من مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .
د.خيرالله سعيد.
شـاعرات العــــــراق في العصر العبّـاسي والورّاقين والمترجمين في بغــــــــداد. ح 26 .
6- الجزء السادس : حمل عنوان ( شاعرات العراق في العصر العباسي ) .
إن انعكاس حالة التطور الاقتصادي على المجتمع، تبرز من خلال أنشطة المجتمع ذاته ، ضمن سياقات نشاطاته الأخرى، ولا سيما الآداب والفنون، فهي مقياساً ثقافياً واضح الدلالة في كل حضارة من الحضارات، والمجتمع العباسي ، كان منفتحاً على كل الثقافات المعرفية، لا سيما ثقافة اليونان العقلية، فقـد أنتبه علماء العصر العباسي ومفكريه الى جانب الآداب والفلسفة، والترجمة والفنون، وثمة مشهدين شديدي البروز في العصر العباسي، هما الشعر والغـناء ، اللّـذان تبنتهم الخلافة العباسية بشكل لافت، وأغـدقت عليهما الأموال الطائلة، وقرّبت المبدعين فيهما .
فثمة ما يشير الى ذلك التطور ، حيث أشار “عبد الله بن المعتز (ت 296 هـ) ” في كتابه “طبقات الشعراء” من أن عدد شعراء الدولة العباسية في أواخر القرن الثالث الهجري فقط بلغ أكثر من مائة وثلاثين شاعراً. هذا إلى جانب الشاعرات والأديبات من النساء اللاتي لعبن دوراً هاماً في الحياة الأدبية وفي الأحداث المهمة في المجتمع الإسلامي مثل “رابعة بنت إسماعيل العدوية” التي سلكت طريق الزهد والتصوف، والأميرة، عُليّة بنت المهدي ” التي وصفها “الحصري ” بأنها “تعادل الكثير من أفاضل الرجال في فضل العقل وحسن المقال، ولها شعر رائق وغناء رائع ” وغيرها الكثير، وقد ترجمنا بشكل مفصل لهـذه الفئة من النساء الشواعر، في هـذا الجزء .
والى جانب الشعر، ازدهرت الموسيقى وتطورت آلاتها ولا سيما في مدينة بغداد التي صار لها مركز الصدارة والشهرة في هذا الفن. ومن أشهر المغنين والمغنيات في العصر العباسي الأول: قمر البغدادية” و” إبراهيم الموصلي “، وابنه “إسحاق ” وتلميذه “أبو الحسن علي بن نافع ” الملقب “بزرياب ” الذي هاجر إلى المغرب والأندلس وحمل معه إلى هناك الموسيقى الشرقية التي ما زال تأثيرها باقيا في الموسيقى التي تعرف إلى اليوم في المغرب والجزائر وتونس باسم “الموسيقى الأندلسية”. كذلك برع في دراسة الموسيقى من الناحيتين النظرية والعملية عدد من كبار العلماء وعلية القوم أمثال “الكندي ” والفارابي ” والخليفة “الواثق العباسي “. وكل هذا يدل على أن الحضارة المزدهرة التي اختصت بها بغداد، قد غذّت الروح الإسلامية في مختلف الأقطار غذاء تاماً.
لقد أشرنا في مقدمة كتاب ( شعراء بغـداد في العصر العباسي ) من هـذه الموسوعة ، من أن (الشعر فرض ثبوتـه اليومي في الوعي الثقافي أولاً ،وفي الوعي العام عند جمهـور الناس في هذا العصر ثانياً .
إنّ سطوة الشعر العراقي في العصر العباسي ،على بقية فنـون الأدب ، جعلت منه ميـدان تنافـــس ثقـافي – سياسي ،تجلـّى ذلك في نتاج الخلافتين الفـاطــميـة في مصـر والأمـوية في الأنـــدلـس، في العصــور الوسطى ، ، وقد أبدعت شاعرات العراق والأندلس بشكل متوازي ومتقارب، من حيث الصنعة والإبـداع .
لقـد أنقسم شعر المرأة في العصر العباسي – ضمن المعادلات الاجتماعية في تلك الفترة – إلى فـئتين من النساء، الأولى الحرائر ، والثانية الجـواري . وكانت الفئة الثانية الأكثر حضوراً وإبـداعاً، بحكم الحريّة المتاحة لهن، في قصور الخلفاء أو في بيوتات عامة الناس، بمختلف طبقاتهم، بالإضافة الى أن ( مهنتهن الاجتماعية ) كـإماء لقصر الخلفاء أو ( قينات ) في بيوت العامة من الناس ، أملت عليهن أن يطورن من ابـداعهـن في سبيل عيشهن بشكل لائق ومقبول. ولذلك برزت أسماء منهن مازال لها صدىً قويّـاً في المدونات الأدبية والتاريخية حتى اليوم ، مثل ( عريب ودنانير وعنان ) وغيرهن الكثير . وقـد استطعنا من إيجـاد تراجم موسّـعة لأكثر من 31 شاعرة، موثّـقة ضمن مصادرها الأصلية، وسلطنا في هـذه ( التراجم ) خصوصيات الشعر العباسي عـند المرأة الشاعرة، وأنواعه بين مديح ورثاء وتشبيب ولوعة وعتب وهـجاء، بحيث أن سياقات شعر المرأة العباسية، لا يختلف عن شعر الرجل في تلك المرحلة ، من حيث الأغراض والأساليب، بمعنى أن حضور شعر المرأة لا يقل شأناً وحضوراً عن بقية الشعراء، مع اختلاف في الكم بالنسبة للرجال، أما من حيث الصنعة، فقـد كانت المرأة الشاعرة تجود وتـبدع في كل المناحي الشعرية واغراضها المتعددة.
* ثـمّـة إشكال في البحث صادفنا ، ونحن في سيرورة البحث والترجمة للنسـاء الشاعرات، لا سيمـا (الجواري) حيث أن بعضهن ( شاعرات ومغنيات ) فقد ترجمنا لبعضهن ضمن ( مجالس الغناء في بغـداد في العصر العباسي ) ضمن هـذه الموسوعة أيضاً، ولكن غلّبنا الجانب الشعري في هـذا العمل، وركّـزنا على الشاعرات، بحكم تخصص البحث، ولذا وجب الإيضاح في ذلك .
لقـد قسمنا العمل في هـذا البحث الى مقدمة وبـابين رئيسيّين :
* البــــاب الأول ، حمل عـنوان : بغـــداد بين الفكرة والتكوين- واشتملت فصوله الى ما يلي :
1- الفصـل الأول : المقدمات لتاريخية لتطور المجتمع العباسي .
2- الفصــــل الثاني: العبّـاسيون والبـدايات الأولى للجـــواري :
* البـــــــــــــاب الثـاني: حمل عـنوان : أعــــلام النســاء الشـواعـر.
حيث تمت في هـذا الباب ترجمة أكثر من 31 امرأة شاعرة ، أثبتت وجودها الشعري في العصر العباسي ، بمعنى آخر أننا لم نقسّم هـذا الباب الى فصول، بل ان كل ترجمة لشاعرة يُعـد بمثابة الفصل .
* ثم ألحقنا العمل بقـائمة لأسماء المصادر والمراجع المعتمدة في هـذا البحث.
* * *
7- الجـزء السـابع : حمل عـنوان ( بغـــداد والشعراء والقـدرُ ) .
ان السقوط التاريخي لبغـــداد – سابقاً وحديثاً – ، لا يعـني مجرد لحظـة عابرة في عمر الزمن ، بل هو ناقوس مــدوٍّ لا يبطل رنيــنه في سماع الأجـــيال ، باعتـــبار أن الشــاخص الحضـــاري، مرموزاً اليه ببغـــداد ، قـــــــد اهــتزّ بعنـــف وتحــرّك الجــذر فيه ، وهذا يعني ســقوط الحضــارة العربية – الاســلامية من خــلال هذا الرمز، لأن بغــداد عـربية واســلامية ، منــذ البـــدء والتكـــوين ، ومن هــنا نقول على الحـدث الاخـير” ســقوطا مــدويا”.
ان حكام بغــداد – في سقوطها الأخير- لم يعــوا دلالة الـرمز الحضاري، ولا أبعــاده القومية والثقافية ، بـل كانوا ” يعون الرمــز المـؤدلج” الذي ساهــم بسقوط بغــداد ، وسقوط تاريخـــه الشخصي والسياسي، لأن بغــداد ليست حاضــرة بلــد بعــينه ، بل كانت عاصمــة الثقافة العربية- الاســلامية، وهي أكبــر مـن كـــل مـديات الأيديولوجيا- مهما كان لونها- ومن هنـــا ندرك شعـــور الكتّــاب والمثقـفــين بالخـطــر المحـــدق ببغــداد، منذ تــولي ” الطــاغية” على مقــاليد أمورها ، وقد بان هذا الهــاجس عنـــدهم في بــدايــة الحــرب العراقية الايــرانية، وازداد هذا القلق اشتعالا عند غــزو الكويت 1990 م ، ثم ظهـرت بدايات الســـــقوط عندما فرضت ” القرارات الدولية” بحصارها على العــراق ، وليس على حاكم العـــراق، وبـدأ العـــــــــــد العكســي ، والحصار ينخر كل أشــلاء بغــداد وبقية انحاء العراق ، والشــعراء مكلــومـة أفـئــدتهــم وتنزف دمــاً ، راح يعــلّم بلونه القــاني على حروف الكلمات ، وبين قصائدهــم تشمّ رائـحــته” بين مفـــــاعيـــــــل” الأوزان ، وتقــلبات الصــور وعــلامات الاستفهام التي تطرحـــها القصائــد، بشكل مباشــر أو ما بيــــن الســطور ، الأمر الذي يشعرك بأن هــؤلاء الشــعراء هم أحرص على بغــــــــــداد من أحــداق أعيــنـهـم ، والغريب في الأمر ، أن هذا الاسـتشـعار لدى الشعراء يعــيد نفســه عبر التاريخ ، فمنذ الســـــــقوط الأول لبغــداد على يد المغــول ، وحتى سقوطها الأخــير ، كان الشعراء ســبّـاقون لـدقّ ناقوس الخطــر، ولكنــهم كانوا في واد والسياسيون في وادٍ آخــر، وهذه المفارقة التاريخية والمعــرفية، تبين لنا مدى جهــل السـاســـة بحـيثيات الأمــور الجســام ، لأنهم – كما نعتقــد- يفكرون بمصير كراسيهم لا بمصير بلــدانهم ، في الوقـت الذي كان الشعراء فيه يدركون خــطورة ” شــدخ” الشاخص ، حتى ولو بتعليقــة جـوفاء يطلقها الطـغـــــاة والمتجـــبرون .
في هـذا الجزء – وهو يمثل الجزء الرابع من ( الشعر العباسي في بغـداد ) مجمــوعـة من القصــائد الشعرية، مختلفة الأزمــان والأشخاص ، مـؤتلفــة بموضوعــها ، وحسـرتها ،وبكائها، وكل قصــيدة تظهر لواعج شاعرها على بغـــــداد.
تنقســم هذه المجمــوعـة الشعرية الى فـئتين ، الأولى: انطــلقت من أوان العصــر العبـــاسي، حـــين جسدت شموخ الحضارة برمــز بغـــداد العباسية ، مشخصــة حـالة بغــداد وظــروف ذلك الـزمان، ومعلّمة على حالات الخــلل السياسي – آنـــذاك- ، فيمـا الفــئـة الثــانية – هي فئـة الشعراء المعـــاصرين الـذين عشــقوا بغـــداد وتغـــزلوا فيهــا ، منذ أن أصـبحـــت” جمهــورية الثــوب والملبس” ، وكل شاعر يــدلـي بــدلوه ، وبالصــورة التي يراهــا ويرسمهــا لبغــداد.
وقد لعبت ” قصــيدة بغــداد” للشاعر الفـلســطيني ســـميح القــاسم ، دورا رئيسياً ومؤثــرا في رســــم مديات موضوع ” ســقوط بغــداد” لأنهــا كانت الأجــرأ والأسبق في تـبيان الخلل السياسـي والأيديولوجي لحكام بغـــداد، من جــهة، ومن جهـة ثانية كان شكل القصــيدة ” عمــوديا” يتماهى فيه الشـــــــاعر ورح العصــر العبــا سي ، وكأنــه أحــد شعــراء تلك الفتــرة، ويربط ذلك بالواقــع الحالي وبحـــس جمـــا لــــي وسياسي مسؤول. ثمّ أنـّـه – أي القاسم- كتب القصـــيدة بعــد سقوط بغـــداد بأيـــام قليـــلة ، حيث لجـــّة الأحـداث بسقوط بغــداد، كانت دافعا قــويا لـه ، وقد عــبّر بهــا عن نفوس وحــناجر وأفــئدة المــــلاييـــــن من النــاس ، ومن هنــا كان انصـــباب دراستنا عليها – بشكل مستقل- أولا، ونشرها في عـدة أمكـــــــنة.
ثم أن هذه القصيدة حفّـزتنا لأن نجمــع ” قصــائد الموضوع” عبـر مساراتـه التــاريخــية، لاسيـــــما وان موضوع ” سقوط بغـــداد” يحتاج الى قراءة تاريخية وسياسية، وان للأدب موقفـــه في هذا الجانـــب ، اذ قريحة الشاعــر – في حالة الانفعال- أصدق تعـــبيرا من عـقلـــية السياسي المـراوغ في عبـاراتــه الدبلوماسية” وأيديولوجيته المخــادعـة ، ومن هذه الزاويــة ارتـأينا- نحـن الأدبـاء- أن نـؤرخ سـقوط بغـــــداد بشعرنا ، قبل غيرنا ، كي نلفت الانتباه الى مكر الأحـــداث قبل تشويههــــا على أيـدي السيـاسيّيــن ومؤرخي السلطات”، اذ أن حــكام بغـــداد السابقين لم يجــرؤوا على ” تقيّــيم السقوط” حتى هـــــــــذه اللّحــظة، وهذا يعني ” الهـــروب من المحاســبة التــاريخية”، رغم كون شواهــد الحدث لاتعد ولا تحصى ، والمسؤولية عليهم تبقــى أبـــلج من النهـــار.
ثم ألحقنا به قائمة لمصادر البحث ، في نهاية الكتاب .
* * *
8- الجــزء الثـامن ،حمل عـنوان ( ورّقـو بغــداد في العصر العبّـاسي ) .
* في – هذا الجزء – سلكنا طرقاً عديدة في البحث المنهجي، إذ تطلّب الأمر أن نقـتفيّ أثـر تلك ( الصناعة المتطورة – معرفياً ) ونتابعها منذ نشأتها مع حضارة الإسلام، وكيف بـدأ المسلمون في عملية ( الـتدوين القـرآني) بوصفه ( كتاب العرب الأوّل ) والذي يملك قدسيّـة دون سواه، ومن هـذا يكون الصحابي زيـد بن ثابت، هـو أوّل ورّاق في الإسلام . ومن ثم تابعنا مسارات ذلك التطور البطيء في هـذه الصناعة، الى أن شمخ العصر العباسي بتاريخه الثقافي والحضاري، مِمّـا استوجب الاهتمام الأقصى لمثل هـذه الصناعة ، فراح البغـداديّـون ، يتفـننون بها ، ويضعوا لها القـواعـد والأصول المعرفية ( لنسخ الكتب بشكل علمي )، مما جعل هـذه المهنة اختصاصاً للمثقفين، بشكلٍ أو بـآخر، ونظراً لكون الوراقين أصنافاً، مما يتوجب أن نقتفي أثر الأوائل في بعضها، لا سيما وراقو الحديث ، وهم أكبر صنف أو مجموعة تُرجم لها، حيث سرتُ معهم على منهج الخطيب البغدادي في “تاريخ بغـداد” مع بعض التحويرات البسيطة في الكنية واللقب، إذ اعتمدنا على الكنية أو اللقب الذي يعرف به الوراق أكثر من غيرها، وقد أخذنا بعين الاعتبار، عدم تكرار الكنى والألقاب لهم ، وهي كثيرة، لا سيما عند “المحمدين والأحمدين والعليين” فأغلب هؤلاء يشتركون بكنية “أبو بكر ، أبو محمد ، أبو اسماعيل ، ابو ابراهيم ، أبو الحسن” لذلك اعتمدنا في تصدير الترجمة لكل وراق، الاسم، أو اللقب، أو الكنية، التي لا يشترك فيها أكثر من واحد، هذا أوّلاً.
ثانياً: راعينا شهرة الوراق في علوم الحديث وتخصصه به، والمكان الذي عاش أو مات فيه، مع ذكر تاريخ ذلك.
ثالثاً: ركزنا على مسألة معرفية تخص “علم الحديث” في ترجمة كل وراق محدث، فأوضحنا كلمة “حدّث عن ، وسمع من ، وروى عن” لأنها إحدى الثوابت المنهجية في تراجم رجال الحديث، وأوردنا أسماء الذين حدثوا عنهم وسمعوا منهم، والذين رووا عنهم.
رابعاً: أوضحنا الأحاديث التي ذكر في سندها اسم المترجم له، وأوردناها كاملة، بعد تشذيبها من أسماء رواتها، وذكرنا موضوعها المنقول، جرياً على المنهج.
خامساً: ذكرنا بعض تفاصيل حياة المترجم له، على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي، وآراءه مؤلفاته، أو أثاره الأدبية.
سادساً: ذكرنا في الحاشية، أسماء المصادر التي تحدثت عنه، ورقم الترجمة، تسهيلاً لعودة المهتمين والباحثين اليها، وتحاشياً لمسألة اختلاف الطبعات.
أما فيما يخص الكتّاب والأدباء والشعراء، فكان رائدنا في المنهج “ياقوت الحموي” فقد سرنا على هداه في كتابه “معجم الأدباء”، لأنه يذكر حيثيات وتفصيلات دقيقة عن حياتهم، وهو الأمر الذي أبتغيه، في ترجماتي لهم، فأنا تهمني الحركة الداخلية للمترجـَم، بكل إيقاعاتها الدرامية ولا أخفي أمنيتي في “تلفــزة” هذا العمل.
ومن ناحية أخرى، كانت شخصيات هؤلاء من أكبر الدوافع والمحرضات على تطور الحضارة العربية – الإسلامية في العصر العباسي، ونظراً لأن أغلب هؤلاء كانت الستائر مسدلة دونهم، لذلك ارتأينا إبراز الجانب الاجتماعي والسياسي والثقافي في حياتهم لأنهم بناة حضارة حقا.
ومن هـذه الرؤية كانت موضوعات هـذا الجزء، مقسّـمة على الأبواب والفصول التالية :
آ – الباب الأول: ظهور مهنة الوراقة :
1- الفصل الأول: تمهيدات تاريخية.
2- الفصل الثاني: الورّاقون كصنف من الأصناف الإسلامية.
3- الفصل الثالث: تعريف الوراقة والورّاقين.
4- الفصل الرابع: أثمان النسخ والتجليد.
5- الفصل الخامس: النسخ والمقابلة عند الورّاقين – أو منهج الوراقــة.
6- الفصل السادس: أخــلاق الورّاقين.
7- الفصل السابع: مُعاناة الورّاقيــــن.
8- الفصل الثامن: الورّاقـون والسياسة.
9- الفصل التاسع: أصناف الورّاقيــن.
ب – الباب الثاني: سوق الورّاقين.
1- الفصل الأول: معنى السوق وأهميته.
2- الفصل الثاني: موقع سوق الورّاقين.
3- الفصل الثالث: روّاد سـوق الورّاقيـن.
4- الفصل الرابع: كيفيـّة بيع الكتب في سوق الورّاقـين.
5- الفصل الخامس: مجالس العلماء في سوق الورّاقـين.
ج – البـاب الثالث : أعـــــلام الوراقين .
1- مقدمة الموضوع.
2- الفصل الأول: المسـتـمـلــــــون.
3- الفصل الثاني: وَرّاقــو الحــديـث.
4- الفصل الثالث: الوَرّاقون العُلماء.
5- الفصل الرابع: الوَرّاقون الأُدبـاء.
6- الفصل الخامس: الوَرّاقون الشعــراء.
7- الفصل السادس: الوَرّاقون النَسّاخون.
8- الفصل السابع: وَرّاقو العلماء والأدباء والوزراء.
9- الفصل الثامن: الوَرّاقــون الدَلاّلـون.
10- الفصل التاسع: الوَرّاقون القُضـاة.
11- الفصل العاشر: الوَرّاقــون الفولكلوريون.
12- الفصل الحادي عشر: النسـاء الوَرّاقـــات.
* * *
9- الجـزء التـاسـع – حمل عـنوان ( متـرجمـو بغـداد في العصر العبّـاسي ) ج 9 .
عـندما أصبح للعرب دولة وحضارة عُرِفت باسم ( الحضارة العربية – الإسلامية ) أصبح من اللاّزم لهـذه الحضارة أن تتلاقح مع حضارات العالم الآخر المحيطةِ بحياضه، والمجاورة له . فقـد كانت الامتدادات الجغرافية بين جزيرة العرب وبلاد فارس، وأرض الهـند والصين وبلاد اليونان، تتـواصل من خلال التجـارة وطرق القـوافل، و (طريق الحريـر) أوضح دليل على هـذا التلاقح الثقافي. هـذا على مستوى التجارة والاقتصاد، وهو الأمر الذي فرض على العرب لأن يتعلّـموا لغـة هـذه الحضارات، كي يستمرّوا معها في التجارة والاقتصاد، في حالات السِلم والحرب .
وحلقـة هـذا التواصل تفترض وجود ( ثقـافة مشتركة ) تتبيّـن من خلالها كافة الأطراف معرفة بعضها البعض، وشكل التعامل معـه، فـكان أدلاّء القـوافل، وبعض مِمّـن يحسنون اللّـسان الرومي أو البيزنطي أو الفارسي أو الهـندي أو الصيني أو غيرها، هُـم الحلقـة الأولى في هـذه ( الثقـافة المشتركة ).
كان هـذا في البدايات الأولى لظهور العرب قبل الإسلام، على مسرح الحياة السياسية في الجزيرة العربية . وحين رست أُسس الدولة الإسلامية، أصبح مفهوم ( الثقافة المشتركة ) يحتاج الى ( وسيط رسمي ) يمثّـل رؤية هـذه الدولة، فأصبحت مسألة ( وجـود المترجم ) من الضرورات السياسية والإدارية في كيان الدولة العربية – الإسلامية، وبالتالي أصبحت ( وظيفة المترجم ) وظيفة رسمية، وبحدود معينة .
وهـذا يعني، أن البـدايات الأولى للمترجم، لم تكن لـدوافع الإبـداع، بل لضرورات سياسية وإدارية، تخـدم كيان الدولة ( الخـلافـة ) وبشكلٍ محدود .
* ثمّـةَ إشارة ذكيّـة يوردها ابن خـلدون في ( مقدّمتهِ ) تشير الى أن (هُـناك صلات استدعت التعرّف على لغـة الغير واستخدامها بالنقل والترجمة) وأشار أيضاً الى ( وجود المترجم عـدي بن زيـد العِـبادي، الذي كان من تراجمة أبـرويز الفارسي، وان أباه كان شاعراً وخطيباً وقارئاً كـتاب الفرس ) .
وثمةَ أمرٍ هـام ، على الصعيد السياسي والثقافي، هـو وجود عـلاقة روحية وثقافية بين اليـونان والسـريان المتواجدين في الجزيرة العربية، مهّـدوا ثقـافياً لأن تكون لغتهم السريانية هي ( الوسيط الأول ) الذي يمكن اعتماده لمعرفة ثقافة اليونان ولغتهم من قبل العرب، أو لمعرفة اليونانيين لثقافة العرب ولغتهم، وكانت هـذه العلاقة موجودة قبل ان تقوم العـلاقة الرسمية بين الدولة العربية واليـونان .
* وهـناك مسألة أخرى نشّـطت معرفة الثقافات الأخرى غير العربية ، هـي الاعتقادات الدينية ، ولا سيـما (العقيدة النصرانية ) حيث أن الوجود المسيحي في أرض الجزيرة العربية كان واضحاً قبل مجيء الإسلام وهـذا يعني أن هُـناك جـدلاً سيحدث بين الفكر الإسلامي والفكر المسيحي، وهـو ما كان فعلاً، مِمّـا فرض على المتجادلين أن يكون هـناك ( وسيطاً لغـويّـاً ) بغية معرفة هـذه الأبعـاد العقـدية، فنشطت الترجمة من اللّغة اليونانية الى اللّغة السريانية، لا سيما بعـد أن ظهرت ( الطوائف المسيحية ) وبـدأت ( تقـرأ ) تراث المسيح ضمن رؤاها العقدية، فيما يخص ( طبيعة السيد المسيح ع )، وكان لظهـور الراهب نسطوريس أو نسطور ( نحو 380 – 451 م ) في أنطاكيا، حيث كان أسقفـاً للقسطنطينية، وقـد أشهر اعتقاداته المخالفة للكاثوليكية، إذ كان يرى ( بـإقـنومين للسيد المسيح وأمّـه ) فنفي الى مصر، وتجمّـع أتباعه (النسطوريين) في ( الرُهـا ) وهي مدينة بالجزيرة بين الموصل والشـام ، ممّـا شكّلَ أُسّـاً صلباً لوجود (مدرسة الرُهـا) التي أرست قواعـد واصول الترجمة للسريان والتعلّم من اللّـغة اليونانية .
لم يكن الاهتمام بالفلسفة اليونانية إلاّ وسيلة لإثـراء الجـدل الدائر بين الفِـرَق المسيحية حول ( طبيعة السيد المسيح) عندما وجـدَ اليعـاقبـة في كتب أرسطو طاليس، وكتب ثـيودورس المسيحي أكبر نصير يشد عضدهم في المسائل اللاّهـوتية .
كل هذه الأمور جعلت من اللّـغـة السريانية أن تفرض نفسها لتكون ( الوسيط الثقافي ) بين الكثير من لغات العالم الذي كان يحيط بالجزيرة العربية .
وكما أشرنا سابقاً من أن الجـدل الديني بين أبناء المسيحية والإسلام سيفرض نفسه بين معتنقي الديانتين، فـراح الطرفان يفاعلون الاحتكاك بين ثقافتيهم المتغايرة،، بغية تسعير النقاش حول (كـنه الله وكنـه المسيح) لذلك لجـأ علماء الإسلام ، من فقهاء الكـلام والفلسفة الى النظريات اليونانية، بغية ادراك مكنونها، كي يسهّـل عليهم الأمر للدفاع عن عقيدهم الدينية .
وعـندما استقرّت الدولة العباسية، بعـد بناء بغـداد عام 145 هـ ، بـدأ الخلفاء العباسيين بالاهتمام المضطرد للترجمة، وراحوا يشجعون على حركة النقل والترجمة، وحاثّـين مختلف الأقـوام من نصارى ويهود وصابئة على النقل، وبذلوا الأموال الطائلة في سبيل ذلك .
ومن جهة أخرى ، أرادت الخلافة العباسية أن تتجاوز تركة الثقافة الأموية المبنيّـة على سيادة العنصر العربي في كافة شؤون الدولة، ولذلك جاء العباسيّون ببـدائل ثقافية أخرى ، جعلت من كل الشعوب والقوميات أن تشارك في بناء الدولة ، واعتمدت كثيراً على هـؤلاء في مسألة النقل والترجمة من لُـغاتهم الأم الى العربية، وفتحت أبواب الفكر والثقافة على مختلف النظريات الفلسفية، وسادت حريّـة الفكر، ممّـا أعطى دافعاً قـويّـاً الى التراجمة والنقلة لأن يبدعوا في مختلف العلوم الطبيّة والفلسفية والرياضية والفلك، وهـم ينقلونها من اليونانية أو الهندية أو الفارسية، فنشطت الترجمة، ونشطت معها بقية أركان الثقافة، لا سيما مهنة الوراقـة والتأليف، فأصبحت بغـداد مدينة العِلم التي لا تضاهيها مدينة اسلامية أخرى .
* حينما تسنّـم المـأمون مقاليد الخلافة العباسية سنة (198هـ / 813م) كان أول عملٍ قام بهِ ، جعل الترجمة عملاً مؤسّـساتياً ، وذلك عندما طوّر ( بيت الحكمة) وحوّلها الى مؤسسة ثقافية ترتبط بالدولة، وبهِ شخصيّاً، وذلك ( إثـرَ حُلُمٍ طرى عليه في اللّـيل ورأى فيه أرسطو طاليس يحاوره ) ممّـا استوجب ان يوفـد الى بلاد الروم وفـداً علمياً لجلب مؤلّـفات أشهر الفلاسفة الإغريق، وأوعـز بنقلها الى اللّـسان العربي
وحقّـاً يعتبر عصر المـأمون، هـو أرقى العصور في منحاه الثقافي، ولا سيما لحركة النقل والترجمة، إذ أنّـه وظّف المترجمين في مؤسسة الدولة ( بيت الحكمة ) ووضع على رأس هـذه المؤسسة أكـفأ العلماء والمترجمين، حتى أن الترجمة كانت تُجرى بست لغـات ، ومترجمين أفـذاذ ساهموا بخلق الإبـداع في الترجمة، وكـان حنين بن اسحاق، واحدٌ ممّـن شهد له العصر العباسي في تفوّقه في الطب والترجمة .
وإلى جانب حنين بن اسحاق، وظّف المأمون أكثر من ( 50 مترجماً ) في بيت الحكمة، وفي كافة الاختصاصات العلمية والأدبية، وأنشأ مرصداً فلكياً فيها، ومكتبةُ تُـعـد من كُبريات المكتبات في الإسلام.
لقـد تأصّلت في زمن المـأمون وما تلاه، أساسيّـات فـن الترجمة، حيث أصبحت تخضع ( المُتَرجَمات ) الى المراجعة والتدقيق، كل حسب اختصاصه العلمي، ومن ثم أُوجدت اللّـغـة الوسيطة للنقل، كالسريانية، ومن ثم حلّت العربية مكانها، بعـد أن اتقـن جيل المترجمين العرب لغـة اليونان وغـيرهم .
* لقـد كان قـلق الإبـداع في الترجمة، هـاجسٌ يـؤرّق أبرز المترجمين الذين تسلّموا مسؤولية ( بيت الحكمة) وأقصد، حنين بن اسحاق .
إن الثقـافة العربية – الإسلامية بـرمّـتها مُـدانة الى حنين بن اسحاق، لما قام بهِ من ترجمات العلوم اليونانية الى اللّغـة السريانية والعربية، وخلق فريقـاً من المترجمين، يسير على هُـداه وابـداعه في الترجمة، عندما أبـدع اسلوب الترجمة الحديث، حيث أبطل ( اسلوب النقل الحرفي ، وأبدله بترجمة المعنى للجملة ) ممّا قفز بفـن الترجمة الى المعاصرة، وظلّ هـذا الأسلوب سائداً حتى هـذه اللحظة، وقـد شهد العالم له بالفضل والإبداع، وجودة الأسلوب، حيث بلغت ترجماته ( 260 كتاباً ، ومؤلّـفاته 115 كتاباً ) إضافة الى اشرافه واصلاحاته على ترجمات الآخرين .
* إن مدرسة حنين بن اسحاق في الترجمة، هي أوّل من جسّـر الهوة الثقافية بين الشرق والغرب، وجعلت عملية التواصل منظوراً ثقافياً في خدمة الأمم .
* إن المحرّض الأرأس الذي دفعني لكتابة هـذا العمل كان حنين بن اسحاق أولاً ، وثانياً ، اهتمامي الخاص بثقافة العصر العباسي وما أنتجته بغـداد من ابداعات في مختلف المناحي الثقافية، إضافة الى أني أردت ان يكون للترجمة الحضور الفاعل والمميّز في موسوعتي هـذه التي أشتغل عليها منذ أكثر من ثلاثة عقـود ونصف.
وعلى العموم، فرضت علينا ( منهجية البحث ) أن نقسّم العمل الى الأبواب والفصول التالية :
آ – المقـدمة :
ب- البـاب الأول : العصر العباسي، حـالة الإبـداع الناهضة .
1- الفصل الأول : الحالة الثقـافية للعصر العباسي، وبروز الحاجة الى الترجمة .
2- الفصل الثاني: مفهـوم الترجمة والنقـل ومراحلها التـاريخية .
3- الفصل الثالث: أهـمية السـريان في الحضارة العربية – الإسـلامية
ج – البـاب الثـاني : دار الحكـمة في العصر العباسي .
1- الفصل الأول :أهمية دار الحكمة في بغـداد في العصر العباسي .
2- الفصل الثاني: بيت الحكمة، بوصفها مؤسسة ثقافية حكوميّـة .
3- الفصل الثالث: المترجمون والكُـتّـاب الذين ترأسوا بيت الحكمة.
4- الفصل الرابع: أشهر المترجمين الذين عملــوا في بيت الحكمة.
5- الفصل الخامس :أشهر النصوص التي تُرجمت في بيت الحكمة.
د – الباب الثـالث : حنين بن اسحاق – الترجمة المبدعـة في العصر العباسي .
1- الفصل الأول : حنين بن اسحاق بين الواقع الاجتماعي والطموح القَـلِق .
2- الفصل الثاني: منهـج حنين بن اسحـاق في الترجمة.
3- الفصل الثالث: مؤلّـفات ومترجمات حنين بن اسحاق.
4- الفصل الرابع: أهميـة حنين بن اسحاق على التراث العالمي .
5- الفصل الخامس : حنين بن اسحاق – النهاية المفجعـة للمفكّـر المبدع .
هـ – الباب الخـامس : أعــــلام المتـرجمـين .
و – الخـلاصة والاستنتاجات .
ز – أسماء المصادر والمراجع .
* * * يتبع