باسم حمودي يسلط الضوء على عالم السحر الغامض
نبيل عبد الأمير الربيعي
جميع كتابات الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي أجد فيها خصوبة التنوع بسبب التنقل في معيشته مع عائلته في مناطق الفرات الأوسط، وهي رحلة صولاته وجولاته في المدن العراقية التي زادته خبرة في مجال التاريخ والتراث، ودراسة المجتمع العراقي وحقول البحث الإنساني.
والكاتب باسم عبد الحميد حمودي من مواليد 1937 في بغداد، والحاصل على شهادة قسم التاريخ في كلية التربية عام 1960م، وأحد رواد الحركة الأدبية والصحفية العراقية، فضلاً عن كونه باحثاً ومختصاً بالتراث والفولكلور، نشر أول مقالة له (الفراغ) عام 1954م في جريدة (بغداد المساء)، وهو أحد أهم أركان النقدية العراقية التي انبثقت في القرن الماضي.
أشاد بدوره الناقد الراحل الدكتور علي جواد الطاهر وعبد الجبار عباس، تولى رئاسة تحرير مجلة الأقلام التي تُعني بالأدب الحديث، وكذلك رئاسة تحرير مجلة الثقافة الأجنبية التي تعني بالثقافة والفنون بالعالم. وعمل محرراً في مجلة التراث الشعبي ثم رئيساً لتحريرها، وسكرتيراً لتحرير مجلة الرواد التي تعني بأدب الرواد، ومسؤولاً عن صفحة التراث الشعبي في جريدة (المدى) ونشر العديد من البحوث والدراسات،
ألّف الكثير من الكتب، وخاصة في الأدب الشعبي الذي اختص به، منها “السيرة الشعبية والذات العربية” و”القضاء العرفي عند العرب: معجم المصطلحات” و”الناقد وقصة الحرب: دراسة تحليلية”، و”عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية”، والزير سالم” و”تغريبة الخفاجي عامر العراقي”، و”محمود العبطة فولكلوري عراقي يرحل”، و”أنا عاطل وقصص أخرى” و”الوجه الثالث للمرأة” وكتب عن شخصيات ودراسات في التراث الشعبي”، و”ديوان الأقلام” و”رحلة مع القصة العراقية” فضلا عن كتب “شارع الرشيد” و”في دراما قصيدة الحرب: تنويع نقدي على قصيدة الفاو” و”في تفاصيل الحدث: الهامش في التاريخ العراقي”، وكتب ودراسات في التراث الشعبي” و”حالة نصف الدائرة” و”ميريل ستريب”. ورواية “الباشا وفيصل والزعيم”.
وأخيراً صدر حديثاً عن دار الفرات للثقافة والاعلام في بابل بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع كتابه الموسوم (السحر.. ذلك العالم الغامض)، والكتاب من الحجم المتوسط يقع في (128) صفحة، سلط فيه الضوء على تاريخ السحر قديماً وحديثاً من خلال المعتقد الشعبي في السحر والأوفاق والتعاويذ، وأنوزاع السحر ووقاية العلاج والرقص الآسيوي والمسرح والسحر.
عرفت الأقوام الأولى السحر والعرافة منذُ أقدم الأزمان، وما تزال بعض الأقوام تضع للسحر مكانته الروحية والاجتماعية الخاصة، باعتباره عنصراً حامياً، والساحر إنساناً مهماً وضرورياً في مجتمعه. والسحر هو العادة الذي تمثل مواقف الخوف الكبير في المجمعات البدائية. وربما كان بسبب طبيعة البنية وقسوتها وعدم وجود رادع ديني واضح يضعف من موقف السحر والسحرة، لكنني أجد أن السحر يأخذ مداه في مجتمعات الشعوب بادئاً بالتنجيم وقراءة المندل وكتابة الأوفاق. والعرب قديماً سمت السحر سحراً لأنه يزيل الصحة إلى المرض، ويقال سحرهُ أي أزالهُ عن البغض إلى الحب. والإنسان يلجأ إلى السحر والخرافة لاعتقاده منذُ القدم أن ما يصيبه من أمراض قد يكون نتيجة لعين حاسدة أو أرواح شريرة أو مسّ من الجن أو انتقام من الآلهة.
في هذا الكتاب سلط الكاتب الضوء على السحر وأنواعه وطرق ابطاله لدى الشعوب على مر التاريخ. ويظل العمل السحري نشطاً معه ما دام هناك نقاط ضعف لدى الإنسان علمياً ودينياً. وقد قضى المؤلف وقتاً طويلاً مع مجموعة من كَتبة الأدعية والتعاويذ للحصول على ما لديهم من مادة، فمنهم من رفض مساعدته ومنهم من ساعده بعد امتناع وحذر، في الوقت ذاته استعان المؤلف بعدة مؤلفات في هذا المجال لإنجاز هذا الكتاب كمادة أولية للدراسة والتحليل والاستنتاج، راجياً أن يكون قد وفق في تقديمه للقارئ الكريم. والغاية من هذا الكتاب كما يرى الكاتب هو لاظهار بعض نماذج ووسائل السحر دون الإيمان بها، ومعرفة جزء من المعتقد الشعبي الذي هو معتقد جمعي متوارث.