من مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .
د.خيرالله سعيد
أحـزاب المعارضة السياسية في العصر العبّـاسي . ح29
16- الجزء السادس عشر، حمل عنوان ( أحزاب المعارضة السياسية في بغـداد في العصر العباسي ) ج16
* إن هـذا الجزء والذي يليه وما بعـده – أي ج 16 و 17 و 18 – تشكل هـذه الأجزاء بمجموعها ما أطلقنا عليه تسمية ( أحزاب المعارضة السياسية في بغـداد في العصر العباسي ) لأنها جميعاً تشكل ظاهرة سياسية مألوفة – وقتـذاك – ولذلك وضعناها بالترتيب ، بغية أن يكون ( المنهج المعرفي ) الذي وضعناه في دراسة هـذه الظاهرة، يكشف حالة هـذا الحراك ، من جهة، ومن جهة ثانية، يبرز مديات العقل العربي في مسـألة ( أسبقية التشكيلات السياسية الحزبية ) في الثقافة العربية – الإسـلامية .
وفي هـذا الجزء 16 ( احزاب المعارضة الشيعية ) :
* عندما أنجزت كتابي ( عمل الدعاة الإسلاميين في العصر العبّاسي ) وطبع عام 1993م بدمشق، كنتُ قد أجّلت الخوض في مسألة المعارضة السياسية الشيعية في العصر العباسي، لأنها من السِعةِ بمكان ، لا يسعها باباً واحداً في ذلك العمل، كما أن سياقات عملها التنظيمي والفكري، تفرض على الباحث دراســة (الأصول الشيعية ) في هذا المجال، ولا يصح الاعتماد على ما كتبهُ المؤرخون والنُقّـاد بهذا الشأن ، لأن ذلك يفقد الباحث صدقية حكمهِ على الظاهرة التي يدرسها، وهي العُقـدة التي كنتُ أدركها جيداً، لذلك أغضيت الطرفَ عنها في ذلك الوقت، لكن قلق الفكرة، ظلّ يلازمني طوال هذه الفترة، رغم أنّي نحيت بدراساتي التراثية نحو الأدب اكثر منه الى دراسة العقائد والأفكار في التراث العربي – الإسلامي .
في عام 2012م ، وصلني كتاب علاّمة العراق الراحل د. جواد علي ( المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية ) مُترجماً من اللغة الألمانية ، لأنه بالأساس كان اطروحته للدكتوراه عام 1939م، والأطروحة مُقدّمة باللّغة الألمانية .
ونظراً لأهمية الدراسة وخطورتها ، لم يجرؤ د. جواد علي على نشرها باللغة العربية أو ترجمتها – وقتذاك- وظلّ كتوماً عليها حتى وافاه الأجل عام 1987م، وبعد ما يقارب العقدين من الزمن على وفاتهِ، نشر العمل باللّغة العربية عام 2007م من قبل دار الجمل في ألمانيا
وأهمية العمل تكمن في كونهِ يفكّك الرؤى الشيعية التي بُنيت على الخرافة والأسطورة، ضمن منهج جدلي، ويعتمد في ذلك على مصادر الشيعة نفسها، وهو الأمر الذي حدا بي لأن أُتابع خُطاه في عملية قراءة الفكر الشيعي من مصادرهِ الأصلية، دون الانحياز الى آراء المعادين لهم أو المتضامنين معهم، وبدأت بشكل هادئ، أربط بين الحركات الفكرية والسياسية التي كانت قائمة في العصر العباسي، لا سيما وان المعتزلة واخوان الصفاء والقدرية وغيرها من المذاهب والفِرق الاسلامية . فتكوّنت لدي مجموعة من الرؤى والأفكار، راحت تحفّزني للكتابة عن الموضوع ، لا سيما وأنّي أوشكت ان أُنهي هذه الموسوعـة ..
ونظراً لخطورة المسـألة الطائفية السائدة الان في العالم العربي، وأهمية دراسة مثل هذه الظواهر الخطيرة في العالم الاسلامي ، حاولت جهدي أن أكون موضوعيّاً أكثر من اللاّزم في اعتمادي على المصادر الشيعية التي تناولت ظاهرة ( الشيعة الاثني عشرية ) بوصفهم أبرز الحركات والفِرق الاسلامية المعارضة لبني العبّاس، منذ ذلك الأوان وحتى اللّحظة الراهنة. وكنتُ أسير على ( منهج جـواد علي ) في قراءتهِ لهم ، بكتابهِ أعلاه ، مع الفارق بالنظرة والتحليل ، فلكلٍّ منّـا نظرتهِ ورؤاه، ولكن ( المصدرية الهامة ) في تتبّع أسرار الموضوع، من كافة زواياه، كنتُ أحذو حذو النعلِ معه فيها، لأنه أعطاني (المفتاح المعرفي) لقراءة أسرارهم، من خلال تلك المصدرية الهائلة ، التي رجع إليها في تقصّيه لظاهرة ( المهدي المنتظر) عند الشيعة الاثني عشرية، واستخلاص النتيجة والحكم عليها ، ممّا ألزمني بالعودة إليها ، ولا أخفي سِـرّاً عندما اقول ، بأن جواد علي كان منهاجاً لي ، ودليل عملٍ ، قادني حتى النهاية في انجاز هذا العمل، فلهُ كل الفضلِ في ذلك .
ومن الناحية الأخرى ، في السياق الأكاديمي للبحث، أصبحتُ مضطرّاً لمخالفة د. جواد علي في سياقات الموضوع ، لأنه (ركّز على شخصية المهدي المنتظر) بوصفهِ نقطة جوهرية في اعتقاد الشيعة الاثني عشرية، لكنّي توسعت في الموضوع لقراءة كل العقل الشيعي، الذي أوجد شخصية المهدي المنتظر، ونظّرَ لها وجعلها (عقيدة ثابته) في مذهبهم، ومن ناحية أخرى، ذهبت أبعد من جواد علي في القراءة، وذلك من خلال متابعتي لرجال الدين الشيعة ، أو ما يعرف بـ ( الفقهـاء) الذين وضعوا ( علم الكلام الشيعي ) وأسّسوا ( نظريات فكرية – مذهبية ) اثّـروا فيها على الأتباع الشيعة بشكل عاطفي، أكثر منه فكريّاً، حتى تسلّلت الخرافة والأسطورة إلى عقائدهم بشكلٍ ملحوظ، منذ ما يعرف بـ ( الغيبة الكُبرى) للإمام المنتظر عام 329هـ، وصار رجل الدين هـو المرجعية والمصدر، وهو النائب عن الإمام بالضرورة العقدية –المذهبية، مِمّا خلّف انعكاسات سلبية كبيرة على الأتباع الشيعة ، حيث انهم رهنوا عقلهم بيد رجل الدين ، حتى اللحظة الراهنة ، الأمر الذي يؤسّس الى منظور فكري جديد في العقائد الإسلامية .
تلك الإشارات النظرية والتاريخية، في سياق المذهب الاثني عشري، حتّمت عليَّ أن أتوسّع بعض الشيء في معرفة جذور تفكيرهم العقدي ومساراتهِ التاريخية، والمؤثرات (الخارجية) على هذا التفكير، ضمن محمولاتٍ ثقافية اخرى، فعلت فعلها في الفكر الشيعي الاسلامي، والذي انطلـق عـربيّاً في بداياتـهِ، إلاّ ان ( تنصيب السفير الثالث الحسين بن نوح النوبختي عام 304هـ ) امر له مردودهِ السلبي على العقيدة الشيعية، حيث ان ( منصب السفير) هـو أخطر حلقة في هرمية التنظيم الشيعي ، من الناحية الفكرية والتنظيمية، ونظراً لكون ( السفراء الأربعة ) هُـم المخوّلون ( بالنطقِ عن الإمام الغائب ) فيكون كلامهم من القدسية بمكان لا يمكن الاعتراض عليه، ومن هنا تسلّلت الأفكار الغريبة على المذهب الشيعي، حيث ان السفير مأذون له بما يراه حول قضايا الفكر والمذهب، بوصفهِ ( ناقلاً ) الكلام عن الإمام الغائب ، وهذا الإشكال الفكري، فَـرّضَ عليَّ – منهجياً- أن أتابع حركة ( السفراء الأربعة ) وأرصد كل حركاتهم التنظيمية والفكرية، وقد بـدا لي أن ( هؤلاء السفراء) هُـم ( منظمون ) أكثر منهم قادة فكر، لأننا لم نشهد لهم بانّـهم قد ألفوا الكتب ، كي تكون مرجعاً للأتباع، بعكس نظرائهم من المذاهب الإسلامية الأخرى، الذين الّـفوا الكتب والرسائل لأتباع مذاهبهم، وهذه المسألة، أوضحت لنا أن ( رجال الدين الشيعة ) كانوا قد أحكموا سيطرتهم على ( العقـل الشيعي ) من خلال هؤلاء السفراء ونـوّابهم، بحيث انّـهم حلّـوا محل الإمام الغائب، وجرّدوه من سلطتهِ الروحية، وأبقـوه رمـزاً دينيّـاً فقط ،، رغم أن الإمام الغائب، كان قد انهى سلطة السفير، عقب موت السفير الرابع عام 329هـ ، لكن رجـال الدين ، شكّـكوا بصحّة ( التوقيع ) وظلّوا محافظين على سلطتهم الروحية على الأتباع، حتى يوم الناس هـذا . ولهذا كان من المنطقي أن تظهر نظرية ( ولايـة الفقيه ) عند أحد أبرز رجال الدين الشيعة المعاصرين ( الخميني ) لأن الأتباع في هذا المذهب كانوا قد أعطوا السلطة المطلقة لرجال الدين لأن يفكروا عنهم ( بالنيابة ) لذلك وضعهم هؤلاء في دهاليز الفكر الغيبي.
* سعة موضوعات المعارضة الشيعية، تتطلّب الإحاطة التامة ، بكل تفاصيلها وأجزائها، مِمّـا حدا بنا لأن نوزّع العمل على خمسة أبواب رئيسية، كل بابٍ اشتمل على عِـدّة فصول، مع خلاصة واستنتاجات، تعطي للقارئ تصوراً للحُكمِ على العمل بصورة ملخّصةٍ، وهذا الأمر لا يمنع من الاطلاع على العمل بشكلٍ مفصّل، حيث هناك ( أشياء ) سيطّلع عليها القارئ من خلال السطور الغير منظورة في الفصول والأبواب، ثم أسردنا قائمة طويلة بالمصادر والمراجع ، التي استخدمناها في هذا العمل، وكانت الأبواب مفصّلة على النحو التالي :
الباب الأول : كان مخصّصاً للمعارضة الشيعية ، وقد اشتمل على فصلين :
الفصل الأول : معنى الشيعة وتعريفها . حيث حاولنا فيه أن نجد الدال و المدلول على المصطلح، وفق التعريفات اللّغوية العامة، ومن ثم دلالاتها في الوعي الشيعي .
الفصل الثاني : فـِرق الشيعة . حيث قدّمنا فيه اهم فِرق الشيعة وبدايات نشأتها، واهم أسماؤها ، وسياقات ظهورها الزمني .
الفصل الثالث : نظرية الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية . حيث جرى الحديث فيه عن مرتكزات هذه الفرقة ، بوصفها أكبر الفِرق الشيعية .
البـاب الثاني : خصّصناه للحديث عن : أحزاب المعارضة الشيعية الاثني عشرية . وقسمناه على الفصول التالية :
الفصل الأول: مقدمات نظرية حول مفهوم الإمامة . حيث قدّمنا منطلقات نظرية حول هذا المفهوم .
الفصل الثاني : الفِـرق الإسلامية ومفهوم الإمامة . عند مختلف الفِرق الإسلامية، وشكل الاختلاف المذهبي العقدي عند الشيعة الاثني عشرية، واختلافها عند بقية المذاهب الإسلامية الأخرى ، بما فيها بعض فِـرق الشيعة نفسها .
الباب الثـالث : أخذ عنواناً رئيسياً تحت مُسمّـى ( المهدي المنتظر – الوهم الذي أصبح حقيقة ) وهو عنوان يحفّز على الاستقراء واستنباط دقّـتهِ النظريــة، التي جاءت بها الشيعة الاثني عشريـة، وخلقـت (مهـديها المنتظر) ضمن رؤيتها الخاصة، وقد أسّست لهذه (النظرية) برواياتٍ عـديدةٍ ، اختلفنا معها بالرؤية والاستنتاج ، بعد أن قرأناها من الجذور، وفق ما جاءت به المدونات الشيعية حصراً، ومن مصادرهم المُعتمدة في هذه المسألة الإشكالية بتاريخيتها ووجودهـا، وقد قسّمنا هذا الباب على النحو التالي:
الفصل الأول: من هـو المهـدي المنتظر ؟ . حيث أوجدنا اسمهُ ونَـسَبَه ، وفق المعطيات الشيعية الواردة في مصادر ترجمتهِ في المضان الشيعية .
الفصل الثاني: حياة المهدي المنتظر . وقد سلطنا الضوء في هذا الفصل على حياتهِ ، منذ الطفولة وحتى غيبتيه الصغرى والكبرى .
الفصل الثالث: عِـلم الكـلام الشيعي . أو المنظومة الفكرية، التي أوجدها عُلماء الشيعة، وبنوا عليها منطلقاتهم النظرية، التي أسّسوا على ضوؤها مذهبهم الاٌثني عشري .
الفصل الـرابع: الـدُعاة الشيعة الكِـبار لدى الشيعة الاثني عشرية. حيث استعرضنا أهم الأسماء لهؤلاء الدعاة العلماء الذين بُـنيت على كواهلهم أساسيّـات المذهب من الناحية الفكرية ، وكيف اختلف البعض منهم حول المنطلقات النظرية، مِمّا ادى الى إقصائهم، ولعنهم، والتبريء منهم .
البـاب الـرابع : خصّصناهُ الى ( سفراء الإمام المهـدي) بوصفهم الحلقة الأخطر في كل بنيان الحركة الشيعية، وكيف استطاع هؤلاء من بسطِ هيمنتهم على كل مقدرات الفكر الشيعي، وأسّسوا الى ( مرجعية رجل الدين الشيعي )، ومنهم ظهر ( التقليد الشيعي ) وغيرها من الأمور النظرية، وقـد قسّمنا العمل في هذا الباب على ستة فصول هي :
الفصل الأول : السفير الأول، أبو عمر عثمان بن سعيد العُمري . وتحدثنا فيهِ عن أهمية هذا السفير وتفانيه في الدعوة، ونجاحه المستمر في أداء مهامه، وكان مخلصاً ( للإمام الغائب ) .
الفصل الثـاني : السفير الثاني – جعفر بن عثمان بن سعيد العُمري، وهو ابن السفير الأول، وقد حدثت اشكالات حول سفارتهِ، كونهِ ( ورث ) السفارة عن أبيه، ممّا خلق أموراً سلبيةً على صعيد التنظيم الشيعي، وعلى الحالة الفكرية أيضاً .
الفصل الثـالث: السفير الثـالث – أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، وفي زمنهِ بدأ النفوذ الفارسي بالتسلّل الى ( المذهب الشيعي ).
الفصل الرابع: السفير الرابع – علي بن محمد السُّمري، وكان آخر السفراء في زمن ( الغيبة الصغرى) وبوفاتهِ انتهت ولاية رجال الدين على الشيعة الأتباع، بناءً على ( تـوقيـع ) أرسله الإمام المختفي – المهدي المنتظر.
الفصل الخامس: الـوكــــلاء . وهم حلقة عُـليا في تراتب الدعوة الشيعية، وكان لهم دوراً بارزاً في ( جمع الأموال) من زكاةٍ وخمس، وإرسالها الى ( الإمام المختفي ) وهذه المسألة خلقت اشكالات كُبرى، اختلف فيها دُعاة المذهب الكِبار، وسبّبت إقصاءً وطرداً ولعنةً وتبرأةً منهم .
الفصل السادس: رجال الدين لن يتخلّوا عن سلطتهم . عالجنا في هذا الفصل، كيف ان كبار رجال المذهب شَكّكـوا في ( التوقيع ) الذي أرسله ( الإمام المختفي – المهدي) الى السفير الرابع، بإنهاء مهام السفراء، وبداية ( الغيبة الكبرى) فابتدعـوا مقولة ( أن الأرض لا تخلوا من إمام الزمـان) ، وهم بهذا الشعار خالفوا يشكلٍ واضحٍ ( توقيع الإمام بإنهاء السفارة ) ومن ثم بـدأوا بتوطيد سلطتهم الروحية على الأتباع، حتى هذه الساعة .
البـاب الخامـس: حمل عنـوان : ( العقـل الشيعي وحكومة المهدي المنتظر )، وقد عالجنا فيه المنطلقات النظرية التي بنى عليها رجال الدين الشيعة أساسيّات مذهبهم الاثني عشري، وكيف أدخلوا ( الأساطير والخرافات ) في بُنيتهِ الفكرية، وكيف اصبحت هذه الأساطير مُسلماتٍ عقدية عند اتباع المذهب، ولذلك قسّمنا هذا الباب الى الفصول الثلاثة التالية :
الفصل الأول: مفهـوم العقل عند العُلماء ، وقد استعرضنا فيه الرؤى الفلسفية لتحديد مفهوم العقل في مختلف المدارس الفكرية، ومفهوم العقل ورؤيته عند علماء الشيعة .
الفصل الثاني : العقـل عـند الشيعة ، وقد عرضنا فيه رؤى أبرز علماء الشيعة – القُـدماء والمحدثين – حول تحديد ماهيته .
الفصل الثالث: دولة المهدي المنتظر، وقد استعرضنا وحلّلنا الأساطيـر التي جاءت بكتب الشيعـة حــول (الكيفية التي يقوم بها الإمام المهدي حكومته ) وكيف يعيد الحقّ للشيعة .
* الفـترة الزمنية المدروسة :
ضمن المنهج الذي رسمناه لعملنا، وكونه ينطلق من العصر العباسي، أي منذ سنة 132هـ / 750م ، إلاّ أن التأسيس للمذاهب الشيعية كانت تشير الى بدايات الخلاف عند المسلمين بعد وفاة النبي محمد(ص) عام 11هـ/632م ، لذلك جرت (إشارات وإحالات ) في بعض الأبواب والفصول حول هذا التأريخ، باعتباره يؤسّس الى ( التكوين الشيعي ) كحالة اجتماعية – سياسية، قبل ان يتأسّس المذهب الشيعي في العصر العبّاسي في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي .
ولذا فإن البدايات الحقيقية لتأسيس المذاهب الشيعية، تكون حصراً في العصر العباسي، حيث بدأ التـدوين، وظهرت المذاهب والفِـرق الإسلامية، التي أوجدت لها ( نظريات أيديولوجية ) تؤسّس الى وجهات نظرها المذهبية، ومن ثم برزت الأفكار الشيعية منذ ذلك الوقت، ولذلك بدأت تـُرسّخ مفاهيمها العقدية حتى بعد سقوط بغـداد على يد المغول والتتر عام 656هـ / 1258م ، بالرغمِ من أن فترة بداية ( الغيبة الكبرى) التي تشير الى اختفاء الإمام المهدي الى الأبد عام 329هـ، إلاّ أن رجالات الفكر الشيعي، ظلّوا متمسكين بعـودة (الإمام الغائب) حتى الساعة، ممّا فرضَ علينا أن نناقش بعض آرائهم الفقهية، رغـم أن مسارات (المجتهدين الشيعة ) ظلّت مستمرّة حتى القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، على اعتبار أن المحقّـق الأربيلي ، أدخل الاجتهاد على الفقـه الشيعي، وأسّسَ مدرستهِ العقلية مبنيةً على ( الكتاب والسُنّـة والإجماع والعقـل ) الأمر الذي فرض علينا متابعة مسارات هذا التطور في تلك المدرسة الشيعية وما آلت اليه، حتى مررنا مرور الكرام بالذكرِ (لنظرية ولاية الفقيه) كونها امتداداً لتلك المدرسة الفقهية الشيعية .
* أهميـة العَـمل :
إن المسارات السياسية والفكرية التي تطرّقنا إليها بالمعالجة والتحليل والتقصّي والتدقيق على مسارات الحركة الشيعية، وفق مصادرها هي، أوضحت لدينا أموراً عِـدّة، منها :
1- إن السلطة الروحية للأئمة ، تتجاوز أي سلطة اخرى موازية لها، وبنفس الوقت هي ( توازي السلطة النبوية) من حيث رمزيتها والتمسّك بها، وبالتالي أن كل الحكومات الإسلامية السابقة هي باطلة في نظرهم، لآنها لم تكن تحت قيادة الأئمة الاثني عشرية .
2- أوضحت هذه الدراسة، أن ( الرمز المقدّس ) عند الشيعة بني على اساس الانتماء الى ( الأئمة من ابناء علي بن ابي طالب من نسلِ فاطمة حصراً ) وعليه يكون ( التقديس ) لهؤلاء الأئمة فقط، حسب ( نظرية الإمامة) عندهم .
3- كشفت هذه الدراسة عن ( آلـية العقـل ) التي يسيّر بها أئمة الشيعة أتباعهم، ضمن منظورٍ اسطوري، ملئ بالخرافات التي نسجت حول ( إمام الزمان – المهدي المنتظر) ممّا أسقط الكثير من رصانة الفكر عندهم .
4- أوضحت هذه الدراسة أيضاً ، تأثير رجالات الفكر الشيعية على أتباع المذهب، وربطهم بدائرة ( الوهم المقدّس ) الذي هُـم صاغوه وخدعوا بهِ الأتباع، حفاظاً على مصالحهم الشخصية .
5- استطاع رجال الدين الشيعة في زمن الغيبة الكبرى والصغرى، من تحيّيد سلطة الإمام ، وجعلهِ يقبل برمزية ( المقدّس ) عند الأتباع، ومن ثم آلـت اليهم السلطة الروحية على الأتباع حتى هذه الساعة .
6- كشفت هذه الدراسة من أن أئمة المذهب الشيعي، لم يكونوا بمستوى شعبية المذهب واتساعه، من الناحية الفكرية، فلم نعثر على أي ( نظرية فكرية ) لديهم، تشكّل مرجعية علمية تقارن مع النظريات الفلسفية التي كانت مطروحة في زمنهم، ولم يكن لديهم باعٌ في التأليف للكتب والمصادر، وقد كان لفقهاء الشيعة الدور البارز في ذلك، بمعنى أن ( فقهاء علم الكلام الشيعي ) هُـم أثقف بكثير من أئمتهم، واكتفى الأئمة بعبارة (أنهم ورثة علم الأنبياء) .
7- كشفت الدراسة عن خُمولٍ ذهني واسع عند عامة الشيعة، بحيث انهم يقبلون ايَّ فكرةٍ تصدر عن رجل الدين، عندما يسندها الى انها ( من وصايا الأئمة وبُناة افكارهم ) .
8- أظهرت الدراسة ان ( مسألة التقليد ) لرجل الدين، هي بمثابة تسطيح والغاء للعقل عند الأتباع .
* وهناك أمور أخرى، سوف يعثر عليها الدارس الواعي .
في الختام نقول : تلك هي قراءتنا لمسار حركة الشيعة الاثني عشرية، وقـد نكون على خطأ أو صواب في استنتاجاتنا، ولا نـدّعي الكمال، سوى اننا أعمَلنا العقـل في دراسة التراث الشيعي، ولكل مجتهـدٍ نصيب . .
* * *
17- الجزء السـابع عشر – حمل عنوان ( الحـركات الفـكرية والباطنية المعارضة في بغـداد في العصر العباسي ) ج 17 .
* هـذا الجزء ، هـو الثاني من ( الحركات السياسية المعارضة في بغداد في العصر العباسي ) وهـو يتميّز بخصوصيته الفكرية والعملية والسياسية، والشكل التنظيمي الأرقى، في مسارات العمل على الأرض.
ولو عُـدنا الى ادب هذه الحركات لاستطعنا أن نتلمّس تلك الأبعاد السياسية والأيديولوجية التي تعبّر عن مواقفها، ولكن الباحث سيصطدم بأدب السلطة الإسلامية الرسمي، والمنحاز قطعاً الى أيديولوجيتها .
إن الحالة الثقافية لتطور العصور الإسلامية تكشف لنا عن موروث هائل، لم يصلنا منه سوى الجانب الرسمي، ولكن ما هو شعبي ومعارض يمكن تلمّسه من خلال المخطوطات التي لم تُـحقّـق بعـد ، وحتماً بين هذه المخطوطات ( التي تربو على الملايين ) يوجد ما هو معارض، من ادب وفلسفة وسياسة وموروث فقهي وغيره، ولذلك نقول أن أدب هذه الحركات لم يصلنا كاملاً، بل ما وصل منه اليُـسر اليسير، ومن خلال هذا اليُسر اليسير نستطيع ان نضع اليد على بعض القبسات، التي يمكن من خلالها أن نُـنيرَ بعض الجوانب المطمورة في حياة هذه الحركات، لا سيما مؤلفات أئمة الفكر منها، فما أن يقع على مسامعك اسمٌ لأحدِ هؤلاء الأئمة حتى تقف مذهولاً لهذا التأثير الذي احدثوه، وقد استطاع أبو حيان التوحيدي في كتاب المقابسات ، ان يسلط الأضواء على ما كانت تعج بهِ بغـداد من بحوثٍ في الفلسفة الإلهية والطبيعية، وكيف كان العلماء يتناولون كل مسألة بشكل ملفت للانتباه من الناحية المعرفية ووفق معايير فلسفية، بما في ذلك مسائل اللغة العربية، وكانت تلك الشخصيات العلمية التي كانت تتقابس فيما بينها بتلك العلوم ، كانت المعرفة هي التي تجمعهم ، وهم من مختلف المشارب والمذاهب والمِـلَل ، ففيهم المجوسي، والصابئ، واليعقوبي، والنسطوري، والملحد، والمعتزلي، والشافعي، والشيعي، واليهودي، والمانوي وغيرهم ، وتلك هي التيارات المذهبية والفلسفية التي كانت تتعامل مع الفكر الإسلامي، فتتـأثّـر وتؤثّـر فـــيه، ومثل هذه التيارات ، حتمـاً كان لهــا مروجوها ودعاتها واعضاؤها ومناصروها، ولكن الملاحظ ان كل هذه التيارات كانت تتصارع في وحدة الفكر الإسلامي، ونحن هُـنا لا نُنكر تأثير المذاهب الأخرى على الصراع الأيديولوجي الدائر هناك .
حينما نسمع باسم ( عبدالله بن سبأ، وشيطان الطاق، وابن الراونـدي، وقطري بن الفجاءة، وواصل بن عطاء، والأشعري، والنظّام وغيرهم) فإن الذاكرة تعود بنا الى الأساسيات الأولية لهذا المذهب أو ذاك، وندرك البُعـد التاريخي لتأثيرات هذه الشخصيات، ولكن الملاحظ ان امثال هؤلاء وغيرهم، قـد تعرّضوا أولاً للهجوم الشديد من قبل خصومهم في السلطة الإسلامية ( العباسية ) وغيرها، وثانياً، تعرضوا للهجوم الشديد من قبل خصومهم الفكريين في بقية المذاهب، وهذا يعني ان الحقيقة عن هؤلاء قد تشوهت فعلاً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ان أدب هؤلاء هو الاخر قـد تعرّض للتشويه والدس والطعن، لأنه لم يصلنا عنهم مباشرة، بل ان أغلب النصوص المنقولة عنهم ، نأخذها من كتابات اعـدائهم، لذلك تبقى الحقيقة عنهم ليست مطلقة، سلباً كانت أم إيجاباً، لكن غبار الزيف سينجلي شيئاً فشيئاً، لا سيما إذا كانت هناك عقول جادة، يهمها الحقيقة في كل تجلياتها في ذلك الموروث الهائل من المخطوطات .
إن مسألة الصراع الاجتماعي، في مختلف مراحل الدولة الإسلامية تجلّت أبعادها في صراع أيديولوجي – سياسي، تطوّر الى ثورات مسلحة في اكثر من زمانٍ ومكان، ولكن أوضح هذه التجليات ظهرت في العصور العباسية المختلفة، بـدأً من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، وحتى سقوط الدولة العباسية علي يـد المغول عام 656هـ/ 1258م ، حيث تبلورت الاتجاهات الأساسية المعارضة الى كُـتلٍ ومجموعات قريبة جداً الى ما نسميه اليوم بـ ( الحزب السياسي ) مع وجود فوارق في البنية والأيديولوجية والطبقية وطبيعة العمل، ولكن كثيراً من هذه الأساسات، في هذه التنظيمات السياسية هي قريبة الشبه لما هو معاصر، فالدعاة، هم الكوادر، والتنظيمات الخلوية، كانت موجودة، والعمل السرّي، معروف تماماً، والبرامج السياسية كانت ساطعة عند القـرامطة وإخوان الصفاء، والتقية ، كانت إحدى الأساسيّات في عمل الشيعة، ومبدأ الانتخاب ، اجلاهُ مذهب الخوارج، وهكذا دواليك. ومن يتتبّـع تطور الحركات السياسية في الإسلام ، يقف على أكثر التفصيلات دقّـةً، من الناحية التنظيمية في عملها، لا سيما الحركات الباطنية، فهي أقرب بتشكيلاتها الى الأحزاب السياسية المعاصرة، خصوصاً الحركة الإسماعيلية، فقد استفادت هذه الحركة من الحركات السياسية السرّية التي سبقتها في الظهور، إذ استطاعت ان توحّـد نشاط اعضائها وفق ترتيبٍ مُعيّـن ( نظام ) يجعل مراقبة العمل السياسي منضبطاً وموجهاً، وفق استراتيجيّة هامة، صاغوها بشكل دقيق، ظهرت في ( رسائل إخـوان الصفاء ) ، لا سيما الرسالة الجامعـة، وأوجدوا لهذه الاستراتيجية أداة التنفيذ الهامة، أي أوجدوا الدُعاة الماهرين والمؤمنين برسالتهم وأيديولوجيتهم الدينية والسياسية، حتى ان هـؤلاء الدعاة كان لهم الفضل في تطور المفهوم السياسي في الفكر الإسلامي ذاته، ففكرة المهـدي المنتظر، طوّرها هؤلاء الدعاة بحيث أصبحت تعني ( المهـدي آتٍ ) والمسترشدون بها كانوا يطمحون الى المستقبلية طموحاً مختلفاً عن الآخرين، الذين يرون الإسلام تكراراً سلطويّـاً لما هو قائم، ويعتبرون الثـورات ، زندقات وهرطقات ، وتأريخ هؤلاء الدعاة مرتبط بتاريخ التشيّع الثوري ، لا التشيّع الماضوي. وبحق نقول: أن قوام هذه الحركات السياسية الإسلامية كان يعتمد على هؤلاء الدُعاة، الذين تركوا بصماتهم على تاريخها، منذ ظهورها وحتى الآن . ونظراً لأهمية الموضوع ومساراته التاريخية، فقـد قسّـمنا العمل على الأبواب والفصول التالية :
آ- البــــــــاب الأول : البنية التنظيمية للحركات السياسية المعارضة .
1- الفصل الأول : تمهيد تاريخي .
2- الفصل الثاني : إعـداد الدعـاة سياسيّاً .
3- الفصل الثالث : مهمات وعمل الداعي .
4- الفصل الرابع : المهمات الصعبة .
5- الفصل الخامس : التقية في عمل الدعاة .
6- الفصل السادس : استخدام الرموز السريّة في العمل .
7- الفصل السابع : التقية عند الحركات السياسية الإسلامية الأخرى .
8- الفصل الثـامن : ثقافـة الداعي في الحركات السياسية المعارضة.
9- الفصل التاسع : موقع الدعاة في جسم الحركات الإسلامية المعارضة .
ب – البـاب الثـاني : أشهر الدعـاة في الحركــات الإسلامــية المعارضــة .
1- الفصل الأول : دعـــاة المدرسـة القـرمــطيـة .
* خصائص المدرسة القرمطية .
2- الفصل الثاني : دعــاة المدرسة الإسماعيلـية .
* مدرسة إخوان الصفاء .
3- الفصل الثالث : المدرسة الفاطمية في المغرب .
* خصائص المدرسة المغربية .
4- الفصل الرابع : المدرسة الإسماعيلية في اليمن .
* خصائص المدرسة الإسماعيلية في اليمن.
ج- البـاب الثـالث : المدرسة الصبّاحية في بلاد فـارس والشــام .
1- الفصل الأول : تمهـيد تاريخي .
2- الفصل الثاني : دعـاة المدرسة الصبّاحية .
3- الفصل الثالث : الحسن بن الصبّاح وقلعـة ألّـموت .
4- الفصل الرابع : تأسيس نظام الفدائية والمدارس الحزبية .
5- الفصل الخامس : علاقة ألّـموت بالقـاهرة .
6- الفصل السادس : حروب الحسن بن الصبّاح مع السلاجقة .
7- الفصل السابع : التطوّر السياسي للحركة في ايام الحسن بن الصبّاح- وصول الدعوة للشام .
8- الفصل الثامن : داعية الشام الأخطر سنان راشد الدين .
9- الفصل التاسع : سنان وصلاح الدين الأيّوبي .
10- الفصل العاشر: الاغتيال السياسي في منهج المدرسة الصبّاحية
* خصائص المدرسة الصبّاحية .
11- ثبت المصادر والمراجع :
* * * يتبع