مسارات الحروف وكواليس الكتابة .
* الظـرفُ السياسي ، ينضحُ قُـبحـاً . ح13
مـا أن انتهـى هـذا النشاط الثقافي – السياسي الكبير ، إلاّ وبانت أصداءهُ الجيدة في المحافل الثقافية والسياسية في موسكو بِـرُمّـتهـا، وصار فعـل ” النـادي الثقافي في جامعة الصداقة ” بارقةُ أمـلٍ لعـودة الروح الثقافية للجالية العربية في موسكو، وبـدأت تُـوجّـه إلينـا ” بعض الدعـوات الرسمية ” للفعاليات الثقافية، والتي تقام من قبل بعض السفارات أو الملحقيات الثقافية العربية والروسية حتى، فقد قـام الزميل عبدالله عيسى، باستضافتي في ” راديو موسكو” ضمن برنـامجه الإسبوعي الثقافي في راديو موسكو، كما قام الزميل طـلال أبو شعـر، مراسل جريدة ” الريـاض السعودية ” بإجراء حـوار معي ، لتلك الجريدة، كما قام الإعـلامي المصري المعروف عـمرو عبد الحميد ، بتغطية فعاليات النادي الثقافي العربي، وأجرى حـواراُ معي أيضاً، لإحدى القنوات المصرية.
* هذه النشاطات الثقافية، هـزّت بعض الأوساط العراقية، لا سيما جمعية المقيمين العراقيين، والذين لم يحضر واحدٌ منهـم سوى الصديق د. علي عبد الرزاق، أمّـا البقية فكانوا مُـستائين جداً، والبعض منهم كان مهمومـاً ومصعوقـاً لهـذا النشاط، وهـم أكثر من ( 300 شخص) لم يستطيعوا أن يقيموا فعالية واحدة منذ أكثر من عـقدين من الزمـان، وحتى أنّـهم ” طرحوا في إجتماعات منظمة الحزب الشيوعي العراقي في موسكو ” كيفية إعـاقة نشاطي وعملي الثقافي في موسكو، وكـان حاضراً بعض الأصدقاء لي، لكنهم لم يعترضوا على ذلك قـط ، سوى د. علي عبد الرزاق، والذي طلب من الجميع ( كما أخبرني هـو ) ” أن يقفوا إلى جـانبي، ودفعي إلى الأمـام، بوصفي العراقي الوحيد في جامعة الصداقة، والذي حـرّكَ كل هذا النشاط، وأسس النـادي الثقافي، ومن المُـعيب على منظمة الحزب الشيوعي العراقي في موسكو، أن تقف ضـد شخصٍ مثقف، كان في يومٍ من الأيام عضواً في الحزب الشيوعي ” .
* وعلى صعيد ردود الفعل السلبية على ما قام بـهِ السفير الفلسطيني، فقـد استغربت كثير من الأوساط الثقافية والسياسية، من هـذا الفعل الذي قام بهِ ، وكردٍ من السفير الفلسطيني ، فقـد أمـرَ كافة الطلبة الفلسطينيين ” المرتبطين بحركة فـتح ” بـأن يقاطعـوا كل فعاليات ونشاطات النادي الثقافي العربي بجامعة الصداقة، حيث قـام المـدعـو ” عبدو أبو صلاح ” مسؤول طلبة فتح ، بتعميم هذا ” التـوجيـه ” واشتغلوا بجـدٍ لأبعـاد الطلبة الفلسطينيين من حضور الفعاليات، وهـؤلاء ” الطلبة الفتـحـاويين ” يستلمون رواتب شهـرية من السفارة ” حـوالي 300 دولار ” لكل طالبٍ في الجامعة، ما عـدا الطلبة الآخرين من بقية الفصائل الفلسطينية، فهـم لا يستلمون أيّ راتب من السفارة. وليس ذلك فحسب، بل سعوا ” طلبة فتح ” بجدٍ لإفشال هذه المنظمة الثقافية ” النـادي الثقافي العربي ” وحرّكوا أذنـابهـم الفاعلين في جامعة الصداقة، فوضعوني ” تحت المجهـر” في كل حركةٍ أقـوم بهـا، وفي أيِّ مكان، حتى أن الصديق د. محمد الأسعد ” وكان مسؤول حركة فـتح في موسكو، والذي – وقتـهـا – كان شُـبه مُـجمّـد من قبل السفير الفلسطيني ” كما أخبرني بذلك ” فقـد أسرّني ذات يوم قائلاً : أبو سعـاد ، العـيون مفتوحة عليك بجـدٍ، فـأحذر وكن يقظـاً ” فشكرته لذلك .
* وصلت أخبار نشاطات النادي الثقافي العربي إلى كل السفارات العربية العاملة في موسكو ، تقريبـاً ، بل وصل صداهُ إلى الجامعـات الروسية الأخرى، حيث جـاء بعض الطلبة من ” جـامعة سانت بطرس بورﮒ ” طالبين الإنظمام إلى النـادي الثقافي العربي” فرحبنـا بهـم ، وقلنـا سوف نطرح هذا الأمر على الهيئة الإدارية للنادي في الإجتماع القادم، وسنتواصل معكم قطـعـاً .
* أمّـا على صعيد ” الكافدرا – أو القسم ” الذي أنـا فيه، فكانوا مسرورين جـداً، بوصفي أحد الطلبة الفاعلين في الجامعة، فقد شكرني البروفيسور ” إسكنديروف ” رئيس القسم، على هذا النشاط الثقافي المُـميّـز، وكانت إجتماعات هذا القسم، بـدأت تُـحدد مسارات العمل للطلبة والأساتذة، بعد إنتهـاء السِـمستر الأول، من السنة الدراسية، فجرى استعراض كافة الأساتذة المشرفين على ” أطـاريح الطلبة ” في الماجستير والدكـتوراه، وقد أعلم الكافدرا ، البروفيسور مـامنتوف- ستيبان بيتروفيـﭻ، وهـو القائد العلمي لي، بـأن أُطروحة الطالب خيرالله سعيد، جـاهزة للنقاش والدفاع، من كـافة الوجـوه الأكاديمية والفنيّـة، فهي مطبوعة في اللغـة الروسية، وفق السياقات الأكاديمية المطلوبة، والطالب جـاهز للدفاع عـنهـا ، فرحّـب البروفيسور إسكنديروف بذلك، واقترح عليّ مايلي : بما أنّـك جـاهـز للدفاع عـن أطروحتك، وهي مكتملة، وأكملت كل إمتحاناتـك بالدرجة الممتـازة ( 5 ) بيتوركـا . ما رأيك لـو قـدّمت وقت الأطروحة والدفاع عـنهـا، قبل الوقت المحدد. أي قبل نهـاية السنة الدراسية، للعام 1996 . قلت : لا مـانع لـدي، فقـال : إن مسألة الدفاع المتقـدّم ، وتسمى باللغة الروسية ” داس روﭼـنـة ” ستعفيـك من دفع القسط الثاني، ولكن ستجري المنـاقشة من قبل ” جهـة خـارجية ” ليست من جامعتـنا، وسيقبى معـك إستاذُك المباشر ” مـامونتوف، والناقد للأطروحة البروفيسور ميثم الجنـابي ” وستتم المناقشة هـنا ، في أروقة هـذا القسم – الكافـدرا ! قلت : لا مـانع لـدي بذلك، في أيِّ وقت، فـاصدر القرار من قبل رئيس القسم ومساعـديه وأعضاء الهيئة التـدريسية، بما يلي ”
” تقـرّر أن يكون يوم الأربعـاء المصادف 2 / 6 / 1996 الساعة العاشرة صباحـاً، مناقشة أطروحة الماجستير للطالب خيرالله سعيد ( العـراق ) بعـنوان ” خطّـاطـو بغـداد في العصر العبّـاسي ” (Багдадские каллиграфы в эпоху Аббасидов ) على شكل ” داس روﭼـنـة ” وعلى القسم – الكافدرا، أن يتخذ الإجراءات الأصولية للإتصال بمعهـد الإستشراق الروسي أو غيره،، لتخصيص الهـيئة العلمية المشرفة لمنـاقشة الأطروحة،. وتم تسجيل ذلك في المحضر المخصص لإجتماع الكافدرا، بيومه وتاريخه، وقـد وقّـع على المحضر البروفيسور إسكنديروف، ومساعـدته د.يوليـا فاسليفنـا ، ثم تمّ رفعِـه وإرستاله إلى عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، والتي كان عميدهـا البروفيسور ” نـور سيركيفيـﭻ كـيرَبـايف ” ومقرهـا في الطابق الثاني أو الثالث ، من نفس المبنى .
عِـند نهـاية الإجتماع، قال لي البروفيسور إسكنديروف ، بشكل شخصي : لي صديق أكـاديمي ومستعرب، وهـو مختص بأوراق البردي والكتابة على الجلود، ويتحدّث العربية بشكلٍ ممـتاز، سـأحدّثه عـنك، وآخذُ موافقتـهِ على ” رئاسة اللجنة العلمية، التي سوف تقوم بمناقشة الأطروحة، قلت : كـما تـرى، وأنـا رهـنُ إشارتك أنت والكافدرا، في أيِّ مكان . قـال لي : تستطيع الدفاع باللغة العربية، فهذا حقّـك، وسوف نـؤمّـن لك مترجمة بـارعة من قسم اللغة العربية، لتقوم بالترجمة، فلدينـا د. يوليـا ….” وهي من أروع المترجمات، لأن محضر الدفاع يجب أن يكون باللغة الروسية، واتصل مباشرة بقسم اللغة العربية وطلب منهم إبلاغ الأستاذة يوليا بضرورة الحضور إلى كافدرا ” فسوبشي إستوريـا ” أي قسم التاريخ العام، فجائت بعـد حوالي ربع ساعة، فهي بنفس الطابق الذي نحن فيه، وحين حضرت ، سلّمت على البروفيسور إسكنديرف، وسلّمت عليّ أيضـاً ، لأنهـا تعرفني ، حيث أني أُدرّس اللغة العربية معهـا بنفس القسم، لذلك هي تعرفني جيداً، فقال لهـا إسكنديروف : إن لـدينـا أُطروحة مهمة ” عـن الخـط العربي ” لزميلك الطالب خيرالله سعيد بتاريخ 2 / 6 / 1996 وستكونين أنتِ المترجمة، فوافقت على الفور، وقالت أنــا أعشق هذه الموضوعـات، ولي اطـلاع جيّـد على الثقافة العربية، فتم تثبيت ذلك في ” أمور التكليف العلمي، لمناقشة الأطروحة، لأن هذا الأمر سوف يزيد من رصيدهـا العلمي، وتم الإتفاق معي على ذلك الموعـد، للتــهـيؤ نفسياً وثقافيّـاً لوقت الدفاع المحدد .
* * *
* الطـعـنات العـربيّـة المُـبـاغــتـة !
* لم تـَمُـر فعالية ذكرى النكبة الفلسطينية مرور الكرام على السفير الفلسطيني ، ومـاسبّـبتـهُ له من إحراجٍ وعـدم حضورهِ للمناسبة، فراح يُـحيك المؤامرات، ويحرّك أذياله في جامعة الصداقة نحوي، فقـد أرسل ” المسؤول الأمني في السفارة الفلسطينية ” إلى قسم شؤون الطلبة، وتحديداً إلى ” أبو عرب ” كي يجد مُـبرّراً مُـعيّـناً لإيـذائي، مع هدية له ومبلغ من المال، ليرد الصاع لي صاعين، فقـد تفـاجأت صبيحة يوم 31 / 5 / 1996 ، بإصدار ” أمـر إداري بفصلي من الكُـليّـة ” دون ذكر الأسباب، وسـلّم الأمر الإداري ” أبو عرب ” إلى مساعدة رئيس الكـافدرا د. لودميلا فاسليفـنـا، عند صباح ذلك اليوم، فـاستدعتني على الفـور، وسـألتني : مـا الذي حـدث حتى فصلوك من الكلية !؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك ! فقلت : لا علمَ لـدي !فـاتصلت برئيس القسم البروفيسور إسكـنديرف، وأخبرتـهُ بذلك الإجراء، فقـال لهـا : آنـا قـادمٌ على الفـور ، ودعي خيرالله سعيد ينتظرني في الكـافدرا . فـانتظرتـهُ ووصل بعـد حـوالي نصف ساعـة، واطّـلع على ” البريكـاز – الأمر الإداري ” وعـندما لم يجد فيه ” أسباب الفصل ” أدرك أن الأمر فيه سـبب خـافٍ، وسـألني : مـا الذي جرى لك خـلال هذه الأيام المنصرمة !؟ فقلت لـه : لا أعتقد بـأني فعلتُ أمـراً يمس سلوكي العام داخل الجامعة ولا خـارجهـا، ولكني إستدركت ما قاله لي الأصدقاء من تحذيراتٍ من السفير الفلسطيني، فحكيت لـه ” المماحكات التي حدثت بيني وبين السفير، والمهرجان الذي فعلنـاه من اجل فلسطين. فقـال : مـا علاقة ذاك بهـذا ! قلت : إن للسفير ” ذيولاً في الجامعة ” وأشرت إلى ” أبو عـرب ” في قسم شؤون الطلبة، فرفع رأسه ونظر إلى مساعـدتـهِ وقال لهـا : هـاتي البريكـاز، وتعـالي معي إلى قسم شؤون الطلبة في القـبو، وقال لي : أنتَ إبقى هـنـا ولا تتحرك . وذهب مع مساعـدتهِ إلى مكتب السيد يرمـاكوف، معـاون العميد لشؤون الطلبة، ودخل عليه، فقـام السيد يرمـاكوف من مكانه ، إحترامـاً للبروفيسور إسكنديروف، هو ومن كان في المكتب، فـالكل في جامعة الصداقة، يهـابه ويحسب له الف حساب، فهـو أكـفـأ أكاديمي، ليس في جامعة الصداقة فقط، بل في كل روسيـا، فهـو العضو البـارز في العـلوم الإجتماعية، في أعلى هـيئة علمية في روسيـا ” وتسمى ” الفـاك ” وسلطتهـا العلمية أعلى من سلطة وزير التعليم العـالي والبحــث العلمي، ولولا موقــفه السلبي من حكومة ” بوريس يلتسين ” لكان هـو عميداً لجـامعة الصداقة .
المهم ، بعـد نصف سـاعة عـاد البروفيسور إسكنـديروف مع مساعتهِ، وقد بانت عليهـم بعض ملامح البهـجة، فسـالت السيدة لـودميلا فاسليفـنـا : مـا الذي جرى ! فقـالت : لقـد سـالهـم في قسم شؤون الطلبة: مـا الجريمة التي اقترفهـا هذا الطالب حتى يتقرّر فصله !؟ هذا أولاً ، وثانيـاً ، لماذا لم تـأخذوا رأينـا في القسم أو في الكليّـة حول مسـألة فصلهِ !؟ مَـن أعـطاكم هذه الصلاحية!؟ وهـي لاتجوز إلاّ بموافقة عميد الجامعة ! وبطلب من رئيس القسم وموافقة عميد الكليّـة! فقالوا لـه : إنـه لم يُـسـدّد أقساط الجامعة لهذه السنة، حيث بقي عليه ” تسديد القسط الأول على الأقـل، ولذلك فصلـنـاه . فقـال لهـم : هـل هـذا من صميم عملكم !؟ أم هـو من إختصاص ” مجدونـارودني أديل ” أي قسم العلاقات الدولية، لأنهـا هي المسؤولة عـن العقـود، ومـا هـو معـتادٌ عليه في الجامعة، أن يرسل ” قسم العلاقات الدولية ” رسالة إلى الكافدرا الذي يوجد فيهـا الطالب، لغرض حثّـهِ لإستيفاء المبلغ! فمـا الذي حشركم في الموضوع !؟ تقـول السيدة لودميلا فاسليفنـا : أقسمُ بـالله أصبحوا كـالدجاج، وبـدأوا بالإعـتـذار، فقـال لهـم : سيـﭼـاس – الآن تصدروا بريكازاً، أي أمر إداري، لإعـادتهِ فوراً إلى كليته، بضمان رئيس قسم التـاريخ العـام ” فسوبشي إستوريـا ” لتسديد المبلغ خلال 24 ساعة ، فـاستجابوا مرغمين، وصدر الأمر الإداري في اليوم الثاني بإعـادتي إلى الكليّـة، وحين عـاد البروفيسور إسكنـديروف ، سـألني : هـل لديك الإمكانية لدفع القسط الأول ! قلت معي 200 دولار، وسوف أدبّـر بقية المبلغ من أصحابي، فقـال : إذهب وهـات مـا لديك، واتصل بأصحابك لتوفير المبلغ، وأنـا لديّ إجراء أكـاديمي آخر، يخوّلني أن أقوم بـهِ، وأمر السيدة ” نتـاليـا ” سكرتيرة القسم، بـأن تكتب ” إلتمـاسـاً – إلى رئيس الجـامعة البروفيسور فـلادمير فلادميرفيـﭻ إستـانس ، حول استخدام صلاحيتهِ، بمنـحةٍ من ” صندوق الجـامعـة ” لسد النقص للطلبة المعـوزين، وحين عُـدتُ ، بعـد حـوالي الساعة، وأنـا أتصل بزيد أو عمر من الأصدقاء، بما فيهـم رئيس جمعية المقيمين العراقيين في روسيا ، السيد عبد الرضا ياسين ” فتعـذّرَ أغلبهـم والبعض الآخر، كان من الشامتين، وفي هـذه الأثنـاء وصل د. تـوفيق سلّوم إلى الجامعة، لأنه كان لـديه محاضرات في الفلسفة يلقيهـا على الطلاّب، وصادفته بالكريست، عند المدخل، وشرحت له القضية، فـاستشاط غيضـاً وقال : ليس لهـم الحق في فصلك، وصعد مباشرة إلى عميد الكلية ” كيربايف ” وهو صديقهُ، واستفسر عـن سبب هذا الإجراء،! فقـال العميد : أنـا لا أعلم بذلك! فقـال د. توفيق سلوم : إذا أنت عميد الكلية ولا تعلم بمثلِ هـذه الأمور، فمن يعلم ! وخرج من مكتبهِ وقصدني في الكافدرا، فسـلّم على البروفيسور إسكنـديروف، فعرفه إسكنديروف فقال د. توفيق سلّوم : ما المشكلة مع الطالب خيرالله سعيد ! فقـال إسكنديروف : هـناك بعض ” الوسخين -ﮔـريازني ” في الجامعة، يحاولون أن يكون لهـم مكانٌ في الحقل الأكاديمي ، ثم أضاف ، كل المشكلة، أن هـذا الطالب، تـأخّـر في دفع القسط الأول لهذه السنة، ففصلوه، بعد ذلك نـاداني د. توفيق سلّوم إلى خـارج الكـافدرا، واستخرج من جيبهِ ( 300 دولار ) وقال : هذا نصف راتبي، خـذه وسدد بهِ الأقساط، لحين مـا تفرج. فشكرتـهُ على ذلك، وقلت : لـن أنسى لك هذا الموقف مـا حُـيِّيت، فقـال : نحن أخوة يـا أبا سعاد، يجب أن نقف مع بعضنـا البعض في مثلِ هـذه الأمور، ثم إستأذنني بالذهـاب، لوجود محاضرة لـديه، وحين دخلت إلى الكافـدرا، قال البروف إسكنديروف : إمسك هذا الكتـاب بيدك، وسوف نتـوجّـه إلى ” مكتب رئيس الجـامعة البروف ” إستـانس ” ونحكي القصة بكل تفاصيلهـا، وسوف يقدم لـنـا مبلغـاً من ” صندوق المساعـدات ” في الجامعة، وقد أتصلت بمكتبهِ وأخـذنا موعـداً مسبقـاً بذلك، وعند الوصول ، إستقبلنـا د. مشيل، مدير مكتبهِ، وهـو يعرفني شخصيّـاً ، وقام بكل احترام تبجيلاً للبروف ” إسكنديروف ” ودخل مباشرة إلى رئيس الجامعة، وأخبره بوجودنـا في المكتب، فقـال : أدخلهـم مباشرة، فـدخلنـا وسلم عليه البروفيسور إسكنديروف، فرحّـب بـهِ أشد الترحيب، وقال : إجلسا من فضلكمـا، ثم سـال : مـا المشكلة !؟ فقـال إسكنديروف : هـناك تجـاوزات حدثت مع أبرز طـالب لدينـا في الكـافدرا هـو السيد خيرالله سعيد، فـانتبه إليّ رئيس الجامعة وقال : أوليس أنتَ رئيس النـادي الثقافي العربي في جامعة الصداقى ! قلت : بـلا . قـال : أنـا متـابع لنشاطكم بشكل جيّد، فمـا القصة!؟ فشرح له إسكنديروف ملابسات القضية، وقدّم لـه ” الكتاب الرسمي ” من الكـافدرا، فنظر فيه وقال لمساعـدهِ : إصرف لهـم 500 دولار من صندوق الجـامعة ” وقال : هـذا ما يسمح بـه قانون الصندوق، ثم إلتفت إليـنـا وقال : ليس من حق مدير شؤون الطلبة أن يتخذ مثل هـذا الإجراء، وسوف أقوم بالإتصال بـهِ وأُنبٍّهَـهُ إلى مثلِ هـذا الخـطـأ .
* في اليوم التـالي ، صدر قرار إعـادتي إلى الكليّـة والقسم، وقـد أثـار ذلك القرار ، بعض الأفـراد الذين كـانوا يسعون للإيقـاع بـي، ومنهم دكتور عراقي محاضر في كلية الحقوق بجامعة الصداقة، إسمه فـلاح الشيبـاني ، فقد عـلّق قـائلاً أمام بعض الطلبة : “عَـبّـالنـا خلصنـا من هذا الورطة ! وهم ردّوه عليـنـا ” هكذا نقل لي أحد الأصدقاء الذين كـانوا في ” الكريست ” .
في أحد الأيام صادفته ذات مرّة قرب المباني السكنية في الجامعة، فقلت لـه : صباح الخير دكـتور ! فردّ بجفـاءٍ قائلاً : صباح الخير ، شـتريد ! قلت : مـا المشكلة بيـني وبينـك !؟ فقال : والله ماكو مشكلة، بس أكرهـك من الله ، وما أعرف ، بس أشوفك يزدادي كرهي لك !؟ قلت : سامحك الله ومضيت . وقلتُ في نفسي ” كيف هكذا شخص، يحمل درجة دكتوراه في الحقوق، ويدرّس هـذه المـادة في كلية الحقوق، كيف سيُـدرّس ” حقوق الإنسان وهـو ينكرهـا بطبعـه ” ؟
* خلقت مسـألة ” فصلي من الجـامعة ” ردود فعلٍ سلبية على ” أبو عـرب ” وقسم شؤون الطلبة بشكل عام، وصار الطلبة ينظرون إليه بـاحتقار ودونية، بعـدمـا علموا بـأنه وراء السبب في فصلي، وقـد جـاءني ذات مـرة في ” الكريست ” ونحن نحتسي القـهـوة من السيدة ” زينـا ” وجلس إلى جـانبي ، من دون إستئذان وقال لي : إسمع أبو سعـاد، أنـا وراء هـذا الفعل، وأنت تعرف مَـنْ ورائي، ويقصد معاون العميد لشؤون الطلبة يرمـاكوف ، فقلت لـه : كـم دفعـوا لـك الذين جـاؤوكَ من السفارة الفلسطينية !؟ فغضب وقـام، ولم يعـد لِلـقائي مرة أخرى .
* المهم ، في اليوم التـالي لصدور قـرار إعـادتي إلى الكليّـة، إتخـذ القسم ” الكـافدرا ” قـراراً بتغيير موعـد المنـاقشة إلى يوم 7 / 6 / 1996 . وتم إبـلاغ الكليّـة بذلك وبقية الأقسـام، واتصل هـاتفيـاً البروفيسور إسكنديروف، بصديقه البروفيسور المخصص للمنـاقشة، وإدارة الجلسة العلمية للموعد أعـلاه ، وأخبره بشؤون تلك الملابسات التي حدثت، فوافق ذلك الأستاذ، وفي بداية الأسبوع التـالي، يوم الإثنين 7 / 6 /1996 إنعـقدت الهيئة العلمية برئاسة ذلك البروفيسور، والذي إنتُـدبَ من أحد الأقسام في معهـد الإستشراق، وبحضور كافة أعضاء الكافـدرا، والأستاذ المشرف البروفيسور ” إستيبـان بيتروفيـﭻ مـامونتوف ” مع نـاقـد الأطروحة البروفيسور ميثـم الجـنابي ، والمترجمة ” د. يوليـا ” وطـلاب القسم في التـاريخ العـام ، لحضور هـذا النـوع من ” الدفـاع المتقدّم ، والمعروف باللغة الروسية بـإسم ” داس روﭼــنة ” وعقدت الجلسة بإحـدى القـاعات الملاصقة للـكافدرا، وقدّمت السيدة د. لودميلا فـاسليفـنـا ، مقدمة تعريفية بنشاطي داخل القسم وخارجه، والمؤلفات الصادرة لي، ومجمل الدراسات التي كانت تُـنشر في المجلات الدورية المُـحكّـمة، حيث كنت أقدّمـهـا للكافدرا ، فيدرجونهـا في ” سيرتي العلمية ” وبعـد ذلك ، قام البروفيسور مـامونتوف – القـائد العلمي لي، وقـدّم مداخلة علمية ، ووضّح رؤاه حول الأطروحة، وأشار بشكلٍ إيجـابي ، حول الخطة والأسلوب الذي كنت قـد سرتُ به في كتـابة الأطروحة، وكذلك فعل البروفيسور ميثم الجـنابي، ثم قـدّمتُ أنـا مداخلتي ” وتسمى بِـستوبلينـيـا ” باللغة الروسية، ثم بـدأ النقـاش والحوار حول الموضوعات بكاملهـا في الأطروحة، وكان ذلك البروفيسور المشرف على الجلسة العلمية ، كان قـد إطّـلع على الأطروحة بكامـلهـا، فقـال لي ، باللغة العربية : لكنه أشار إلى ” كـاتبة المحضر، أن تُـدوّن الأسئلة باللغة الروسية، بناءً على مـا تُـترجمه الأستاذة د. يولـيا ” مـاذا يُـمثّـل الحرف العربي بالنسبةِ إلى الثقافة العربية – الإسلامية !؟
فقلتُ : شكراً لك لأنّـك سـالتني هذا السؤال، وكنتُ راغـباً أن أُسـأل فيه، والمترجمة يوليـا تترجم ذلك بإتقـانٍ وإعـجاب، فقـال البروفيسور الذي يناقشني : إذا أجبـتني على هـذا السؤال، بشكلٍ مقنـع ، سوف أُنهي النقاش لصالحـك !
فقلت : يمثّـل الحرف العربي، في الثقافة العربية – الإسلامية ، المعـادل الموضوعي لـفن الأيـقـونـات في المسيحية ” . فتـهـلّل وجـه الأستاذ المنـاقش، ونهـض من مـكانـهِ وقال باللغة الروسية ” آتـليـﭼـنـا ، آتـليـﭼـنـا ، آتـليـﭼـنـا ” ثلاث مرات ، وتعني باللغة العربية ” ممـتاز ممتـاز ممـتاز .” ثم أضاف قائلاً : إيشـّـو نيـتو فـابروس ” وتعني ، خلاص ليس هـناك أسئلة بعـد ، وأشار إلى كاتبة محضر الجلسة : بـأن تُـثـبِّـت درجة الإمتياز للإطروحة ، وتغلق المحضر. فرأيتُ الفرحة على وجوه كافة أعضاء الكافدرا، وخصوصـاً البروفيسور إسكـنديروف، وقد إلتفت الأستاذ المنـاقش إليه قائلاً : ” كـاكوي إستودنت أُوفـاس يست ! ” وتعني، أيّ طالبٍ هـذا الذي عندكم ! فرد إسكنديروف قائلاً : أون أُﭼـونّـي ﭼـلافـيك ” هذا رجل علم، وليس طالبـاً عـاديّـاً . فقال ذلك البروفيسور : الآن أطلبُ منك بشكلٍ ودّي، وخـارج إطـار المنـاقشة العلمية ، لأنّـا أقفلنـا المحضر ،: هـل تعرف قـواعـد الخـط العربي !؟ قلت : نعم . قال :هـل هـذه الحروف المخطوطةِ في الأطروحة هي من خـطّـك ! قلت: نعـم. قال : خُـطَّ لـنـا على السبورة، أيّ جملة تراهـا مناسبة لك، لكي نرى مقـدار تمـكُـّـنك من الخـط العربي! فنهضت من مـكاني، وأخذتُ قطعة من الطباشير الروسية ، وهي ” مربعة الشكل ، وخطّيت على السبورة مايلي : مـناقشة أطـروحـة ” خـطّـاطو بغـداد في العصر العبّـاسي ، للطـالب خيرالله سعيد . وكانت أول كلمتين خطّيتهـا في ” خـط الرقـعة ” والعـنوان ، بـخـط الثـلث ، وإسمي بـخط النسـخ . فقـال : آتـليـﭼـنـا ،” وهكذا إنتهـت المنـاقشة، وعُـدنـا بعـدهـا إلى داخل الكـافدرا، حيث كُـنّـا قـد جهّـزنـا غـداءً بسيطـاً ، مع مشروباتٍ روحية متعـددة، فقال البروفيسور إسكنديروف : مـلاديتس سعيد .وتعني ” رائع جـدأً ، يا سعيد ” وأجلسني إلى جـواره،، وشرب أوّل نخبٍ بصحـتي، فرفع الجميع كـؤوسهـم، وبعد الساعة الثانية ظهـراً ، إنتهينـا من تنـاول الغـداء ومن مراسيم الإحتفال، فغـادرنـا ذلك الأستاذ وصافحني بقوة، وكذلك غادرنـا البروفيسور ميثم الجـنابي، وهـو يقول : أُحيّيك أبو سعاد، فقـد كنت اليوم فارسٌ بحق، ودفـاعك بهـذا اليوم كان نموذجيّـاً بكل معنى الكلمة، فشكرته لذلك ، ثم غادرنـا البروفيسور إسكنـديروف .
* عند المساء ، عقد أعضاء النـادي الثقافي العربي في جامعة الصداقة، جلسة فـرح ، للإبتهـاج بمناقشة أُطروحتي هذا اليوم، وحصولي على ” درجة الإمتياز ” وأقيمت الحفلة في ” مقهى أبو زيتـون ” وبقينـا في حـالة النشوة والإنشراح ، حتى مطلع الفجرِ . وكان غناء الزملاء والزميلات يملأُ صداه أروقة الأنتركلوب، ويصل إلى نـوافـذ غُـرف الطلبة، وقد أجـادت ” الزميلة نجـاة المغربية ” الغـناء في تلك الليلة بأغاني فيروز، وألقى الزميل ” وليد الشيخ ” بعض قصائدهِ، وقد كان هـذا الإحتفال ” رسـالةً ” لكل الأوغـاد الذين حـاولوا كسر هِـمَـمِـنـا، وإفشال مشروعـنـا الثقافي في جامعة الصداقة .
* لقد علّمتني تلك التجربة أروع درس في حـياتي، فقد عرفتُ فيهـا معـادن الناس، وخفايا نفوسهـم، وبواطن سرائرهـم، وعرفت معنى الموقف، والمعنى الحقيقي للصداقة ، وكيف يُـختبر الرجـال، وقبلهـا كنتُ واهمـاً مع نفسي، بـأن المواقف الإنسانية، التي تُـبديهـا مع الآخرين، تقابلهـا نفس المواقف، وبنفس الدرجة والزاوية، فاكتشفت بـأني كنتُ على خـطأٍ، وغير مُـدرك لدواخل بعض الناس، ومن المؤسف أن أكتشف أن مقدار السوء في النفس البشرية، أعلى من مقدار الخير فيهـا، والحوادث هي التي تكشف هذه البواطـن .
* حين أنهـيت ” الدفاع ” أو ” زاشيتـا ” باللغة الروسية، رحتُ أجمع بقية الذكريات، وأُراجع تجربة الأيام السابقة، واستقرّيت على قرار هـو ، أن أغـادر روسيا لبلدٍ آخر، بغية الإشتغال في أحد المعـاهـد أو المدارس الثانوية أو غيرهـا، أو حتى في وظيفة إدارية، ولذلك بـدأت أكتب رسائل لبعض الأصدقاء، للبحث لي عـن عملٍ، ثم بـدأت ترتيب أوراقي وكشاكيلي القديمة، وشرعت بكتـابة بعض الأبحـاث والدراسات التراثية .
* هـدأتُ بعض الشئ من مشاكل الجامعة ” وسفالة المؤامرات” وكولسة الأنفس الضعيفة، وأدعياء المبادئ الزائفة، وأصدقاء السوء .
* كنتُ في إنتظار ” وثيقة التخرّج – الماجستير ” حيث يتطلّب وصولهـا إلى وزارة التعليم العـالي، وتصديقـهـا من وزارة الخارجية الروسية وعـودتهـا إلى الجـامعة بحدود 3 اسابيع ، وقد إستلمتهـا في بداية الأسبوع الرابع،، ثم ذهبت لتصديقـهـا من القسم الثقافي في القُـنصلية العراقية في موسكو، وقد صوّرت منهـا 20 نسخة، وصدّقتهـا جميعـاً .
* كانت المدّة المتبقية للإقـامة والسكن في الجـامعة، حتى بداية شهـر أيلول 1996 وفي نهـاية شهـر حزيران 1996 ، إتصلت بي السيدة لـودميلا فاسليفـنـا، معاونة رئيس القسم ” الكافدرا ” وطلبت مني الحضور إلى ” إجتماع القسم ” يوم الجمعة القادم، وحين عقد الإجتماع، أخبرني البروفيسور إسكـنديروف، بـأن الكـافدرا قـد رشّـحتني إلى ” دراسة الدكتـوراه ” كـانـديدات نـاووك” أي مرشّـح في العلوم، وقد وافقت عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية على هـذا الترشيح، فقلت : أستاذي الكريم إسكنديروف، كيف سـأستمر في الدراسة، وأنـا لا أملك معيشة يومي، والأجور السنوية لا أستطيع دفعـهـا، فضحك وقال : لقد أصدرت وزارة التعليم العـالي والبحث العلمي الروسية، لهذه السـنة ” قـراراً أكـاديميّـاً ” وزّعـته على كافة الجـامعـات والمعـاهـد في روسيـا الإتحـادية، يقضي بـأن ” الطـالب الجـامعي ” في أيِّ مرحلةٍ كـان، يتقـدّم أوتومـاتيكيّـاً إلى الدرجة الأعلى في الدراسة، إذا كان حاصلاً على ” درجة إمتياز ” لذلك ستكون دراستك على نفقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فلا تخف من هذه الناحية، وأنـا سـأتصل بقسم اللغة العربية لتثبيتـك في تـدريس اللغة العربية، فمـاذا تقول.! قلت : مـوافق . فقـال لسكرتيرة الكـافدرا ” نـاتـاشا ” بـأن تُـثبّـت ذلك في قرار جلسة الكافدرا لهذا اليوم، ففعـلت ذلك .
* عـند المساء، إلتقيت بمجموعـة ” النـادي الثقافي العربي بجامعة الصداقة” وأخبرتهـم بقرار الكـافدرا هذا اليوم، ففـرحوا أشد الفرح، وطار خبر ” ترشيحي إلى الدكـتوراه ” إلى كافة الطلبة في السكن الجـامعي، وبقية الأقسام في الجـامعة، فجـاء ذلك كوقعِ الصاعقة على رؤوس بعض الحـاسدين من جماعة السفارة الفلسطينية، ومن ” رفاق الأمس في الجمعية العراقية ” بينـما فرح بعض الأصدقاء من اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيّين والسودانيين، وعلى شرف هذه المنـاسبة، دعـانـا الصديق ” حكمت صميلي ” في مطعمهِ الكـائن في البلوك الثالث، وأقـام لـنـا مأدبة عشاء فاخرة، في ذلك المساء، بينمـا إنـزعج ” أبو عرب ” مساعد نائب رئيس قسم شؤون الطلبة في الجـامعة، وازداد غيضـاً وقهـراً د. فـلاح الشيباني، وكذلك الكثير من أعضاء الجمعية العراقية المقيمين في موسكو .
* توقف نشاط النادي الثقافي العربي ، خلال هذه الفترة، نظراً لانشغال كافة الزمـلاء في الإمتحـانـات النهـاية، أو البعض في التهيوء إلى ” الدفـاعـات ” عـن أطروحـاتهم، قبل بـدء العام الدراسي الجديد للسنة 1996 / 1997 ، ولذلك كانت لدينـا الفرصة الصيفية لإعـادة ترتيب حياتـنا الطلابية، وتصوراتـنـا الثقافية القـادمـة، حيث سيتخرّج بعض الطلبة، ويرحل طلبة آخرون إلى ديارهـم وأوطـانهـم، الأمر الذي يتوجّـب معه ترشيح طلبةً جُـدد إلى عضوية الهيئة الإدارية، حيث سيغادرنـا إثنان هـما : وليد الشيخ، وهـو طالب ماجستير في كلية الحقوق، سيغادر إلى الأرض المحتلة، وكذلك سوف يغادرنـا الزميل هشام السقّـاف ، في بداية العـام القـادم، بعد أن يقدّم أطروحتهِ للدكتـوراه ، ويتوجه إلى اليمن .
* خـلال العطلة الصيفية، بـدأت أُكثّـف بعض الدراسات التراثية المتعلّـقة بموضوعـة ” الورّاقين في العصر العبّـاسي ” مع بعض المظـاهر المصاحبة لهـم ، في ذلك العصر الذهبي، فقـد أغـراني ” الحـريري في مقـامـاتـه ” فكتبت بحـثـاً قصيراً عـنه بعـنوان ” المظـاهـر الفولكلورية في مقامات الحريري ” وصادف في ذلك الصيف من عام 1996 ، زارنـا إلى موسكو الشاعر العُـمـاني سيف الرحبي، رئيس تحرير ” مجلة نـزوى ” العُـمانية، والتقـاه الزميل عبد الله عيسى، وجاء بهِ إلى جـامعة الصداقة، فتعرّفنا عليه، وحـاولنـا أن نقيم له ” أمسية ثقافية ” فــاعتذر، نظراً لعدم تيسّر الوقت لـديه، ولكنه كان قـد قرأ لي بعض الدراسات التراثية، ودعـاني للكتابة في مجلة نـزوى ، فـاعطيته ذلك البحث ” عـن المظاهـر الفولكلورية في مقامـات الحريري ” ونشره حـال وصوله إلى سلطنة عُـمان .
* ثم نشرتُ بحـثـاً آخراً عـن ” مقومـات الخط العربي في بغـداد في العصر العبّـاسي ” في مجلة ” آفـاق الثقـافة والتــراث ” الإماراتية في دُبي، وهي مجلة فصلية دورية، كمـا بعثُتُ دراسة جميلة بعـنوان ” رحـلة زريـاب إلى الأنـدلس ” إلى ” مجلة الفيصل السعودية ” وتم نشرهـا بتلك المجلة، ولكن هذه المقالات والدراسات، يتم نشرهـا بمسافات متبـاعـدة الصدور، وفي أوقات زمنية طويلة بعض الشيء .
* * * نهاية القسم الأول . / يتبع