الحب طائرٌ متمرد في حياة الأيام
نبيل عبد الأمير الربيعي
ذياب مهدي محسن آل غلام شاعر علقت عينيه في سماء وآلهة الشعر التي لا حدود لها، وفكرٌ حر يرفرف فوق رأسه، اهداني قبل ايام ديوانه (حياة الأيام) بطبعته الثانية، كانت قد صدرت طبعته الأولى عام 2002م في عمان، وكان يجد أن الشعر وحده الملاذ والعزاء في غربته، بعد الهروب من وطنه العراق عبر الحدود دون تأشيرة سفر أو جواز، فعاش معاناة الغربة عن الأهل والزوجة والأبناء، هاجر من أجل حماية إنسانيته وكرامته، ومن أجل حق الأختيار، ومن أجل قول الحق، فهو يجد واجب في قول الحقيقة وحق الاستماع، الذي له عنده مكانة بنيوية، ويرى الشعر أفضل حريةٍ والأكثر عملية، ويرى احترام الشعر مثل احترام المتدين لدينه، والقريحة لا تكفي وحدها.
فوجد في الهجرة والتغرب تجرع للصعاب، ويجب التضحية بالعمر والشباب والعلاقات، وشراء التكفير والتهديد بالروح وآلهة الشعر. فالشعر كان إلهه، يفكر ليل نهار بقصائده التي يكتبها ويرسلها للصحف العربية في وطن تغربه، أجد في ديوانه (حياة الأيام) شعرٌ جميل لم يقلد فيه أحد، واليوم الذي لا يفكر فيه بكتابة قصيدة لم يعد له معنى، فالسعادة بكتابة قصيدة، لا في الطعام الجيد والثياب الجيدة، يشعر بالسعادة حين ترضى روحه بقصيدة، فأختار طريق المخاطر، وخطَ بحذر أبعد من هواجس الذهن التقليدي.
كان في بعض الأحيان عندما ألتقيه بعد سفرٍ طويل خجلاً ويحمر من شدة الخجل، كان يكتب الشعر في الحب المكشوف، وهو من النوع غير المسموح به، فينشر نصوصه الشعرية التي احدثت ضجة بين القراء، وتنهال الرسائل عليه أو على الصحف من هنا وهناك لبعض المعجبين أو المتعصبين، هكذا كان الأمر، ففي العمق كان بلده يعيش في أزمة حصار وسياسة، وفي أمواج هائجة، بينما هو يكتب النص الجدلي الثقافي، فيبدع ويكسر (التابو) بالنص الشعري الجريء، نُشر عدة قصائد حتى وصلت في ديوانه (حياة الأيام) (32) قصيدة، عبر نصوصه الشعرية وصل للوجد والارتعاش والشهرة.
(نوال.. تتنزه في أزقة الروح) قصيدة قصيرة من ثمانية وعشرين بيتاً وبعض الصور، مع صورة شبه مفصلة لنوال. وذياب ذو الشعر المجعد والعينين الواسعتين النافذتين يستخدم اسماء النساء المستعارة في نصوصه النثرية، ولكن لقصائده يبث نداء الحب الذي يراه المجتمع محرماً، إلا أن شجاعته يتخطى التحريم:
يأتي الزمن
يهشم اللحظات
وضعتُ رأسي على صخرة الأوهام
لأعبر إليكِ
يا سيدة الأيام
لقلبي نبض
بيد أن جناحيَ كهيضٌ
أتبرعم في كلّ الاتجاهات
علّ روحي تلامس في المدى
أطراف روحك
لبلاب أتسلقُ ضفتيك
لا أسألك
من أي الطلاسم أنتِ؟
من أيِّ المروج قدَّ المولى قوامك؟
يا آخر الأحلام في زمني
كلما اقترب ينأى طيفك
دعيني أراك في المرايا
كوكباً أو مركباً
يجرجر أحلامي نحو الهاوية
كلّ المدائن والموتى
وأزمنة الرحيق بكِ تبتدئ
احتشدي عليّ
من رؤى الصباح
أو عند الأفول
كم مرّة في العمر تأتي النوارس
محملة بعطر الأمكنة
وأنتِ في نأيك عني
ترتعين؟!