رواية سورية تحت عنوان «مجرد فركة أذن»
رامي راؤول فيتالي شاب في بداية عقده الرابع شاب ثري مبدع في الموسيقى والفلسفة والرياضيات وهو ابن العالم ( راؤول فيتالي ) الذي كان أول من نجح في قراءة النوطة الموسيقية في آثار مدينة أوغاريت الأثرية. ابنه ورث موهبة الموسيقى منه وهو مُبتكر، وهو مؤمن جداً ( معظم أهل اللاذقية يسمونه المسيح ) لأنه باع أملاكاً يملكها وصرفها على الأطفال المتسولين، وتكفل بكل مصروفهم في اللباس والطعام ودخول المدارس، وجمع في بيته الكبير حوالي ثلاثين طفلاً لينتشلهم من حياة التسول وإدمان مادة الشعلة (هي مادة لاصقة لنعل الأحذية لكنها تسبب تلفا في خلايا الدماغ ) ويبقى الطفل في حالة خبل وعدم تركيز كي يتحمل أن يبقى في الشارع أكثر من 12 ساعة يتسول من مكان لمكان . تم سجن رامي فيتالي وتعذيبه تعذيباً وحشياً لأنه كان يتوجب عليه أن يحصل على ترخيص من الحكومة السورية للعناية بأكثر من ثلاثين طفلاً .
الأجهزة الأمنية
التعذيب الفظيع الذي تعرض له رامي راؤول فيتالي مُروع. هذه الحادثة حصلت منذ ثلاث سنوات تقريباً وأنا كتبت مدافعة بقوة عن رامي . لم يجرؤ أحد من السوريين في الداخل أن يُشير، ولو مواربة إلى ظلم الأجهزة الأمنية وإلى الظلم الفظيع الذي تعرض له رامي ، البعض اعتبره مُغفلاً فكيف يصرف الملايين على متسولين، والبعض اعتبره إنساناً غير سوي الخ من الصفات الوقحة المُهينة.
خرج رامي من المُعتقل وكتب على صفحته كلمة شكر لمن سانده وأكد أنه غير نادم على ما قام به وأنه سيستمر في مساعدة الفقراء الأطفال وحمايتهم من التسول وما يجر من انحرافات .
ما ذكرته حصل منذ ثلاث سنوات ، منذ أيام كتب رامي راؤول فيتالي على صفحته كتابة إنسانية مؤثرة أنه لا يجوز تعذيب الأطفال في فروع التحقيق في الأجهزة الأمنية وأن الدستور يمنع تعذيب الأطفال المُتهمين بسرقة أو تُهم أخرى، واستشهد باسم طفل مات تحت التعذيب في أحد فروع التحقيق في الأجهزة الأمنية في اللاذقية ، وذكر اسم مراهق آخر يُعذب بطريقة وحشية ويمكن أن يموت بأي لحظة ، وأكد رامي أن الدستور وكل القوانين الدولية تمنع تعذيب الأطفال، أعتبر كلام رامي إهانة لوزارة الداخلية. ومن المهم أن أذكر أن رامي فيتالي لديه الجنسية البريطانية أي يستطيع أن يعيش في بريطانيا ، لكنه عاشق للاذقية ويجد رسالته في إنقاذ أطفالها المتسولين قدر استطاعته. رامي رفض رفضاً قاطعاً أن يتم دفع المال (كرشوة) ليخرج من السجن . مؤكداً أن دفع المال كثمن لخروجه من السجن هو ما يُفقد قضيته جوهرها الإنساني الذي وهب حياته لأجلها.
ردود الأفعال
في الحقيقة ما يهمني هنا هو رصد ردود أفعال الناس ومواقفهم التي تُعبر عنها كتاباتهم حول قضية ( رامي فيتالي ). المُخزي أن قلة من تجرؤوا وكتبوا كما يلي ( الله يفك أسره ) أو ( رامي مؤمن وقلبه كبير ورجل صالح ) يؤسفني أن أقول أن نسبة كبيرة من التعليقات كانت أن رامي أبله ، فأي جنون أن يصرف ملايين على أطفال متسولين !!
التعبير الذي استفزني وأغضبني عبارة بسيطة: هي مجرد فركة أذن ! أي أن كل الظلم الوحشي الذي تعرض له رامي وكل التعذيب يُختزل بعبارة (فركة أذن) أي كما لو أن رامي طفل أخطأ وتعرض كعقوبة لفركة أذن من الأم أو الأب أو المُعلمة .
لم يشر أحد إلى وحشية التعذيب في الفروع الأمنية ولا إلى الباطل ، فاعتقال رامي فيتالي وكثيرين غيره ظلم وباطل ، ولم يُشر أحد إلى الحق ( الحق يُحررنا ) لم يقل أحد أن رامي صاحب حق . كلمة (حق) لم تذكر على الإطلاق . في سوريا يتزاوج الحق والباطل وينجبان كائناً اسمه الخيانة والوضاعة والخوف .
السلوك الإنساني
كم من معتقلين ماتوا تحت التعذيب وهم ينادون بالحرية والحق وكان تعليق الأغلبية ( لوم من يجرؤ على قول أو فعل الحق والسلوك الإنساني ) كم من معتقلين مظلومين كانوا من خيرة المثقفين المطالبين بالحرية قضوا سنوات شبابهم في السجن وخرجوا وكان تعليق معظم الناس ( كم أنتم أغبياء أضعتم شبابكم في حكي سخيف وأفكار تافهة ) وأيضاً يحضر دوماً تعبير : بسيطة هي مجرد فركة أذن عسى أن تتعظوا وتتعلموا أن الأجهزة الأمنية بتنوعات فروعها الكثيرة ساهرة ليل نهار تعرف حتى كوابيسكم.
الآلاف ماتوا في سوريا في المعتقلات وتحت التعذيب وكانت تعليقات معظم السوريين في الداخل: الله يرحمهم وليكن مثواهم الجنة، لم يُشر أحد إلى فحش الظلم . كلمة ظلم الأجهزة الأمنية يُمكن أن تتسبب باعتقال من قالها واعتقال كل أسرته أيضاً . حين لا يتمتع شعب بحرية الرأي فلا يمكن أن نقول عن حياته حياة، بل هي شبه حياة، أوحياة ممسوخة ومشوهة ، أن يكون مجرد القول أو الكتابة عن انقطاع الكهرباء أو التحدث عن الغلاء الفاحش الخ جريمة، أن يصير مجرد الإشارة إلى هذه الأمور المعيشية التي تخنق الناس وتجعل نسب انتحار الشباب في تزايد ، أن يصير وصف معاناة يومية جريمة يُعاقب عليها القانون لأنها تمس بهيبة الدولة. هذا يعني أن لا لزوم للسان لتدوير الكلمات ولا لزوم للكلام الذي سيؤدي إلى فركة أذن قد تؤدي للموت.
ما حصل مع رامي راؤول فيتالي ظلم مُروع بدل أن تكرمه الحكومة لإبداعه في مجال الموسيقى والفلسفة والرياضيات ولأعمال الخير التي قام بها وأعطى معظم ثروته لإنقاذ أطفال متسولين تكون النتيجة تعليق معظم السوريين المُروعين من الذعر في الداخل ( يا له من أبله ) أو بسيطة مجرد فركة أذن سيخرج بعدها من السجن . لا أحد أشار إلى الظلم . لا أحد نطق بكلمة ( ظلم ) .
أخيراً أتمنى لو تُدرس قصة زكريا تامر عن طفل صغير يسأل أمه عن وظيفة العينين فترد للرؤية ، وعن وظيفة الأذنين فترد للسمع ولما سألها عن وظيفة اللسان : أصابها شحوب وفزع وأطبقت راحتها على فم إبنها وقالت : إخرس ، لا شيء . لا وظيفة للسان .
كاتبة من سوريا