ياسمين عز مع «المرأة الجارية» … وأخ تونسي بقلب أم!
منذ سنوات والإعلام العربي في تراجع مستمر. اليوم معظم البرامج التليفزيونية تهتم بالريتينغ على حساب النوعية وهو ما يحدد عمر البرامج واستمراريتها. لقد أصبح عدد المشاهدين هو معيار النجاح الوحيد المعتمد على حساب المحتوى.
قد يكون الغرض، من برنامج ما، فقط الترفيه عن المشاهد وتسليته ومنحه مساحة يغيب فيها ولو قليلا عن همومه ومشاكله. ولا عيب في ذلك، بل قد يكون مفيدا لبعض الحالات النفسية المكتئبة والمتعبة من الأخبار السياسية والأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تعوم في داخلها العديد من بلداننا العربية.
أما المصيبة فتكمن في تلك البرامج التي تحاول تسطيح البشر وتعليبهم ونشر التفاهة، عن سابق إصرار وترصد، فقط كي تحصد نسبة مشاهدات عالية لا أكثر.
من بين تلك البرامج واحد لا يمكن إلا أن يترصد قائمة الانحدار وذلك لأن مقدمته قد تخطت كل المعايير التليفزيونية «المقبولة» والمتعارف عليها.
برنامج بعيد كل البعد عن الجودة والابتكار والإبداع، يسعى لمحو كيان المرأة وطمس شخصيتها وترسيخ الفكر الأبوي وتغذية التسلط الذكوري على المرأة ونشر البلاهة.
إنه برنامج «كلام الناس» الذي تقدمه ياسمين عز. إنه برنامج يقلل من شأن المرأة ويضعها في خانة جارية ويسيء لها بشكل مباشر لا يمكن تصديقه خصوصا وأن مقدمة البرنامج «امرأة».
لقد سعت الموجة النسوية التي بدأت من القرن 19 لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. كما ناضلت الحركة عبر السنوات بقوة ومازالت تسعى حتى يومنا هذا لتثبيت حقوق المرأة عبر محاربة الصورة النمطية الجندرية، ليأتي برنامج في القرن الواحد والعشرين على واحدة من أبرز القنوات العربية وهي قناة أم بي سي مصر ويحاول تقديم صورة مخزية معيبة عن المرأة.
تقول عز في آخر ظهور لها، وكم نتمنى أن يكون الأخير، في «نصائح» تعطيها لزوجة السباك:
«لو حتكلمي جوزك في مشاكل أول ما يرجع من الشغل يبقى أحسن تسدي بقك أي فمك بسدادة..».
قمة «الأدب» و«اللباقة « و«الفهم»! لم تكتف عز بتسديد النصائح للمرأة المصرية بل أرادت توسيع دائرة نشاطها في نشر «الوعي» فتوجهت للمرأة اللبنانية:
«على سيرة لبنان، إذا أنت سيدة لبنانية جميلة حتقولي لجوزك يا فنيقي. منها فينيقي وهو فينيقك أنت للملكية ومنها فينيقي نسبة للحضارة الفينيقية. فلسفة وتاريخ في الوقت نفسه». نعم إن السيدة عز مقتنعة بأنها تتكلم في الفلسفة والتاريخ بل تشيد بنفسها بكثير من الثقة والإعجاب. فهي لا تتردد في إظهار افتتانها بتلك «العبقرية النادرة» التي تتمتع بها فتتنهد بعد انتهاء جملتها هامسة بصوت «صيفي»: الله!
وبعد أن تكتفي بوعظ المرأة وتعليمها كل وسائل الخضوع للرجل تتجه إلى اللغة العربية لتضيف عليها شيئا من «بريقها» قائلة:
«أنتِ عايشة كل عمرك تأكلي الرجل فتوشة وتبولة ومنقوشة. انسي بقى الكلام دا خالص. من هنا ورايح حتأكليه تبول وفتوش ومنقوش. إلغي التاء المربوطة من حياتك يا مدام مالهاش أي لزمة. حتى التاء المربوطة تخنقك».
انتشرت فيديوهات عز كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي ونالت تهكم معظم المعلقين. ومن بين التعليقات الساخرة كان هناك من تساءل إن كانت عز «ماسكة حاجة على ام بي سي» كي تعطيها منبرا لتنشر منه «تعاليمها».
وقد ردت عليها مقدمة برامج «الجديد» مرفت نحاس في برنامجها الصباحي: «من نكد الدهر أن يخرج بعض المتملقين في ثياب إعلاميين ويحاولون تشويه وجه مصر المشرق والمرأة اللبنانية لا تنتظر شهادة من أحد».
لقد قلنا إن الإعلام العربي قد تراجع ولكننا لم نتوقع يوما أن يصل إلى هذه المرحلة المزرية والمبكية من التدهور. إنه عصر الانحطاط الإعلامي واللا رقابة من دون منازع!
أخ بقلب أم
ومن مصر إلى تونس حيث انتشرت قصة إنسان محمل بعبق المحبة والأخوة الحقيقية والعطاء اللامتناهي. سمعنا كثيرا عن تضحيات الأمهات في سبيل أولادهن، ولكن من النادر أن نسمع عن أخ يضحي بحياته كلها ويعمل ليل نهار لخدمة أربعة إخوة كبار من ذوي الاحتياجات الخاصة. إخوة كبار يتصرفون كالأطفال ويحتاجون عناية دائمة.
لقد وجد نفسه بعد موت والده ومرض أمه مسؤولا عنهم. فهو من يسقيهم ويطعمهم ويهتم بنظافتهم، ولا يتأخر عن طلباتهم رغم الظروف المعيشية القاسية، كما يحرص أن يخرج معهم في نزهات دائمة.
لم يتزوج حتى وجد امرأة مضحية أحبته وتقبلت ظروفه. لقد أُنعم عليه بامرأة تحمل في قلبها محبة تكفي بلادا بحالها. هكذا بدأت تعينه في مراعاة إخوته ومشاطرته المسوؤلية.
قال ميخائيل نعيمة في أحد نصوصه: «المحبة أخذ وعطاء ومتى أصبحت أخذا بلا عطاء خرجت عن كونها محبة». ولكن حكايتنا هذه سلطت الضوء على نوع جديد من المحبة. إنها المحبة المتفانية التي تكبر وترتفع بفعلها إلى أعلى مراتب الإنسانية، ولا تنتظر أي مقابل ربما لذلك ينال صاحبها نعمة الفرح والرضا.
٭ كاتبة لبنانية