كيف تدافع إيران وأفغانستان عن حقوق شعبيهما في مياه هلمند وتسكت بغداد!
علاء اللامي
إيران تهدد أفغانستان بالحرب إذا لم تطلق مياه سد كجكي على نهر هلمند، أفغانستان ترد: صححوا معلوماتكم وحسنوا ألفاظكم! فما تفاصيل هذا الملف ولماذا ترفض إيران وتركيا الإقرار بحقوق العراق المائية فيما يلتزم العراق الصمت على تجاوزات تركيا وإيران الفادحة؟ قبل أسابيع هدد الرئيس الإيراني حكومة حركة طالبان في أفغانستان بقوله: “لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجدّ حتى لا تعاتبوا لاحقاً”. الرد الأفغاني جاء سريعا على لسان رئاسة الحكومة ونصه: “على المسؤولين الإيرانيين تصحيح معلوماتهم حول مياه نهر هلمند والتعبير عن مواقفهم من خلال استخدام ألفاظ وتعابير مناسبة”.
*إيران أكدت أنها “تحتفظ بحقها في اتخاذ التدابير اللازمة”، وشددت على أن “عدم تنفيذ أفغانستان للمعاهدة وعدم توفير حقّ ماء نهر هيرمند / هلمند وإصدار بيانات سياسية دون إجراء عملي أمر غير مقبول بأي حال من الأحوال” وفعلا وقعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين سقط فيها قتلى وجرحى يوم 27 أيار من العام الجاري.
*سفير إيران لدى كابول والمبعوث الإيراني الخاص في شؤون أفغانستان، حسن كاظمي قمي قال: “إذا ثبت أنه يوجد الماء في السد وحركة طالبان تمنع إطلاقه نحو إيران، بينما تعترف نفسها بهذا الحق وفقاً لمعاهدة الماء بين البلدين، فسيتوجب عليها تحملُ المسؤولية”. ولكن ذبيح الله مجاهد الناطق باسم الحكومة الأفغانية قال إنَّ “سد كجَكي يقع على بعد 700 كيلومتر من الحدود الإيرانية، وعلى طول هذا الطريق هناك ثلاث ولايات، وحتى إذا تم إطلاق كل المياه الموجودة خلف سد كجكي، فلن يصل منها شيء إلى إيران”.
*الخلاصة هي أن إيران دولة مستقلة وهي تدافع بقوة عن حقوق شعبها، وتطالب بتطبيق المعاهدة مع الطرف الآخر وهذا أمر يحسب لها ويؤكد وطنيتها، فحسب هذه المعاهدة التي وقّعتها أفغانستان وإيران لحل مشكلة المياه في عام 1973، تمنح أفغانستان لإيران 26 مترا مكعبا من المياه في الثانية الواحدة، وعلى هذا الأساس يتدفق إلى إيران سنويا 820 مليون متر مكعب من المياه. وتقول إيران إنها خسرت العام الماضي 4 ملايين متر مكعب من المياه. وهنا تبدو حكومة أفغانستان مستقلة أيضا وهي تدافع عن حقوق شعبها ومتقيدة بالاتفاقية مع إيران إنْ صح ما تقوله عن كمية المياه القليلة بسبب الجفاف خلف السد المذكور، وهي محقة في رفضها للتدخل الإيراني في شؤونها السيادية الداخلية إذا لم تكن الاتفاقية تص على عمليات مراقبة وكشف!
في تقرير آخر نقرأ أن الخلاف الحالي يعود إلى شروط تقنية يتضمنها الاتفاق الذي ينص على أن لإيران حقاً في الحصول على 850 مليون متر مكعب من نهر هلمند “في العام المائي الطبيعي”، أي تكون نسبة الأمطار فيه طبيعية وتملأ النهر الذي يسع لـ ستة مليارات ونصف المليار متر مكعب من المياه، فإذا امتلأ يصبح لإيران حق في الحصول على حصتها من النهر وإذا لم يمتلئ فلن يكون لها حق المطالبة في الحصة المتفق عليها. تتشبث حكومة طالبان بهذا الشرط، وتقول حالياً إن نسبة المياه في النهر لم تبلغ ستة مليارات متر مكعب ونصف، وتدعي أنه إن حصل هذا فسيلتزمون بحق إيران ولكن طهران تؤكد على ضرورة تأييد هذا الادعاء من قبل خبراء إيرانيين، وهذا ما لم توافق عليه طالبان حتى الآن وتعتبره تدخلا في شؤونها السيادية.
*مقارنة بالعراق وحكومة التابعة والمسيرة من قبل السفيرة الأميركية رومانوسكي والتي يقودها ويسيرها لصوص المال العام فالوضع مختلف تماما؛ فإيران حرمت العراق من سبعة مليارات متر مكعب من المياه سنويا باعتراف معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري. ومع العراق، قطعت إيران مياه أكثر من أربعين رافدا ونهرا تصب في نهري دجلة وشط العرب جنوبا وفقد الشط ثلث مياهه بعد أن قطعت السلطات الإيرانية مياه نهر الكارون عنه، وغيرت مجراه ومصبه، ونقلت جزءا كبيرا من مياهه إلى أصفهان عبر نهر “زايندة رود” وسط احتجاجات غاضبة من أهالي الأهواز لحرمانهم أيضا من مياه نهر يجري في أرضهم.
ومع العراق فإيران لا تنكر عدوانها المائي وتتحجج بالجفاف وقلة المياه فيها، وترفض حتى المفاوضات لتقاسم الضرر أو لتطبيق اتفاقية الجزائر 1975 والتي توجب عليها اقتسام مياه عدد من الأنهار المشتركة بالمناصفة مع العراق (حسب فيديو حديث وكيل وزارة الخارجية السابق محمد الحاج حمود الدقيقة 33 وما بعدها)، وهذه المعاهدة المجحفة بحقوق العراقيين والتي تنازل فيها النظام السابق عن نصف شط العرب لإيران وتتمسك بها إيران أشد التمسك، ولكنها لا تنفذ حقوق العراق الواردة فيها حول مياه الأنهار المشتركة!
أما مع تركيا فالعراق ليس له الحق حتى في مياه أنهاره المحتجزة خلف السدود التركية وهي بالمئات وليس بالعشرات، وفي المقابل فهو يضخ لتركيا سنويا عشرين مليار دولار تقريبا مقابل السلع والغذاء الذي يستورده لتغذية شعبه بعد أن تم تدمير الزراعة والصناعة العراقيتين وبدأت أنهار العراق بالزوال التدريجي إضافة الى ما تقبضه تركيا من عائدات النفط العراقي المار في أراضيها، ومع كل ذلك ترفض تركيا عقد اتفاقية دولية لتقاسم المياه مع العراق لأن فيه دولة فاقدة السيادة والاستقلال والقرار! إليكم هذا الدليل: قال محمد الحاج حمود وكيل وزير الخارجية العراقية السابق في المصدر الفيديو السابق الدقيقة 45: “سنة 2008 جرت مفاوضات مع الجانب الإيراني وتم تشكيل عدة لجان حول شط العرب وأخرى للحدود البرية وثالثة الانهار المشتركة وأخرى الزيارات.. ولكن لجنة المياه اجتمعت اجتماعين ثم توقف نشاطها لأن الجانب الإيراني رفض الاستمرار في الحضور حتى اليوم. لماذا؟ لأنه كما قيل دولة مستقلة وذات سيادة وأفعل ما أشاء “بكيفي”!
وما يزال موقف الحكومات العراقية على ما هو عليه منذ 2008 وحتى هذا اليوم فهل هي حقا حكومات عراقية أم معادية للعراق وشعبه؟ سؤال نافل لا يحتاج إلى إجابة بل إلى معجزة في زمن اللامعجزات!
*رابط الفيديو الدقيقة 33 وما بعدها:
https://www.youtube.com/watch?v=adLP6R9u1Ts&ab_channel=AlsharqiyaTube