والتفّ حولنـا مجموعة كبيرة من مختلف الإتجاهـات السياسية والفكرية، فقد إنظمَّ إلينـا من البعثيين المقيمين في سوريا ” د. أحمد الموسوي ود. فاضل الأنصاري ” بغية خلق جبهـة ثقافية عراقية موحّـدة، وقد فـادنـا وجود د. فاضل الأنصاري، بوصفهِ عضو القيادة القومية لحزب البعث، والمسؤول عـن ” مكتب شؤون العراق ” في سوريـا، فقد إستطاع أن يحصل لـنا على ” بنـاء ” مدرسة قديمة، في منطقة العفيف بدمشق، والبناء فيه ” ساحة لكرة السلة، و6 غرف، ومجاز داخلي كبير ، يمكن توظيفه لعقد الندوات الفكرية والثقافية، في موسم الشتـاء، واستطاع أن يتصل بالعماد مصطفى طـلاس، بغية أن تقوم ” فِـرقة من دائرة الإنشاءات العسكرية” لمشاهـدة المبنى وترميمه، وفعلاً تمّـت هذه المسألة، وأنجز ترميم البيت القديم، وأصبح ” البيت العـراقي ” بشكلٍ رسمي، وتم إفتتــاحهُ بالتوافق مع الذكرى 50 لولادة مظفر النـوّاب، وقد تـولّى الصديق الراحل الشاعر جمعة الحلفي إدارة الحفل، كما ألقى قصيدة جميلة ، بهذه المناسبة، وكذلك فعل الصديق الشاعر رياض النعماني، فيما قـدمتُ أنـا ” دراسة نقدية مطولة حول قصيدة النـوّاب – حـﭼّـام البريّـس ” كانت بعـنوان : ” التجلّي السياسي والموقف المبـدأي في قصيدة ” حـﭼّـام البريّـس ” وقد نشرتهـا فيا بعـد في ” مجلة إلى الأمـام ” الفلسطينية , فيما قـدّم الصديق والفنـان المسرحي فـاروق صبري ، مشهـداً ثميليّـاً ، عـن قصيدة مظفر النـوّاب : سـعـود ” . وقد كان الإفتتـاح رائعـاً، وخلق صدىً ثقافيّـاً واسعـاً في الأوساط الثقافية ، السورية والعراقية، الأمر الذي أغضب ” جماعـة فخري كريم ” ورابطـتهِ ” رابطة الكتّـاب العراقيين ” .
* بـدأنـا بتنشيط ” البيت الثقافي العراقي ” بدمشق، فقـد قمـنا بزيـارة وزارة الثقافة السورية، فـاستقبلتـنـا السيدة د. نجـاح العطّـار ، وزيرة الثقافة السورية، وجرى الحديث في ” أن تقـدّم وزارة الثقافة السورية دعمـاً ثقافياً ” للبيت العراقي ” من جملتـهـا ” طبع مـؤلّفـات أعضاء البيت العراقي ” فوافقت الوزيرة على ذلك . وصادف أنّي قـد أنهيت دراسة تراثية لي كانت بعـنوان ” مُـغـنيات بغـداد في عصر الرشيد وأولاده ” فقدمتـها للوزارة مباشرة، وتمت الموافقة عليهـا ، لكن نشرهـا دام طويلاً، حيث نشرت بعـد إنتظار دام 26 شهـراً، وهـو أول عمل عراقي، تطبعهُ وزارة الثقافة السورية ، وكانت موضوعاته تشتمل على مـا يلي :
* المقـدمة التاريخية للموضوع .
1- الفصل الأول : بغـــداد بين الفكرة والتكـوين .
2- الفصل الثاني : إزدهـار بغــــداد .
3- الفصل الثالث : العبّـاسيّةن والبدايات الأولى للجـواري .
4- الفصل الرابع : تعـريف معـنى القِـيـان .
5- الفصل الخامس : مواصفـات القـيان والجـواري .
6- الفصل السادس : أصنـاف القيـان وأوصافـهـن .
7- الفصل السابع : أثـر بغـداد في انتقال الغـناء إللا الأنـدلس .
8- الفصل الثامـن : نـوادر المغـنيات مع الشُـعراء والقُـضاة .
9- الفصل التاسع : أشهـر المغـنيات في العصر العبّـاسي :
1* عـريب المـأمونية .
* عـلاقتـها بالخلفـاء .
* مغـامرات عـريب .
2- دنـانير، جـارية محمد بن كُـناسة .
3- بدعـة الكبيرة، جـارية عـريب .
4- مُـتيّـم الهُـشامية .
5- محبوبة ، جـارية المتـوكّـل .
* * *
* وقد خلق صدور هـذا الكتاب، صدىً طيّـباً بين الأوساط الثقافية في سوريا، ولكن ” الأوساط الدينية المتخلفة ” كانت مُـستاءةً من صدور هـذا الكتـاب، وخصوصاً ” جماعة الإخـوان المسلمين ” النافذة ، وقتذاك، في سوريا، حيث قَـدّموا ” شكوى ” لوزارة الثقافة السورية، بحجّـة ” أنـها تطبع مفاسد ” من التراث الإسلامي ” ومؤشرين على ” عبارة خاصة بِـعريب ، تقول فيهـا : ” نكحني ثمانية خلفاء، ما اشتهـيت أحداً منهم إلاّ ابن المعـتز ، فـإنه كان أشبه بعيسى بن الرشيد ” وهو ماورد في ص 186 من الكتاب، طبعة وزارة الثقافة السورية عام 1991 . وهذا ” الإعـتراف ” كنت قـد أشرتُ إلى ” مرجعيتـهِ في كتاب الأغـاني، لأبي الفرج الأصفهـاني ج 21 /73 ، إضافة إلى مصدرٍ آخر إسمه ” الإمـاء الشواعر ” ص 103 ، وهـو أيضاً لأبي الفرج الأصفهـاني، لكن ” جماعة الإخـوان ” في سوريـا ، قـدّموا طلبهـم الى “الشيخ كفـتارو” مُـفتي الجمهـورية العربية السورية، فـوجّـه كـتاباً إلى وزارة الثقافة ، بضرورة سحب الكتاب من الأسواق والتداول ” فتم ذلك . ومنع الكتاب من التدلول، وسحبه من المكتبات ، وكان لي صديق سوري، يشتغل في المركز الثقافي السوري بشارع أبي رمّـانة ، فاشترى لي ” 10 نسخ ” وأخفاهـا عِـنده، بعـد وصول التعميم من وزارة الثقافة السورية بسحب الكتاب من التـداول، وأخبر أحد الأصدقاء بضرورة أن أزوره، على وجه السرعة، فحضرت عـنده ، وكنت أعتقد أنه ” وجد بعض الكتب التراثية، وأراد إيصالهـا لي، وحين وصلت قال لي : ” لقد منع كتابك من التـداول ” وقد حجزن لك 10 نسخ ، ودفعت المبلغ مني، فشكرته على ذلك ودفعت المبلغ المحدد .
* * *
* في هـذه الفترة التي إسّسنـنـا فيهـا ” المنتدى الثقافي العراقي ” في دمشق، وخصوصاً، بعد حفل الإفتتاح، الآنف الذكر، طرح الزميل الراحل جمعة الحلفي، بـأن يكون ” المنتدى ” مفتوحـاً طوال الأسبوع، في فترات المساء، فوافقنا على ذلك . وعند خروجنا، طرح عليّ ” فكرة أن أسكن في أحـد الغرف” فالبناء فيه طـابقين، وفيه 7 غُـرف فـارغـة، فـاخذت الفكرة بشكل إيجابي، وقدمت إقتراحـاً لجمعـة الحلفي فقط، وهـو أن أعيش في داخل المبنى ” كمدير إداري وثقافي ” ويخصص لي مبلغـاً من المال شهـريـاً ” فقـال : دع الأمر لي، وسوف نتحدث أنـا ومظفر النـوّاب حول الموضوع ونطرحه على د. فاضل الأنصاري، فهـو لا يرد طلبـاً للنـوّاب، وفعـلاً وافق على المقترح، وتقرّر تخصيص مبلغ لي من المال ، كراتبٍ شهـري ، من دائرة مكتب شؤون العراق ، في القيادة القومية، وكان مقداره ( 1200 ليرة )، وكنت وقتـهـا أبحث عـن مكان أعيشُ فيه، بعـد أن ضايقني صاحب السكن، بضرورة أن أخلي الشقّـة، لأن الوقت المحدد سينتهي بعـد أسبوع، حيث أن عقود الإيجار للشقق في الشام ، تُـجدّد كل 6 أشهـر، وهي واحدة من أكبر المزعـجات في حياتـنا التي عشناهـا في دمشق، وفي حالة ” تجديد العقد ” فإن الإيجـار سيرتفع قطعـاً . فجاءت فكرة السكن في ” المنتدى الثقافي العراقي ” فكرة جيدة، لا سيما وأن المنتدى، يقع في وسط المدينة، والدوام فيه عـند المساء فقـط من الساعة 5 – 8 مساءً، وفعلاً إنتقلت بشكلٍ سريع إلى المكان، وبـدأنـا في ” النادي الثقافي العراقي ، أو البيت العراقي ” بالتخطيط إلى ” مشاريع ثقافية قـادمـة ” ، لأن جماعة فخري كريم ، بـدأوا بالعجز من مجاراتـنا، فهـم لا يقومون بنشاطاتٍ ملحوظة، سوى مرة واحدة أو مرتين في السـنة ، لا سيما في 31 / آذار، وهـو تاريخ تـأسيس الحزب الشيوعي العراقي ، لأنهـم يخضعون لتوجيهـاته .
* كان وجودي، أنا والمجموعة الثقافية التي تقود العمل، ذا أهمية ثقافية واسعة، حيث بـدأ المثقـفون العرب السوريين وغيرهـم من العراقيين والفلسطينيين، يتـوافدون على ” البيت العراقي ” بشكل أفراد أو مجموعات صغيرة، وتـم ” تـوظيف ﭽـايـﭽـي ” يقوم بـإعـداد الشاي والقهـوة للـزوار. ” وبـدأت الرِجِـل ” تَـدُب على المنتدى، وانتعشت الحركة الثقافية، وتعرّفنا على الكثير من الأدباء السوريين والعرب ، المقيمين في دمشق وغيرهـا من المدن السورية، وبـدأنـا بتنظيم ” الأمسيات الثقافيـة ” ، وقد أقمنـا ذات مرّة ” أمسية شعرية مشتركة، ساهم فيهـا من الشعراء السوريين كل من الشـاعر عبد القـادر الحصني والشاعر حسّـان عزّت ، ومن العراقيين كان جمعة الحلفي وريـاض النعماني، وكانت واحدة من أنجـح الفعاليـات الثقافية، وقد كتب عـن هذه الأمسية أكثر من كاتب ونـاقد وصحفي، وبـدأنـا نفكّـر بتوسيع هذه النشاطـات، وضرورة أن يكون هـناك إستضافة كُـتّـاب للقصّـة القصيرة من العراقيين والسوريين والفلسطينيّـن، وقد التقـيت بالصديق القاص والروائي العراقي عبدالله صخي والشاعر محي الأشيقر، كما اتّـفقت مع القاص السوري محمد خـالد رمضان، بـأن نُـنَـظّـم أُمسية حول القصة القصيرة، فـاخبرني بـان ” إتحـاد الكُـتّـاب العرب السوريين ” له نشاط سنوي لكافة فـروعـهِ، وفي الأسبوع القـادم سيكون النشاط ” لجمعـية الشعر والقصة القصيرة ” في الإتحـاد، ونذهب سـويّةً، ونتـّـفق مع بعض الأدباء حول الموضوع، فـاستحسنت الفكرة، وفـعلاً كان النشاط فـاعلاً جأداً ، في تلك الجمعية ” جمعية الشعر والقصة القصيرة ” وأغلبهـم كـانوا من الأصدقاء القريبين منّـي . وفي هـذا النشاط، تعرّفت على النـاقـد الفلسطيني الكبير يـوسـف سامي اليوسـف ، حيث عرّفني عليه الشاعر عبد القادر الحصني، الذي كـان يـرأس جمعية الشعر في الإتحاد، فـاتّـفقـت مع كثير من الأدباء والشعراء السوريين والفلسطينين على ضرورة إقـامة فعـاليـاتـهم في ” المنتدى الثقافي العراقي ” واتفقـت مع مجموعـة منهـم على اللّـقاء ، وحضروا فعـلاً في يوم الجمعة من شهـر نيسان 1989 ، وكان من المقرّر أن يحضر الزملاء جمعة الحلفي والشاعر مظفر النـوّاب، بغية الترحيب بهـم، والإتفـاق معهم على تلك النشاطـات، ولسببٍ مـا ، لم يحضر جمعة الحلفي واتصل هـاتفيّـاً، لوجود عملٍ مهمٍ لديه ،وعلى العموم، كان من الضيوف الحاضرين كل من الأدباء : القـاص السوري بـاسم عـبدو، ومحمد خـالد رمضان، والناقد سليمان البوطي، وهـؤلاء من الأدباء السوريين ، ومن الجانب الفلسطيني حضر كل من : عـوض سعـود عـوض ومحمود مفلـح البكر ، فاجتمعـا سويّـة في البيت العراقي، ونضّـجنا عـملاً مشتركـاً لمدة 3 أشهـر متوالية، وقد دوّنا ذلك في ” سجل الزيارات الخـاص بالمنتدى” وفي نهـاية اللّـقاء، حضر د. فاضل الأنصاري، وشخص آخر، مسؤول مكتب منظمات شؤون العراق، ودخلوا علينـا، وسلّـموا ، فعرّفتهم بالحاضرين، وكُـلّهم أعضاء في إتحـاد الكُـتّـاب العرب ، وعرّفتهم بالدكتور فاضل الأنصاري وزميله ، ثم أطلعت د، فاضل الأنصاري على مـا اتّـفقنـا عليه من نشاطاتٍ قادمة مع الزملاء، وفق مـا هـو مُـسجّل في ” سجل الزيارات ” فـاثنى عليهـا وعلى اللّـقاء، ثم غـادر بعـد فترةٍ وجيزة.
* في اليوم التـالي ، تفـجأت بوصول الشاعر رياض النعماني عـند وقت الظهـيرة، وسـالني : مَـن الذين كـانوا معك في الأمس، وأنت مجتمعٌ بهـم في المنتدى ؟ فقدمت لـه ” سجل الزيـارات ” وفيه أسماء الحاضرين ، والخطة التي إقترحنـاهـا للعمل ، فعرف أغلبهـم ، قلت : ريـاض مـا الخبر !؟ قـال : د. فـاضل الأنصاري يتوجّـس مـنك بأنّك تجتمع بجماعة ” منظمة العمل الشيوعي المحظورة ” في سوريـا ! فـاستغربت ذلك! وقلت : هـؤلاء كلّـهم معروفين للدولة وجميعهـم أعضاء في إتحـاد الكُـتّـاب العرب، وبعضهـم من البعث، والبعض الآخر من الشيوعيين ، وهـناك جبهـة وطنية بين الطرفين ، والبعض من الجبهة الديمقراطية الفلسطينية، فكيف يكون هـؤلاء من ” منظمة العمل الشيوعي ” ؟ فقال : إعطني السجل ، فـأعطيته لـه، فـأخذه وذهـب إلى مظفر النـوّاب وجمعة الحلفي، وأخبرهـم بجليـة الأمر، وإن د. فاضل يضمرُ أمـراً سيئـاً ضدّي، فذهـب الثلاث إلى ” مقر القيادة القومية لحزب البعث ” حيث مكتب د. فاضل الأنصاري هـناك، فـدخلوا عليه، وشرحوا مـادار في ذلك اللّـقاء ، ويمكنـه التـأكّـد من أسماء الحاضرين، من خـلال سـجلاّت إتحاد الكُـتّـاب العرب، وإنـه لا يصح التشكيك بتحركات ” الزميل أبو سعاد ” فـردّ د. فاضل الأنصاري : ومع ذلك، يجب أن يكون هـناك، في داخل المنتدى، بعـثيّـاً متواجـداً على طـول الخـط ، ثم قـرّر أن يكون ” أحـد حُـرّاسه الشخصيين – من المخابرات السورية ” ان يعيش معي داخل المنتدى . فجـاء الثلاث وأخبروني بالأمر ، فقـلت : إن عقلية البعـثيين الوسخـة ، لا يمكن أن تـؤمن بالعمل الجماعي، وأبسط مسألة يشتركون فيهـا ” يخرّبونهـا ” إذا لم تـكن من تخطيطهـم وتحت إشرافهـم، ثم قلت لهـم بشكل قاطع : إذا سكن أيٍّ من حرّاس د. فاضل معي في المنتدى، فـلن أعيش فيه لحظة واحـدة، ولن أشارك في أيِّ نشاط للمنتدى الثقافي، فقـرّر الجميع أن يكونوا معي بهـذا الموقف، وأخبروا د. فاضل الأنصاري بذلك على لسان مظفر النـوّاب، فقال لهـم د. فاضل الأنصاري : لابـدّ من أن يكون هـناك بعثيـاً موجوداً في المنتدى الثقافي بشكلٍ يومي، ولا بُـد من أن يسكن الحارس – من المخابرات معي في المنتدي الثقافي، فجاؤا وأخبروني بذلك ، فـارتحلت من يومي إلى مكانٍ آخر، في منطقةٍ إسمهـا ” المنصور ” بالقرب من ” مقر جريدة تشرين ” السورية .ثم إنسحب بقية الأعضاء من المنتدى الثقافي العراقي .
* لم تَـدُم إقـامتي في هذا البيت الجديد أكثر من 6 أشهـر، حيث كان عبارة عـن ” قـبو ” إنفجرت فيه أنـابيب المياه الثقيلة، فـفـاض البيت، وغـادرتـه لمدة إسبوع ، حتى تـمّ تنظيفه، وقد وجدتُ بيتـاً بديلاً عـنه في ” بداية مخيم اليرموك الفلسطيني ” بأجرٍ شهـري مقداره ” 1500 ليرة ” وهو شقـة لأحـد البزّازين وتجار الأقمشة من أهـل الشام ، وكان من التيّـار السلفي . وفي هـذا المكان تعرّفت على الكثير من أبنـاء المخيّـم الكرام، وكان على رأسهـم المناضل الكبير ” أبو حسين مطـر ” والذي جاء بهِ الصديق الناقـد يوسف سامي اليوسف، كما عرفت الكثير من أبناء المخيّـم، وتعرفت هـناك على د. محمد جـواد فارس، ذلك الطبيب المعروف، والذي كان يشتغل في ” مستشفى اليرموك الطبّي ” . كما كانت ” مجلة الهـدف الفلسطينية ” قريبة منّـي، حيث كنت أوصل لهـم ” مقالاتي ” في كل أسبوع . وفي المخيّـمِ هـناك ، تعرفت على الصديق د. أحمد بـرقـاوي، أستاذ الفلسفة في جامعـة دمشق، كما تعرّفت على د. زهير غـزّاوي، الكاتب الفلسطيني المعروف، وعلى مجموعـة أخرى من الكُـتّـاب والصحفيين ، حيث كُـنّـا نـلتقي إسبوعيّـاً في بيت الأستاذ الناقـد ” يوسف سامي اليوسف ” كما كان بيت الشاعر جمعة الحلفي قريبـاً منّـي، وكنّـا نتـزاور بين الفينة والأخرى .
وعلى العـموم، كان هـذا المكان هـادئـاً جداً، فكنت أجد فيه راحتي في أوقات المساء، والذي خصّصتـهُ للقراءة وتـدوين بعض الملاحظـات الثقافية، والتي كنتُ أستقيهــا من الكتب التراثية، في المكتبة الظاهرية في أوقات الصباح .
* * * يتبع .