الكبتاغون الممانع في مواجهة خمور أمريكا وتبغها.. المسموح والممنوع في تناول الشخصية الخليجية
بيدر ميديا.."
الكبتاغون الممانع في مواجهة خمور أمريكا وتبغها.. المسموح والممنوع في تناول الشخصية الخليجية
حظيتُ بتغريدة لأكاديمي ومثقف ممانع، دوّختني أول الأمر، فمن دون مناسبة واضحة، أو سياق، يتساءل الرجل: «السؤال هو: هل أن الكبتاغون من بلادنا يُشكِّل خطراً أكبر من خطر التبغ والكحول التي (المفروض: اللذين) تصدّرها أمريكا للعالم أجمع. ومن دون أي وعظ أخلاقي من أحد حول مضار ما تصدِّره؟» . سؤال مدوّخ، لا لأنه فقط من دون سياق، مع أنه مكتوب كما لو أنه يتابع حواراً مع كائن ما، بل لصعوبة التأكد إن كان الرجل، الذي ظهر في أحايين كثيرة كمحلل إستراتيجي على شاشات مرموقة، يمزح أم أنه يغرد جاداً! يصعب أن يحزر المرء حقاً إلى أين يمكن أن يصل المثقف الممانع، الغارق إلى أبعد حدّ في التزوير والكذب والإنكار. تغريدته هنا هي أشبه بدفاع وتسويغ لصناعة الكبتاغون السورية، مع امتداداتها في البقاع اللبناني وجرود بعلبك، ولا نستبعد أن يأتي ذلك اليوم الذي يدافع فيه مباشرة عن المصنع، من دون مداورة كما في التغريدة أعلاه. وعلى أي حال يظل الدفاع عن الكبتاغون أهون من الدفاع عن القتل المباشر والاغتيال وارتكاب المجزرة، والممانع لم يقصّر في كل ذلك.
كل الأسلحة تهون في سبيل قضية الممانع. وهي هنا فلسطين في الظاهر، قضيته المزعومة، التي ارتكب باسمها أفظع الشرور، بما فيها التحالف مع الشيطان الأكبر نفسه.
ستتأكد أن «الفيلسوف» المتذاكي في منتهى الجدية عندما ترى مثابرته بالعزف بتغريدات رديفة متلاحقة، فهذه واحدة يقول فيها: «طبعاً أمريكا لا تهتم هي والدول الأوروبيّة بشنّ حملات ضد الكحوليّة لأن عائدات أرباح الكحول لها» ، وصولاً إلى تغريدته، النصيحة: «نصيحتي من أصدقاء وأقربين عانوا الأمرّين؛ الكحول والهيروين أخطر ما يمكن أن يدخل الجسم من إدمان» .
نصيحة الفيلسوف الكاليفورني (الساكن في كاليفورنيا) لا تبحث في مضار الكبتاغون، فما دام هذا يستعمل في الدفاع عن قضية، فله المجد والسؤدد، فكل الأسلحة مشروعة لمقارعة الشيطان الأكبر. كل الأسلحة تهون في سبيل قضية الممانع. وهي هنا فلسطين في الظاهر، قضيته المزعومة، التي ارتكب باسمها أفظع الشرور، بما فيها التحالف مع الشيطان الأكبر نفسه عندما تسمح الظروف، عندما يسمح الشيطان نفسه. وبالمناسبة؛ مفهوم تماماً كيف أن فلسطين قضيته وحده، والرجل وضع تغريدة في الأعلى لا تتزحزح: «الساكت عن فلسطين صهيوني ناطق» . (وأصلاً يا لها من عبارة). تعتقد أن المثقف الممانع نمط، فأنت عادة تعرف ملامحه وطباعه وإلى أين يمكن أن يصل. سرعان ما تجد أن هذا الاعتقاد محض وهم. فصحيح أنه نمط، ولكن لن تعرف أبداً إلى أين يمكن أن يصل، من كان يتخيل أن يدافع أكاديمي عن مصنع الكبتاغون، صراحة أو مداورة! في وقت كنا نتخيل انكشاف تلك الصناعة حجتنا الدامغة والأخيرة على نظام الممانعة.
رَجُل بِرَجُل
حذفت «الخطوط الجوية السعودية»، حسب برنامج «تريندنغ» على «بي بي سي» ، إعلاناً ترويجياً لخدماتها بعد اعتراضات شتى. في الإعلان يظهر المؤثر السنغالي خابي لام ليشرح لشخص سعودي، كما يبدو من لباسه، خاصية جديدة لطلب وجبة الطعام على اللوح الإلكتروني المعلق أمام الراكب. لم يقبل سعوديون أن يظهر مواطنهم، ولو على سبيل الإعلان، أو التمثيل، غير عارف، بل إن أحد المعلقين يقترح، وبكل صلافة، أن تبادلاً للأدوار بين السنغالي والسعودي سيحظى بنجاح كبير، أي أن الشاب الأسود، خابي لام، وهذا هو اسمه، يستحق أن يبدو غير عارف (وهذه بالطبع كلمة ملطفة لما نتخيله من تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي). شركة الطيران حذفت الإعلان، واستبدلته بما تعتقده حلاً وسطاً، إذ جاءت بشخص آسيوي الملامح ليكون هو، هذه المرة، وسيلة الإيضاح. اللافت، بالنسبة لي، أن الـ «بي بي سي» تركتْ هذا الاستبدال من دون تعليق، وكأن الآسيوي يستحق ما لم يقبله المواطن السعودي على نفسه، وبالطبع في الأساس لا يمكن أن نرى في الإعلان الأول أي انتقاص من المواطن السعودي، لكن ما دامت الشركة قد اقتنعت بذلك فلا بد أنها وجدت في الآسيوي هدفاً سهلاً لن يستفز أحداً.
لم يقبل سعوديون أن يظهر مواطنهم، ولو على سبيل الإعلان، أو التمثيل، غير عارف.
صورة نمطية؟
لا ندري أي مصادفة أن نعثر على فيديو مجاور للفيديو المشار إليه أعلاه، يكاد يبدو مكَمِّلاً له، مع أن أحداثه تجري في الإمارات، إذ يدخل شاب آسيوي، مرتدياً ملابس إماراتية، وقناعاً طبياً يخفي وجهه، على متجر سيارات في الإمارات، وعلى ما يَظهَر يتصرف كثري إماراتي، يتعالى على موظفي المتجر، من دون أن يرتكب جرماً يُذكَر يعاقب عليه القانون.
لكن، على ما تقول «بي بي سي» أوقف الشاب الآسيوي، وأصدرت النيابة العامة الإماراتية بياناً قالت فيه إنه أوقف بسبب: «استخدام الشبكة المعلوماتية في بث دعايات مثيرة من شأنها إثارة الرأي العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة». وتضيف: «نشر محتوى لا يتوافق مع معايير المحتوى الإعلامي، ويسيء إلى المجتمع الإماراتي. إنها طريقة تفصح عن السفه، وعدم تقدير قيمة المال، على نحو من شأنه الترويج لصورة ذهنية خاطئة ومسيئة عن مواطني الدولة». الفيديو ثقيل الظل، لكن ليس أكثر من ذلك، ولا شيء فيه يستحق العقوبة ولا السجن. لسنا بصدد مناقشة الصورة النمطية للخليجي في العالم، أو في أذهان شعوب عربية أخرى، لكن ما من إساءة في تصوير هذه النمطية، ولا سفه، ولا قلة تقدير للمال. إلى هذا الحد لا يتحمّل النائب الإماراتي العام المزاح!