تاريخ اليهود في العراق .
شيوعيون يهود في العراق
شهد العراق في بدايات تأسيسه دوراً مشهوداً لليهود العراقيين في مجالات شتى ضمن تكويناته الإدارية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وقد وصلوا إلى مواقع وأدوار مهمة في عصب تشكيل الدولة العراقية، وقد لعب اليهود دوراً مؤثراً في تاريخ العراق السياسي، فمنذ تأسيس عصبة مكافحة الاستعمار والاستثمار والتي تحولت لاحقاً إلى إعلان تأسيس الحزب الشيوعي العراقي يوم 31 آذار 1934، كان لليهود العراقيين الشيوعيين أثر في هذا التحول السياسي في تاريخ العراق، حيث واكبوا هذا المولود السياسي بل لعبوا دوراً في تشكيله وتركوا أثراً في نضاله الوطني والطبقي. فليس اعتباطاً ولا بعيداً عن الواقع أن من يفتش بين أوراق الكتب سيعثر على شخصية شاؤول طويق أول شهيد شيوعي عراقي يهودي في انتفاضة 1946. ويذكر لنا التاريخ حول الشخصية الشيوعية التي عاصرت يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفاقه محمد حسين الشبيبي (صارم) وزكي بسيم (حازم) واعتلى حبل المشنقة عام 1949 وهو يهودا إبراهيم صديق، لكن لظروف وتداعيات ما زالت مبهمة لعدم ذكراه وتمجيد شهادته مع قادة الحزب الشيوعي الميامين في ذلك اليوم الأغر من تاريخ العراق السياسي بحجة إنه ضعف بالتحقيق وأدلى باعترافات على رفاقه، فالسؤال المطروح والواقعي دوماً لتبيان الحقيقة، لماذا أقدمت السلطات الملكية على سوقه إلى منصة الإعدام مع رفاقه؟
وبعد أن اعتلى قادة الحزب أرجوحة الشهادة في يوم 14 شباط 1949 تولى قيادة الحزب شاب يهودي بعمر العشرين ربيعاً هو ساسون دلال، وبعد شهور معدودات وقع في قبضة السلطات ولم تمض على إعتقاله إلّا فترة وجيزة من مكوثه في السجن، حتى سيق سريعاً إلى منصة الاعدام بشموخ وتحدّ، وكانت رسالته المؤثرة قبل ليلة من إعدامه إلى أخيه قد جسد فيها قيم المعاني والنضال والتمسك بالوطن.
بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 كان يقبع في السجون الملكية مئات من الشيوعيين العراقيين. وكان من بينهم شيوعيون يهود هم؛ حسقيل قوچمان، سعاد خيري، عميدة المصري، عادل المصري وآخرون، وقد استثناهم قادة ثورة تموز في إطلاق سراحهم وتحريرهم من السجون إلا مقابل تعهدات خطية بالتنازل عن قوميتهم وديانتهم اليهودية، وفي يومها حمل عضو المكتب السياسي هادي هاشم الأعظمي والشخصية الثانية في قيادة الحزب وثيقة البراءة إلى السجون إلى رفاقه في النضال لتخييرهم بين التنازل والبقاء في السجن ، وقد جوبه بالرفض من بعض الشيوعيين اليهود في التنازل عن قوميتهم باعتبار الحزب حزباً أممياً، وكان من بين هؤلاء الأكثر تشدداً وموقفاً حسقيل قوچمان كما ورد بأكثر من موضع في أوراقه وكتاباته، وعلى إثر هذا الموقف تعرض إلى التهميش والتهجير وقصته واضحة ومعروفة بين أوساط الشيوعيين.
وبالرغم من الدراسات التي تناولت تاريخ الحزب الشيوعي العراقي إلّا أنها لم تتناول جوانب أخرى في بدايات تأسيسه وقاعدته الجماهيرية ودور الأقليات في مسيرة نضاله ومنهم اليهود.
عُدّ اليهود واحدة من تلك الأقليات المهمة التي كان تأثيرها واضحاً في المسار الفكري للحزب في فترة تاريخية مهمة للحزب الشيوعي وهي فترة الأربعينيات من القرن العشرين والتي أعطت تفسيراً واضحاً عن دور اليهود العراقيين
في المسار السياسي والفكري والقيادي في الحزب وما لعبوه من دور مهم في حياة الحزب من دعم مالي ودعم لوجستي ووضع اجتماعي وأمني، حيث تشير المصادر التاريخية إلى نشاطات الحزب الفكرية والتنظيمية في بيوت اليهود في العراق، وما يرجح هذه الفرضية هو اعتقال فهد عام 1947 في تلك البيوت اليهودية، مما يوضح ثقل اليهود الكبير في جسد الحزب الشيوعي.
إن هيمنة اليهود على الحزب الشيوعي العراقي وتحديد مواقفه ومساراته من القضايا الداخلية والعربية ومنها قضية فلسطين جاءت بموقف مؤيد لقرار تقسيم فلسطين عام 1947، ولم نخفِ موقف السوفييت وتأثيرهم على قرارات الأحزاب الشيوعية في البلدان التابعة وبضمنها العراق.
بعد سنوات لاحقة من مسيرة الحزب وبعد أن انتقل إلى المهجر وتبنى سياسة جديدة في النضال في نهاية السبعينات على إثر فسخ ميثاق العمل الوطني مع البعثيين وتعرض العراق إلى هجمات متتالية للنيل من سيادته الوطنية، أفرزت تلك التداعيات مواقف وآراء من الدفاع عن الوطن، وعندما تعرض العراق إلى هجوم إيراني باحتلال ميناء الفاو، انبرى قسم من قادة الحزب الشيوعي العراقي في اتخاذ مواقف سياسية معارضة للخط العام لسياسة الحزب حول رؤيتها للحرب والموقف الوطني منها، وقد برز من هؤلاء الشيوعيين زكي خيري وزوجته سعاد خيري فحملوا شعار الدفاع عن الوطن (العراق في خطر)، لقد تبنى زكي خيري هذا الشعار والموقف من الوطن ودافع عنه من خلال إدانته للموقف الإيراني والإصرار على الحرب واحتلال أرض العراق الوطنية معززاً موقفه بتجارب شعوب العالم في الدفاع عن أوطانها، ولقد كلف يومها فالح عبد الجبار في الرد على مواقف الشيوعي العراقي اليهودي زكي خيري في الصحافة والمنابر الأخرى.