تقنية المزج بين الفلسفة والسايكولوجية والأخلاق
عند الكاتب عبد الرزاق الغالبي
في نصه (قد يكمن في الإحسان شراً ….!)
دراسة نقدية ذرائعية حسب إستراتيجية الإستقطاع الذرائعي
بقلم الناقد الذرائعي : عبد الجبار الحمدي
المقدمة:
حين ولجت الى قراءة هذا النص وهو ينتمي الى حد كبير من المقطوعة السردية… فعنوانه كان بوابة مخبوء بداخلها رسالة موجهة الى شخص معني بقرائتها دون البوح جهرة عن اسمه او عنوانه… و لعل الكاتب بهذا العنوان يروم إيصال رسالته اقوى من ان يذكر فيها المعنون له بها… إن دخولي النص من خلال منظوري الخاص الذي اتخذته لنفسي حين الكتابة او تحديد المخبوءات بين السطور للدراسة، فحين نعتمد النقد الذرائعي تكون المهمة أكبر ف فلسفة النقد الذرائعي للنص بعلمية المداخل و الادوات بإستخدام الدلالات سواء البصرية منها و اعني المنظور عينا، او الشكل العام للنص.. يراد له إلماما تخصصيا او عامة إذا كان النقد بمحدودية الاستقطاع، احتاج الكاتب عبد الرزاق الغالبي لأن يخلو بنفسه حين كتابة نصه المقالي هذا واعتمد الاتيان بالتأريخ الفكري أو العقلي ليسبر اغوار ما يريد إيصاله من خلال نصه هاته
.. الاستدلال النفسي….:
أختيار المفردات او الكلمات بشكل فلسفي لونه بألوان إخرى من حمولة الكلمة ، مرة في سخرية ومرة بجد جعلت من المتلقي بين عالمين .. فإنتحار الكلام بين الشفتين دلاله نفسية واضحة ان الانتحار كان دون شاهد عيان، فلو كان كذلك لكان إنتحار المفردات على الشفتين، لأن الكاتب اختار المفردات بعناية… لهذا برر ذلك ان مثل هكذا صياغة تزعج الكلمات و تصنع من الحلاوة مرارة… فلوي المفردات فنا ايضا يستعملها من يجيد فرك اصابعه من هرج في ايصال رسالة ما… والغالبي نجح في اتباع اسلوب يخصه هو طارحا تشريح نصه الى من يرغب ان يعيد بناء صياغته بمنظوره الخاص و اعني القاريء… لذا حين دخلت عالم هذا النص بمنظور عين الفسيفساء او منظور عين النملة التي ترى الاشياء من زوايا مختلفة عن البقية وبعيون متعددة وهذه خاصية لا تجيدها سواها… لأنها تعكس رؤيتها على بلورة المقصود من المنظور من الصغر الى الكبر كلمة واحدة كفبلة بأن توصل رسالة كاملة… الدلالات المتعددة في نص الغالبي… اباح الكاتب الغالبي في نصه الى انه يعرف قاتله وسمح له بالتقرب منه الى حد كبير وقد نهل من معين ضيافته كمؤازر له، لكنه ما ان تمكن حتى استغل ذلك القرب بغرز سكينه في خاصرته وقد استعان بدلالته استحضار مقوله ( حتى انت يا بروتس ) لما تماثل له من ان الغدر لا يمكن ان يؤطر بعلاقة صداقة او قرابة او صحبة… العرض المسرحي كدلالة ابعد فلسفيا شرع الغالبي في مسرحة نصه منذ البداية فقد وضع الخطوط بشل متوازي كي تنال حظوتها من القاريء دون ان يتناسى الدهشة!!! التي ستتركها المفردات على وجه المتلقي، فمسحة نصه أضافت له الابعاد النفسية والسايكلوجية بشكل بات مسرحا عالمية وليس مجرد نص للقراءة… لم يستهلك ادوات الابهار حين اشار الى مقارنة وإن كنت أراها بعيدة لكنه استحضر العناوين او المقولات كي تكون هناك مفارقة الاحداث مكررة لا تحدها زمكانية، فمحورية العناق بين المفردات لا يمكن ان تتماشى بين الشخصيتين رغم انه بَيّن ان ما قيل كحكمة او مقولة هي المعني لا الشخوص… دلالة استرجاع الصراع الازلي… استخدم الصراع عنوانا آخر ليعطي محاكاة تأريخية بأن الصراع أزلي و لا يمكن ان تجمعه صورة واحدة او مقولة، ان التصرف في اللجوء الى الامثال هو بمثابة إلقاء اللوم على اي جرأة يمكن ان يحسبها المتلقي عصيان او خطأ او لوم اي اعتبارها احداث سابقة حصلت من قبل
الإستدلال الفلسفي:
وجنح الكاتب الغالبي نحو الفلسفة ليحسن الأقتضاب والهروب من الإسهاب والحشو فاختار مفردات محملة بالإفك اللغوي بعد ان صاغ عنوان رسالته حول الاحسان ذكر البعد العميق لذلك الاحسان مستحضرا مقولة للامام علي عليه السلام ( إتق شر من احسنت إليه) فمن اكثر بلاغة من نفس الرسول بتلك العبارة تلافى اي جلبة يمكن ان تثار فهو اجاز لنفسه ان يستخدم العبارات لا الشخوص في مقارنه الواقع البعيد البعيد، والبعيد القريب، والقريب البعيد… والمستقبل القريب البعيد، هذه لا يمكن ان تتبلور إلا من خلال فلسفة عين النملة النظرة الفسيفسائية للاشياء… فالإنسان حين يرى الاشياء بعينه المجردة براها مقلوبة معكوسة، بيد انها تدخل الى الدماغ كأشارات تُعدل الصورة بعدها كي تكون معتدلة… اما منظور عين النملة فهي ترى الاشياء من خلال عيون كثيرة تتعشق الصور من ابعاد مختلفة حتى تكون صورة واحدة سواء وهي صغيرة او حين تكبر بالتدرج… وهذا بالضبط ما حصل في نص الكاتب عبد الرزاق الغالبي الذي استطاع ان يوزع صور نصه بعناوين مفردات فلسفية ممسرحة الى حد كبير وأمثال كي تصل الرسالة من عدة مداخل مع وجود عامل الابهار في صياغة النص الذي رامه شكسبيريا و لعله حين عرج على اختلاف التجربين كان غرضه لا مقارنة الشخوص بل ما قالاه… فشتان بين انسان لا يملك من القول شيئا الى انسان هو القول كله… دلالة بمنظور فلسفي و نفسي… لا اخفي ان الغالبي صنع من نصه نصا لا يمكن ان يصيغه سوى قيادي متمكن من ادواته وذلك ما طرحه و بينه مقارنه بين أمة الامام علي عليه السلام التي قادها و بقي إرثها، وبين من قاد جيلا في فترة زمنية خبت إلا من سطور… إن تجدد الافعال بين عامة الناس بالنسبة للمقولتين خصخص الفئات وحتى الطبقات و الحقب المتعاقبة بين من يمكنه ان يستلم الرسالة او يأخذ عبرة عنها، والغرض أعمق من طرح النص بهذه الكيفية الفلسفية، فليس كل من يقرأ النص يفهم المعنى او الغرض… إن الغالبي طرح نصا عبقريا فكل من يقرأها يمكنه ان يفصله رداء يرتديه على ما واجهه في الحياة من مغباة صحب او اصدقاء او اقارب او اغراب… إن الثيمة التي صاغها لا تتوقف على زمن معين او تصرف عابر مر و انتهى، بل هي متجددة ما دامت الحياة ومغرياتها… ولعله حين تسائل عن مستلم الرسالة الثاني شبيه بمستلمها الاول…. دلالة ان الاحقاب يمكن ان تتغير لكن النفس البشرية لا تتغير وإن بدا عليها التحضر والتمدن، كما اجاب مؤكدا ان هناك اختلاف إنساني و ليس عقائدي مبينا ان طرحه ليس عقائديا لكنه إنسانيا … و الانسان تحكمه الغريزة الحيوانية و الأنا الى جانب عامل الغيرة و الطمع و الخيانة.. الخ من سلبيات اجتماعية تتنامى مع النفس البشرية التي تحمل مؤهلات الاصابة بتلك الامراض… الدلالة الزمكانية… الرسالة الاخيرة التي وجهها الغالبي الى صاحبه الذي يعنيه بنصه حيث انه يتوقع ان يصدر فعل آخر اشد شناعة او اكثر غدرا، فاستعرض خاصرته رغم توقعه الغدر وهي اقل وطأة، عكس يوليوس قيصر الذي كانت خاصرته لا تعلم من اين سيأتيها الغدر، لذا كانت وطأة الغدر اكبر واشنع خاصة حين رآها جاءت من صديق مقرب إليه في زمكانية لم يحددها الغالبي لكنه تركها الى الظروف التي تحكمها الاقدار، ولعل الدلالة تبقى مستمرة الى قيام الساعة فالزمكانية في النص مفتوحة كون حدث الخيانة والاحسان عاملان لابد من تواجدهما في وقت واحد دون زمكانية تحدهما….
الإستدلال الأخلاقي:
الأخلاق في الأدب هو جنوح وإمتثال للمثل العليا في الكتابة لتكون نموذجا في تربية المجتمع الموجة رسائل الأدباء نحوهم وهنا تمكن الكاتب الغالبي بتوجيه عدة رسائل أخلاقية متماثلة:
الرسالة الأولى : الغدر ……. بمهوم الخيانة …..والخياة …..بمفهوم الغدر ولخصها بقول مشهور :
حتى أنت يا بروتس
الرسالة الثانية : ألإحسان ……بمفهوم الشر ونكران الجميل …..الشر …..بمفهوم الغدر وسكين الأحسان
مكان المقارنة الأخلاقية في تلك الرسالتين مقارنة فلسفية نفسية مزج الكاتب في هذا النص بين السايكولوجية والفلسفة والأخلاق كدرس مدرسي في مدرسة الحياة……
النص الأصلي:
قد يكمن في الإحسان شراً …!
عبد الرزاق الغالبي
قالها مرة وانتحر الكلام بين الشفتين …قول كهذا يزعج الكلمات ويصنع من المر حلويات…مفارقات تفوق الاتفاق وتعلن عجز القادرين ، تلتفت حولك وسكين يغرز في خاصرتك من أعز مؤازر ،قاسمك الألم مرارا وفوق عقرب ساعتها سبب في موتك…عمرك سمعت عن ميت يئن في قبره وترتسم فوق قبره علامة استفهام …!؟ المغدور لا يموت مادامت علامة الاستفهام تصنع الأسئلة…!
اعتقاد لم يمر في بال شكسبير حتى،ولو كان عميقا بفلسفة الخيانة ،فقد أطلقها بقول بسيط فوق قارعة الحضارة : (حتى أنت يا بروتس) ، شأن جعله مسرحي العصور ،عادته أن يدخل مبدأً فلسفياً في كل مسرحية،و لم يبلغ العمق الفلسفي عند يوليوس قيصر لو تماثل قولاً مع الإمام عليّ(ع) بتوازٍأخلاقي ،حين صاغ ذات الأمر بمقولة أقوى من مقولة قيصر ،و جعلها صراعاً أبدياً بين خير وشر ،وليس غدر وخيانة – اتقاء شر يقابل إحسان- : (اتق شر من أحسنت إليه….) والفرق بين القولين يحكمه مبدأ القوة بالتعبير، والصدق في النوايا ، تتدلى القوة دوما من تجربة الجمع و أخلاقية الجزء ، يمر بها أصحاب القولين ،والقول مرآة الشخصية ،حتما ستغلب شخصية الثاني لكونه قاد مجتمعاً بأخلاق عظيمة ،لكن الأول كان رجلاً متواضعاً في قيمته الجمعية والمقارنة بين القولين تعني المقارنة بين التجربتين….
علي قاد أمة ، خليفتها الرابع وشكسبير قاد أجيالاً ولم يقد أمة ،فاختلاف التجربتين يفرض القوة بين القولين ،فالقول رسالة وقائله باعث ينشد درساً بتضمير مساو لمسؤؤولية المرسل ومحصلة المستلم وعمق تأثير الرسالة…. فهل ياترى مستلم رسالة الثاني شبيه بمستلم رسالة الأول ،حتما هناك اختلاف انساني وليس عقائدي لكون المسالة يتلبسها الانجاز بالفعل وليس بالقول ،الغدر أقبح خيانة والخيانة أقبح غدر…. ويتفق الطرفان….! تأخر صاحبي كثيراً وتجاوز حد المبدأ المرسوم ،إن لم تفعلها اليوم فغداً قريب ،و خاصرتي لا تزال تنتظر سكيناً سيصلها ،حتماً ،في غفلة من زمكانية الزمن مادام قيصر لن يموت وماقيل عن تجربة أضحى معياراً …
5/202