من مسارات الحروف وكواليس الكتابة .
د.خيرالله سعيد
* التفـكير في الهـجـرة . ح 19
* في شهرِ حـزيران من عام 2000 ، تكون الإقـامة الرسمية في الأراضي الروسية قـد إنتهـت، وهذا إشكالٌ كبير، ستكون تبعاتـهُ عليّ ثقيلة جـداً، الأمر الذي جعلني أن أُفكّـر مليّـاً لإيجـاد حَـلٍّ لهـذا الإشكال القـانوني، ولذلك تـوجهـت إلى ” منظمة مـدنية، تُعنى بحقوق الإنسان واللاّجئين، على الأراضي الروسية، كانت تُسمّى ” كـليبر ” وتعني ” الإسنـاد ” وهي مرتبطة بالأُمم المتحـدة، وتقدّم الخدمـات للاّجئين، أو الذين بقـوا على الأراضي الروسية، لسببٍ أو لآخر، كـحـالتي مثلاً ،وقد إنتظم فيهـا الكثير من العراقيين، والسودانيين والأفـارقة، وكثير من الأفغـان .
* كانت ” منظمة كليبر ” تُـزوِّدنـا بأوراقٍ رسمية ” هـوياتٍ مـؤقّـتة ” زرقاء اللّـون ، تشبه جـواز السفر، فيه صورة الشخص وإسمهُ، ومحل إقـامتـهِ في موسكو، وجنسيته الأصلية، إضافة إلى ” تـاريخ إقـامـتهِ المؤقّـتة ” لكن الشرطة الروسية، كانت لا تعترف ” بهذه الوثيقة” وتمزّقـهـا أحيانـاً وتعتقل حاملهـا، ممّـا تسبب في إشكالٍ كبير بين منظمة الأمم المتحدة وروسيـا، وبالتـالي تـمَّ قبولهـا ” كوثيقة رسمية مؤقّـتة ” تتعامل معهـا السلطات الرسمية في روسيـا الإتحـادية .
* كانت ” منظمة كليبر ” قـد تعـاقدت مع بعض المستشفيات الروسية، لمعالجة أعضائهـا المنتسبين إليهـا، وكانت تـدفع لكل فـرد منتسب إليهـا ” 50 دولاراً ” في الشهـر، لحين إكمـال أوراقهِ الرسمية، وقبولـه كـلاجئ إنساني في الدول التي تقبل ” طلبات اللّـجوء ” مثل الدول الإسكندنافية، وبريطـانيا ، والولايات المتحدة وكـندا، وغيرهـا من الدول الأوربيـة .
ومسألة قبولك لاجـئاً في إحدى هذه الدول، تتطلّب الإنتظار الطويل، بين سنتين إلى أربع سـنوات، كُـلٍّ حسب حـالتهِ الشخصية، وظروف بلدهِ التي تمنع عـودتـهِ إليهـا، ومع ذلك كان الأغلبية من هـؤلاء اللاّجئين يعيشون على هـذا الأمـل الوحيد .
* كنتُ قلقـاً جـداً من هـذه الحـالة، ولذلك بعثت أوراقي وشهـاداتي الجامعية إلى أكثر من جامعة عربية وأجنبية، طلبـاً لقبول التعيين، فلم يـرُدَّ عليَّ سوى جـامعتين، الأولى كانت ” جامعة باريس الثـالثة – السوربون ” وجامعة شيكـاغـو الأمريكية، معتذرين عـن عـدم وجود شاغر للإختصاص الذي أحمله ( تـاريخ الثقـافة العربية – الإسلامية – في العصر الوسيط ) ولم يعد أمامي لكسب العيش سوى ” بعض المقالات والدراسات ” التي كنتُ أبعث بهـا إلى بعض الدوريـات الخليجية مثل ” مجلة الفيصل السعودية، ومجلة آفـاق الثقافة والتراث الإماراتية في دُبي، وبعض المجلات الجزائرية المهتمة بقضايـا التراث الأدبي، كالمجلة الثقافية الجزائرية، ومجلة نـزوى العُمـانية، وغيرهـا، وهذه المجلاّت الدورية قـد يكون النشرُ فيهـا مـرّة أو مرتين في السـنة، ولذلك أخذتُ أبحث عـن عملٍ مهـني، ينقذني من هذه الورطة المعيشية، فـاشتغلت في التـأسيسـات الكهربائية، مهنتي الأولى، وأحيـانـاً أشتغل في صبغ الدور، مع صديقة أعرفهـا ” معلّـمة صبغ ودهـان للبيوت” إضافة إلى كـونهـا مُعلّـمة تركيب البورسلان في المطابخ والحمّامات وغيرهـا ، وهي أعمال شاقة ومتعبة، تحيل بيني وبين الكتابة والتـأليف، فـما أن أصلَ إلى البيت، وأمسك أيَّ كـتاب لأقرأ فيه، حتـى تجدني قـد غفـوتُ عليه، بعـد عشر دقائق، فأتركه واستسلم للنـوم، ومع ذلك لم تكن هذه الأعمال تستمر بشكلٍ دائم، فهي تحدث مرّة أو مرتين في الشهر أو الشهرين، ومردودهـا قليل جـداً .
* * *
* ذات مـرّةٍ في بداية صيف عام 2002 ، جاءني الصديق د. كامل أوراهـا، داعيـاً إيّـاي للحضور إلى إدارة كلية الزراعة في جامعة الصداقة بموسكو، حيث يقيم البروفيسور العراقي د. عبد الزهـرة العيفاري، وهـو أستاذ مادة الإقتصاد الزراعي في نفس الكليّـة، حيث يقيم حفلاً مُصغّـراً لأصدقائه ومعارفه، بمناسبة حصوله على ” درجة الأكاديميك ” وهي أعلى درجة علمية في روسيـا الإتحادية، وقد طلب البروفيسور العيفـاري حضوري إلى الحفل، بمعية د. كـامل أوراهـا، وفعلاً حضرنـا إلى هُـناك، وقدّمنـا باقاتٍ من الورد، مع إلقاء بعض الكلمـات بهذه المناسبة.
* عـند خروجـنـا من الحفل، قلت للدكتور كـامل أوراهـا : أليس من الجدير بجمعية المقيمين العراقيين أن يقيموا حفلاً خـاصـاً لهـذا الرجل، تكريمـاً لسنّـهِ أولاً، ودعمـاً لمنجزهِ العلمي ثانيـاً، وقد نـال ” شهـادة الأكاديمك ” ! فقـال د. كـامل أوراهـا : والله انتَ بطران، ناس ماتفهـم شنو معنى ” الأكاديمك ” وتريدهـم يسـوّون حفلاً خـاصـاً لهذا الرجل ّ ، ثم أضاف : وبعـدين هُـمّـه جماعة شُـبه مُجمّـدة ! فقـلت : نعملهـا نحنُ ، أنـا وأنت وبقية الأصدقاء من حملة الشهادات العليـا وغيرهم ممّـن يقدرون هذه المناسبات العلمية ! فقـال : دعـنا نفكّـر بالأمر، ونكون على تواصل، وحين ينضج المشروع سـأتصل بك هـاتفيّـاً. قلتُ : حسـنـاً، وافترقنـا عـند الخروج من باب الجامعة، حيث ذهب كُـلٍّ مـنـا إلى بيتهِ .
* آلـمني هـذا الموقف جـداً، فشخص عراقي سياسي وأكـاديمي مغترب، يحصل على هذه الشهـادة العليـا ولا يُحتـفل بـهِ! ومن وقتـهـا قـرّرت مع نفسي ” بضرورة تشكيل رابطـة ثقافية عـراقية ” تهتم وتـدعم مثل هذه الحـالات الإبداعية والثقافية، مادامت ” جمعية المقيمين العراقيين ” مجرّد أشخاصٍ لا يقيمون اعـتباراً لأيِّ مبدعٍ في مـوسكو، إذا كان يملك وجهة نظر مخالفة لهـم . ولذلك إتصلت في اليوم التـالي بالزملاء د. سلام مسافر، ود. وسام جـواد ، ود. كامل أوراهـا، وأصدقاء آخرين من المهتمين بالشـأن الثقافي، وطرحت عليهم ” فكرة تشكيل النـادي الثقافي العراقي ” كي نتجـاوز حـالة الشـلل التي عليهـا جمعية المقيمين العراقيين، فـاستحسن الغالبية منهم هذه الفكرة، وقـرّرنـا أنـا ود. كامل أوراهـا أن نُـكرّم البروفيسور عبد الزهـرة العيفـاري، وذلك بـأن نجعلهُ ” رئيسـاً ” لهـذا التجمع الثقافي الجديد ، وجرى الإتفاق أن نجتمع في يوم ” الأحد صباحـاً ” في قاعة مطعم مـالك اللّـبناني، حيث أن هـذا الرجل يحترمني كثيراً ، ويحاول تقديم المساعدة مـا أمكن، ولذلك حين طرحتُ عليه فكرة ” إجتماع ثقافي ” في مطعمهِ، وافق سريعـاً، دون أن يطلب أي مقابل مادي لذلك، وكان اللّـقاء مقرراً في تمام الساعة 11 صباحـاً، وقد كلّفـت الزميل د. كامل أوراهـا أن يخبر البروفيسور العـيفاري بضرورة الحضور ، لأنـه سيكون هـو الرئيس، فـاخبرني د. كامل بـأنه قد اتفق معه على ذلك، ووعـده بالحضور في الموعـد المحدّد، ولكـنه ، أي البروفيسور العيفاري ، لم يحضر إلى الجلسة الخاصة بتـأسيس النـادي الثقافي العراقي، وتبيّـن فيمـا بعـد، أن ” منظمة الحزب الشيوعي العراقي في موسكو ” أبلغـتهُ رسميّـاً” بعـدم المشاركة أو الحضور إلى هـذا المؤتمر التـأسيسي ، فعـقدنـا الإجتماع بالحاضرين، وكـانوأ بحدود 20 شخصـاً، وتـم انتخـابي رئيسـاً ود. سلام مسافر نائبـاً للرئيس ود. كامل أوراهـا مسؤولاً عـن المالية والحسابات. وهكذا بـدأنـا نشاطاتنـا الثقافية بأمسية ثقافية عـن ” الروائي الراحل غـائب طعمة فرمـان ” حيث كان الزميل د. سلام مسافر إقترح هذه الأمسية، وكانت أمسية نـاجحة بكل المقاييس . واستمريـنـا بإقـامة النـدوات الثقافية بين شهرٍ وآخر تقريبـاً، الأمر الذي أزعـجَ جـداً ” جمعية المقيمين العراقيين، ومنظمة الحزب الشيوعي العراقي، حـيث حاولوا ثني ” جماعتهـم ” من عـدم الحضور والمشاركة في أيِّ نشاط ثقافي نقيمه في موسكو .
* ذات مساءِ، جـاءني الصديق د. أشرف الصباغ، وهـو إعلامي وقاص مصري، نشط في الوسط الثقافي المصري والعربي في موسكو، جاء وهـو يحمل بعض الصحف المصرية والخليجية، وفيهـا عـنوانٍ صادم، حيث ” هـناك مطالبـات ” من قبل رجـال دين ومؤسسات دينية، وبعض المثقفين المـأجورين، وكل هؤلاء يطالبـون بمنع ومصادرة ” رواية وليمة لأعشاب البحر” للروائي السوري حيدر حيدر، لا سيما بعـد أن صدرت بطبعـتهـا الثالثة، بوصفهـا ” رواية مـارقة وتمس بالذات الإلهية ” .
* وهذه الرواية، هي واحدة من أشهـر الروايات العربية، التي عالجت موضوعة شاب عراقي شيوعي، هرب إلى الجزائر، ليلتقي بمناضلة جزائرية، من الرعيل الأول، وكانت هذه الرواية، قـد أثارت بحكم جودتهـا الأدبية، جـدالاً واسعـاً عـند النقـّـاد والأدباء منذ طبعتهـا الأولى في بيروت عام 1983 م، وقد قـامت ” سلسلة آفـاق الكتابة ” التابعة للهـيئة العامة لقصور الثقافة ” برئاسة الأديب الراحل إبـراهيم أصلان،بإعـادة طبع هذه الرواية في نهاية عـام 1999 . وعند صدورهـا ، قام أحد الكُـتّـاب والمدعو ” حـسن نـور ” بنشرِ مقالٍ بتـأريخ 28 / فبراير / 2000 يعترضُ فيهِ على نشر الرواية، ممّـا أثار حمية بعض الكتّـاب المصرين ليردّوا عليه، وكان على رأس هـؤلاء الكتّـاب المصريين الروائي الكبير ” خيري شـلبي ” حيث ردَّ بمقالٍ مضاد، في شهرِ مـارس من عام 2000م ، وعلى أثرِ ذلك تـدخّـلت ” صحيفة الشعب ” ذا التوجّـه الإسلامي، ونشرت ” سلسلة مقالات للكاتب ” محمد عبّـاس ” يعبّـر فيهـا عـن سخطهِ على هذه الرواية، “ومطالبـاً بمحاكمة كل المسؤولين عـن نشرهـا، ومُـتَّهِـمـاً مـؤلّفهـا بالكفر والإلحـاد ” .
وقد أشعلت تلك المقالات الرأي العام الثقافي في مصر، وظهرت مقالات وردود أفعـال واسعة، وهيّجت مظاهراتٍ كبيرة، في جامعة الأزهـر، وخلقت أزمة سياسية في البلـد، الأمر الذي أدّى بوزارة الثقافة المصرية، إلى سحب الرواية من الأسواق المصرية، بغية تهـدأة الرأي العـام، فيمـا رأى ” مجمّـع البحوث الإسلامية ” في جـامعة الأزهـر، بـأن الرواية فيهـا ” خروجٍ على الآداب العـامة، وأنه ضد المقدّسات الدينية ” وقد نشرت ” بوّابة أفريقـيا الإخبارية ” تفاصيل ذلك على صفحاتهـا في مقالٍ حمل عـنوان ” التـكفير في مـواجهـة الأدب ” حكاية منع رواية وليمة لأعشاب البحر ” وتم النشر بتـأريخ 29 / مـايو / 2000 م، وقـد قامت مجموعة من الأدباء والمثقفين المصريين بمسانـدة الرواية، وقـد نشرت ” صحيفة البـوّابة ” تقريراً بتـأريخ 7 / مايو / 2000 قالت فيه : أن عـدداً من الكُـتّـاب والشعراء والفنـّانين المصريين، نَـدّدوا بالحملة المنظمّـة التي تقوم بهـا ” صحيفة الشعب ” الإسلامية المصرية، على الروائي السوري حيدر حيدر، معتبرين أنـه ” تحريضٌ على القتل” كما اعتبرت ” هيئة تحرير مجلة العصور الجديدة ” الشهرية التي تصدر بالقاهرة، ببيـانهـا الذي نشرتـهُ بذلك الوقت، بـأن الحملة التي تقوم بهـا ” صحيفة الشعب ” حول رواية ” وليمة لأعشاب البحر” للروائي السوري حيدر حيدر، هي بقصد ” تحريك حملة مدبّـرة ضد الثقافة والمثقفين، والتحريض على القتل ” وقد حمل البيـان توقيع الشاعر السوري أدونيس، والكاتب السوري حسين العـودات، والمغربي فيصل خيري، والروائي الفلسطيني فـاروق وادي، والمفكر المصري سمير أمين ، والفنـان التشكيلي أحمد فـؤاد سليم، والنـاشرة الأديبة راوية عبد العظيم، والشاعر مهدي مصطفى، والناشرة إينـاس حُسني، وآخرين، وشملت حملة التضامن عـدداً كبيراً من المثقفين في مختلف الدول العربية، وتـنديداً بقمع حرية التعبير والإبـداع .
* وقد كان د. جابر عصفور، الناقد المعروف، والأمين العـام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، قـد أدلى بتصريحٍ هـام، نقلته عـنه ” صحيفة اليوم السابع ” المصرية، قال فيه : ” إن رواية وليمة لأعشاب البحر” واحدة من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الإطـلاق، ومـن يتهـمونهـا بالكفر، هُـم جماعة من مجموعـات الضغط السياسي، الذين يتقـنّـعون تحت أقنـعة دينية، ويتولَّـون إرهـاب المثقفين والمبدعين، ويحاربون كل من يدافع عـن الدولة المدنية،، وهـؤلاء لهم طريقة مغلوطة في قراءة الأعمـال الأدبية، وفي رؤية الأعمال الفنيّـة، وهم يقـرأون الأعمال الأدبية على طريقة ” لا تقـربوا الصلاة ” أي أنّـهم يقتطعون الجُمـل والعبارات من سياقهـا، ويوظفـونـها وفقـاً لمـا يخدم مصالحهم، وكل هذه الحملة الظالمة، إستندت إلى مـا لا يزيد عن ” خمسة جُملٍ ” فقط ، مقتطعة من 700 صفحة، وهـؤلاء ينبغي أن يخجلوا من أنفسهـم، فهـم يريدون مصادرة رواية من أجمل الروايات العربية، لم تصادرهـا أيّ دولةٍ عربية من قبل ” ، وقد استطاع المثقفون المصريّـون، ومن معهم المثقفون العرب، من أن يستصدروا قراراً حكوميّـاً بإغــلاق ” صحيفة الشعب ” بسبب تحريضهـا ووقوفهـا وراء هذه الأزمـة .
* طـلبت من الصديق د. أشرف الصبّـاغ ، أن يحضر لي رواية ” وليمة لأعشـاب البحر” بغية قراءتهـا بشكلٍ جيّـد، ومن ثم إقامة نـدوة ثقافية حـولهـا، وقـد وافاني بهـا ، وبدأت بقراءتـهـا بشكلٍ دقيق، بمدة شهرٍ كاملٍ، وخرجتُ بدراسة نقدية عـنهـا، أطلقتُ عليهـا تسمية ” سَـرمدية الأحرف المُضاءة على صفحـات التـاريخ – قراءة في رواية وليمة لأعشاب البحر” وقد جعلتـهـا في 6 حلقات طويلة، نشرتهـا على موقع ” الحوار المتمدّن ” في العـدد 379 وما يليه، بتـأريخ 27 / 1 / 2003 ضمن محور ” الأدب والفـن ” وقد اشتملت الدراسة النقدية هذه على الموضوعات التـالية :
* القسم الأول : 1- تقوم الرواية ” وليمة لأعشاب البحر – أو نشيد الموت، على مجموعةٍ من الفصول، تتصدر الفصول الأربعـة للطبيعة، أسماؤهـا، وتخترق هذه الفصول فصولٌ أُخرى متقاطعة، كنصلٍ حـاد، يُقسّـم تجليات الفصول حسب الحـالة والحدث، حيث الفصل الأول ، حمل إسم ” الخريف، والثاني حمل إسم الشتـاء، والفصل الثالث حمل إسم الربيع، وبين الفصل والثالث والرابع، تقاطعـات فصول، أُطلق عليهـا إسم ” الأهـوار – نشيد الموت ، ظهـور اللّـويثنـان ” ثم الفصل الرابع والأخير وهـو فصل الصيف . وقد جـاءت ” تقسيمات هذه الرواية ، على هذا النحو، لتكون وعـاءً زمنيّـاً، يمتـد من مطلع الخمسينـات ونهـاية الستينـات، من القرن المنصرم، وهذه الفترة، من أخصب حـالات المد الثوري في العالم العربي، وهـو بهذا التقسيم، يعـالج أفـكاراً فلسفية، وآيديولوجيات ثورية، من خـلال تجربتين هـامتين في بلدين عربيّين هُـما الجزائر والعراق، حيث قامت فيهـمـا حركـتان ثوريّـتان همـا ” جبهة التحرير الوطني الجزائرية وتجربة الحزب الشيوعي العراقي – الجنـاح الثـوري – القيادة المركزية ” وبغية فهـم حركة التـاريخ من قبل الكاتب، وعكسهـا ، كتجربة للمتلقي، أغرى حيدر حيدر قارئـه بهذه الرواية، لأن يتمعّـن بالأحداث الجـارية، وفق فصول الطبيعة الأربعة، مستفِـزّاً عقل المتلقي للتـوقّـف مع ” قـوانين الطبيعـة ” طبيعة الأرض والإنسان، والتأثير المتـبادل بينهمـا بالخلق والإبـداع، جـاعلاً من صورة المكان للطبيعة، مفصلاً للفعل الإنساني، بين مكانٍ وآخر، على اعتبار أن الرؤيـا البصرية، تستدعي حالة الحضور الواعية، لخلق رؤية معرفية، ذات بُـعـدٍ جدلي بين الزمـان والمكان، ما دام الفاعل هـو الإنسان ذاته كمتحـوّل، والطبيعـة كـثابت ، ومن هذه الزاوية، دخلنـا لقراءة الرواية ” . ولغرض قـراءة ” المقالات الستّـة، يرجى العـودة إلى ” الحـوار المتمـدّن ” في العدد المذكور، مع تتـابعـاته، فهي دراسة طويلة تقع في حـدود ” 90 صفحة ” .
* وبعـد أن أنهيت دراسة الرواية، ونشرت تلك المقالات الستّـة، عملنـا في ” النـادي الثقافي العراقي ” أمسية ثقافية حـولهـا في مطلع عام 2002، وقد اشترك الكثير من الزملاء في مـداخلاتهم على هذه الرواية الجميلة، وقد قام بعض الزملاء المراسلين للصحافة والفضائيات الإعـلامية، من كتابة تقارير صحفية عـن تلك النـدوة الفكرية، التي أقمـنـاهـا عـن هذه الرواية .
* في شهـر أيار / 2002 ، إتصل بي البروفيسور ” يوري ميخـايلوفيــﭻ ﮔـبوﭽـانوف ” أحد المستعربين المعروفين في معهـد آسيا وأفريقيـا، وأستاذ محاضر بنفس المعهـد، وهـو أحد الأسـاتذة معنـا في قسم اللغة العربية في جامعة الصداقة، وطلب مني أن نلتقي في جامعة الصداقة، فـالتقينـا في الكريست، وحين التقيـنـا قال لي : عزيزي د. خيرالله سعيد، لقد وافقت جـامعة موسكو ومعهـد آسيا وأفريقيـا، على طباعة عـمل موسوعي لي بعـنوان ” الإسـلام في روسيـا وبلاد القفقـاس ” والكتـاب جـاهز للطبع في مطبعة الجامعة، وقـد أخذت من ” أُطروحـتك ” خـطّـاطو بغـداد في العصر العبـاسي” التي قدّمتهـا في مرحلة الماجستير عام 1996 ، وأخذتُ فصولاً أخرى من ” أُطروحـتك للدكتوراه عن الورّاقين في العصر العبّـاسي ” وسيكون ” بـاب الآداب والفـنون في الحضارة العربية – الإسلامية ” كُـلّـه بإسمك، ضمن هذا الكتـاب الموسوعي، والذي كان من المقرّر أن يكون بـأربعـة أجـزاء، ولكن شحّـة الأمور المـالية، تقرّر إصدارهُ بمجلدين كبيرين، ولكن بحرفٍ صغير ” 12 ملم ” وسوف يشترك في إنجـاز هذا العمل أكثر من ” 15 مستشرق” وأنت العربي الوحيد المشارك في هـذا العمل، فمـاذ تقول !؟
قلت : أنت تعرف مقدار إحترامي لك، وتقدير جهـودك، وعليه لا مـانع لدي من ذلك. فقـال : هذا جيّـد، ولكن عليك أن تعلم أن ظروفنـا المالية والإقتصادية سيئة جـداً، ولذلك لا نستطيع أن نـدفع لكل مشارك أيّ مبلغ، ولكن سيكون لكل واحد منكم ” خمسة نسخ فقـط ” من هذا الكتـاب الموسوعي، فقلت : لا مانع لدي أيضـاً، المهم يصدر الكـتاب باللـغة الروسية. فقـال : الكتـاب الآن قـد تمّ إخراجه فنيّـاً في مطبعة الجـامعة، وبعد شهـرين سوف يصدر،. قلت هذا جيد. فقـال : حالمـا يصدر، سوف أتصل بك لأعطيك النسخ الخمسة، ولكني أرجوك حين يصدر الكـتاب، أن تعمل لـه دراسة نقدية، وعرض لكل موضوعـاته في الصحافة العربية . فـوعـدتـهُ خيراً. وفعلاً بعـد شهرين صدر الكتـاب، وقمتُ بكتابة دراسة مطولة عنه ، نشرتهـا في مجلة ” الآداب الأجنبيـة” الصادرة عـن إتحـاد الكُـتّـاب العرب في سوريـا ، في العـدد 115 ، الصادر بتـاريخ 1 / يوليو / 2003 ، تحت عـنوان ( كتـاب موسوعي جديد عـن – إنتشار الحضارة الإسلامية في روسيا ) ص 45 – 57 . وقد لقي الكتابُ صدىً جيداً في الأوساط الأكاديمية الروسية ومراكز البحث، فـبالإضافة إلى مـا نشرته في ” مجلة الآداب الأجنبية ” أعـلاه، فقد أعطيت نسخة منـه ، لأُستاذي السابق البروفيسور أحمد أحمدفـيـﭻ إسكنديروف، وهـو رئيس تحرير ” مجلة قضـايا التـاريخ – فـابروس إستوريـا ” وشكرني جـداً على هذه المساهمة في هـذا الكتاب، كما وعـدني بـأنـه سيقوم بعرض الكتـاب في ” مجلته الشهرية – فابروس إستوريـا ” كـما أوصلت نسخة منه إلى الكاتب الروسي الصاعـد ” مكسيم ﭽـيفـﭽـينـكو ” حيث كان شديد الحرص على تقوية الروابط الثقافية بين العـالم الإسلامي وبين بلدان روسيـا الإتحـادية، وهو يملك ” صحيفة جـديدة ” تهـتم بهذه الأمور، وشكرني جـداً على هذا العمل، كـما أهديت نسخة منه إلى البروفيسور د. توفيق سلّوم، أستاذ الفلسفة الإسلامية في المعـاهـد الروسية، وهو كثير الإهتمام بتاريخ الثقافة العربية – الإسلامية، حيث أنه واحدٌ من أبرز أساتذة معهـد الإستشراق الروسي في موسكو .
* أثـار الموضوع الذي نشرتـهُ في ” مجلة الآداب الأجنبية ” في العـدد المذكور أعـلاه، حفيظة بعض الكُـتّاب السوريين، وكان أحّـد خريجي معهـد الإستشراق في موسكو، واعتبر أن ” المقال الذي نشرتـه في ” مجلة الآداب الأجنبية ” يصادر حق الآخرين الذين اشتغلوا في هـذا الموضوع ” أي موضوع الإستشراق، ويتهـمني بـأني ” ألـغي الآخرين ” الذين سبقوني في هـذا الموضوع، فقـد ” نشر مقالاً لـه بحلقتين في ” جـريدة الوطـن السورية ” ولم أفطـن لهـذا الموضوع من قبل، حتّى نبّهـني أحد الأصدقاء العراقيين من ” أوتـاوا ” عندمـا انتقلت إلى كـندا في عـام 2004، وكـان عـنوان مقاله ” مَـن يلغي جهـود الآخرين ” ؟
في تقريب موضوعـات الإستشراق إلى الثقافة العربية، وراح في هذا المقال ” يُـعـدّد مـآثرهُ في هـذا الجانب ” ولم يذكر أيّ موضوعٍ من الموضوعات التي أشرتُ إليهـا في مقالي المعنون ” كـتاب موسوعي جديد عـن إنتشار الحضارة العربية الإسلامية ” والمنشور في مجلة الآداب الأجنبية ” فكتبت مقالاً ” رد ” نشرتهُ بنفس ” جريدة الوطن ” السورية، بعـنوان ” الحقيـقة الـزائفة والإدعـاء الأجـوف – مَـن يُـلغي مـن” وقد رحّبت رئاسة تحرير ” جريدة الوطن السورية” بهذا الرد ونشرته كـاملاً . ولم يستطع ذلك الكاتب من الرد عليه حتى اللحظة ! .
* * *
* في مطلع عـام 2003 ، أخبرني الزميل ” GIZA ” وهو من أثيوبيـا، ويعمل في ” منظمة كـليبر ” بـأن الأمم المتحدة، قـد وافقت على قبولي ” لاجئـأً في كـندا ” وعليّ أن أستعِـد لإكمال بقية الأوراق الرسمية، والفحوصات الطبيّـة المطلوبة، مع مقابلة ” القـائم بأعمـال السفارة الكندية في موسكو، في قـادم الأيّـام ، وسوف نخبرك في المواعيد المحددة، فشكرته على ذلك .
* * * يتبع