تعد حرية الصحافة في لبنان أحد أركان الديمقراطية وحقاً أساسياً لكل مواطن لبناني. لكنها اليوم تواجه تحديات كبيرة نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي يشهدها البلد. وعلى الرغم من وجود تشريعات وأنظمة تهدف إلى ضمان بيئة حرة وآمنة للصحافيين وتكفل حق الحرية في التعبير، إلا أن التدخل السياسي الفاقع في السلك القضائي اللبناني أثر بشكل مباشر على استقلالية ونزاهة القضاء، وعلى حيادية وسائل الإعلام، التي تحولت في معظمها إلى منابر منابر.
بالأمس أصدرت محكمة جزائية لبنانية، حكما يقضي بسجن الإعلامية ديما صادق لمدة سنة، بجرم «إثارة النعرات الطائفية والقدح والذمّ»، وذلك في الدعوى المقدمة ضدها من التيار الوطني الحر، ممثلاً برئيسه جبران باسيل، على خلفية تغريدة تعود إلى العام 2020، وصفت عبرها صادق التيار الوطني الحر بـ»النازي»، وذلك بعد تعرض الشاب زكريا المصري لاعتداء من مجموعة عناصر تنتمي للتيار الوطني الحر في منطقة جونية.
وقد علقت ديما صادق عبر تويتر : «جبران باسيل انتزع قرار قضائي بسجني سنة دون إيقاف التنفيذ من محكمة الجزاء من خلال القاضية روزين حجيلي في سابقة استثنائية. نعم، في لبنان يسجن الصحافيون بدعاوى القدح والذم» .
الحكم ليس الأول من نوعه على الصحافة في لبنان، فقد سبقه حكم كيدي على الإعلامي اللبناني فداء عيتاني، ولن يكون الأخير، لكنه أثار صدمة في الوسط الإعلامي والحقوقي، ووصف بكونه «استثنائيا»، لجهة الحكم بالسجن بحق صحافية بسبب تغريدة عبرت فيها عن رأيها، الأمر المراد منه تكميم الأفواه والحد من الحريات الإعلامية والصحافية في البلاد.
وقد احتفى التيار الوطني الحر وانصاره بالحكم الصادر.
وفي بيان نقله موقع قناة «الحرة» الأمريكية، جاء فيه أن القضاء اللبناني «أنصفه»، وأدان الإعلامية «بجرائم القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية».
وقد عمت مواقع التواصل الاجتماعي موجة استنكارات واسعة كان أبرزها تغريدة النائب سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب، قال فيها: «نعيد التأكيد أن محاولات الترهيب التي تمارس على الأقلام والإعلام الحر لن تجدي نفعًا بل ستزيدها إصرارًا في الدفاع عن قضيتها حتى النهاية. كل التضامن مع الإعلامية ديما صادق في معركتها، مع التذكير أن محكمة المطبوعات هي المكان الصالح لمحاكمة الصحافيين، وليس القضاء العدلي».
أما الإعلامية ديانا مقلد فكتبت عبر تويتر «أن التيار الحر صاحب السجل الأكثر انحطاطاً لجهة لغة الكراهية والتحريض ونشر المعلومات المغلوطة انجرح شعوره من تغريدة لديما صادق تقول فيها إنه «نازي» اليوم سقطة مدوية جديدة لبعض القضاء في لبنان. قاضية محسوبة على التيار تصدر حكماً بسجن ديما صادق بسبب تغريدة. الحكم غير مسبوق لجهة تعسفه في قضايا حرية التعبير وهو يعكس العقل الرجعي، الذي يسكن قادة هذا التيار والأخطر يعكس تمدد قوى السلطة في الجسم القضائي واستغلال القضاة المحسوبين عليهم لتسجيل نقاط وأحكام ضد خصومهم ومنتقديهم.. انحدار جديد نعيشه في لبنان ونكاد لا ننتهي».
إلى وقت قريب كنا سذجا ونعتقد أن ملوك الطوائف في لبنان يستنزفون جهودهم بالسطو السياسي والاقتصادي على خيرات البلاد، لاحقا اكتشفنا أن هذه السلطة جيرت فائض قوتها للسيطرة على القضاء والإعلام في محاولة وقحة لابتلاع الفضاء العام في البلد الخراب. كل التضامن مع الإعلامية ديما صادق في مواجهة «رئيس التيار الوطني الحر» و»المرشح الرئاسي السابق»، والأهم من كل ذلك «صهر الجنرال»!.

عندما تتغير معاني المفردات

المربية هي امرأة قديرة وفاضلة ومحبة تعتني بالأطفال، وتهتم بشؤونهم في غياب أهلهم. هي من تثق بها الأم العاملة، وتترك في رعايتها ابنها الصغير كي تتمكن من العمل ومساندة زوجها في إعالة الأسرة. أما الحضانة فهي المكان الذي يضم الأطفال بالمحبة ويرعاهم ويحميهم. ولكننا نكتشف مع مرور الأيام أن المفردات لا تحمل وفاءً لمعانيها. قد تغدر بالمعنى وتقفز عنه لتلبس ثوباً آخر لا يشبهها. ف»المربية» قد تستحيل وحشاً كاسراً يفترس الأطفال ويسرق حتى أحلامهم الندية. و»الحضانة» غربة ووجع وصدمة وساحة لممارسة الإجرام وتنفيس العقد النفسية.
انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي قصة مؤلمة هزت المجتمع اللبناني. إنها حكاية عنف لفظي وجسدي لا يمكن تصورها. فقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمربية تدعى جني الحلو خوري، تعمل في حضانة وهي تعنف أطفالاً لم تتعد أعمارهم الأشهر القليلة. ضرب على الرأس وطريقة وحشية في إطعامهم: تدفع الطعام بالقوة في أفواههم، ثم تخبطهم على أفواههم كي يبتلعوه غير آبهة باختناقهم.
لقد سربت الفيديو عاملة النظافة التي صورت الحادثة بشكل سري فوصل إلى أهالي الأطفال المعنفين ليصابوا بالذهول والصدمة.
تقول إحدى الأمهات لمراسلة قناة «أم تي في»: جاءني اتصال من أحد الأشخاص، وطلب مني أن نلتقي، مؤكداً أن هناك فيديو لابني البالغ من العمر سنة وشهرين وهو يُضرب على رأسه. هكذا قدم أهالي الأطفال شكوى جماعية للجهات القانونية المسؤولة، تم على أثرها قفل الحضانة بالشمع الأحمر.
لا أعرف كيف تلقت الأمهات خبر تعنيف أطفالها، ولا كيف تمكنتّ من مشاهدة الفيديو. ولكن من المؤكد أنهن يحتجن إلى زمن طويل ليتخطين بشاعة الواقعة وللتخلص من رواسبها.
نتمنى من القضاء اللبناني غير الحزبي «أو ما بقي منه» أن تلقى المعتدية، وكل من ساندها أو تكتم على أفعالها أشد العقوبات وأقساها. ونأمل أن لا تكون «المربية» جنى الحلو محسوبة على التيارات السياسية المشاركة في لبنان لتنال محاكمة عادلة ترد شيئا من الاعتبار لأهالي الأطفال.