من مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .
د.خيرالله سعيد
القسم الثـالث من ” مذكرات كاتب في المنفى ”
كـــــــــنـدا ، المشـوار الأخـير . ح 22
* في اليوم التـالي لوصولنـا إلى ” دار الضيـافة ” طلبونـا إلى ” الإدارة ” لإكمـال الوثائق والمعلومـات، وأخذ الصور الفوتوغرافية، وصوّروا كل الوثائق التي أحملهـا معي ” جـواز السفر ، شهادة الدكتوراه وشهـادة الماجستير” وبقية الوثائق المدرسية، مع الوثائق التي أخذنـاهـا من ” دائرة الهجرة في موسكو ” وغيرهـا من الأمور الإدارية ، وزودونـا بالتعليمـات والقوانين المرعية وكيفية التعـامل هـنـا في هذه المدينة .
* كان في المكتب شـابٌ عراقي، يجيد اللغة الإنجليزية، وهـو من أصولٍ كردية ” من أهـل السليمانية ” يشتغل هـنـا في الإدارة ، مع فتاة من ” صـربيـا ” تجيد اللغة الروسية والإنجليزية، ومترجمة ثالثة، من أصولٍ مكسيكية، تتحدث الإنجليزية والأسبانية، وشابٌ صومـالي، يجبد اللغة السـواحيلية والإنجليزية، كـما يوجد مترجمٌ عـن اللغة الفـارسية .
وعلى العموم، هـناك دائرة مختصّـة بكل اللّــغات، عـند الحـاجة يتصل بهـا ” مكتب الهجرة ودار الضيافة ” أثناء المقابلات الرسمية، بغية إكمـال الوثائق المطلوبة من كل لاجئ قـدمَ إلى كــندا .
* بعـد حـوالي الساعتين من التحقيق، عُـدنـا إلى غُرفـنـا، حيث هـناك كل 3 أو 4 أشخاص في غرفة واحدة، بإستثنـاء المتزوجين، فهـم في غُـرفٍ مستقلة .
كان التعامل معـنـا ، حضاريٌّ بكل المقـاييس، فقد أطلعـونـا على القـوانين المرعية في هذا البلد، وشكل الحياة السائدة فيهـا، واختلاف الأجنـاس واللّـغـات، حيث يوجد في كــندا أكثر من ( 360 ) قومية وعِـرق، كلهـا تعيش تحت القـانون الكندي الواحـد. والبلـد رأسمالي التوجـه، بالرغـمِ من أنّـه يوفّـر العمل والعيش الكريم لكلِّ السُـكّـان، بـدون إستثـنـاء، فـالرعـاية الإجتمـاعية تشمل الجميع .
* بقيتُ مقيمـاً حـوالي الشهـر في ” دار الضيافة ” حتى تمكـنت بمساعدة المسؤول عـن السكن في ” الرسبشن هـاوس ” من الحصول على شقّـةٍ مستقلة، أعيشُ بهـا لوحدي، حيث حصلت على شقةٍ في قبو ، بـإجارٍ عـالٍ هـو ” 450 دولار في الشهـر ” في الوقت الذي كانت فيه مخصصاتي الشهرية للمعيشة بحدود ” 680 دولار ” . وقد قامت ” حـكومـة مقاطعة أُنتـاريو ” بتقديم ” شيك بمقدار 1200 دولار ” أودعـوه بإسمي في ” رويال بنك ” حالمـا تحولت إلى السكن، حيث أن ” المخصصات الشهرية للإعـانة الإجتماعية ، تحوّل للبنك مباشرة من قبل الحكومة المحلية .
* كنتُ ، منذُ الأسبوع الأول لوصولي إلى أوتـاوا، قـد انتظمت في دراسة اللغة الإنجليزية – Fule Time ) حيث أقضي الثلاث ساعـات الأولى الصباحية في تعلّم اللغة الإنجليزية، فيمـا تكون الثلاث ساعات الأخرى ، بعد الظهر، لتعلّـم لغة الكمبيوتر، حتى أصبح هذا الأمر التعليمي الأكاديمي إيقـاعـاً يُسيّـر حياتي اليومية في كـندا، في السنة الأولى للوصول .
* مـا أن إستقريت في تلك الشقة المؤجّـرة، وفي الشهـر الأول، جـائني تليفون من السويد، حيث اتصل بي ” إبنُ عـمّي نـوري كـاظم ” فرحتُ في بـادئ الأمر ، كون أحد أقاربك يسـالُ عـنك، وبعـد التحية والسلام قال لي : يبدو أنّـك ” إمـطنِّشني ” ! فاستفسرتُ عـن قصدهِ في هذه الكلمة ! فقـال : أنتَ الآن في كــندا، والدولة تقدّم لك راتبـاً محترمـاً، وكتـاباتك تملأ الصحف والمجلات، وهذه أيضـاً، تـدُرُّ عليك أيضـاً بعض المبـالغ المالية ! وعليه أرجو أن تُـسدّد لي مـا بِـذِمّـتُك من أموال ! .
قلتُ : مـاذا بذمّتي لك من أمـوال ! قال : 500 دولار أمريكي، كنتُ قـد أرسلتـهـا لك وأنت في موسكو، أثنـاء فترة دفـاعك عـن الدكتـوراه، قلتُ : هـذا صحيح، وسوف أُسَدِدُهـا لك في أول الشهـر، لأني الآن لا أملك هذا المبلغ، لأنّـا في منتصف الشهـر، والإيجـار ثقيل، ومـا تبقّى من الراتب، لا يكفي مـا طلبت، قال : هـذا يعني ” أمسح بوزي ” ! قلتُ : لا ، أنـا لا أنكر مساعدتك لي، ولكن إعطني رقم حسابك البنكي في السويد، وغـداً سوف أُحـوّل لك المبلغ . فـاعطـاني رقم الحساب . وفي اليوم التـالي اتصلت بأحد الأصدقاء اللبنانيين، وأخبرته بالأمر، فقـال : لا عليك، سـآتيك بالمبلغ، وسـدّدهُ على راحتك، وفعلاً حـوّلت المبلغ إلى السيد نـورى في السويد، واتصلتُ بـه مساءً وقلت : هـل وصلك المبلغ! قال : نعـم ، وشكرني، فقـلت : إنّـك لم تمسح بوزك، ولكن أرجو إعتبار هذه المكالمة هـي آخر حديثٍ بينـنـا، وأغلقت التليفون . وقد حـاول مرّاتٍ عـديدة أن يحكي معي، فـلم أردُّ عليه، ومنذ ذلك الحين، وحتى اللّحـظة، لم أجري حديثـاً معه . لقـد أوصلتني هذه الحـالة إلى ” أن اختبار النـاس – أصدقاء كـانوا أو أقـارب ” بـأن الفلوس ” هي أكبر حـالة اختبار لأيِّ شخص، ولا يصح اللّـجوء إليهـا، مهمـا كانت الظروف .
* في الأشهـر الثلاث الأولى، كانت أوراقنـا الرسمية قـد إكتملت، وعلينـا أن نبحث عـن عـملٍ، فراتب الدولة لا يسد مقتضيات العيش، فذهبتُ إلى ” منظمة لبنـانية ، تُسمّى اختصاراً ” لا سا ” كانوا يقدمون الخدمـات بشكلٍ جيّـد لكل القادمين إلى كـندا، فتعرفت على رئيسهم الأستاذ عـواضه، ومساعـدته السيدة ” ريـتـا عطية ” وبعد اللّـقاء بهـم ، طلبت منهم أن ” يترجموا رسالة لي موجّـهة إلى ” وزيرة التعليم العـالي والبحث العلمي في كـندا ” فترجموهـا وبعثوهـا إلى الوزارة المعنية في تـورنتــو ، وكنتُ قـد أوضحت في هذه الرسالة للسيدة الوزيرة، مجـال إهتمامي واختصاصي في دراسات الثقافة العربية الإسلامية، في العصر الوسيط، وبعـد حـوالي الشهـر، جـائني الرد من السيدة الوزيرة، وهي ترحّـب بمثلِ هذه الإختصاصات العلمية والإنسانية، لكنها اقترحت عليَّ أن ” أقـدّم الطلب مباشرة إلى المعـاهـد والكليّـات الكندية، التي تهتم بمثل هذه الإختصاصات، مع قـائمة فيهـا أسماء الجامعات والكليات، التي يمكن مخاطبتهـا. وفعـلاً أرسلت خطابات رسمية لأكثر من 20 جامعة وكليّـة، في مختلف أنحـاء كـندا، وكلهـا تجيبني بالإنتظار ، لحصول شاغرٍ في الإختصاص المطلوب، ومنذ ذلك الحين وحتى اللحظة وأنـا في الإنتظار، ولم يـأتني أي خطـابٍ، يدعوني للحضور أو للمقابلة للعمل في أيِّ جامعةٍ أو كليّـة أو معهـد، حيث الدولة تبحث عـن ” الكوادر العلمية ” في الهـندسة والتكنلوجيا والطب والخدمـات، أمّـا الدراسات الإنسانية، فهي تـأتي في نهاية سُـلّم الأولويات .
* عرّفتني ” لاسـا ” على بعض الشخصيات اللّـبنانية والعربية، التي تهـتم بالنشاط الثقافي، العربي في أوتــــاوا ، حيث تـمّ لقائي مع الأستاذ ” إنـطـوان غـانم ” وهـو شخصية أدبية، ويكتب الزجل اللبنـاني، وكذلك تعرفت بـأخيه ” الفـنان التشكيلي سمير غـانم ” وهـو فنان من الطراز الرفيع، كان يمثّـل الدولة الكندية في الدورات والمعارض الفنيّـة، التي تقام في مختلف أنحـاء العالم .
كـان ” إنـطوان ” يرأس ” جمعية الخريجين العرب – الكندية ” وتعرف إخـتصاراً بـ ” أكـوﮔــا ” وينتظم في هذه الجمعية أكثر من ” 200 شخصية ثقافية ” من مختلف البلدان العربية، وهي تقيم نشاطـاتهـا الثقافية بشكل دوري، كل شهـرٍ تقـريـباً ، وهي مستمرّة منذ 20 عـامـاً، ومـا أن إنـظمَـمت إليهم، حتى اقترحوا عليَّ أن أُساهم بالنشاط الثقافي ، فقـدمت أول محاضرة لي عندهم بعـنوان ” تطـوّر أساليب الكـتابة في بغـداد في العصر العبـاسي ” ومن خلالهـا تعرّفت على شخصياتٍ هـامة في الفكر والأدب والسياسة والفـن والشعر والغـناء،وأصبحت علاقتي وثيقة جـداً مع ” هذه المنظمة الثقافية ” وصرتُ أُقـدّم محاضراتي فيهـا ” مرتين في السنة ” في مختلف الموضوعات الثقافية، وأُساهم مع الآخرين في الفعـاليات الثقافية التي يقيمهـا الآخرون، حتى أصبح غالبية أعضاء الجمعية أصدقاءً لي، وكانت أبرز المحاضرات التي ألقيتـهـا في هذه الجمعية هي : محاضرة عـن الوراقة والورّاقين في العصر العباسي، ومحاضرة عـن الأدب الشعبي العراقي، ومحاضرة عـن المـوال العراقي ،كـما ألقيت بعضـاً من مقاطع قصيدتي الطويلة ” جبت كل العراق وجيت ” بعـد أن إكتملت أبيـاتهـا في ” 1584 بيتـاً ” كمـا ألقيت محاضرة هـامة عـن ” نجيب محفـوظ ” بعـد رحيله، وكذلك قدمت محاضرة عـن قصيدة محمود درويش ” على هـذه الأرض مـا يستحق الحـياة ” كما قدمت محاضرات عـن موضوعات كثيرة عـن الأدب والتاريخ والفـولكلور، كـما قـدّمت محاضرة هـامة عـن الراحل ” الأستاذ هـادي العلوي ” بعـدمـا صدر كـتابي عـنه ” من وجـدِ ديوان الوجـد ” .
* في نهـاية صيف عـام 2008 م، كانت قـد مضت عليَّ المـدّة القانونية في كـندا ” 4 سـنوات ” على الأقل، فتـقـدّمـنـا إلى ” إمتحـان منح الجنسية الكندية ” فحصلنـا عليهـا بسهـولة، ومُنحت لـنـا ” بطاقة الجنسية الكندية ” وبعـدهـا تقدمت بطلبً للحصول على ” جواز السفر الكـندي ” فجـاءني كاملاً بعـد إسبوعين، عـن طريق البريد الكندي، وهـذا ” الجواز ” هـو واحد من أرقى الجوازات في العالم. وكنتُ خـلال هذه المدة القانونية، قد أكملت 4 مراحل دراسية في اللّـغـة الإنجليزية، حيث حصلت على ” Advans Livel -6 ” وبموجب هذا الـ ” Livel ” يحق لي الدخول إلى الجـامعـات الكندية، ولكـن أنـا حاصلٌ على الدكـتوراه في تاريخ الثقافة العربية – الإسلامية في العصر الوسيط ، فماذا عساي أن أدرس مجدداً في الجـامعة ! ولذلك قـرّرت أن أتفرّغ للدراسات الأدبية والتاريخية والفولكلورية، والتي كنتُ قـد بـدأت بهـا وأنـا في موسكو، ورحتُ أُرتِّـبهـا وفق تسلسلهـا الزمني وأهميتهـا الثقافية، وفق منهـجٍ أكـاديمي صارم، يعتمـد على الدراسات النقدية المعروفة .
* * *
* منـهـج البحـث في الدراسات التراثية والأدبية والأنثروبولوجية والفولكلورية، الخـاصة بالثقافة العراقية : وقـــد رسـمتُ هذا المنـهـج وفق السـياق التـالي :
أولاً : الإنطلاق من البُـعـد التـاريخي، لأيَّ ظـاهرة أو حـالة ثقافية أو تـاريخية أو سياسية، أو فولكلورية . لأني أعتقد أن أيِّ ظاهرة مدروسة ، لا تحمل بصمتهـا التـاريخية، فهي هجينـة بالضرورة، ولا تحمل صفات أصالتهـا الوطنية ، هـذا أولاً ، وثانيـاً، أن تـأصيل البُعـد التاريخي للظاهرة المدروسة، يمنع تفكُـكـهـا البُـنـيوي، ولا يسمح للإختراقات الآيديولوجية أن تَـمُـسّـهـا، لأن التـاريخ عصيٌّ بأحـداثه وشخصيّـاته ووقائعه، على أن تلوي الآيديولوجيات المختلفة عُـنقـه .
*ثـانيـاً : تلعب القراءة التحليلية للنص، دوراً مُـهِـمّـاً في مسألة ” تفكيك النص المقروء ” كي نقِـفَ على بواطن النص، ومحمولاتـهِ المُضمّـرة، واتجـاهـاتهِ الفكرية، حيث أن هذه القراءة التحليلية، تجعلنـا نـدرك المخـبـوء في عقلية الكـاتب، صاحب النص المقروء، ومن ثم نستطيع الحُـكمَ، سَـلبـاً أو إيجـابـاً، على النص أوّلاً ، وعلى الكاتب ثـانيـاً، وثالثـاً نستطيع قراءة ” الميول الفكرية ” لصاحب النص، لا سيمـا إذا اعـتمدنـا ” بعض مفـارقـات التـأويل ” لهـذا النص .
كـما أن هذه القراءة التحليلية، تُـبيحُ لـنـا ” الإجـتهـاد في الحُـكم على النص” إذا كانت قـِـراءتـنـا مُحـايدة ” ويجب أن تكون محايدة، لأن ميزان العقل النقـدي، يرفض تـزيّيف الوقائع، وقراءة النص على وجـوهٍ مغلـوطة، تُـريـد تشويه النص، والحـط من قيمة الكاتب وسمعـته .
* ثـالثـاً : الوصف التحليلي للنص المقـروء . وهـذه الفقرة ، مرتبطة بالنقطة السابقة، لكـنهـا مُعاضدة لهـا، حيث أن ” مفـردات النص الوصفية ” توضح بجلاء حـالة النص، قبل قـراءتـهِ تحـليـليّـاً ، وبالتـالي هي تـفرد مساحة أكبر للقــارئ، بـأن يُـعدد وجـوه القـراءة، إعـتماداً على هذا الوصف، والذي قـد يغفـل عـنه صاحب النص الأصلي، لا سيمـا بعض نصوص النقد والتـاريخ الأدبي، أو نصوص الفـولكلور، حيث في هـذا الحقل ” الفولكلور ” هـناك توصيفـات لا يدركـهـا عقل القـارئ العـادي، إلاّ مَـن كان من بيـئة ذلك النص، حيث تكـون ” مفرداتـهِ ” مفاتيح معرفية ، تُـنبّـه القـارئ إلى تلك المحمولات الفكرية، الواردة في النص الفولكلوري .
* رابعـاً : فَـهـم اللّـغة المكـتوب فيهـا النص ، لا سيما اللغـة العربية، حيث يتوجّـب بقارئ النص المنقـود، أن يكون على دراية واسعة باللّـغة التي يقـرأُ فيهـا، من كافة الوجوه اللّـغوية والنحوية، والأُسلوبية والشعرية، ومعرفة معـانيهـا الواردة في النص، وفق دلالاتهـا المُعجـمية أولاً ، وثانيـاً، معرفة أبعــادهـا وظيفيّـاً . وهـناك مسـالة هـامة، يتوجّـب الإنتـباه إليهـا وهي ” اللّـغة الشعرية ” في النص المقروء، حيث يتوجّـب بالقارئ أو الدارس، معرفة ” بحـور الشعر وأوزانـه ” وعروضهِ وبناءاتـه، حيث أن هـذه المسألة، حسّـاسة جـداً في النقـد الأدبي .
* خـامسـاً : مُـقـارنـة النص ، مع النصوص الأخرى، الموازية لـه في الموضوع، أو وفق النسق الأدبي في الرؤية المعرفية، شعرية كانت أو نثرية، ومعرفة مـدارسهـا النقدية والفكرية، بغـية إيجـاد مقـارنة، تُـبيحُ لنـا كشف بواطن النص، ومـكامن الجمـال فيه، ليعطينـا القُـدرة على ” إصدار حُـكم نقـدي عليه” من خلال هذه المقـارنـة .
* سـادسـاً : معرفة أسلوب كـتابة النص، وهذه المسـألة تكشفُ عـن قُـرب ، مـدى إمكانية الكـاتب في معـالجة موضوعـه، فـالأسلوب هـو الكاتب ذاتـه، في كُـلِّ تجليـاته المعرفية، وهـو ” البصمة الخـاصة ” التي تُـميّـز هذا الكـاتب عـن سواه. فـإذا كان الأُسلوب مُـفكّـكـاً، وغير مترابط بالفكرة واللّـغة وسياق الكتـابة، آنـذاك سينكشف الكاتب بجـلاء، وستظهـر العيوب اللـغوية والأسلوبية والفكرية واتجـهـات النص ومراميه، ولذلك يحرص الكثير من الكُـتّـاب المرموقين على مراجعة نصوصهـم بـدقّـة متـناهية، قبل نشرهـا، وقـد أدهشتني ، في هذا السياق، عبارة وردت في ” نـهـج البـلاغـة ” للإمـام علي بن أبي طـاب ” رض ” يقول فيهـا : ( الكـلام في وثـاقِـكَ، مـا زلتَ لم تتـكلّم بـهِ ، فـإذا تكلمت أصبحتَ في وثـاقـه ) ومن هُـنـا نفهـم بلاغـة النص في ” الخـطـاب المكتـوب ” أكثر مـنهُ في الخطاب المسموع ، أو المرتجل عـند الخُطـباء، وقـد كـان للجـاحظ آراءً قيّـمة في هـذا الصدد، أوردهـا في كـتابه ” البيـان والتبيّن ” وكذلك في بعض ” رسائله ” .
* سـابعـاً : التضـمين والإقـتباس والتـنـاص : تفرض طبيعة الأعمـال التراثية، والدراسات التـاريخية والفـولكلورية، التي نقوم بـدراستهـا، والبحثُ فيهـا إلى ” تضمين ” بعض النصوص المقروءة في داخل النص المكتوب، بغية تـمتين نص المـتن المكتوب، وزيادة صحّـتهِ ووثوقه، إضافة إلى تـمتين الحقيقة فيه، وهـذا يتطلّب مـسألتين : الأولى، الحـفاظ على الأمانـة العلمية، عـند الإقتباس بالإشارة إلى المقبوس وتقويسهِ ، أي وضعه بين قوسين ( …. ) والإشارة إلى مصدرهِ في الحـاشية، من خلال رقمٍ معيّـن، يحيلُ إليه .
والثـانية : يتطابق هذا المقبوس مع نص البحث، ويقوّي متـنه، ويخلق منـه نصّـاً جديداً متكامـلاً، يخدم وحـدة البحث أو الدراسة، وبالتـالي أن هـذا المنهـج ” أي الإقتباس ” واردٌ ومستخدم في كل الدراسات الإنسانية والعلمية، وهـو مستخدمٌ مُـذ بـدأت الدراسات والبحوث، تـأخذ حيّزهـا العلمي في الكـتابة، ولذك يفترض أن يكون ” التضمين ” من نصٍّ آخر ” عبارات قصيرة من النصوص” تخدم البحث، وإذا اقتضت الضرورة تضمين نصٍّ أكبر، يتوجّـب بالدارس أو الباحث، أن يستخــدم أسلـــوب ” نَـثـر النَـص ” أي يستوعب روح النص المراد تضمينه، ويدخله في لغـة الكتـابة، بحيث يتكـوّن ” نَـصٍّ مخـلوط ” يخدم الفكرة المراد منـاقشتهـا، مع الإشارة بالهـامش، إلى مصدر المعلومة الواردة في النص، كجزءٍ هـام من الأمانة العلمية .
وهـذا الأسلوب يحـتاج إلى كـاتبٍ حـاذقٍ، يـدرك هذه الآليـة في الكـتابة والدراسات الإشكالية، بحيث يكون النص المكتوب، يُـعبّـر عـن روح الكـاتب، واتجـاهـات تفكيره، مع الحفـاظ على إستقلاليته الفكرية .
* أمّـا مسألة التـناص، فهي تحدث في تشابه الأفكـار وتطابق النصوص أحيـانـاً، ويلعب ” الإيحـاء ” من الفكرة المُقـتبسة، دوراً كبيراً في ترابط لفكرتين، فيمـا بينهـما، وهي تحدث في الشعرِ أكثر مـنه في النثـر، أمّــا الدراسات التـاريخية والآنثروبولوجية، فـإن فكرة التـناص، يمكن تجـاوزهـا في الإحـالات المرجعية، أولاً، وثانيـاً، سياقات البـاحث المُقــتدر، تتجـاوز هذا الإشكال، من خـلال ” الحفـاظ على استقلالية المُـفكِّـر أو الباحث، في موضوعٍ معيّـن .
* ثـامـنـاً : فـكرة البحث . وتتـأسّس هذه الفكرة، لموضوعٍ محـدّد، من خلال تراكم مجموعـة رؤى وأفـكار، تنصهـر بفكرةٍ واحـدة، وتَـلـح على الكاتب أو المفكّـر لأن يعالجهـا كـموضوعٍ مركزي ، من عِـدّة زوايا واتجـاهـات، ويخـلق لهـا مسارات علمية وفكرية، تستنـد إلى ” منهـجٍ رُؤَيوي ” يُـحدّد مساراتهـا في البحث، ويتـولى الكاتب تعميقـهـا في أسلوب تفكيره، ويحشد لهـا مجموعة من المصادر والمراجع بغية تحقيقـهـا.
والفكرة ، قـد تتـطوّر إلى عِـدّة أفكار مترابطة، يسحب بعضهـا بعضـا، في وحـدةٍ بحثية مُـتراصّة، تـؤدّي إلى تنـامي البحث إلى عِـدّة أجـزاء، بغية تحقيقهـا كوحدةٍ موضوعية، ذات هـدفٍ مركزي . وقـد حقّـقـنـا هذا الهـدف في بحثنـا الموسوم ” الوراقة والورّاقون في الحضارة العربية – الإسلامية ” حيث بـدأت بفكرة بسيطة، ولكنهـا امتــدّت وتنامت، حتى أصبحت ” مـوسوعـة ” في 6 أجزاء كبيرة ومترابطة .
* تـاسِـعـاً : المَـتِـن والحـاشية . وهما الأساس في كل الكتـابات النثريـة في النقـد والتــاريخ والتراث واللّـغة، وبقية الميـادين الفكرية والثقافية الأخرى .
والمَتـن، هـو النص الذي يبتـدعـه الكاتب، من بُـناة أفكـارهِ، كحصيلة ثقافية، أفضت بـهِ لِـيُـنـشِـأهُ، مُـعبّـراً بهِ عمّـا يجول في خـاطره من أفـكار، بغية تـدوينهـا كـرؤيةٍ فكرية مُـستقلة لهذا الكاتب .
والمَـتنُ للنـص، يـاتي كـنصٍّ شعري أو نصٍّ نثري ، يجمع فيه الكاتب خلاصة رؤيته وأفكاره حـول موضوعٍ معيّـن، وقد يضطر الكاتب إلى أن يُضيف ” بعض النصوص المُقـتبَـسة ” إلى نصِّـهِ في المتـن، ليُشكِّـلَ منه فِـكرةً مُـتراصّـة بـأبعـادهـا الفكرية، ومُـعبِّرةً عـنه، شريطة أن يذكر ذلك الإقتبـاس من مصدرهِ الأصلي، وذلك من خلال ” الإحـالة المرجعية ” إلى النص المُقـتبس، ويذكر ذلك في أسفلِ المتـن، أي في ” الحـاشية” وتشكِّل الحـاشية، منهجية معرفية ، تُـعضِّـد متن النص في الكــتابة .
* وقد اهـتدى الكُـتّـاب والورّاقون البغـداديّون في العصر العبّـاسي إلى ” منهـج الحاشية ” في فـن التوريق والكتـابة في بـداية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي . حيث أنّـهم وجدوا في ” الحاشية ” فـوائد جمّـة، تخدم أسلوبهـم في الكتابة والتـأليف، وقد استخدموا ” حرف ح ” بالإحـالة إلى مرجعية النص، كـالتنبيـه على ” إشكـال ” أو إحتراز، أو رموز أو خطـأ أو نحو ذلك . *1
وهم بهذه الحاشية في الكتـابة، سبقوا كل كُـتّــاب العـالم في هذا المنهـج الكتـابي، ومن ثم انتقل هذا المنهـج إلى بقية الحضارات المُحـايثة إلى الحضارة العربية – الإسلامية، وهـو أوّلَ فـتحٍ إبـداعي في تـاريخ الكتـابة العربية .
1* راجع موسوعتنـا ” الوراقـة والورّاقـون في الحضارة العربية الإسلامية 2/ 303 ، منشورات دار الإنتشار العربي ط1 – بيروت 2011 .
* * *
*عـاشراً : المُـقدمـة والنهـاية، في أسلوب الكتابةِ والبحث .
تُشكِّـل ” المُقدمة” في أيِّ بحث، وجهـة النظر العلمية التي يراهـا الكاتب، والتي أسـدت بـهِ لأن يبني تصوراته المعرفية للعمل، بوصفهـــــا ” الخطّـة المنهجية ” التي سـار عليهـا المؤلّف، بكافة مراحل العمل، ومن ثُـمَّ تُـمثّـل ” المقدمـة ” القلق الذي سـاور المؤلّف، في كُـلِّ ضغيرةٍ وكبيرة، أثـنـاء العمـل، لذلك تكـون ” المقدمـة ” هي آخر فصلٍ يكتبهُ المؤلّف في بحثهِ، ولذلك يجري الإهتمـام بهـا بشكلٍ دقيق ومنطقي، حيث أن وجهـة نظر الكاتب، تظهـر من خـلالهـا، مع تلميحـاتٍ فكرية، يقصدهـا المؤلّف، بغية جلب انتبـاه القـارئ، ومن ثم يكون الإنطـباع الأولي عـند القـارئ، يتشكّـل من خلال هذه ” المقدّمة ” ولذلك تكون المقدمة هي ” المفـتاح المعرفي ” لبقية فصول الكـتاب أو أبـوابهِ ، ومن هُـنـا نفهـم أن ” مسـالة التبويب والتفصيل ” تظهر في المقدمة، كـرؤوسِ أقـلامٍ، تُحفّـز القـارئ للولوج إلى البحث ومعرفة التفاصيل في العمل، ولذلك تكـون ” المقـدمة ” هي المرآة العاكسة لوجه الكاتب وفكره ، من الناحية النظرية والعلمية . وعلينـا أن نُـميّز بين ” مقدمة الكـاتب ” وبين ” التقديم للعمل من قبل كاتبٍ آخر، حيث يُـشكِّـل هذا ” التـقديم ” وجهة نظر الكاتب الذي قـرأ العمل، وأراد أن يُقـدّمه للقـرّاء، بغية تعضيد العمل والإشادةِ بـهِ، كي يكون دافعـاً قـويّـاً للقـارئ على قراءته للعمل، ومن ناحية أخرى، دفع الكاتب الأول، أي صاحب العمل ، إلى العملِ والمثابرة والإستمرار .
* أمّـا النهـاية أو الخـاتمـة ، فهي آخر فصلٍ في العمل، يُجملُ فيه الكاتب أهـم الخُـلاصات والإستنتـاجات للموضوع، الذي باشرهُ فصلاً فصلاً . وتشكِّـل هذه الخـاتمة، أحـد المرتكزات المعرفية التي تَـوَصَّـل إليهـا الكاتب في مسارِ بحثـه. ” وتشكّـل الخاتمة ” مقيـاساً معرفيّـاً للكاتب، يُـحكم عليه من خـلالهـا القُـرّاء والنُـقّـاد على فكر الكـاتب وثقافتـهِ أولاً ، وثانيـاً، على المنهجية ونقاط الإستدلال التي سـارَ بهـا في عملهِ، ولذلك تُشكِّـل هذه ” النهـايات ” في الأبحـاث الأكاديمية – كالدكتوراه والماجستير ، نقطة اهـتمام بالغة عند الأساتذة والمشرفين على العمل، وتـأخذ ” درجة متقدمة ” في التقيّـيم الأكاديمي للعمل، لأنهـا تكشف ، بشكلٍ أو بـآخر ، عقلية الكاتب الجدلية، في الفروض والإستنتـاجات، التي عُـرضت في العمل.
* ثمّـة ملاحظة جديرة في الإنتـباه، هي مـا تُسمّـى بـ ” تـنامي البحث ” حيث يتوسّع الكاتب أحيانـاً في بعض الفصول، الأمر الذي يقوده إلى ” مـوضوعـاتٍ أخرى ” ليس لهـا عـلاقة مباشرة بالبحث، لكنهـا تُطوّر البحث في جوانب أخرى، من حيث التـأثير والإستنتـاج ، لكنهـا تـنفتح على موضوعاتٍ أخرى، تكون مستقلة عن البحث الرئيسي، ولذا يتوجّب على الباحث – كما كنتُ أفعل – بأن يفتح لهـا ” كشكولاً خاصـاً ” يجمع بـهِ كُـلّ مـاتقع عينـاهُ على معلومـاتٍ جـديدة، قـد تُـكـوّن ” موضوعـاً مستقلاً بـذاته ” ويتركه قريبـاً منـه، بمعنى أن لا يترك بحثـهُ الأساس ويلتفت إلى البحث الثانوي، والذي انبجسَ عـن الأول، بل يستمر فيه حتى النهـاية والإكتمال، لأن مسألة التفكير ببحـثين ، بـآنٍ معـاً، يُضعف كِـلا البحثين، وهذه ظـاهرة عالمية عند مختلف الكُـتّاب والباحثين في العلوم الإنسانية .
* * *
* امّـا منهجـية القـراءة عندي،فهي لهـا شكل معرفي آخر، ربمـا يخصّني وحدي، أسيرُ عليه، فقد اهـتديت في بدايات قراءآتي لكتب التراث، وأنـا أجلس في ” قاعـة الباحثين في المكتبة الظاهرية بدمشق ” في مطلع ثمانينيّـات القرن المنصرم، حيث اهـتديت إلى ” مسألة تـدوين الملاحظات والمعلومـات الهامة” لأيِّ كتابٍ أقرأه في المكتبة، حيث أدوّن تلك المعلومـات في ” دفاتر كبيرة، تشبه سجلاّت العطّـارين ” ويطلق عليهـا في مصطلحـات التراث العربي بـ ” الكشاكيل ، ومفردهـا كشكول ” وهو السجل أو الدفتر الكبير الذي يحوي معلومـات عـامة عـن كل شئ، وهـناك كتـاب هـام إسمه ” الكشكول ” لبهـاء الدين العاملي، والذي توفي عام 1031 هـ ” . ولكن ” الكشاكيل ” لدي أخذت منحىً متخصِّصاً” بمعنى أني كُـنت أُدوّن معلومات التراث، حسب موضوعاتهـا، وكل دفتر، خاص بموضوع معيّـن، فمـثلاً : ما يخص الشعر وأوزانه وعروضه، ومـا يتعلّق به، في كشكول خـاص، وموضوعات الفولكلور والتراث الشعبي، في كشكول خاص، وموضوعات الفكر والفلسفة، في كشكولٍ خـاص، وهـكذا في بقية المعـارف الأخرى .
وكنت أعتني بهذه ” الكشاكيل ” أيمـا اعتنـاء، لأنهـا تُشكِّـل ” التمهيدات الأولية” لكل الموضوعات التي أشتغلُ عليهـا في مختلف المجالات، وكنتُ أُبَـوّب كل دفتر أو كشكول على النحـو التـالي :
1- إسم الكِـتاب . 2- إسم المؤلّـف . 3- إسم المطبعة أو دار النشر . 4- سنة الإصدار ورقم الطبعة، ثم أكتب المعلومة المُستقاة برقم الصفحة الموجودة في الكتـاب ( ص ) ، وهكذا حتى أستوفي كل مـا أُريد أخذه من ذلك الكتاب الذي قـرأتـه، وأترك مسافة بين سطرٍ وآخر ، لأنه قد تـأتي فيما بعـد ، معلومة صغيرة، قـد تُضاف إلى النصِّ المُـدوّن، أو أضطر إلى ” التعليقات ” أو إسقاطاتٍ معرفية أولى لمناقشة تلك الفكرة . وهذا الأمر أخذ منّـي كثيراً من الوقت ، في مشوار كـتاباتي، حيث أن هذه ” الكشاكـيل ” أعتمـدُ عليهـا في ” كـتابة الأبحـاث والدراسات والمقالات ” عندمـا أكون جالساً في البيت، ويخطر في بالي موضوع مُـعيّن ، وأكون بعيداً عـن المكتبة والكُـتب، هذا من جهـة، ومن جهـةٍ أُخرى، هذه الكشاكيل ترفع عـني ” حرج شراء الكُـتب ” من المكتبات الخـاصة، وتوفّـر عليّ بعض الدراهم والنقود، ومن جهـةٍ ثالثة، لا أستطيع أن أكتب ملاحظاتي على ” كُـتب المكتبة العامة ” فهـو أمر ممنوع، ولا يُـناقش فيه ، لذلك تكون هذه الكشاكيل، هي البديل الأحسن، والفضاء الأرحب لكتابة الملاحظـات المباشرة على النص، وقـد تعـودتُ على أن ” أكتُب ملاحظاتي ” على أصل النص في الكـتاب، إذا كان الكتـابُ لي، وأغلب الكُـتب في مكتبتي الخاصة عليهـا ” ملاحظاتي الأوليّـة ” بخط يـدي، وهـذه النزعـة ” أقصد الكتابة على أصل النص” كنتُ قـد تعلمتهـا من أصحابي ” الورّاقين البغـداديين في العصر العبّـاسي ” حيث كانوا ينزعون نحو هذا المنزع، في ” مُسودات الكُـتب ” التي كانوا ينسخـونـهـا، ويعيدون طباعتـهـا أو نسخـهـا مُـجدّداً، فقـد انتشر في أوساطهم شـعـار ” لا يضئ الكتـاب حتى يُظـلم ” والمقصود بهذه العبارة، هـو كثرة الملاحظات المكتوبة على النص الأصلي قبل التبيّيض، فصارت هذه ” العـادة ” واحدة من المرافقـات لي في قـراءاتي لأي كـتاب، وهي بنفس الوقت، تُـمثّـل ” بـدايات الحـوار والمنـاقشة للكتاب الذي تقرأُ فيه” وتتـقاطع معارفهِ مـع مـا تحملهُ من ثقافةٍ، قد تكون مخالفة لوجهة نظر الكاتب، الذي تقـرأ كـتابه .
وقلق الكتـابة هذا يتراكم في هـذه ” الكشاكيل ” حتى غـدت هي بمثابة ” المُـسودات الأولى ” لكثير من كـتاباتي ومؤلّـفاتي فيمـا بعـد، حيث كنت أختصر الزمن من خلالهـا، وأطوّر الأفكار الأولى، التي دوّنتـهـا من قبل. وكنتُ حريصاً كل الحرص على دِقّـة النقل، والتأكيد على رقم الصفحة المنقول عـنهـا، من هذا المصدر أو ذاك، وأُراعي في ذلك ” الأمـانة العلمية ” بكلٍ صدقٍ وإخـلاص، فـلا يصح بالكاتب أو النـاقل أن ” يُـحرّف مـا ينقل ” لأغراضٍ سياسية أو آيديولوجية، ليخدع بهـا القـارئ وهي ” جريمة أخـلاقية ” يحاسب عليهـا الضمير، قبل محاسبة الشرعِ والقـانون .
كنتُ أحرص كل الحرص، على نقل المعلومة من المصدر كما هي، وأضعهـا بين قوسين، وأبـدأ بمنـاقشتهـا، فكرة بفكرة، أو رأياً برأي، بحيث أعطي للقـارئ حُريّـة الحُكمِ على النصّين، النص الذي نقلته ، والنص الذي كتبته، دون تحـامل أو بغض، مهمـا كان اختلافي مع صاحب النص الأصلي، إن كـان من الأموات أو كان من الأحياء، فـالكـتابة أخـلاق، قبل أن تكون مهـنة أو هـواية، لأن نظافة القلم من نظافة ضميرِ حـامله .
* ثمّـة ملاحظةٍ أخرى، قـد تحدث وأنـا خارج المكتب أو خـارج البيت، فتـأتي فكرةٍ مـا، حول الموضوعات التي كنتُ منشغلاً بهـا، أو دوّنتـهـا في ” الكشاكيل ” وتصبح هذه الفكرة، مكملة لبعض الأبحـاث أو الدراسات، فـأُدوّنـهـا على ” وريقـاتٍ صغيرة ” تُسمى ” جُـذاذاتٍ ورقية ” كنتُ أحملهـا على الدوام، بين الكُـتب أو في ” جيوبي ” وأكون في تلك الأثنـاء راكبـاً سيارة نقل عـامة، أو جالسـاً في مقهى معيّـنة، أو حتى سائراً في الطريق، فـأكتب تلك الفكرة في هذه ” الجُـذاذات ” وحين أعـود إلى البيت، أضيف تلك الأفكار على موضوعاتهـا الأساسية، والتي كنت دوّنتهـا في تلك الكشـاكيل .
* * * يتبع