تلك الحاسة المنسية
أقرأ باستمرار في الصحف عن اختراعات تساعد الإنسان على ترك التدخين بعدما لم يعد مدى الأذى الذي يسببه للمدخن (على صحته) سراً. ولأنني لست مدخنة (والحمد لله) أقرأ بفضول عن (الابتكارات) والاختراعات الجديدة التي تساعد المدخن على التوقف عن تعاطي ذلك (السم) المدعو بالسيجارة. وهكذا قرأت عن السيجارة الإلكترونية ثم تبين أذاها، واليوم قرأت عن «قلادة ذكية» تساعد مرتديها على ترك السيجارة. وأترك التفاصيل العلمية لمن يهمهم الأمر من مدخنين. ومن طرفي، أريد التذكير بأسلوب آخر لترك التدخين.
إرادة التوقف والرفض
ثمة حاسة أنعم الله تعالى علينا اسمها «الإرادة»، وهي حاسة تراجع استعمالنا لها بسبب الاختراعات الحديثة من سيجارة إلكترونية وقلادة (ذكية) وغير ذلك.
أجل، تلك الحاسة اسمها الإرادة؛ أي أن يقرر المرء ببساطة أنه يريد بقوة الإرادة التوقف عن التدخين بدون تحايل على الذات والرئات . وعلى سبيل المثال، أذكر الشاعر نزار قباني، فقد كان مدخناً شرهاً ثم قرر التوقف عن التدخين. لم يشتر عقاراً يجعل طعم السيجارة، ولم، ولم، لكنه ببساطة توقف عن التدخين وقال لي إنه قضى أسبوعاً سيئاً كان خلاله (عصبياً) وكاد يتشاجر مع بعض أصدقائه لتوتر أعصابه، لكنه كتب قصيدة أذكر منها قوله على لسان امرأة:
«واصل تدخينك يغريني
رجل في لحظة تدخين
هي نقطة ضعفي كامرأة
فاستثمر ضعفي وجنوني
أشعل واحدة من أخرى
أشعلها من جمر عيوني
ورمادك ضعه على كفي
نيرانك ليست تؤذيني» إلى آخره…
فالتدخين في الشعر هو غير دخان السيجارة في الرئتين!
على صعيد الواقع، توقف نزار قباني عن التدخين بقوة حاسة الإرادة المنسية، قرر ألا يدخن وانتهى الأمر.
وأعرف العديد من الذين توقفوا عن التدخين بفعل حاسة الإرادة، ولن أذكر أسماءهم لأن القائمة تطول.
بحاسة الإرادة نلجم الشراهة
كثيرون يحاولون إنقاص وزنهم من أجل الرشاقة والصحة، فزيادة الوزن ليست أمراً صحياً ولا جميلاً للرجال والنساء، وبالذات بعض النساء اللواتي تهمهن الأناقة. وهكذا نشأت شركات في باريس ترسل لك طعاماً يومياً لا يزيد الوزن بل يساهم في إنقاصه تدريجياً مقابل مبلغ كبير من المال. فقد تم إعداد الطعام الشهي بدون دسم أو عناصر تزيد في الوزن شرط ألا تضيف إلى وجبة الغداء والعشاء ما يسبب السمنة. وهذا أمر غير مؤذ، لكن الذي قد يكون مؤذياً هو العمليات الجراحية لقص جزء من المعدة أو وضع خاتم لها بحيث يشعر المرء بالشبع دون أن يمارس شراهته.
ولكن، ماذا عن استعمال تلك الحاسة المنسية المسماة بالإرادة؟
عدم الأكل إلا لبداية الشبع
تباع في الصيدليات الأوروبية (وربما العربية) حبوب لإنقاص الوزن بإحراق الشحم، وحبوب لقطع الشهية أو التخفيف منها.
وكثير من الذين يرغبون في إنقاص الوزن يتناولونها رغم الأذى الصحي لبعضها. أما حاسة الإرادة فتكاد تكون منسية، أي أن يأكل المرء ما لا يزيد في وزنه دون أن ينقصه الشبع.
وثمة ممارسات تساعد على المحافظة على الوزن الرشيق، ومنها الرياضة، وأذكر أن نزار قباني أيام إقامته في بيروت كان يمشي من بيته في المصيطبة على كورنيش المنار في بيروت في الصباح الباكر، لكن صديقتي زوجته العراقية بلقيس، كانت تقول لي إن تلك الرياضة لتخفيف الوزن كانت تزيد من شهيته لطعام الإفطار في الصباح بعد المشي الطويل. وباختصار، لا أعرف أسلوباً سحرياً للتوقف عن التدخين أو لإنقاص الوزن، لكنني أعرف عن إعادة استعمال تلك الحاسة المنسية التي أنعم الله تعالى بها علينا، واسمها ببساطة: الإرادة.
هل المدخن «مضطهد»!
في باريس صار التدخين في المطاعم ممنوعاً، وصار زوجي رحمه الله يدخن سيجارته أمام المطعم على الرصيف ثم يعود.
ومرة، دعوت الصديق أدونيس وزوجته خالدة إلى الغداء، واعتذرت قائلة إنها لا تطيق رائحة دخان السجائر، وقلت لها إنه يوجد قسم خاص في المطعم لغير «المدخنين».
وفي نيويورك حين زرت وزوجي المطعم في المبنى الأكثر ارتفاعاً في نيويورك ومطعمه في الدور الأعلى الذي يزيد عن مئة طابق ونرى من نوافذه نيويورك كلها سأله النادل: هل أنتما مدخنان؟ قال زوجي: نعم! وأنا غير مدخنة، لكنني لن أجلس على مائدة أخرى بعيدة عن زوجي. وأعطانا (الجرسون) علبتين من الكبريت لإشعال سجائرنا. واحتفظت بعلبتي تذكاراً، وكان المنظر بديعاً في ذلك المطعم قبل إحراق المبنى بأكمله حين هدمته طائرة لأسباب سياسية. واحتفظت بعلب الكبريت التي تحمل اسم ذلك المطعم.
واكتشفت اليوم على الإنترنت أن جامع تذكارات على استعداد لدفع ثروة مقابل الحصول عليها لأنه يجمع علب الكبريت!!
سجائر الموت
مرة غادرت وزوجي فندق «والدورف استوريا» في نيويورك، وفوجئت في واجهة (الدراغ ستور) القريب بعلبة سجائر سوداء بيضاء، عليها صورة جمجمة؛ أي أنها تسبب الموت. وعلى الرغم من أنني غير مدخنة، اشتريتها ومازالت عندي في البراد لطرافتها، حيث تبيع علبة سجائر وعليها صورة موت تسببه.
ما ليس طريفاً أن الطبيب في المستشفى الأمريكي في باريس قال لزوجي إنه سيموت قبل عام من موعد موته إذا لم يتوقف عن التدخين، ولم يفعل. ورحل بسرطان في الرئتين! رحمه الله.
فمتى نتذكر استعمال حاسة منسية اسمها الإرادة للتوقف عن ابتلاع السموم في السجائر أو حبوب تنقيص الوزن وسواها كثير؟
حاسة «الإرادة» أنعم الله بها علينا، فلماذا نستعمل معظم حواسنا كالبصر واللمس والشم وننسى حاسة الإرادة؟