في كتاب موسوعي.. عبد الحسين شعبان يستعيد زمن 48 شخصية عربية نخبوية
أبحر الأكاديمي والمفكر والمجدد والحداثوي العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، أبحر غائصاً في لُجج البحار الفكرية والثقافية والسياسية والدينية لعدد من الشخصيات النخبوية العربية، في كتابه الجديد، الصادر، حديثاً، تحت عنوان: “الزمن والنُّخب في أنطولوجيا الثقافة العربية”، (في طبعة أولى 2023 عن “مطابع دار الأديب” في عمّان – الأردن.
وهذا الكتاب هو كتاب موسوعي (تربو صفحاته على ما يفوق الـ: 590 صفحة من القطع الكبير).
وهو كتاب يتمحور حول ثمانية وأربعين شخصية معروفة، مرموقة ومشهورة، يُشرّعها الكاتب، على رياح القراءة والإطلاع المعرفيّين.
ويحمل هذا الكتاب، على غلافه الأخير كلمة مختصرة، هي عبارة عن تعريف مقتضب بالكتاب والكاتب بقلم الأكاديمية والكاتبة والناقدة اللبنانية الدكتورة إلهام كلاّب.
وتتألف محتويات هذا الكتاب من: “تمهيد”؛ و”ثمانية وأربعين” فصلاً. كل فصل يتمحور حول شخصية بعينها.
المهمة لم تكن يسيرة، بل معقدة، وخصوصاً في الاختيار والتناول، فضلاً عن المعنى والدلالة
ومما يقوله شعبان في نص التمهيد، نورد ما يلي:
“لم أشأ كتابة السيرة الذاتية أو المذكرات الشخصية أو تدوين الذاكرة الشفوية لعدد من الشخصيات العربية أو حتى رواية أحداث تتعلق بمسارها الفكري والثقافي والسياسي، وإنما انصب جُلّ اهتمامي لحظة الكتابة على إضاءة بعض الحقائق وتوثيق بعض المواقف وتدقيق بعض الأحداث من خلال رؤية جمالية خاصة وعبر زاوية شخصية كما أراها أو شاركتها أو عشتها أو شاهدتها أو قرأتها أو اطلعت عليها في أنطولوجيا ثقافية شملت عدداً من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية والدينية البارزة التي ساهمت في تقديم تصورات ورؤى لبلدانها ومجتمعاتها أو اتخذت مواقف واتبعت سياستها بشأنها، سواءً أصابت أم أخطأت، إلا أنها اجتهدت أو حاولت ضمن نشاطها وحركتها وفي إطار الصراع الداخلي والدولي أن تجد لها مكاناً فيه، وبالطبع فالمهمة لم تكن يسيرة، بل معقدة، وخصوصاً في الاختيار والتناول، فضلاً عن المعنى والدلالة.
بما أن تراث تلك الشخصيات العامة مفتوح، فهو معرّض بطبيعة الحال للنقد والقراءات المتعددة
“وبما أن تراث تلك الشخصيات العامة مفتوح، فهو معرّض بطبيعة الحال للنقد والقراءات المتعددة، لهذا فقد سعيتُ بقسطي وبما تربطني بها من علاقات مباشرة في الغالب الأعم أو غير مباشرة، فبعضها ارتبطت معه بصداقة وأخرى بمعرفة وثالثة من خلال المتابعة والقراءة ورابعة بالتأثير والتأثّر لجيل عاش وتربّى في إطار متغيرات سريعة ومتفاعلة ومتداخلة أحياناً، حتى وإن بدت متباعدة، لكنها متصلة بالإيجاب والسلب أيضاً، لما تمثله من مدارس فكرية واجتماعية وفنية وأدبية وثقافية باهرة شكلت رؤية جمالية في إطار منظور فلسفي تركت بصمتها على المشهد العربي العام كجزء من ظاهرة مع التميّز الشخصي لكل منها.
“والشخصيات الثمانية والأربعون التي حاولت الإضاءة على التماعاتها في أنطولوجيا النخب الفكرية والثقافية تمثل جزءاً حيوياً من كينونة المشهد العربي لزمن له خصوصية تتعلق بعلم الوجود وهو ما نقصده بـ”الانطولوجيا”، أي علم تجريد الوجود، وهو أحد أفرع الميتافيزيقيا، ولا سيما الوجود اللامادي مثل: المادة والطاقة والزمان والمكان والكم والكيف والعلة والقانون والوجود الذهني، وهو ما يطلق عليه الكينونة being أو الوجود Existence.
“وهذه الشخصيات ذات علاقة وثيقة بزمنها وبالواقع تساوقاً مع كلمة الوجود التي ترجمها الفارابي وابن سينا عن اليونانية بـ كلمة “الأيس” أي الوجود مقابل “الليس” أي العدم، كقولهم الأين والمتى والكيف. وقد استُخدم المصطلح خلال السنوات الأخيرة بالإشارة إلى أنطولوجيا علم المعلومات وعلم الحاسوب، أي علم توصيف المصطلحات.
“وجاء في معجم المعاني الجامع (عربي – عربي) أن الانطولوجيا قسم من الفلسفة لعلم ما بعد الطبيعة، وهو علم يدرس الوجود بذاته. أصله onto الوجود، وLogei أي العلم، وقد ورد لأول مرة اسخدام هذا المصطلح في العام 1613 في القاموس الذي ألّفه غوكلينيوس، وقد استخدمه كريستيان وولف عنواناً لكتابه في القرن الثامن عشر.
“وإذا كان لكل من هذه الشخصيات التي تناولتها تاريخه الخاص والمتميز، ولا سيما ما عُرف به، فمنهم من سُجن، وآخر من اختفى قسرياً، وثالث قد قتل، ورابع هُمِّش، وخامس عاش محنته الأكاديمية والثقافية، فإن تسليط الضوء على منجزها المعرفي والثقافي والفكري يُقدّم صورة متكاملة لزمن عربي بكل ما له من إيجابيات وما عليه من سلبيات في سياق المرحلة السياسية والاجتماعية ارتباطاً بصدمة الاستعمار الأولى وتشكّل الدول الوطنية ما بعد الاستقلال وطبيعة نظم الحكم السائدة واصطدام قيم الحرية والحداثة بما دونها من خلال النقد ووفقاً لمؤشر معياري أساسه التنوير والتغيير والجمال.
لم يقتصر الكتاب على تيار فكري أو اجتماعي أو سياسي واحد، بل تناول المُعارض والمنفي والمهزوم
“ولم يقتصر الكتاب على تيار فكري أو اجتماعي أو سياسي واحد، بل تناول المُعارض والمنفي والمهزوم، مثلما توقف عند الملك والأمير والرئيس وعالم الدين أو المشتغل بالحقل الديني والمثقف والمفكر، فبينهم اليساري والقومي والمتديّن وغير المتديّن، والتقدمي والمحافظ، والحاكم والمحكوم، دون النظر إلى الهوية الخاصة أو العامة، ولكنه فحص ذلك من خلال قيم التسامح واللاّعنف والسلام والحرية والمساواة والعدل.
“وإذا كان العراق كبلد لم يندرج ضمن الشخصيات الثمانية والأربعين التي تناولتها والتي تمثل 16 بلداً عربياً، إلا أن الرؤية العراقية كانت حاضرة بقوة وفي كل مفصل من مفاصل هذه السردية الانطولوجية بفعل كاتبها الذي حاول التآخي بين الهمّ العراقي والهمّ العربي عموماً، ثقافياً وحضارياً في إطار الرؤية النقدية لمسار طويل ومفتوح عربياً، حيث اتسع الكتاب للبلدان الآتية حسب الترتيب الأبجدي: المملكة الأردنية الهاشمية، دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، الجمهورية التونسية، جمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبية، المملكة العربية السعودية، جمهورية السودان، الجمهورية العربية السورية، دولة فلسطين، دولة الكويت، الجمهورية اللبنانية، دولة ليبيا، جمهورية مصر العربية، المملكة المغربية، الجمهورية الإسلامية الموريتانية والجمهورية العربية اليمنية”.