جولة في كتاب “معجم المفردات المندائية في العامية العراقية” لقيس مغشغش السعدي
علاء اللامي*
هذا هو عنوان كتاب الباحث قيس مغشغش السعدي. وهو كما يقول عنوانه مخصص للمفردات العامية العراقية التي يعتقد المؤلف بأنها ذات أصل مندائي. لنبدأ بتعريف اللغة المندائية فهي أحد فروع اللغة الآرامية وتسمى أحيانا الآرامية الشرقية وتعتبر من أصفى اللهجات أو اللغات الآرامية التي تستعمل في الطقوس الدينية الصابئية ولها لهجات محلية غير صافية تسمى “الرطنة” في جنوب العراق ومنطقة الأهواز.
لن أقدم في هذه المقالة قراءةً نقدية مفصلة لهذا الكتاب هنا، بل سأكتفي بالقول إنه ينطوي على جهد كبير مبذول، ودقة ووضوح نسبيين في التصنيف المعجمي، ولكنه يشكو من العديد من الهنات النظرية وخصوصا في فصول الكتاب الخاصة بالتنظير والتأصيل اللغوي، وفي ما يمكن أن نسميه نوعاً من القسر التأثيلي “الإتمولوجي” حين يعتبر المؤلف العديد من الكلمات في اللهجة العراقية ذات أصول مندائية وهي بعيدة عنها لفظا ومعنى مثل كلمة (إمجرش) ويقول إنها شرش المندائية ، أو هي كلمات عربية أو ذات جذور جزيرية “سامية” وجدت في أكثر من لغة كالأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية وغيرهما وهذا النوع هو الغالب على كلمات المعجم الذي يقدمه السعدي. ومن الكلمات الأكدية التي مرت بنا في كتاب طه باقر، وكررها السعدي اعتبرها مندائية نذكر : خمط/ خشالة/ دجلة/ خَلال/ أكو / ماكو…إلخ. والأكدية هي الأقدم والأصل للعديد من اللغات واللهجات.
كما إن كون المندائية فرعا من الآرامية والتشابه بل والتطابق بين هاتين اللغتين يجعل من العسير علينا البتُّ في ما إذا كانت هذه المفردة أو تلك في اللهجة العراقية هي ذات أصل مندائي أو آرامي.
وهناك كلمات غير موجودة أصلا أو إنها كانت موجودة وانقرضت أو إنها غير شائعة في اللهجة العراقية من قبيل؛ جغم (يلهي)/ جغلول (عفريت)/ جغنف (متعال)/ كتينة (قضية)/ خنچة (أصم، أبكم )/ نحش (همس) سدام (قفل)/ باتول (قِدر صغير).. وغيرها.
ومن الأمثلة على ما سميناه القسر التأثيلي نذكر الأمثلة التالية البادئة بحرف الألف وهناك الكثير غيرها في الحروف الأخرى:
*إبلا التي يقول إنها تعني في المندائية “بدون”، ويمكن في الحقيقة اعتبارها عربية مُلَهَّجَة مكونة من لا النافية مسبوقة بحرف الجر الباء “بلا” ملفوظة بلهجة العراقيين التي تسكن الحرف الأول أحيانا فتجعل الكلمة قريبة من المهموزة “إبْلا“!
*يعبي = ويعتبرها مندائية تعني يملأ ويربط بينها وبين (العباءة التي يتعبأ بها الشخص)، وهذه المفردة هي فعل عربي معروف لفظا ومعنى هو “يعبئ” وربما وجد في لغات جزيرية أخرى، ويلفظها العراقيون بلا همز فالعرب عموما لا يستسيغون الهمز في كلامهم.
*إركن ويقول إنها مندائية (ركن) وتعني افسح الطريق وتعني تنحى جانبا. وهي عربية فصحى لفظا ومعنى وجذرها ركن وتعني في العربية والعراقية استقر واستند ومنه قوله “اركن سيارتك هناك” والركن أحد جوانب الشيء يستند إليه. ويقال عنها في المعاجم الفصحى: رَكُنَ الوَلَدُ: رَزُنَ، وَقُرَ، رَكَنَ، أَيْ كانَ رَزيناً وَقوراً، مالَ، سَكَنَ، اِطْمَأَنَّ إِلَيْه.
*أكو ويقول إنها (أكا) المندائية وقد مر بنا أن طه باقر وغيره يعتبرونها أكدية لفظا ومعنى.
*أبوي، وتعني أبي. والكلمة عربية من أب وياء النسبة وهي موجودة في العديد من اللهجات العربية كالفلسطينية والخليجية بلفظة (أبوي) فيما يعني في المندائية كما يقول المؤلف “أبوه” مع ضمير المفرد الغائب.
*إمجرش ويقول إنها شرش المندائية وتعني “يتجذر” والصحيح انها مشتقة كاسم مفعول ذات جذر عربي هو ” ج رش “/ ومنه الجريش: طحن الحب طحنا خشنا، ودقَّه دقًّا غير ناعم، طحنه ولم يُنعم طحنه”. والمؤلف نفسه يضرب مثالا لاستعمالها في العراقية فيقول ” جرَّش الماء أي تحول إلى ثلج غير كامل الانجماد / الدبس مجرش“.
*إتفصص ويقول إنها في المندائية (فسستا) بمعنى هدم وتخريب، في حين إنها عربية الجذر وتعني “فصصه أي جعله فصوصاً (جمع فصّ) كما في قولهم ” فصصتُ الرمانة”. ونقرأ عنها في معجم المعاني ” ف ص ص: فَصُّ الخاتم بالفتح والعامة تقوله بالكسر وجمعه فُصُوصٌ وفَصُّ الأمر أيضا مفصله“.
*إحذاي ويقول إنها في المندائية (اهدي) وتعني بجانبي وبالقرب مني. وهذه مفردة عربية فصحى هي حذاء (بجانب) مضاف إلى ياء المتكلم. وهناك أمثلة أخرى كثيرة كهذه.
ولكن هذه التحفظات لا تبخس الكتاب قيمته وفائدته ولا تعني عدم وجود كلمات في اللهجة العراقية العربية ذات جذور مندائية، وربما كانت ذات جذور جزيرية سامية وردت في أكثر من لغة؛ ومن هذا القبيل اخترت لهم هذه القائمة لما فيها من الجِدة والطرافة. سأضع المفردة كما تلفظ في اللهجة العراقية أولا، ثم علامة مساواة وبعدها اللفظ في المندائية بين قوسين فمعناها في المندائية أو اللهجة العراقية ثم استدراكاتي إن وجدت بعد نجمة صغيرة:
إتمسلت = (مسليوتا) فساد وفسوق.
إمتكس =(طاكسا) مرتب ومنظم.
إمدنفش = (نفش) ممتلئ سمين / وهي عربية فصحى أيضا. نقرأ في معجم المعاني: نَفَّشْتُ، أُنَفِّشُ، نَفِّشْ، مصدر تَنْفِيشٌ. :-نَفَّشَ الصُّوفَ :- : شَقَّهُ، فَرَّقَهُ، نَفَشَهُ.
إتنه و تانيني = (إتنا) انتظر، انتظرني. وهناك طرفة فاحشة جدا حول هذا الفعل حين يضاف الى كاف المخاطب لا يمكنني إيرادها ويمكنكم استنباطها!
إمطنب =(طنبا)حزن كدر.
أفيش = (فشش) استرخى واستراح.
إمعكمش = (كمش) يتجعد مجعد.
إمسودن = (شدن/ بالشين) يجن. مجنون.
أبو الهلس =(هلصا) المؤخرة شيء مدور وربما يقصد مكوَّر! ولا علاقة لها بنتف الريش كما يعتقد ولكني أتحفظ على تخريجته هذه لوجود كلمات أخرى يمكن أن تحل محل عبارة “المؤخرة الكبيرة المدورة“!
إمزهلل = (زهل) ينظف يلمع يطهر. واعتقد أن الأدق إيرادها في صيغة المفعول ” مُنظَف مُلَمع مُطهَّر.
إمبربع = (فرفا/ بريا) يفرح يبتهج.
جطل =(كطل) يقتل يطرح أرضا.
جَعَصَ =(شمص) ضغط / كبس / ضايق
الجزء الثاني: أبدأ هذا الجزء من هذه المقالة بهذه الملاحظة: أعتقد أنني في بداية قراءتي للصفحات الأولى من هذا الكتاب تفاءلت به أكثر مما ينبغي، ولكنني، ومع تقدمي واستغراقي في القراءة والاطلاع على المزيد من الصفحات والمفردات، وجدت أنني كنت على خطأ في تفاؤلي ذاك؛ فالكلمات في اللهجة العراقية ذات الأصل المندائي الأكيد لا تشكل إلا نسبة قد تقل عن نصف ما ورد فيه من كلمات. المأمول إذن أن يستدرك المؤلف على كتابه في طبعة لاحقة ويتجنب هذه الهفوات والثغرات ويتمسك بالأسلوب المنهجي العلمي، ويزيد من اطلاعه على المعاجم العربية الفصيحة للتأكد من وجود هذه الكلمة أو تلك في اللهجة العراقية وفي العربية الفصحى أو في اللغات الجزيرية الأخرى قبل أن يدرجها في معجمه. إنَّ هذا النوع من الكلمات العربية الفصيحة يمثل الكثرة الكاثرة من كلمات اللهجة العراقية إلى جانب ما يسميه العلامة طه باقر الرواسب من اللغات العراقية القديمة المنقرضة، بل أن هناك كلمات عربية فصحى منقرضة أو نادرة الاستعمال ولكنها ماتزال حية في اللهجة العراقية وقد ضربت عليها أمثلة عديدة في كتابي “الحضور الأكدي والآرامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام”، ومنها مثلا: برطيل، مدردحة، أريحي، نازك، دحس، برطم، ملخ، دفر، أثرم، أجلح، ثخين، ثول، ثرب، خبن، دحس، أهدل وختل….إلخ، فهي كلماته الأليفة في لهجته العراقية المعاصرة، وفي الوقت ذاته مفردات مؤثلة الجذور والمشتقات في المعاجم العربية القديمة على الرغم من عدم وجودها أو ندرة استعمالها في اللغة العربية الوسيطة “الفصيحة” المعاصرة، وقد ذكرت توثيقاتها في كتابي.
چا = ( شاا) يعني بالمندائية، يقول / يتكلم/ يتحدث.
*ولا أرجح هذا التخريج لأن المعنى بعيد عن معناها وفي لفظها في العراقية فهي تعني “إذن”، وحرف الشين لا ينقلب إلى جيم مثلثة “چ” بل هو حرف الكاف الذي يلفظ بها في ما يسمى كشكشة ربيعة وهي لهجة عربية قديمة وربما يصح التخريج الذي يقول أن أصلها “كا” الأكدية بمعنى “إذن” إن تم التثبت من ذلك.
چالي =(كالي) ضفة النهر.
چبشة = (كبش) يكبس يضغط يرص. علما أن هناك فعل عربي هو “كَبَشَ” قد يكون ذا علاقة بهذه المفردة ويعني (كَبَشَ الشَّيْءَ: تَنَاوَلَهُ بِجُمْعِ يَدِهِ/ معجم المعاني)، أو أنها كبس وحدث فيها إبدال بين السين والشين وهو عادة ما يحدث في اللغات الجزيرية “السامية”.
چوبي =(شُبا) وتعني رقم سبعة. وهي بالعامية العراقية رقصة شعبية تكثر في مناطق العراق الغربية.
*وهذا تخريج ضعيف لأن عدد الراقصين ليس سبعة دائما. وهناك تخريج لهذه الكلمة قال به الراحل مصطفى جواد وهي مأخوذة من “الجوبة”/ ولا أدري إنْ كانت بالجيم المثلثة أو المُعَجَّمة بنقطة. أي فسحة الدار التي تجرى فيها الرقصة وفعلا فهي تسمى في بعض مناطق العراق الغربية الجوابة.
چراز =(كرز) هراوة /عصا.
چقل = (شقل) ينقل يحول وتعني الأحول، العيون الحولاء.
چمة = (كيما) وهي الكمأ في اللغة العربية وتلفظ بكشكشة ربيعة “جيم مثلثة”، ولا مدعاة لجعلها مندائية و قد تكون ذات أصل جزيري أكدي أو غيره فوجدت في العربية والمندائية وغيرهما.
دنغوس = (دكوشا) وتعني في المندائية الثاقب، النافذ، الحاد وهذه المعاني بعيدة عن المعنى العراقي حيث تعني (اللئيم/ الحقود) وتلفظ بالزاي “دنغوز”.
دهدر =(دها + درا) دحرج، دفع.
يسوي =(شوا) يعمل.
*وهذا الفعل عربي فصيح وهو يسوي وسَوَّاهُ، نقرأ في المعجم: سواه أي قوّمه وعدّله، جعله سوِيًّا لا عِوَج فيه.
يشور =(شرا) يسحق يدمر.
يطر =(طرا) يدفع يصيب يفلق في المندائية.
*والفعل موجود في العربية بمعنى قريب على المعنى العراقي فهو معجم المعاني: طَرَّ الثَّوْبَ: شَقَّهُ وطَرَّهُ بِالسَّيْفِ: قَطَعَهُ.
يفسفس = (فسس) يبدد يتلف يدمر. لم أسمع بها بهذا المعنى في اللهجة العراقية الجنوبية.
يكرخ =(كرخ) يطوي ينكص / يطوي / يعود.
يگزل = (گزل) يعرج.
*وهذه الكلمة عربية فصحى تلفظ في اللهجة العراقية بقاف حميرية أي جيم قاهرية ويقول عنها معجم المعاني: قَزِلَ قَزِلَ َ قَزَلاً: عَرِجَ أَسوأَ العَرَج. وقَزِلَ دَقت ساقه لذَهاب لحمها. فهو أَقْزَلُ، وهي قزلاءُ. والجمع: قزْلٌ.
ومثلها يگلگ وهي في العربية والمندائية “يقلق” وتعني في المندائية كما يقول المؤلف تعني حول وزغللة في العينين.
يكنح =(كنح) يتباهي والقعقعة.
يهوبي = (هبا) يجبئ/ يخفي / يكتم.
يوز = (وزا) يثير/ يهر/ يحرك.
چنگال = (شن + كلل) يعرفه بأنه شيء يشبه سنارة الصيد. اعتقد أنه يقصد الخطاف المستعمل لتعليق الأشياء.
چيلة =(شولا) وتعني حفنة، كمية قبضة…
*وهذا تخريج ضعيف من شولا المندائية، وربما هي الكلمة العربية “كيلة وتقال في العامية بكشكشة ربيعة “جيم ثلاثية” بمعنى الطلقة أو الرصاصة وربما تكون لها علاقة بكمية أو كيلة البارود التي توضع في البنادق القديمة “كيلة البارود” ثم صارت تعني وحدة وزنية.
دايح = (دها) يدفع يطرد يخرج..
*وهذا معنى بعيد عن المراد بالدايح أي المتشرد والمتسكع في الطرقات وربما كانت لها علاقة بالفعل العربي “انداح الشيء: انبسط، امتد”.
دردغ =(درغا) وتعني يمشي الهوينا خطوة فخطوة.
دغ = (دغا) وخز وحرك.
دغار =(دغر) كوم / كدس.
*أعتقد أنها وحدة وزنية في اللهجة العراقية وتلفظ بالتاء أو الطاء تغار/ طغار
دغش =(دغشا) خديعة/ طعن بالسكين.
هِبري=(هبر) الظلام/ العتمة/ الكدر/ ويعترف المؤلف أن معناها في العامية العراقية بعيد لأنها تعني فيها الفقر والعوز هنا.
هجَّ =(هكا) ويقول إنها مندائية تعني غادر وتحول.
*ولكنها عربية فصحى وبمعنها العراقي بالضبط. نقرأ في معجم المعاني (هجّ الشّخص = فرَّ إلى مكان بعيد من ظُلمٍ ونحوه كأنّه اشتعلت ناره: هَجّ من بلاده).
هرفي = (هرف) جاء مبكرا.
*وردت في كتاب طه باقر “من تراثنا اللغوي القديم” كمفردة أكدية وهي عربية فصحى أيضا نقرأ في المعجم الوسيط (هرفَّت النَّخْلةُ: عجَّلت ثمرها. وهَرَّفَ القومُ إلى الصَّلاة: عَجَّلوا. والهَرْف: ما يُعجَّل من الثَّمر وغيره.
هطار=(هطرا) العصا الغليظة.
هلهولة =(هيلولا) العرس / وهي تعني الزغرودة وليس العرس تماما وهذا ما سجله المؤلف فقال وقد ينسحب معنى العرس على الزغرودة.
زعطوط =(زوطا) صغير / وردت في كتاب طه باقر سالف الذكر كمفردة أكدية وآرامية تلفظ “سطوطا”.
زفر =(زفر) نتن / زنخ.
زنجار =(زنگارا) صدأ.
زهر =(زهيرا) سم /
*ويستعمل في جنوب العراق لصيد الاسماك من عجينة خاصة تحتوي على مواد طبيعية سامة ومخدرة.
لهط = (لهط) ركض
مچاري =(شرا) الشخص الذي ينقل البضائع على الحيوانات.
*والكلمة عربية فصحى ووردت كثيرا في نصوص التراث القديمة بمعنها العراقي ولكنها تلفظ بكشكشة ربيعة “جيم مثلثة” ويقول المعجم (كارى يكاري كراءاً ومكاراة، وهو مكاري وهو الذي يستأجر لنقل المتاع ونحوه على الدواب أو غيرها من وسائل النقل، والجمع مكارون).
*نكتفي بهذا القدر من المتابعة شاكرين المؤلف على محاولته هذه، والتي كان يمكن أن تكون أكثر رصانة منهجية وفائدة معجمية لو أنها خلت من التعسف التأثيلي وابتعدت عن محاولات تكثير الكلمات العراقية ذات الأصل المندائي في اللهجة العراقية بأي طريقة كانت ومهما كان الثمن.
*رابط لتحميل نسخة رقمية بي دي أف من كتاب “معجم المفردات المندائية في العامية العراقية”: