ماذا يريدون ؟.
علي حسين
أفضل وأغنى رواية عن السودان، تركها لنا مواطن اسمه الطيب صالح ولد في قرية تسمى ” دبة الفقراء” ، وأتعس رواية عن خراب الأمم يتركها لنا كل يوم نواب لا يحملون لأوطانهم سوى الامتيازات والصفقات.. وأعتذر مقدماً عن المقارنة بين عبقرية الإخلاص للوطن، وبين سراق أحلام الناس ومستقبلهم .
لم يحاول الطيب صالح أن يتفلسف وهو يقدم صورة غنية بالتفاصيل لبلاده، ولم يكن مهتما بطرح القضايا المصيرية مثل “العلامة” إبراهيم الجعفري، بل رسم لنا صورة للسودان لا نزال نتمعن بها وكأنها لوحة من لوحات فناني عصر النهضة، لم يتوسل الشهرة في بلاد تقلبت ذات اليمين وذات اليسار حتى استولى عليها “العبد المؤمن” عمر البشير الذي يحاول بعض ساستنا استلهام تجربته “الإيمانية” في جلد الفتيات السافرات.
ثلاثون عاماً من البؤس عاشها السودانيون في ظل الرئيس المؤمن عمر البشير، عمّ فيها الفشل، وفي واحد من القرارات في السودان بعد الإطاحة بالبشير، كان الاتفاق بين جميع الأطراف السياسية على فصل الدين عن الدولة، فقد جرب السودانيون حكم الدولة الدينية التي كان فيها عمر البشير يقف بنفسه ليردّ على المنظمات الدولية التي اعترضت على جلد فتاة سودانية لأنها ارتدت البنطلون، قال آنذاك ساخراً وهو يحمل عصاه “البعض يتحدث عن الفتاة التي جُلدت على وفق حدود الله والذين يقولون إنهم خجلوا من هذا عليهم أن يغتسلوا ويصلّوا ركعتين ويعودوا للإسلام”.
وضع الطيب صالح السودان على خريطة الأدب العالمي، بروايات ساحرة تحاول أن تجمع بين الثقافات، بينما يصر البعض ممن امتهن السياسة بغفلة من الزمن في العراق، أن يضعوا بلدهم على خارطة النسيان.
نتذكرالطيب صاح وتلك الروائع من الأعمال التي زيّن بها الأدب العربي والتي تذكرنا دوماً بأن السودان يستحق منا وقفة تضامن أوسع وأعمق وهو يتعرض إلى محنة الحرب الأهلية ، وارادات جماعات تريد ان تتحكم بمصائر الملايين ، في الوقت الذي يطالب فيه الشعب بدستور مدني يؤمن للجميع العيش بكرامة وحرية . واتمنى عليك عزيزي القارئ ان لا تستفزك كلمة دستور، لاننا في هذه البلاد صوتنا على دستور وضعه روزخونية من عينة همام حمودي ومحمود المشهداني، وكانت النتيجة أن المواطن الذي خرج مبتهجاً بالدستور، لا يزال يسأل ما الذي حصل عليه، بعد أن أعطى الضوء الأخضر لدولة يديرها دراويش يتمسحون بالدين، لكنهم شطار في سرقة الأخضر واليابس؟. لم يحصل العراقي سوى على الخراب والفشل والفقر.
الناس تعرف جيدا أن المسؤول الفاشل يريد ان يستحوذ على كل شيء ، ونراه يستبدل ملفات مهمة مثل الخدمات والتنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو”الصراع على السلطة ومنافعها” .