«النار بالنار» نقل حديث الناس ووضع العنصرية اللبنانية تحت المجهر طارق تميم: لعبت على إنسانية جميل وطيبته ومحمد عبد العزيز مخرج جدي وسلس
بيدر ميديا.."
«النار بالنار» نقل حديث الناس ووضع العنصرية اللبنانية تحت المجهر طارق تميم: لعبت على إنسانية جميل وطيبته ومحمد عبد العزيز مخرج جدي وسلس
بيروت ـ «القدس العربي»: «النار بالنار» مسلسل درامي تمكّن في شهر رمضان من حصد نسبة مشاهدة عالية. مسلسل لبناني سوري مشترك سلّط الضوء على العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري، خاصة مرحلة النزوح المستمرة منذ بدء الحرب في سوريا سنة 2011. مع هذا المسلسل الذي شكّل النجوم الرجال بطولته كان الترقّب للتالي سيد الموقف. المشاهد على الشاشة كما الناس في الشارع، كانوا أمام أسئلة كثيرة مضمرة وعلنية عن النزوح السوري إلى لبنان. لكنّ المسلسل يعود ببعض مفاصله إلى مرحلة الوجود السوري العسكري في لبنان، وما تركه من آثار خاصة ما يتعلق بالمخطوفين والمختفين.
أثار المسلسل جدلاً وتعليقات كثيرة على مختلف مستوياته، وشخصية جميل التي جسّدها الممثل القدير طارق تميم تركت ردود فعل مستنكرة. فقد كان اليساري المنغمس في لعب الميسر حتى أذنيه. لكنه كان طيباً وإنسانياً، ومنكسراً بعد أن فقدت الثورة التي شارك فيها توازنها وانهارت.
«النار بالنار» من كتابة رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز، وتمثيل نخبة مميزة من النجوم اللبنانيين والسوريين. مع طارق تميم هذا الحوار:
○ لماذا جذبتك شخصية جميل في مسلسل «النار بالنار» بعد سبع سنوات من الانقطاع عن شاشة التلفزيون؟
•اخترت التوقف عن التمثيل في الدراما التلفزيونية، واكتفيت بالعمل في المسرح والسينما. بعد سبع سنوات على هذا القرار تلقيت اتصالاً للمشاركة بمسلسل «النار بالنار». تذرّعت أولاً بقرار الامتناع، لكني وجدت ما يشدّني بدءاً من شركة الصبّاح للإنتاج، ومن ثمّ اختياري من قبل المخرج بالإسم. تمّ اللقاء التعارفي مع المخرج محمد عبد العزيز، وسريعاً سرت بيننا كيمياء فنية مشتركة. محمد عبد العزيز معروف سينمائياً بالنسبة لي، سلّمني النص وعلقت بالشخصية، خاصة وأني أدرك أنه سيقدمه للمشاهد بأسلوب سينمائي. شعرت بتشابه بيني وبين «جميل» وبأني سأتمكن من إعطاء الشخصية ما تحتاجه وزيادة.
○ ما هي حدود الشبه بينك وبين الرجل اليساري الذي ينهزم رويداً رويداً في المسلسل؟
•يشبهني بيساريته، وبطيبته، وإنسانيته وانكساره.
○ لكنّ «جميل» نموذج غير إيجابي لليساري خاصة معاقرة القمار؟
•صحيح. نحن لسنا بصدد الإنسان الشيوعي أو اليسار بشكله العام. في إحدى حلقات العقل زينة لزياد الرحباني يقول «بعرف واحدة بتكسر السوق الأوروبية المشتركة بخرجيتها… ويسارية». قرأت عن مواقف متسائلة من قبل اليسار اللبناني عن ماهية كتابة دور «جميل اليساري» وفق هذا المنحى؟ ولماذا هذا التنميط؟ خاصة بعد جملة في النص يرددها جميل «شو باقي من اليسار غير بطحة العرق»؟ إضافة إلى جملة أخرى «ما اليساريي نصن سكرجية ونصن قمرجية». وهذا ما أوقد الاعتراضات. في الواقع جميل حالة فردية في المجتمع، تشبه تماماً الكاراكتيرات التي نلعبها فيما يخص مكونات لبنان من طوائف. وأي كاراكتير لهذه الطوائف لا يدعو مطلقاً للتعميم. إذاً نحن حيال كاراكتير يساري صدف أنه يلعب القمار.
○ وهل اليسار وحده منكسر في لبنان؟
•المختلف أن جميل منكسر حتى من اليسار. منكسر من الممارسات، ومن وطن ينحدر هبوطاً أمام ناظريه. منكسر مما وصل إليه الحال. من جهتي كممثل تعمّقت بهذه الشخصية وبنيت لها خلفية لأتمكن من التحليق معها ومنحها ما تستحقه. في خلفية جميل أنه كان مواظباً على المشاركة بالثورة. ووجد فيها الأمل بعد انكسار طويل. كان برفقة زوجته وبعد أيام من البهجة بهذه الثورة راح يراقب تحولها وانقلابها على ذاتها، ودخول سوسة التلوث إليها. إذا بعد الثورة دخل جميل في الإنكسار التام، لكنه بقي على إنسانيته ومبادئه الأساسية ويساريته.
○ هل أتعبك جميل في مكان ما؟
•هو التعب اللذيذ نعم. تقصدت أن لا أكون في كاراكتير مصمم مسبقاً. أديت جميل كما أنا وعلى طبيعتي. في جزء كبير من هذه الشخصية كان طارق تميم نفسه. لعبت على إنسانية جميل، وعلى طيبته وعلى تلقائيته وطبيعيته. أديت الدور وكأني أسمع أو أقول ما أقوله للمرة الأولى، والهدف تحقيق مشهد طبيعي بقدر المستطاع. ثمة جمل قلتها ليست موجودة في النص. كافة الممثلين استمدوا الروح والقوة من المخرج، الذي استبق التصوير بالعديد من جلسات العمل والقراءات المشتركة للنص. وهذا ما ساهم بضبط النص بين لهجة لبنانية وأخرى سورية. المخرج محمد عبد العزيز جدي وسلس ويتحاور مع الممثلين.
○ ما هو الدور الذي كان مرجحاً أن يلعبه حمل قمر في حياة جميل؟ وهل يشبه حملها الكاذب حال الثورة في لبنان؟
•عندما فشلت قمر في إيقاف جميل عن لعب القمار بعد محاولات متعددة، فكّرت بأن وضعه أمام الأمر الواقع قد يلعب دوراً مساعداً، فقالت له أنا حامل. حاول التهرّب وطلب إسقاط الجنين. توترت الأجواء بينهما، ضربته بكفها ذات اليمين وذات اليسار، لكنه امتنع عن مد يده عليها رغم استعداده لذلك. هذا الشجار العنفي بدّل العلاقة بين قمر وجميل، وبقي رافضاً للطفل.
○ وبنهاية المطاف قبل به وباع كليته لتأمين المال للولادة؟
•نعم. وكاد ينهار حين أخبرته أنها اختارت اسم والدته زهرة للطفلة. لقد بكيت حقيقة في هذا المشهد.
○ النار بالنار هو المسلسل الأول الذي يناقش النزوح السوري مباشرة. هل شكل زمن 11 سنة من عمر النزوح ما يكفي لمعالجته بموضوعية؟
•كاتب السيناريو رامي كوسا يعرف تماماً الحياة في لبنان، ومطّلع على موضوع النزوح السوري ومواقف اللبنانيين منه. ولا شك أن عنصرية بعض اللبنانيين تهزّ السوريين، تماماً كما قد تهزّنا أية عنصرية تمارس ضدنا. الحي الذي جرت فيه أحداث المسلسل يضمّ نازحين سوريين ولبنانيين، يعيشون معاً فقراً مدقعاً. ومن خلال لقطات سينمائية نفّذها المخرج ظهر قاع المكان، وأحياؤه الفقيرة. المهم أن انطلاق الشرارة بدأ مع يافطة رفعها «عزيز» جورج خباز تقول بمنع تجول السوريين بدءاً من ساعات المساء الأولى. بالتأكيد ليست اليافطة وحدها هي السبب، بل تراكمات العنصرية جعلتها الشرارة.
○ لماذا برأيك استنكر المشاهدون سيطرة عمران «عابد فهد» كسوري على الكبيرة والصغيرة في هذا الحي؟
•لقد فات المشاهدين في الحلقات الأولى للمسلسل أن عمران الذي يعيش في لبنان منذ أكثر من 30 سنة نال الجنسية في المرسوم الذي صدر سنة 1994. عمران هو الحرامي والمرابي وأكثر من ذلك، لكنه يرفض المساومة على أمن الوطن. وكانت مواقفه واضحة تماماً خلال المسلسل. لم يترك عمران موبقة بعيدة عنه، لكنه يتعاون مع المخابرات اللبنانية فيما يخص أمن الوطن.
○ كما أنه شخصية فاقدة لأي نوع من الإنسانية؟
•صحيح. هو المرابي المجرم فقد حاولت بيعه من مكتبتي مسرحية «تاجر البندقية» طبعة أولى لشكسبير. وقد أخبرته أن شخصية شايلوك في تاجر البندقية تشبهه كثيراً. شايلوك وعمران يبيعان والدتيهما لأجل المال. في حين أن شايلوك الحقيقي قطع بعضاً من جسد أحدهم استردادا لدين.
○ برأيك هل برّد المسلسل العنصرية اللبنانية أم زادها ضد السوريين؟
•برأي أنه برّدها لأنه وضع الإصبع على الجرح. طريقة معالجة المواضيع كانت على درجة عالية من المسؤولية. وكان يمكن لمخرج آخر أن يقدم المسلسل نفسه ويؤدي لإشكاليات.
○ وماذا في جعبة طارق تميم بعد هذا المسلسل؟
•ابتعدت عن التلفزيون لأني بت أرفض الكوميديا والاسكتشات من خلال الشاشة الصغيرة. أبحث من خلال الشاشة الصغيرة عن حضور درامي، عندما أجده ويقنعني فأنا حاضر. وأرحب بالكوميديا الهادفة من خلال المسرح، وهذا ما سجّلته في أكثر من حضور العام الماضي. لن أكون على شاشة التلفزيون في دور أقل من جميل. والدور بالنسبة لي ليس حجماً بقدر ما هو أثر وتأثير.