لنلقِ نظرة أكثر تبسيطا على هذه الظواهر اللغوية مستعينين بكتاب الراحل هادي العلوي في كتابه ” المعجم العربي المعاصر – المقدمة/ ص22″:
الإمالة: هو الميل عند نطق الفتحة إلى كسرة، والألف إلى الياء. ونصَّ عليها الخليل في كتابه “العين” وقال إنها تعم الألف والواو والياء. وذكر ابن قتيبة وقوعها في “متى” و “بلى” وقال إن الإمالة فيهما أفصح ولهذا كتبتا بالألف المقصورة. وهذا هو لفظهما في العاميات العربية المعاصرة كما في بيت الحداء الديني الذي يقول: (يا مِتىَ يظهر الغايب يا مِتىَ). وفي كلمة “بلى” تكون الإمالة أكثر وضوحا فيقال وفي العراق “بلي” وفي لبنان تكون أخف بين الكسرة والياء بلىَ”. وقد انتقلت هذه اللفظة بلفظها المُمال ومعناها في الإجابة على السؤال المنفي إلى اللغة الإسبانية المعاصرة وهي من رواسب العربية هناك.
ويميل اللبنانيون والتونسيون إلى إمالة الألف حتى تكاد تلامس الياء وهذه ظاهرة قديمة كما يبدو إذ أوردها الزمخشري وذكر عليها مثالا هو: عماد.
الاختزال: وهو قديم في اللغة العربية وفي العاميات ومن امثلته:
مشا الله – ما شاء الله
أيش – أي شيء.
وقد رصد عهد فاضل ورود الاختزال في بعض مواضع التراث ومن ذلك: “إيش” و”أيش” في تاريخ الطبري، فنقرأ “وقال: إيش صناعتك؟ قال: نجار”. وأيضاً: “كم قتيل قد رأينا ما سألناه لأيش؟”. وهنا: “أيش تمشون؟”. وهنا: “أيش ظن العبدي؟ وفي كتاب الواحدي الشهير “شرح ديوان المتنبي” ذكر الكلمة فقال: “لأنه لا يعلم إيش الداء”. و: “بأيش يداوي؟”. واستعملها ابن خلكان في “وفيات الأعيان” كثيراً، فترد مثلاً، على هذا الشكل: “فإذا هو لا يدري الحديث أيش هو!”. وهنا: “وأيش أقول؟”. وكذلك: “أيش خبرك؟ فقال بخير”. وهنا: “ويحك.. إيش عملت؟”. وهنا: “أيش في المرأة الحسناء يشبه الظبية؟”. و”أيش هذا يا شيخ؟” فاضل عهد –مقالة بعنوان ” كلمة عربية عامية فرضت نفسها…”.
معليهش ومعليش = ما عليه شيء.
هالساعة وهسع وهسَّ في العاميات – وتعني هذه الساعة.
الإدغام: وهو قريب من الاختزال ومتكامل معه ومن أمثلته:
بلقاسم = أبو القاسم في الجزائر المعاصرة أو بني القاسم في غيرها.
ووردت في الشعر القديم
تقول إذا أهلكت مالاً للذةٍ ……. فكيهة هشيٌ بكفيك لائق
هشيء = هل بشيء.
وكقول الفرزدق:
هلنتم عائجون بنا لَعنّا ….. نرى العرصاتِ أو أثر الخيامِ
هلنتم =هل أنتم
لعنا = لعلنا
عنعنة تميم: وهي إدال الهمزة عيناً ويقصرها بعض اللغويين على الهمزة المبدوء بهاكقولهم : عنتَ – أنتَ. وغالبا ما تون في وسط الكلمة وأخيرها فيقال: سعال – سؤال. ويسأل يسعل. وفي العراق يقولون لع ويريدون لا..
إبدال الذال دالا: في العامية المصرية والسورية كقولهم دهب –أي ذهب. وجدع أي جذع للغلام.
إبدال الواو ياء: حيث يجعل العامة الواو في نهاية الفعل المعتل واواً كقولهم: دعيت أي دعوت وشكيت أي شكوت. وهذا مسموح لدى القدماء كما يبدو حيث نظم ابن مالك قصيدة جمع فيها الأفعال التي تقال بالواو والياء معا.
تخفيف الهمزة أو حذفها أو إبدالها: ونجد ذلك في معظم اللهجات العامية العربية. فالهمزة الوسطية تمد عادة إلى حركة الحرف الذي يسبقها فيقال:
راس أي رأس، وبير أي بئر. ويبقى هذا الإبدال في حالة جمع هذه الكلمات فيقال: روس وبيار. وورد هذا الجمع في نصوص قيمة ومنها هذا البيت لعروة بن الزبير:
صار الأسافلُ بعد الذل أسنمةً ……. وصارت الروسُ بعد العزِّ أذنابا
وهناك إبدال الهمزة إلى ياء فنجده في لهجة أهل الحجاز وأهل العراق فهم يقولون: بدينا أي بدأنا.. وورد قديما قولهم يجوون أي يجيئون.
إبدال الثاء تاء: ويكثر في العاميتين المصرية والسورية كقولهم تلاتة أي ثىثة، وتامر أي ثامر، وتاني أي ثاني.
وهذا الإبدال قال به الأصمعي من القدماء.
والاستنطاء: أي إبدال العين الساكنة نونا ومنه قولهم ينطي بدل يعطي وورد ذلك في حديث نبوي.
فالفعل أنطى بمعنى “أعطى” المستعمل في اللهجة العراقية واللهجات الخليجية فعل فصيح. وراه بسنده ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج:11 ص:64 ونصه؛ “بسم الله الرحمن الرحيم … هذا ما أنطى محمد رسول الله تميم الداري وأصحابه وفيه وشهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان”.
وأنطى لغة يمانية في أعطى وهي شائعة في العراق وفي بعض أنحاء بلاد الشام والجزيرة العربية.
إبدال القاف همزة:
ويقول العلوي إنه لم يجد له أصلا وسكت عنه الباحثون الآخرون ولكن وجوده في لهجتي مصر وسوريا يوحي بأن له مرجعا واحدا في اللهجات القديمة.
إبدال القاف والغين، والغين قاف في العراق والخليج فهم يقولون غاسم يريدون قاسم، وإبدال معاكس لهذا فيقولون قراب ويريدون غراب.
إبدال اللام نونا كما في قولهم اشنون في اشلون في العراق، ومنيح أي مليح في سوريا.
وهناك إبدال نادر هو إبدال القاف كاف والمعتاد ان تبدل القاف الفصيحة الى قاف حميرية “جيم قاهرية” ولكننا نجدها تبدل إلى كاف في العراق وفلسطين وفي غزة تحديدا فيقال وكت أي وقت، وكتل من قتل. وجاء في لحن العوام للزبيدي أن هذا الإبدال وجد في الأندلس فيقولون “استكتل” في الأمر إذا جد فيه أي استقتل.
الإبدال بين السين والصاد: ويميز إبراهيم أنيس في كتابه “الأصوات اللغوية” بين السين ويعتبرها أقرب إلى الحضارة ونطق أهل المدن والصاد إذا جاورتها بعض الأصوات المفخمة ويعتبرها أقرب الى البداوة. ومن أمثلة هذا الإبدال: سراط وصراط، سخر لكم – صخر لكم، ويوجد هذا الإبدال في العراق كقولهم صخل يريدون سخل والصخي أي السخي ويفصخ أي يفسخ وصدارة أي سدارة.
ظاهرة كشكشة ربيعة:
الكَشْكَشَةُ هي لغة (لهجة) لربِيعة، وفي الصحاح: لبني أَسد، يجعلون الشين مكان الكاف، وذلك في المؤَنث خاصة، فيقولون عَلَيْشِ ومِنْشِ وبِشِ؛ وينشدون:
فَعَيناشِ عَيْناها، وجِيدُشِ جِيدُها….. ولكنَّ عظمَ الساقِ مِنْشِ رَقِيقُ.
وأَنشد أَيضاً:
تَضْحَكُ مني أَن رأَتني أَحْتَرِشْ….. لو حَرَشْتِ لكشَفْتُ عن حِرِش
ومنهم من يزيد الشين بعد الكاف فيقول: عَلَيكِشْ وإِليكِشْ وبِكِشْ ومِنْكِشْ، وذلك في الوقف خاصة، وإِنما هذا لِتَبِين كسرةُ الكاف فيؤَكد التأْنيث، وذلك لأَن الكسرة الدالة على التأْنيث فيها تَخْفى في الوقف فاحتاطوا للبيان بأَن أَبْدلُوها شيناً، فإِذا وصَلوا حذفوا لِبَيان الحركة، ومنهم من يُجْري الوصل مُجْرى الوقف فيبدل فيه أَيضاً؛ وأَنشدوا للمجنون:
فعيناش عيناها….. وجِيدُشِ جِيدُها.
قال ابن سيده: قال ابن جني وقرأْت على أَبي بكر محمد بن الحسن عن أَبي العباس أَحمد بن يحيى لبعضهم:
عَلَيَّ فيما أَبْتَغِي أَبْـغِـيشِ،
بَيْضاء تُرْضِيني ولا تَرْضيشِ
وتَطَّبِي وُدَّ بـنـي أَبِـيشِ،
إِذا دَنَوْتِ جَعَلَـت تَـنْـئّيشِ
وإِن نَأَيْتِ جَعَلَتْ تُـدْنـيشِ،
وإِن تَكَلَّمْتِ حَثَتْ في فِيشِ،
حتى تَنِقِّي كنَقِـيقِ الـدِّيشِ.
أَبْدَل كاف المؤَنث شِيناً في كل ذلك، وشبَّه كاف الدِّيكِ لكسرتِها بكاف المؤنث، وربما زادوا على الكاف في الوقف شيناً حِرْصاً على البيان أَيضاً، قالوا: مررت بِكِشْ وأَعْطَيْتُكِشْ، فإِذا وصلوا حذفوا الجميع، وربما أَلحَقُوا الشينَ فيه أَيضاً.
وفي حديث معاوية: تَيَاسَرُوا عن كَشْكَشةِ تميمٍ أَي إِبدالِهم الشين من كاف الخطاب مع المؤنث فيقولون: أَبُوشِ وأُمُّشِ، وزادُوا على الكاف شيناً في الوقف فقالوا: مررت بكِشْ، كما تفعل تميم. مادة الكاف / لسان العرب) … يتبع. ابتدءا من الجزء القادم سنبدأ بنشر معجم مفردات من اللهجة العراقية التي اعتبرها الكاتب قيس مغشغش السعدي مندائية وهي عربية فصيحة أو أن تخريجاته ضعيفة وعشوائية…يتبع.