عن تجربتي في الفيسبوك ولغة ههههه!
علاء اللامي
شاهدت قبل أيام قليلة على موقع قناة “فرنسا 24” وبالمصادفة، مقابلة طريفة مع ممثل فكاهي لبناني لم أسمع باسمه من قبل (اسمه جون أشقر، وهو ليس المغني جو أشقر)، ولكن يبدو انه ذائع الصيت في مواقع التواصل وله مئات الآلاف وربما الملايين من المتابعين. سألته الإعلامية التي حاورته سؤالا عن الفرق بين جمهوره الحقيقي الذي يحضر عروضه وبين جمهوره المليوني الافتراضي على مواقع التواصل، فقال: جمهوري الحقيقي والذي أعول عليه هو الذي يحضر عروضي، أما جمهور التواصل فهو جمهور افتراضي لا يعول عليه ولا على لغته، لغة “هههههه”، التي لا يُفهَم منها شيء. هذا الجمهور الافتراضي ليس جدياً ولا يتعب نفسه في شيء حتى في الذهاب لمشاهدة عرض فني ولو كان يعرض في البناية المجاورة لبيته!
*شجعني ما قاله هذا الممثل على أن أكتب شيئاً عن الفيسبوك وعن صفحتي هذه فيه على الرغم من انني لا أحب الكتابة عن نفسي وكتاباتي وحياتي لأنها لا تهم أحد سواي، ولأنني كما يعرف من يعرفني عن قرب، أهرب من الأضواء والشهرة والإعلام والعلاقات العامة كما يهرب المرء من الطاعون!
*لم أكتب عن نشاطي وكتاباتي في مواقع التواصل لسبب بسيط، وهو انني – مع احترامي البالغ للمتابعين الحقيقيين من صديقات وأصدقاء الذين يتابعون صفحتي واتابع صفحاتهم واستمتع وأستفيد من كتاباتهم – لم أعدْ أحمل النشر في مواقع التواصل الاجتماعي على محمل الجد كما هي الحال في السنوات الأولى، وربما اكتفيت بمنشور واحد أو اثنين في اليوم منذ فترة، ولم أعد أتابع الأحداث العاجلة بذلك الحماس والإلحاح غالبا لأسباب تتعلق بوضعي الصحي، وبتركيز اهتمامي ووقتي في إنجاز بعض الأبحاث والدراسات والمقالات المطولة. ومع ذلك فلستُ من المتباهين بعدد كتبهم ليقيني أن الكتب في تأثيرها وفعاليتها وليس بعددها وحجومها كما سأفصل في بعض الأمثلة على المشاهير من مؤلفي الكتاب الواحد أو القليل من الكتب في منشور آخر.
لنعد إلى موضوع المواقع التواصلية؛ حين بدأنا ننشط بحماس على مواقع التواصل قبل أكثر من عشر سنوات، اعتقدنا “أن تحت القبة شيخا”؛ حيث كانت هذه المواقع شيئاً جديداً وفريداً واعداً وباعثاً على التفاؤل والأمل. ولكن، وبمرور الوقت اتضح أن ذلك التفاؤل لا محل له من الإعراب في العالم الافتراضي، دع عنك انه غير عادل تماما لا في النشر أو للدقة في “قمع النشر وحظر الأصوات المختلفة”، ولا في نوعيه الجمهور وكيفية تعامل هذا الجمهور مع المنشورات المختلفة والذي يصوت للتفاهة والوجاهة والشهرة والمصلحة الذاتية خصوصا في صفحات المسؤولين الحكوميين والأشخاص النافذين في حكم الفساد غالبا.
غير أن من الضروري أن نأخذ بالاعتبار الحقائق التالية؛ فمواقع التواصل هي أولا وكما هي في واقعها وكما يدل على طبيعتها اسمها مواقع للتواصل الاجتماعي الافتراضي، بين ناس افتراضيين يريدون التسلية والمتعة الخفيفة والاحتفال بمناسباتهم الشخصية السعيدة والحزينة وهذا حقهم المشروع، وليس ميدانا لكتاب المقالات السياسية والأدبية والعلمية كأمثالي. أما الدور الكبير الذي لعبته هذه المواقع في الانتفاضات والتحركات الشعبية فهو يتعلق بحالات خاصة من التوتر الاجتماعي ضمن أنظمة حكم أغلقت كل نوافذ التعبير ومنعت التحركات السلمية الاحتجاجية، بمعنى أنها كانت نافذة للتعبير وإيصال المعلومة أكثر من كونها منابر تفاعلية حقيقية، وقد انتهت هذه الحالات الإيجابية بعد أن وجدت الأنظمة القديمة طرقها الخاصة للتعامل معها والتقليل من تأثيرها بدليل إنها لم تتكرر أو تحافظ تلك التحركات الاحتجاجية حتى على المواقع والمستويات التي وصلت إليها في العالم الافتراضي.
ولهذا، وبناء عليه اعتبر نفسي “متطفلاً” أو “دخيلاً” بكتاباتي الجادة في هذا المجال غير الجاد شكلا – مع اعتقادي أن من حق الناس أن تكتب عن صغائر الحياة أو ما يبدو أنها صغائر وهوامش فهي جزء حميم منها وقد لا تقل جمالية وأهمية عن كبائرها.
ولذلك فالموقع التواصلي عندي ليس أكثر من نافذة افتراضية متاحة بشروطها، وإنْ لم تكن تنفع فهي لا تضر، أعيد عليها نشر مقاطع من كتاباتي وكتابات غيري، وأحياناً أنشر منشورات قصيرة أو أعلق على منشورات غيري تعليقات سريعة تحت ضغط المشاعر الآنية وبهدف “الحرشة” أو فضح المسكوت عليه، ولذلك لا أشغل نفسي بوجودي ونشاطي وردود الأفعال على ما أنشر عبر هذه الصفحة فسيان عندي إنْ نشرتُ عليها أو توقفتُ ذات يوم إلى الأبد وأنا سأتوقف يقينا ذات يوم إلى الأبد كسائر الأحياء، وسيان عندي إنْ نال المنشور اهتماما أم لم ينل! فما يهمني بالدرجة الأولى هو ضمان حريتي الشخصية وأن أكون راضياً ومقتنعاً بما أكتب، لأنني كتبته كما أردته بالضبط وليس كما يريده الجمهور “عاوز كده”، أما حرية المتلقي فمضمونه هي الأخرى لأنه حر في أن يهمل أو يعبر عن رفضه لما أكتب، خصوصا وأن مواقع التواصل توفر لهم أنْ يهملوا ما أكتبه وينتقلوا الى صفحات أخرى أو حتى يحظروا الصفحة كلها كما فعل بعضهم ممن لا يطيقون إلا التصفيق لما يقولونه، طالما أنني جعلت هذه الصفحة مغلقة وحق التعليق فيها للأصدقاء الافتراضيين الخمسة آلاف فقط ورفضت أن أحظر أي شخص مهما فعل ولكني أضطر أحيانا – وفي حالات خاصة جدا -إلى سحب موافقتي على طلب صداقته وأحذف اسمه من قائمة أصدقاء الصفحة الافتراضيين، ولا أكتم الأصدقاء أنني أشعر بالسرور إذا انسحب بعض الأصدقاء من تلقاء أنفسهم من الصفحة وجنبوني عناء حذفهم.
يقول التقليديون إن “إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك”، فكيف بمن لا يقيمون اهتماما لإرضاء الجميع وربما يبغون عكس ذلك كوخز الرتابة والتقليد والتكرار وابتلاع البديهيات المسمومة؟ بكلمات أخرى كيف ستكون الحال، إذا كنت أنا وأمثالي ممن “يحملون السُّلم بالعُرض”، كمن يريد إزعاج الغالبية بصراحته التي تلامس حدود الفجاجة؟ ولا يسكت على خطأ أو نقيصة أو عيب فيسلط أضواء نقده على جميع الجهات، لا يسلم أحد أو طرف من تصويباته من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، مارا على شلل المتنفعين وعملاء السفارات والأحزاب الإقطاعية والطائفية وبهذا يكون قد خسر جمهور المصفقين لهذه الشلل، منتقلا بنقده وكشفه لجرائم وهزائم نظام البعث الصدامي دون تهاون ليخسر جمهور المصفقين لهذا النظام من عرب وعجم، ماراً بطريقه النقدي على العلمانيين القشريين المبشرين بانتصار الغرب الإمبريالي على شعوبنا والناشرين لجرثومة الإسلاموفوبيا، مدافعا عن الجوانب المضيئة في تراثنا وثقافنا العربية الإسلامية في أوج ازدهارها وناقدا للجوانب المعتمة، دون ان يستثني من لهب نقده السلفيين التكفيريين والتحريميين من أعداء التقدم والتنوير ومبرري اضطهاد النساء من ذكوريين حتى لو كانوا من الإناث، متبرئاً من القوميين وساخرا ممن يسمون أنفسهم قوميين ماركسيين، ناقدا اليساريين الستالينيين وصنمهم الذي ألحق أفدح الضرر بقضية الاشتراكية في العالم جوزيف ستالين، فاضحاً اليساريين الجدد المحشوين بهراء اللبرالية الجديدة في الاقتصاد والسياسة من تروتسكيين وماويين سابقين، أساؤوا لماضيهم ولأسماء ثوار عظام تدثروا بأسمائهم ذات يوم ثم أصبحوا لاحقا مستشارين لجنرالات البنتاغون أو أعضاء في اللجان الناتوية كلجنة السفير كروكر. وهذه مجر أمثلة كما ترى – يا رعاك الله – تخلق الأعداء والخصوم أكثر مما تأتي إلا بالقلة المتفهمة والمتفاعلة من الأصدقاء والصديقات، الذين لم يسلموا بدورهم من ردودي الصريحة أكثر مما ينبغي أحيانا، والبعيدة عن الدبلوماسية والمجاملة وقد لا تخلو من فظاظة يعذرني عليها منهم مَن يتفهمون مشقة السير ووحشته في طريق ما يبدو أنه الحق!