بغداد مدينة الخوف بتحالف البكر/ صدام
نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
صدر عن دار ومنشورات جلجامش للطباعة والنشر كتاب الدكتور عدنان عباس عبود الموسوم (( ابو طبر قصة قاتل))، د. عدنان عباس عبود، تضمن الكتاب (450) صفحة من الحجم الوزيري ذات الطباعة الرائعة، والمزود بالصور والوثائق، والكتاب يتحدث عن حياة ابو طبر (حاتم كاظم هضم ودوره في نشر الرعب في مدينة بغداد، لكنني تمكنت من استلال موضوعي الموسوم من الكتاب تحت عنوان (بغداد مدينة الخوف بتحالف البكر/ صدام)…
كان لتحالف البكر/ صدام محاولة لترسيخ وتقوية أسس نظام البعث الذي استلم السلطة في تموز 1968م، وكان هذا التحالف يستخدم طرق ووسائل مافيوية عنيفة ووحشية لتصفية معارضيه! كان البكر قد أجاد اظهار الوجه الطيب والمسالم مستخدماً الحيلة والمكر التي جُبلَ عليها منذُ اشتغاله بالسياسة، وهو بعده ضابطاً صغيراً في الجيش العراقي، فيما كان صدام حسين يمثل الشر والقسوة والوجه المخيف لرجل العصابات، والذي يضم حوله قتلة ومجرمين مشهود لهم بالقسوة والتلذذ باستخدام العنف والتعذيب.
أسس صدام حسين منظمة اجرامية مافيوية تدعى (حنين)، جمع فيها اشقياء أزقة بغداد، كانت تهدف إلى تصفية وقتل من تعتبره شراكة البكر/ صدام يشكل خطراً عليها. ضم صدام حسين إلى المنظمة مجرمين لن يقتلوا أو يعذبوا معتقل أو شخصٍ ما لتلقيهم أوامر بذلك فقط، وإنما لتلذذهم وشغفهم ولهفتهم لرؤية الاجساد البشرية ممزقة، أو تلفظ انفاسها الخيرة، أو تتعذب أو تنزف.
اعضاء منظمة حنين اختارهم صدام حسين بعناية فائقة ومنهم: سعدون شاكر الذي اغتال قائد القوة الجوية العراقية العميد جلال الدين الأوقاتي فجر يوم 8 شباط 1963. وعبد الوهاب كريم الأعور، وخلف عبد وآخرين.
كان جهاز حنين بقيادة سعدون شاكر وعضوية سعدون غيدان وحسن المطيري وجبار كردي وسمير الشيخلي وصباح مرزا وخالد طبرة وفاضل جلعوط وحاتم الباوي وكاظم باشا وكامل معلاك وعلي ماما ومحيي الدين مرهون وغيرهم، فيما كان ناظم كزار مديراً للأمن العامة. كانوا جميعاً متفقين على مقترح صدام حسين على جعل الشارع العراقي لا يهدأ، ويجب إيجاد عدو خفي ومستمر بمحاولاته للقضاء على الثورة.
طلب صدام من جميع اشقياء بغداد المتنفذة لتصفية وقتل المعادين للثورة، فعمل ناظم كزار قوائم بالأعداد الافتراضية وتصنيفهم حسب الخطر الذي يشكلونه على الحزب والثورة، وإيجاد الوقت والفرصة للتخلص منهم بالترتيب، واستعمال القنص المباشر والغيلة والغدر بذلك.
كان ناظم كزار قد بات مديراً للأمن العامة وهو المشهور بطرقه الغريبة والشاذة في التعذيب وقتل المعارضين. اتخذ ناظم كزار من قصر الزهور الملكي مقراً لأعماله، والذي سميَّ بقصر النهاية، والذي شهد تعذيب وقتل العديد من رجال الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف، ومنهم رشيد مصلح التكريتي وطاهر يحيى وعبد الرحمن البزاز وآخرين.
في تلك الأيام عاشت بغداد تحت ستار من الخوف والرعب، وتفتقت اذهان مرضى الشر والحقد الأسود وكره الانسانية الذي لا حدود له عن اختراع خطر داهم تقوم به مجاميع يهودية عراقية عميلة للموساد الاسرائيلي، تعاونها مجاميع أخرى مسلمة ومسيحية عميلة للمخابرات الامريكية والبريطانية وفق مفهوم تحالف البكر/ صدام، فكانت تهمة الجاسوسية جاهزة لكل معارض عراقي. في شهر تشرين الأول من عام 1968 اعلن عن إلقاء القبض على 17 يهودي ومسلم ومسيحي يسكنون البصرة وبغداد متهمين بالتجسس لصالح الموساد الاسرائيلي، ومنهم 10 طلاب جامعيين. كانت هناك تهم جاهزة وموجهه إلى مجاميع اخرى منهم رفعت الحاج سري محافظ بغداد وفؤاد الركابي والوزير اسماعيل خير الله ورشيد مصلح التكريتي الحاكم العسكري لبغداد بعد انقلاب 8 شباط 1963 وآخرين حلوا جميعاً ضيوفاً على قصر النهاية. فصدر مرسوم جمهوري في اليوم التالي يوم 16 كانون الأول 1968 بتعيين العقيد الركن علي هادي وتوت كرئيس المحكمة الخاصة بمحاكمة الجواسيس والخونة.
كان المتهم في قضية التخابر والجاسوسية هو التاجر اليهودي العراقي الساكن في البصرة عزرا ناجي زلخا، وقد افحم القاضي وخلال اذاعة القوات المسلحة التي اصبحت بعد سبعة اشهر اذاعة صوت الجماهير بسؤاله للشاهد؛ أن يصف بيته من الداخل والخارج، فلم يستطع وصف دار المتهم بالتجسس عزرا ناجي زلخا من الخارج أو الداخل.
صباح يوم 27 كانون الثاني 1969 زحفت جموع تم نقلها من مناطق بغداد المختلفة بواسطة باصات وفرتها الحكومة إلى ساحة التحرير وهي تهتف بالموت للجواسيس. في الساحة نفسها انشأت عدة مشانق خشبية متقاربة علقت عليها جثث تسعة من اليهود العراقيين اللذين ادانتهم محكمة العقيد وتوت وحكمت عليهم بالموت شنقاً.
اقام تحالف البكر/ صدام حفلات الرقص على جثث الموتى في ساحة التحرير في بغداد، وساحة أم البروم في البصرة، بذريعة التجسس الكاذبة لسببين، أولهما أرضاء الكيان الصهيوني المتشدد في إسرائيل وذلك باشاعة الفزع وسط المواطنين اليهود العراقيين المشهورين بانتمائهم الوطني العراقي، وحثهم بل وارغامهم للهجرة إلى إسرائيل، وثانيهما ارهاب أية معارضة عراقية مستقبلية في الداخل العراقي لحكم البعث.
تفنن ناظم كزار بطرق تعذيبه للشيوعيين ومنهم عزيز الحاج، كان عزيز على اتم الاستعداد للأعتراف بكامل تنظيم الحزب الشيوعي القيادة المركزية وأوكاره واعضائه واماكن تواجدهم ومخابئ الاسلحة والطابعة والمتعاونين مع التنظيم من عامة الناس. وكانت نهاية كزار غريبة على يد صدام، الذي استعجل القضاء عليه بعد محاولة اغتيال البكر، التي يعرف الكثير من الذين عاصروا تلك الفترة انها من تخطيط صدام حسين وتنفيذ ناظم كزار ومجموعته.
ويعتبر الأخوين جبار الكردي وستار الكردي من افضل رجال منظمة (حنين) في تنفيذ جرائم القتل أو التعذيب. كان الأخوين من اصدقاء صدام حسين ويسكنان محلة الفضل في بغداد، واشتركا مع آخرين باغتيال ناصر الحاني أول وزير خارجية للحكومة الانقلابية البعثية في 17 تموز 1968. كان ذلك ضحى يوم 10 تشرين الثاني 1968. صفى صدام حسين الأخوين بارسال صبي صغير أردى جبار الكردي بعدّة اطلاقات في رأسه وبطنه، وارسل محمد فاضل لقتل ستار الكردي. قام صدام بعد عدّة سنوات بقتل ما تبقى من عائلتي جبار وستار الكردي جميعاً.
كانت مهمات الاغتيال والقتل تتم بسرية تامة لا يعرف بها اعضاء المنظمة الآخرين، وإن كانوا في نفس الخلية أو المجموعة. لم يعرف كامل معلاك من رافقه باغتيال حردان التكريتي قرب المستشفى الأميري في الكويت في الثامنة صباحاً من يوم 20 آذار 1971 إلا بعد التقائهم في طائرة وزير الخارجية العراقي عبد الكريم الشيخلي، الذي عاد بهم إلى بغداد بعد زيارة مفاجأة للكويت استمرت يوم واحد. في طائرة وزير الخارجية المتجهة إلى بغداد من الكويت عرف كامل معلاك أثنين من المنفذين واللذين تربطه بهما علاقة صداقة، همات محيي مرهون ومحمد فاضل.
في نيسان 1980 أردى قاتل تابع إلى منظمة حنين والتي عرفت آنذاك باسم مكتب العلاقات العامة برئاسة صدام حسين عبد الكريم الشيخلي قتيلاً في أحد شوارع الاعظمية، حينما كان صحبة زوجته واطفاله لتسديد اجور الماء لدائرة الماء.
فيما اصبح عضو منظمة حنين صباح ميرزا المرافق الاقدم لصدام، فيما عمل أخوه فلاح كمدير في وزارة التجارة، واحتل فاضل البراك رئاسة الأمن العامة والمخابرات، وكان قيس الجندي ضابطاً في الجيش العراقي، فيما عمل علي رضا باوة في السلك الخارجي، وبات سمير الشيخلي وزيراً للداخلية ووزيراً للتعليم العالي وأميناً لبغداد.
واستمرت عمليات الاجرام والتصفية من قبل تحالف البكر/ صدام بتصفية الخصم، ومنهم العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرت الذي اتهم بميوله الشاذة مع خضير مذكور فهد، ومن ثم تصفية عبد الوهاب كريم الأعور، ومن ثم العقيد الركن محمد علي سعيد قائد الفرقة المدرعة العاشرة، وما تسمى بمؤامرة عبد الغني الراوي؛ فتم تصفية مجموعة كبيرة من الضباط والمدنيين بتهمة عملية الانقلاب، منهم اخصائي صناعة الاسنان حسن الخفاف زوج اخت سعد صالح جبر وجابر حسن الحداد محافظ كربلاء السابق وعبد الله خياط والبير نونو ومطاع الحسامي وسعد شاكر فهمي والعميد الركن المتقاعد محمد رشيد الجنابي، وتصفية عائلة قشقوش في كرادة مريم والقائمة تستمر حتى رحيل هذا النظام المقيت.
كان في نية تحالف البكر/ صدام تصفية الشيوعيين العراقيين، فتفتق تفكيره عن خطة شيطانية، اعطاها مدة زمنية من عام 1970م ولغاية عام 1978م، بدأت أولاً بتصفية كوادر شيوعية معارضة لإقامة جبهة تحالف مع حزب البعث، وتصفية كوادر بعثية معارضة أيضاً للتحالف مع الشيوعيين.
قرر تحالف البكر/ صدام تصفية من عارض أو يعارض تشكيل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي اعلن التحالف عن تأسيسها من أربعة احزاب في 17 تموز 1973. كانت الحوادث المميتة على قدم وساق، من تصفية شاكر محمود وأحمد الخضري وستار خضير وكاظم الجاسم وآخرين، لكن التصفيات الحقيقية والكبيرة قد بدأت بعد 1 تموز 1973، أي بعد مؤامرة ناظم كزار، وهي عمليات قتل ممنهج لكل من يشك التحالف بولائه أو معارضته لتشكيل الجبهة التي كان تحالف البكر/ صدام يخطط أن يكون تشكيلها بداية للتصفية والقضاء على الاحزاب التي انضمت إليها، وأولها الحزب الشيوعي العراقي خطوة خطوة!