لدكتورة أسماء غريب… وإتْنا ورحلةُ الظّهور المُقدّس
نبيل عبد الأمير الربيعي
الدكتورة أسماء غريب شاعرة، وناقدة، ومترجمة، وفنانة تشكيلية، مقيمة في إيطاليا، مستشارة في هيئة التحرير لدى مجلة السّلام الصادرة من السويد (ستوكهولم)، مديرة الفرع الإيطالي للبيت الثقافي العربي في الهند؛ عضو رابطة الأدباء العرب؛ حصلت عام 2006 في إيطاليا على لقب أوّل امرأة عربية تتخرّج بمرتبة الشرف الأولى من جامعة الدراسات الشرقية الإسلامية. وقد كانت أطروحة إجازتها باللّغة الإيطالية حول “أسرار الحروف النورانية بالقرآن الكريم”؛ حصلت عام 2008 ومن الجامعة ذاتها، على شهادة الماجستير الدولية للدراسات العليا بمرتبة الشرف الأولى، تخصّص: دراسات حول البلدان العربية والإفريقية. وكانت أطروحة الماجستير حول “إسراء ومعراج الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام”؛ ـــــ في بدايات عام 2012 حصلت بروما على دبلوم في التحرير الأدبي والصحفي من “ستيلوس” مؤسسة علوم التحرير الأدبي والصحفي باللغة الإيطالية؛ نالت في 28 حزيران 2012، بروما بجامعة “المعرفة /La Sapienza” قسم الدراسات الشرقية: تخصّص (حضارات وثقافات دول إفريقيا وآسيا) شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز وبمرتبة الشرف الأولى عن أطروحتها الموسومة بـــــ (الحداثة في المغرب، من التاريخ إلى الأدب: محمد بنيس أنموذجا للدراسة والتحليل) ـــــ شاركت في العديد من الأنشطة الثقافية الخاصّة بحوار الأديان بأهمّ المؤسسات التعليمية بمدينة إقامتها. لها العديد من المؤلفات. بدأت مشروعها أدبيّ سرديّ بعدة روايات، وهي بهذا ترنو إلى وضع لبنات جديدة في البناء السّرديّ الصّوفيّ، عبر تقنيات تعتمد أسلوب المراسلات حينًا، والميتاسرد أحيانا أخرى، مع اللّجوء إلى الغوص في قضايا تراثيّة بأسلوب حديث فيه الكثير من الحفر الفلسفيّ والعرفانيّ الشّاهق.. ولقد بلغت نتاجات الدكتورة أسماء الأدبيّة ما يزيد عن أربعين إصداراً، بين ترجمة وحوار وشِعر ونقد ورواية.
وعن تجربتها الجديدة هذه تقول الباحثة د. أسماء غريب: (الحياةُ بأسرهَا كتابٌ مفتوح، والنّاسُ فيهِ صفحات لا بدَّ من قراءَتِها بعقلٍ مُقَمَّطٍ بالنّورِ، ومُعَمّدٍ بالفرحِ والرّضا، ومن هذا المنطلقِ دخلتُ عبر هذا النّتاجِ النقديّ الجديدِ إلى محراب الحرفِ لأقرأَ منْ ذاكِرتِه أعمالَ قاماتٍ أدبيّة سامقة رافقَتْي لأيّام طوال قضيتُها أفكُّ فيها طلاسمَ الأبجديّة بصبرٍ عرفانيٍّ جميل، ومحبّة صوفيّة عميقة، وأرصُّ لآلئَ الكَلِم ومُرجانَ البوحِ نجوماً أُضيءُ بهَا عتمةَ الأزمنَةِ والأماكنِ، لأعرِفَ بالحرفِ نفسِي، وأرى على مرآتِه وجهِي كما هُوَ، قلباً مُتبتّلاً في محراب النّون والقلم، وأدخلَ بهِ ومنْهُ إلى مجرّتي الأمّ، أَخْبِرُ فيها هزّات أرضِ العَقْلِ، ونبضاتِ سماوات القلْبِ وهُو يحملنِي إلى الأكوان ويدورُ بي كالدّرويش الرّاقصِ بسُرعة الضّوء، وأُطِلُّ بهِ من أعماقي على البلدان، والنّاسِ فيها من أهل الكتابة، فأعرفُهُم ويعرفُونَنِي، وأقرأُ لهُم كما لمْ أقرأ لأحدٍ من قبْل، وأجسّ نبضَ حروفهم وأجلسُ قبالتَها أكَفْكِفُ دمْعَهَا وهيَ تبوحُ بمكنوناتِها عن كلّ أديبةٍ أو أديبٍ رصدتُ إبداعَهُما سواء في المسرحِ أو الشّعر أو الرّوايةِ).
وكان لأحدث إصدارات دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة 1-7-2023، كتابها الموسوم (إتْنا… رحلةُ الظّهور المُقَدّس… من الحضرة الهيروغليفية إلى الحضرة المهدويّة)، الكتاب بحلته الجديدة بواقع (188) صفحة من الحجم المتوسط، وقد زينت صفحات الكتاب الأخيرة بملحق من اللوحات. تهانينا الحارة للسيدة الفاضلة الأديبة المترجمة والناقدة د. اسماء غريب، لهذا الإنجاز الكبير الرائع، والشكر والتحية لجهودها الزاخرة في توصيل الكلمة وإثراء الثقافة.. مع فائق تقديري ومودتي .
في كتابها الأخير، تطرح عدّة اسئلة حول الإمام الغائي المهدي (ع)، ومن تلك الأسئلة: هل غاب المهديُّ حقاً؟ إذا كان الأمرُ كذلكَ، فأين هُوَ يا ترى؟ ولماذا هُو مُنتَّظّرٌ إلى اليوم؟ بل مَن هُم هؤلاء الذين حافظوا على وعد انتظاره مهما طال الزّمان أو قصر؟ أمجانين هُمّ، أم سادةُ العقلاء ممّن قذف البارئُ في قلوبهم النّورَ المبين؟ هذه بضعُ اسئلة ضمن محيط هادر من علامات الاستفهام التي يطرحها الإنسان الآن. هكذا علمتنا الدكتورة أسماء في كل مؤلف، تطرح الأسئلة وتأخذنا بعالمها الرحب لنصل إلى الجواب.
وفي كتابها هذا تقول: (كل في هذا الكتاب سيجد صاحب زمانه، لا يهمُّ بأي ميثولوجيا يعتقد، أو إلى أي دين أو مذهب ينتمي؛ فالمسلمُ سُنياً كان أو شيعياً سيجدُ فيه الإمام الثاني عشر (ع)، والنصرانيُّ سيرى فيه المسيح (ع)، واليهوديَ سيعثر فيه على موسى (ع)، والبوذيُّ له فيه كريشنا، وصاحب الرَوح الهيروغليفية سيرى فيه حورس، وهكذا دواليك من الميثولوجيّات الدينية التي تتحدثُ عن هذا البطل المُقّدَّس. ولكلٍّ مَلِكُه المُنقذُ الذي يتفرد داخل كلّ روح بخصائص معينة تجعله مختلفاً لدى كلّ فردٍ أو كائنٍ حيٍّ مهما كانت مملكة الحياة التي ينحدرُ منها، بما فيها مملكة الحيوان. وهذا التفرد والاختلاف يأتي من اختلاف كلّ إنسان عن أخيه سواءً في الفكر والشخصية أو ظروف الولادة والمنشأ وتجارب الحياة وخصوصية العقيدة والإيمان. سيَدُ الأبجديات كلها هذا الإمام المُخلِّص، عرفتهُ نقطةً، ثم جعلتُ منه حرفاً، وحولته فيما بعد إلى كلمة حيّة هي العقل الخلاّق. لأجل هذا أدركتُ خلاصي بالكلمة).
الدكتورة أسماء غريب جوهرة في الأعماق غير مكتشفة، لا يعرفها إلا من يعرفها، حُبلى بأدوات التنقيب، البارعة، وللعزلة عندها لونٌ آخر. وحدها ترصد ضجة الميدان، محصنة من شراك القالٍ والقيل، غير مكترثة بالكثرة، تسوطهم الغرائز والتفاهات، كأني أراها متكهفة في غرفتها، تحفها الملائكة وكأن كيانها قد رَوَّض وحش الجَسدَ ومخالب الاحتياج، تقرأها عن بُعد وهم عرضة للهاث المتناهي. هكذا يقرأها الدكتور هيثم كاظم المحمود.
الدكتورة أسماء غريب حرفٌ مندلقٌ مشبَّعٌ بإشراقةِ وهجِ الرُّوح يستنهضُ أحلامًا غافية بين وهادِ النِّسيان، وتكتبُ نصَّها من وحي تراكمات مشارب فكرية أدبية ثقافيّة فكريّة غزيرة، كأنَّها في رحلةِ استكشافٍ لاستشرافِ أنقى ما في تجاعيد الذَّاكرة، وتجسيدها في رحابِ خيالٍ فسيح متعانق مع إشراقة الحرف على مرامي أسرارِ اللَّيل. حرفُها منبعث من طينِ المحبَّة، من هدوءِ اللَّيلِ الهائم في عناقِ بهجةِ القصائد. تتناثرُ رؤاها على مسارِ بهاءِ الشِّعرِ، تداعبُ عرشَ الحروفِ، وتغوصُ في أعماقِ دهشةِ الاشتعالِ، حرفُها مخضَّبٌ بأشجارِ الحنين، فتولدُ انبعاثات وميض البوح من أعماقِ أحلامٍ متوارية في متاهاتِ الزّمن.