هل يتكرر مشهد المواجهة بين ترامب وبايدن في الانتخابات المقبلة؟
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقبلة العام المقبل 2024. وهذا هو السباق الرئاسي الرابع له. فقد ترشح إلى انتخابات عام 1988 وعام 2008 وفي كليهما مُني بهزيمة قاسية، لكنه فاز في انتخابات عام 2020 على منافسه دونالد ترامب، وكان شعاره استعادة روح الولايات المتحدة. وإذا ما نجح الرئيس السابق دونالد ترامب في أن يكون مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات نفسها، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو، هل سيتكرر المشهد عينه الذي جرى بينهما في انتخابات عام 2020؟
في مقطع فيديو بدلا من احتفالية كبرى، كما جرت العادة، روّج بايدن لحملته الانتخابية قائلا، إن سبب ترشحه هو (الحرية.. الحرية الشخصية أساسية لنا كأمريكيين، ولا يوجد شيء أكثر أهمية وقدسية منها. ناضلتُ في ولايتي الأولى من أجل ديمقراطيتنا وحماية حقوقنا، وللتأكد من أن الجميع في هذا البلد يُعاملون على قدم المساواة، وأن الجميع يحصلون على فرصة عادلة لتحقيق ذلك). كما ركّز على شعاره في الولاية الأولى قائلا، إن استعادة روح الولايات المتحدة ما زالت مستمرة، لكن التحديات التي تواجه بايدن لا يمكن له أن يقفز عليها وهي عديدة. أولها عامل السن، إذا أنه يبلغ الآن الثمانين عاما، وبذلك سيكون أكبر رئيس أمريكي في سدة الحكم، كما أنه سيحطم الرقم القياسي حينما ينهي ولايته الثانية بعمر 86 عاما. ومع عامل السن تبرز حالته الصحية التي هي مثار جدل ودائما تُستغل من قبل خصومه، خاصة مع تكرار الهفوات التي سلّط الإعلام التركيز عليها، مثل سقوطه من سلّم الطائرة عدة مرات، وسحبه من قبل مساعديه من قاعة المؤتمر الصحافي، لأنه فقد التركيز في الكلام.
الصورة تكاد تكون كل شيء في الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، وتلعب دورا أساسيا في التأثير في الصندوق الانتخابي، وهذه هي المعضلة الكبرى أمام بايدن
ثانيا، النفور الشعبي من هذا الترشح، فحسب استطلاعات الرأي العام فإن 5% فقط من الأمريكيين يؤيدون ترشحه وترشح الرئيس ترامب لمبارزة أخرى. وأن 38% من الأمريكيين لا يؤديون ترشحهما معا. كما أن 52% يعارضون سياسات بايدن. وهذا رقم قياسي في مجال الرفض الشعبي لم يحصل عليه سوى الرئيس الأسبق ريغان وتلاه الرئيس السابق ترامب. ثالثا، العامل الاقتصادي، فرغم وجود إنجازات حصلت في هذا المجال في عهد بايدن، لكنها لم تُفلح في تخفيض مستويات البطالة، ولا مستويات الأسعار أيضا. ورابعا، إخفاق بايدن في الحد من الهجرة التي بلغت أرقاما قياسية لاسيما في الولايات الجنوبية. ورغم ذلك يبدو أن ما حسم قرار بايدن بالترشح، هو النتائج الجيدة وغير المتوقعة التي حصل عليها الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية، حيث تمكن الحزب من الاحتفاظ بالاغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي. كما أن في الحياة السياسية الأمريكية هنالك مبدأ يتيح للرئيس المنتهية ولايته من الترشح لولاية ثانية، وأنه في الغالب يكون الأوفر حظا في الفوز بها. وبايدن نفسه يقول بأن الجمهور المحلي دائما ما ينظر الى الرئيس المنتهية ولايته بما قدم من إنجازات. وهو يعتقد أنه حقق شيئا منها في المجال الاقتصادي. أيضا هو يعتقد أن حصيلته في السياسية الخارجية كانت كبيرة، وتاجها هو قيادة الفعل الغربي ضد روسيا في الحرب في أوكرانيا، التي مكّنت الاوكرانيين من الصمود، لكن الغريب هو أن أستطلاع الرأي الذي قامت به شبكة «أم بي سي نيوز»، يشير إلى أن ما يزيد عن نصف الديمقراطيين يعتقدون أنه ينبغي لبايدن عدم الترشح مرة ثانية، وغالبيتهم ذكروا أن عامل السن هو مصدر قلق كبير بالنسبة لهم، وهنا يكون السؤال منطقيا وهو لماذا تم ترشيحه إذن؟ هنالك عدة عوامل تقف وراء ترشيح بايدن دون غيره من الحزب الديمقراطي، أولها الوضع الداخلي للحزب، ورغبة الأكثرية فيه قطع الطريق على التيار اليساري التقدمي بترشيح إحدى الشخصيات المحسوبة عليه. ثانيا، وجود قناعة داخل الحزب الديمقراطي بأن ترامب سيكون مرشح الجمهوريين، وأن بايدن قادر على هزيمته، أي تكرار سيناريو عام 2020، خاصة أن ترامب يواجه اليوم متاعب قضائية. كما أنهم يعتقدون أن مجرد عودة شبح ترامب إلى الترشح للرئاسة، سيكون الوسيلة الأكثر تحفيزا لقواعد الحزب الديمقراطي في المشاركة بكثافة في الانتخابات، لقطع الطريق على ترامب للعودة إلى البيت الأبيض مرة ثانية، لكن الحزب الجمهوري لم يحسم أمره في ترشيح ترامب من غيره حتى الآن، خاصة أن الكثير من المراقبين يرون أن ترامب لا يتمتع بالموثوقية، بعد أن قاد البلاد إلى حافة الانقلاب السياسي في الانتخابات السابقة. وهذا فعل لم يسبقه إليه أحد، كما أن هنالك أنباء عن نية سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي بالترشح، وكذلك كل من حاكم فلوريدا رون ديسانيتس، وتيم سكوت العضو السابق في مجلس الشيوخ. وإذا ما تحققت هذه الأنباء فإن أي واحد من هؤلاء الثلاثة يصعب على بايدن مواجهته في الحملات الانتخابية الشاقة والمناظرات الطويلة والصعبة، إذن ماذا لو أخفق ترامب في أن يكون مرشح الحزب الجمهوري، وترشح شخص آخر أصغر سنا وأكثر قبولا من الناخبين الأمريكيين؟ يقينا أن كل ذلك سيغير معادلة الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي. لقد استفاد بايدن في انتخابات عام 2020 من الحملات الانتخابية الافتراضية، حيث لم يكن مضطرا للذهاب إلى المدن الأمريكية للترويج لنفسه ومواجهة الناس والتنقل كثيرا، بسبب الإجراءات الاحترازية التي تم العمل بها لمواجهة جائحة كوفيد 19. هذه المرة لن يكون الحال كما كان، بل سيكون أمامه مواجهة وسائل الإعلام، التي ستركز على كل تحركاته وتتسقّط هفواته. صحيح ذلك الحديث الذي يسوقه البعض من أن بايدن بيده أوراق كثيرة، اقتصادية وجيوسياسية وسياسية، وكل هذا يمكن أن يكون في صالحه، لكن الصورة تكاد تكون كل شيء في الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، وتلعب دورا أساسيا في التأثير في الصندوق الانتخابي. وهذه هي المعضلة الكبرى أمامه، خاصة أنه روّج لترشحه الان بوسيلة خجولة وهي مقطع فيديو، بينما عادة ما ينطلق الإعلان عن الترشيح أمام جمهور كبير، مترافقا مع الهتافات والتصفيق، في إشارة إلى قوة المرشح الجماهيرية. ومع ذلك يقول بعض المراقبين الأمريكيين إن الوقت ما زال مُبكّرا على اليقين بأن بايدن سيكون هو المرشح الوحيد عن الحزب الديمقراطي. فهنالك أكثر من عام على الانتخابات المقبلة، ربما تكون نائبة الرئيس بايدن هي المرشحة، كما أن الكثير من الأحداث ربما سيكون لها تأثير كبير في ترشيح بايدن، منها المحاكمة الجارية للرئيس ترامب، استمرار الحرب في أوكرانيا، استمرار التحدي الصيني ومسألة تايوان، قضايا الشرق الأوسط والتحديات الاقتصادية التي تواجه إدارة الرئيس، وأيضا قضية الصراع الداخلي في السودان. كل هذه تحديات كبيرة محلية وإقليمية ودولية، لذلك يمكن أن تلقي كل هذه الأحداث ظلالها على المشهد الانتخابي وتجعله مختلفا من حين لآخر.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية